أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يدرالدين القاسمي - العلمانية والديمقراطية والاسلام















المزيد.....

العلمانية والديمقراطية والاسلام


يدرالدين القاسمي

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 10:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تفهم العِلمانية اليوم من قبل شريحة مهمة من المجتمع على أنها ضد الدين، وتسعى الى محو كل ما له صلة بالتراث والموروث الديني، واجتثاث منظومة القيم الدينية من جذورها، وهذا راجع بالأساس الى الحملة التكفيرية التي شنها التيار الاسلاموي على دعاة العلمانيين بقرنهم بالإلحاد وتأسيس فهم تاريخي سيء لها على مدى عقود، اي انطلاقا من النهضة العربية المتأثرة بمضامين فلسفة فكر الانوار والعقلانية و الحداثة الأوروبية، وحتى اليوم.
وكمحاولة منا لنفظ الغبار عن المفهوم والتأريخ له، سنسعى من خلال هذا المقال المتواضع اعتماد الايجاز بالارتكاز على الاشكاليات الاتية:
• ما معنى العلمانية كمفهوم فكري؟
• ما موقف العلمانية من الدين؟
• هل نضجت الشروط الموضوعية لقيام مجتمع علماني في العالم العربي؟
• كيف يمكننا القول أن سبب الاختلاف بين العلمانية والاسلام يكمن في كون ان الاولى رؤية حداثية مستقبلية، والثانية ذات مرجعية فكرية تجد في مجد الماضي عزاءا لها؟
• وبأي معنى يمكننا القول أن القران صالح لكل زمان ومكان؟ ألا يعرف الدين دينامية تتماشى مع ما يعرفه المجتمع من تطور؟
• هل هناك ترابط عضوي بين العلمانية والديمقراطية؟

