أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - درهم مَلَكي .. و 12 رغيف خُبز














المزيد.....

درهم مَلَكي .. و 12 رغيف خُبز


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 10:29
المحور: سيرة ذاتية
    



بعد ما حدثَ في يوم 14 تموز 1958 المجيد ، تم استبدال العُمْلَة " الملَكِيّة " بعُمْلَة " جمهوريّة " .
وفي صبيحة واحدٍ من تلك الأيام المباركة ، أرسلني أهلي لشراء أرغفة خبز " الأعاشة " ( المدعومة من الحكومة ، والزهيدة الثمن ) من مخابز كانت مُخصصّة لهذا الغرض .. وبيدي دِرْهِم " مَلَكي " واحد لا غير .
يبدوا انّ اهلي لم يكونوا على علمٍ بنفاد وقت استبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة .. أو انّهم لم يكونوا يملكون درهما آخر غيره في ذلك اليوم .
انطلقتُ راكِضاً من محلة " الشيخ علي " .. نحو أقرب مخبزٍ لـ " الأعاشة " كان يقعُ على اطراف " سوق حمادة " من جهة " الفحّامة " .
وعندما وصلتُ لاهثاً إلى المخبز ، وجدتُ طابوراً ضخماً من النساء والرجال والأطفال ، وهم يتدافعون بالمناكب ، وبالأطراف السفلى والعليا ( وبأشياء أخرى ) ، بهدف الوصول إلى " فتحة " استلام الخبز ، التي تقع وسط باب المخبز ، المدعوم بقضبانٍ من الحديد المُشَبّك .
كنتُ نحيفاً جداً . وعُمري سبع سنوات . وأسمر غامق . ولابِسْ دشداشة " بازة " مُقَلّمَة .. و" شكولاتي " عموماً .. تبَجّي الصخر .
وبعد قتالٍ شَرِس ، وصلتُ إلى مُقدّمة " الصَوْلَة " .
مدَدْتُ كفّي الأيمن ، المضموم بكل قهر الدنيا على درهمي المَلكيّ ، نحو بائع الخبز .. و كأنّني أمُدّها إلى الله ، بعد وصولي إلى " البُرزُخ " .
كنتُ اعتقدُ أنّني قد " أنجزتُ المُهمّة " الأولى ، وإنّني على وشك تحقيق "الصفحة التالية " من " أجندة " النصر المبين . وكانت الصفحة التالية تتضمنُ عودتي سالماً إلى البيت بـ 12 " كَرْصَة " خُبز ( حار، ومكَسّبْ ، ورخيص .. لأنّ سعر الكَرْصَة الواحدة كان 4 فلوس فقط لا غير)..ومن ثمّ وضع " كِتْلي " الماء على الفوهة الناريّة لـ " البريمز " الهادر .. ثم صبّ الماء على الشاي في " القوري " .. ثمّ وضع " القوري " على " اللَمْبَةَ " الوديعة .. لكي " يخدر " الشاي السيلاني " الوحيد " .. حيث لم يكن لدينا يومها لا شاي أحمد .. ولا شاي الوزّة .. ولا شاي محمود .
ولأنّني " من عُمري سبع سنين .. وكَليبي مهضوم " ( كما كانت تقولُ الأغنيةُ البغداديّة الشائعةُ آنذاك ) .. لم اتمكن من تحقيق حلمي بهذه السهولة " المُتَخَيّلَة " . فقد رمى صاحب المخبز الدرهم الملكيّ في وجهي قائلاً : هذا الدرهم " ملَكي " . والدرهم الجمهوري صارله شهر بالسوك .. وإحنه بعد منبيع إلاّ " بفلوس " جمهوريّة . روح جيب درهم جمهوري ، و تعال " اتزَقْنَب " خُبز .
كانت هذه هي أولّ خيباتي في النظام الجمهوري " الوليد " .