الاكيد في الامر، أن العلمانية كخطاب تأثرت بسيرورة تاريخية ورؤية سياسية، جعلت منه مفهوما متشبعا بمجموعة من الخطابات الاصلاحية منها والفلسفية ونتاجا لصراع فكري، فمن جهة ورغم عسر التأريخ للمفهوم، يمكننا المراهنة أن العلمانية في صيغتها الحديثة، ترجع ارهاصتها الاولية الى فترة الاصلاح الديني الذي قاده كل من مارتن لوثر(1483-1546) وجون كالفن() بانتقادهما الممارسات اللأخلاقية التي تبنتها الكنيسة مبتعدتا عن جوهر الدين، محاولين اعطاءه بعدا عقلانيا يتنافى مع التشبث النصي الكنسي، والى نشأة الحركة الانسية المدافعة عن كرامة وحرية الانسان في التفكير الحر على يد ايرازم(1469-1526) وفرانسوا رابليه(1494-1553) خلال مطلع القرن السادس عشر ونظرية غاليلي في مركزية الشمس في الكون التي أحدثت زعزعة في مصداقية الكتاب المقدس والدوغمائية اللاهوتية. أي أنه قبل هاته الفترة كان العلم في خدمة الكنيسة بحدود يقررها الايمان.
وتبلور هذا المفهوم في كنف الفلسفة العقلانية التي تأسست على اخضاع المعطيات للمنهج العقلاني والبرهنة على جميع أفكارنا بالتجربة وتفنيد نظرية الافكار الفطرية . كما أن العلمانية بنيت على قاعدة ليبرالية تغذت على الافكار الثورية للمتنورين أمثال فولتير (1694-1778)ودلامبير (1717-1783)وروسو(1712-1778) ومونتسكيو(1689-1755) الداعين للدفاع عن الحرية والمساواة وعن التسامح والمواطنة واقرار العدالة الاجتماعية وفصل السلط.
ومنه، فانه يمكننا الجزم أن العلمانية لم تكن يوما ضد الدين بل هي في خدمته بعملها على عدم المس بحرمته، لكنها ضد الدولة الدينية وضد الاتجار به بما يتناسب مع تحقيق المصالح الشخصية. كما أنها فلسفة تحررية ودعوة تجديدية شاملة لا يمكن فصلها عن مجالات الاخرى تسعى للانخراط في الحداثة عبر فصل الروحي عن الزمني بحيث لا تطغو سلطة الديني على المدني واخضاع قضايا الحياة المجتمعية والتدبير السياسي والاقتصادي لمنطق العقل والعلم، والتوكيد على وحدة الشعوب على قاعدتي الحرية والمساواة واحترام حقوق الانسان.
اذن|، هناك فرصة للتعايش بين العلمانية والدين، بما أنها ليست معادية له، حيث انها واعية بأهميته في قيام الحضارة واتزانها لذا لا يمكنها الاستغناء عنه للدور الذي يلعبه في الحفاظ على القيم الاجتماعية والاخلاقية، انما ترفض ان تمنح الدولة نفسها سلطة تحديد ديانة معينة، اذ ستتجه حرية الاشخاص للمضايقة وتقليص فرص تعدد الاديان والعقائد والثقافات داخل المجتمع الواحد، وتصبح المسافة ما بين المقدس والمدنس ضيقة بل ومنعدمة، فالدين حسبها مسألة شخصية، كما تقتضي أنه لا يجب ان تتضمن الدساتير اي بعد ديني في تقرير مصير الافراد.
أما فيما يخص العلمانية في العالم العربي فقد تزامنت مع البعثات الطلابية التي تم ارسالها الى الجامعات الاوروبية خلال المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد انعكست بدرجات متفاوتة في كتابات المفكرين العرب ابتداء من الطهطاوي إلى فرح أنطون (1877-1922) وطه حسين (1889-1973) والكواكبي(1855-1902) وغيرهم من الذي تأثروا بالحداثة الغربية، حيث عملوا على تحرير إرادة الانسان العربي ليعي أنه صانع تاريخه, وبالتالي فهو مسئول عن اختياره وتقرير مصيره، كما دعوا الى ازالة طابع القداسة عن الحكم, فالسلطة شأن إنساني دنيوي لا علاقة له بالسماء، ايضا في نظرهم لا يمكن الحديث عن الحداثة دون تخليص الانسان من الميتافيزيقيات والمسلمات. الا أنه عموما تم التغني بها فقط كثقافة أما كتطبيق على ارض الواقع فلم يتحقق منها غير القليل ولفترة قصيرة من الزمن، فقد أجهضت بفعل ضعف خطابها من جهة، وبفعل تصدي التيار الاسلاموي لها بقوة بتآمره مع الحكومات العربية بما يضمن مصالحها. حيث انه حسب بعض المفكرين الاسلامويين المحافظين، لا يمكن البتة اسقاط التجربة العلمانية وتطبيقها في العالم العربي بمعزل عن الظروف التاريخية التي نشأت فيها، فالمجتمع العربي الاسلامي لم يعرف يوما ظاهرة الكهنوت والتراتبية الكنسية.
ان الاسلام في عمقه يتقاطع مع العلمانية في جملة من المحطات، فهو يحترم العقل ويحض على اعماله في شؤون الدنيا، وينبذ الظلم ويعتبر الناس سواسية كما يسلم بالقيمة المطلقة للحرية ، ليس هذا فقط بل ان الاسلام نفسه ينبذ الدولة الديني، واذا ما قاربناه كنص مستقل عن كل المعطيات السوسيوثقافية، نجده متينا بالمقارنة مع الاديان السماوية ونقصد اليهودية والمسيحية ، وهذا لا يسقط عنه فكرة تناقض بعض من شرائعه المستنبطة من مواقف يومية عاشها الناس أيام الرسول، أما اذا قاربناه تاريخانيا فان الامة الاسلامية في مراحل من تاريخها اضطهدت الشعب واستبدت وظلمت وأعدمت واستغلت وقتلت باسم الدين، فالمأموم على سبيل المثال كان يفرض قوله على الناس بالجدال ثم بالإكراه الجسدي، أما اليوم فالأمر أسوء رغم ما عرفه الواقع العربي من حِركات اجتماعية، الا أن الحكومات العربية مازالت تزور الحقائق وتعطل القوانين ومواد الدستور وتظلل الرأي العام ناهيك عن الفساد المالي والسياسي واستفحال الفوضى وانعدام المسؤولية في ظل غياب المحاسبة. وفي نظرنا نجد أن العيب ليس في الدين بقدر ما يكمن فيما تعلق به من تراكمات سوسيوتاريخية ألحقت به السوء، ونتيجة لذلك غدا الخطاب الديني في ظل المجتمع الحداثي ضعيفا تعوزه الحجج والادلة المنطقية، فنجد ان حل الازمة السياسية بالنسبة للفقهاء المسلمين يكمن في الرجوع للسلف الصالح بمعنى يجدون عزاءهم في الماضي .وهكذا ظلت منظومة القيم السياسية مقيدة بجملة من المعطيات ذات المرجعية التقليدية متغاضيتا الانفتاح على مستجدات الفكر الغربي.

الا أنه كما سلف وذكرنا فصل الدين عن الدولة ليس الا ركيزة من ركائز المشروع العلماني، وفي نظرنا التجربة العلمانية صالحة لكل مجتمع يعيش استبدادا سياسيا وظلما اجتماعيا واضطهادا فكريا وخناقا على الحريات العامة، لكن الارضية العربية ليست خصبة كفاية لاحتواء المشروع العِلماني فالشروط الموضوعية لم تنضج بعد، وأي محاولة لإقرارها ستؤوب بالفشل خصوصا وأن العالم العربي يعيش أزمة عقل.
وكخطوات اجرائية فإننا نؤمن بفكرة تنزيل مضامين العلمانية بشكل عمودي تدرجي من خلال قيام ثورة فكرية تهدف الى محو الامية والجهل وتحترم حرية التعبير، وتجديد الفكر الديني بما يتماشى مع معطيات الزمان والمكان والقيم الجديدة المتغنية بحقوق الانسان والديمقراطية ودولة الحق والقانون، بالإضافة الى تمتين العلمانية بخطاب أخلاقي، وترسيخ فكرة كون العلمانية ليست نقاشا دينيا بل هي برنامج اجتماعي وسياسي وثقافي، وتوعية المجتمع بان الدين مسألة تتعلق بالفرد. بالإضافة أنه لا يمكن نجاح هذه التجربة الا اذا استبقت بنقلة اجتماعية تؤدي الى وضع تسود فيه العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي والتقدم العلمي.
هذا و نعتبر انه لا توجد علاقة عضوية بين العلمانية والديمقراطية ، الا انهما متكاملان اذ بتحقق احدهما يتحقق الاخر، فالمجتمع الديمقراطي ضمنيا هو مجتمع علماني، والديمقراطية شرط أساسي تسمو به العلمانية. لكن لا يمكننا الجزم أنهما حل سحري لمشكلاتنا السياسية والاجتماعية فتطبقهما في الضفة الاخرى اظهر انتهاك مبادئها، ورغم ذلك فهما يعدا اليوم الخيار الأفضل نحو مجتمع أمن يعيش في سلم وسلام يعي حقوقه وكيفية الدفاع عن مكتسباته.
وفي الاخير فالعِلمانية كما ذكرنا مسبقا هي امتداد للتيار العقلاني الذي احدث قطيعة ابستمولوجية مع الممارسات السكولاستيكية وامتداد لفكر حركة التنوير المؤمنة بسلطة العقل، كما أنها ليست نقاشا دينيا بل برنامجا شموليا يهتم بكل مناحي الحياة منها الاجتماعية والسياسية والثقافية. أما مسألة احتضانها من قبل المجتمعات العربية فقد غدت ضرورة بل حتمية تاريخية لكن يلزمها تنوير وتحديث وتثقيف هاته المجتمعات.

بدرالدين القاسمي، كلية الآداب والعلوم الانسانية-جامعة مولاي اسماعيل-مكناس.



#يدرالدين_القاسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يدرالدين القاسمي - العلمانية والديمقراطية والاسلام