ولكن ، كلّ شيءٍ كان مُمكن الحدوث بالنسبة لي .. باستثناء انسحابي " التكتيكي " من أول معارك المصير التي خضتها في النظام " الجديد " . لقد كنتُ ( حتّى تلك اللحظة " المفصليّة " في تاريخ العراق الحديث ) قد خضتُ نضالاً شرِساً ، وصراعاَ طبقياً " واعياً " ، وتمكنتُ من الوصول إلى " البنية الفوقية " للمخبز " الوطني ، الواقع على اطراف سوق حمادة ، في الكرخ القديمة " الباسلة . ولم يكن من السهل التراجع عن جميع هذه المكاسب " الثوريّة " الهائلة .. بسبب هجومٍ مُضاد ، و مُفاجيء ، شنّهُ صاحب المخبز عليّ .
و بـ " وسامتي " تلك . بسمرتي الغامقة ، وجسمي " المْصَلْوِعْ " ، والسبع سنينٍ العجاف .. كُمِتْ أبجي بصوت عالي ، تكَول صوت أرامل " مستجِدّاتْ " .. وآني بعَدْني " امْعَرّتْ " بالشيش طبعاً .. وقرّرَتْ ما أهدّه ، لو يجي " الزعيم " بـ " زرّه " .
الظاهر الناس إنقهرَتْ عليّه .. وكُلهَه كَامَتْ تصيح بأبو المخبز :عمّي خطيّة . ما عنده غيرهالدرهم المْصَخّم . أُخذَه منّه لخاطر الله .. ( وبعد كَالوا اشياء ، خلّتني أبْجي بالزايد ) .
أبو المخبز زِهَك . وكَال : دجيب الدرهم يا وجه البومة .. وبعد لتجي إلاّ بدرهم جمهوري ، و عود ابجي إلى ان تموتْ ، ودا أشوف يا " كَوّاد ابن كَوّاد " ينطيك خُبز ) .
وإنطاني الخبز. وسِكَتِتْ فوراً. تكَول " دُكَمة " وطَفّتْ كُلْشي . ورجعتْ للبيت. وسوّيتْ جاي عـ " البْريمِزْ ". ونِمِتْ بصفّ " اللمبة " إلى أن " خِدَرْ " الجاي .
ومن ذاك اليوم " الأبيض " .. لهذا اليوم " الأسود " أخوان .. هاي سالفة الدرهم الجمهوري ، مسوّيتلي عقدة نفسيّة من عملية " التغيير " .. بحيث كمِتْ أكره كلّ الثورات والأنقلابات والأنتفاضات .. اللي تخلّي الناس متاكل 12 " كَرْصَة " خُبِزْ .. حتّى وان كان لديها " دِرهمٌ " مَلَكيّ .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القلوب الكسيرة .. التي تلبطُ على الرمل
- بلادي التي تجور .. وأهلي الشحيحون .. و دولتي الفاشلة
- محكمة لتاريخ النفط ، والعائدات النفطية ، في العراق الحديث ( ...
- محكمة لتاريخ النفط .. في العراق الحديث
- عُصبة سبارتكوس .. في قيصريّة حنَش
- يمعودين شنو السالفة .. إنتو وين ؟
- كيف يكونُ العراقيُّ سعيداً .. في العراق
- عندما تتلف المعاملات .. لا معنى للعبادات
- النظام التعليمي في العراق ، وقرار - العبور - لطلبة المجموعة ...
- خام برنت .. المُبارَك
- عن الجنودُ الصائمين .. في تلك الحرب البعيدة
- العراقُ الذي .. لا يشبهُ شيئاً
- الأسكندر الذي يبكي .. على حافّة العالم
- عندما يمرُّ وجهُكِ بي
- الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب
- أبو نؤاس ، ومدفع الأفطار .. تحت جسر الجمهوريّة
- إمامُ الجامع .. و رمضان .. و برشلونة
- الحدّ الأدنى من اللغة
- الليلة الكبيرة .. التي نحنُ فيها الآن
- جاسميّة أمّ الكَيمر .. والدولار .. وقانون تناقص الغلّة


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - درهم مَلَكي .. و 12 رغيف خُبز