أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - ما القيمة؟















المزيد.....

ما القيمة؟


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 01:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما القيمة؟

يتعين في المقام الأول أن نفرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للكلمة. وبطبيعة الحال فإن ما ننشغل به في أبحاثنا الراهنة هو المعنى الاصطلاحي. فالقيمة هي خصيصة. هي مقولة مجردة/معنوية. هي صفة يكتسبها الناتج بمجرد احتواءه على هذا القدر أو ذاك من العمل البشري، أياً ما كانت طبيعته وأياً ما كان شكله. القيمة هي روح تسكن جسد الناتج. فكل ناتج بفضل العمل يكون له قيمة، كصفة مجردة، حتى إذ لم يكن معداً بالأساس للمبادلة. ولكي ينتقل الناتج من مرحلة أنه ذو قيمة فحسب إلى مرحلة قيمة المبادلة، أي من مرحلة الناتج غير المعد للتبادل إلى مرحلة السلعة المنتجة بقصد المبادلة، يشترط أن يكون نافعاً اجتماعياً، فإذ لم يكن نافعاً فهو لا يفقد قيمته، إنما فقط لا يكون له قيمة في المبادلة. ولذا، لا يستقيم تعريف أستاذي د. محمد دويدار للقيمة بأنها:"خصيصة اجتماعية في السلعة تجعلها محلاً للمبادلة". لأنه تعريف يخلط بين القيمة في ذاتها وبين شرط قيمة المبادلة، فطبيعة السلعة نفسها، أي مدى منفعتها، هي التي تجعل منها محلاً للمبادلة، وليس العمل المبذول في إنتاجها. فشرط القيمة هو العمل الضروري اجتماعياً المبذول في إنتاجها. أما شرط قيمة المبادلة، أي الشرط الذي يحدد هل للسلعة صلاحية/ قدرة على التبادل بسلعة أخرى أم لا فهو، كما سيقول ريكاردو، مدى منفعتها. وحينما نقول أن المنفعة هي شرط القيمة، فمن المتعين أن يكون المقصود هو أن منفعة السلعة هي التي تحدد قيمة مبادلتها، وليس قيمتها؛ فقد تحددت القيمة سلفاً بمجرد اتصال العمل الإنساني بموضوع العمل. والقيمة على هذا النحو تنقسم إلى: قيمة استعمال، والتي تعني قدرة/صلاحية الناتج لإشباع حاجة معينة. وقيمة مبادلة، التي تعني قدرة/صلاحية الناتج للمبادلة بسلعة أخرى. وهذه الصلاحية شرطها، كما ذكرنا، المنفعة، وتعتمد، وفقاً لريكاردو كذلك، على أمرين: مدى ندرة الناتج، وكمية العمل المبذول في إنتاجه. هنا يجب الوعي بالفارق بين القيمة في ذاتها والمظهر النقدي الذي تتخذه حين التداول، المعبر عنه باصطلاح الثمن. تحديداً ثمن السوق. كما يتعين الوعي بالفارق بين القيمة النسبية للسلعة، كنسبة بين قيميتين، وبين ثمنها الطبيعي المكون من مجموعة أثمان (الأجر، والربح، والريع، والفائدة). وأخيراً نفرق بين القيمة والثروة. فالثروة بالمعنى الواسع للكلمة، التي هي محل انشغال الاقتصاد السياسي، هي:"المنتجات المادية النافعة التي أنتجها العمل بالتعاون مع الطبيعة، وتتميز بقدر من الندرة". ومن ثم يستبعد الاقتصاد السياسي قوى الطبيعة، وكل ما هو غير مادي من حقل اهتمامه، وذلك من الأمور المبررة في القرن السابع عشر والثامن عشر، فلم يكن قطاع الخدمات ليحتل تلك المكانة المركزية في مجمل الهيكل الاقتصادي التي يحتلها في عالمنا المعاصر. ومن جهة أخرى، فالثروة تكون نافعة من خلال أمرين: إما أن تستعمل، وهنا تبدو قيمة الاستعمال، وإما أن تبادل. وحينما نكون بصدد التبادل تثور مسألتين أساسيتين: أولهما: ما هو الأساس الذي تتم وفقاً له عملية التبادل، أي ما هو منظم هذا التبادل. ثانيهما: ما هو المقياس الذي سيتم التبادل وفقاً له؟ ولسوف ينشغل الاقتصاد السياسي بتقديم الإجابات المختلفة على المسألتين. الثروة إذاً ليست، كما يقول د. دويدار:"مجموع ما يوجد تحت تصرف المجتمع من قيم استعمال... ومنتجات يعاد استخدامها في عملية الإنتاج". فأولاً: إن المعنى المقبول فهمه من هذا التعريف هو أننا بصدد إنتاج زراعي بسيط! محصول يستخدم جزء منه في الإشباع المباشر، والجزء الآخر، كبذور مثلاً، في سبيل تجديد الإنتاج الاجتماعي. ومن ثم نصبح أمام تعريف ما قبل رأسمالي للثروة! وابتداءً من الخلط، ثانياً، بين القيمة (الصفة/ الخصيصة/ المقولة المجردة) وشرط قيمة المبادلة (المنفعة) والقيمة النسبية (مقارنة بين نسبتين) يجرد التعريف المذكور جميع منتجات العالم ما قبل الرأسمالي من القيمة. على الرغم من أن القيمة تثبت للمنتج بمجرد اتصال العمل الإنساني به. فهب أن فلاحاً يزرع قمحاً بقصد الإشباع المباشر، ثم عن له مبادلته. فهل كان القمح في الفرض الأول بلا قيمة، ثم فجأة هبطت عليه القيمة حين أراد الفلاح مبادلته؟ ومن جهة أخرى فليس معنى أن الأوكسجين لم يكن معروفاً، علمياً، قبل لافوازييه أن العالم كان بدون الأوكسجين! وابتداءً من الخلطـ، ثالثاً، بين الثروة كمنتج غير معد للتبادل، كما في أوروبا القرون الوسطى. أي الثروة كمظهر مادي تتخذه القيمة، وبين المنتج كسلعة معدة للمبادلة مع النظام الرأسمالي. أي المنتج كمظهر مادي لقيمة المبادلة، يتم الانتصار، عبثاً، للمركزية الأوروبية التي تؤرخ للرأسمالية ابتداءً من تاريخها هي، وتسعى جاهدة لنفي ظاهرة القيمة عن جميع المجتمعات السابقة على هيمنة الرأسمال في أوروبا الغربية، ويتبدى ذلك بوضوح حينما نقرأ ما استكمل به د. دويدار تعريفه، وهو ذاته الذي حذر من الوقوع في المركزية الأوروبية!:"أما القيمة فهي ظاهرة مرتبطة بإنتاج المبادلة، وإنتاج المبادلة فقط، وتتمثل في خصيصة اجتماعية تجعل الناتج، الذي أصبح سلعة، قابلاً لأن يكون محلاً للمبادلة...". فقبل اقتصاد المبادلة إذاً، أي قبل النظام الرأسمالي ذي المركزية الأوروبية، لم تكن المنتجات سلعاً، ولم تكن بالتالي ذات قيمة! ولكننا نعرف أن حمورابي نظم أثمان (السلع)، وأن الحرفيين في مصر القديمة كانوا ينتجون (سلعاً من أجل السوق). كما أن المصانع السلطانية في القرن العاشر كانت تنتج من (أجل التصدير إلى السوق العالمية). ومن ثم لا بد وأن ثارت مشكلات القيمة. تحديدها. منظمها. مقياسها. ولكن حال الانشغال الفكري بالعديد من الظواهر الأكثر هيمنة على الصعيد الاجتماعي دون الانشغال ببحث تلك المشكلات التي ثارت بمناسبة النشاط الاقتصادي. ولكن، لأن المركزية الأوروبية تهيمن على علمنا؛ فالنتيجة هي: النظر إلى العالم ابتداءً من تاريخ أوروبا الاستعمارية! فلا رأسمالية قبل رأسمالية أوروبا الغربية، ومنتجات العالم بأسره هي منتجات مجردة من القيمة (خلطاً بين القيمة وقيمة المبادلة) لأن جميع منتجات العالم (الهمجي!) لم تعد من أجل التبادل! لم تعد من أجل السوق! لم تعد من أجل البيع والربح! والواقع أن منتجات أوروبا الغربية فقط هي التي كانت منتجات بهذه الأوصاف حين ساد الإقطاع، ومعه الظلام والجهل، أرجاء إمبراطورية شارلمان كما سترى روزا لوكسمبورج، ومن قبلها ماركس. وسوف نعالج هذه المسائل تفصيلاً بالمتن بعد قليل. على كل حال، إذ ما كان ذلك هو ما يخص القيمة من الجانب الاصطلاحي، فالقيمة لغة إنما وردت على نحو:"أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين درهماً ثمن يقول: بعه، فما زاد فهو لك، فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز. القيمة واحدة. والقيم، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء، والقيمة ثمن الشيء بالتقويم".ابن منظور، لسان العرب، ونفس المعنى لدى عبد الله البستاني، ونكاد نجد اتفاقاً بين القدماء من الفقهاء المسلمين على الخلط بين القيمة وبين الثمن. انظر: فتح القدير، وبدائع الصنائع، و شرح المحلى، وشرح الزرقاني: حيث أن القيمة لديهم هي:"ما يقدر به الشيء حسب سعره في السوق". بيد أننا في مرحلة متقدمة تاريخياً نجد تفرقة لدى ابن عابدين، في الحاشية بين القيمة وبين الثمن؛ وكأن التفرقة صارت ضرورة تاريخية ملحة، فالثمن هو ما تراضى عليه المتعاقدان سواء أزاد على القيمة، أو نقص، وأما القيمة (إنما مع الخلط بين ماهيتها ومقياسها) فهي ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة، ولا نقصان. راجع: رد المحتار على الدر المختار: حاشية ابن عابدين. وقد أخذ مرشد الحيران بتعريف ابن عابدين في المادة320. وفي اللغتين الفرنسية والإنجليزية لا يختلف المعنى كثيراً عن كلام القدماء من فقهاء الإسلام، بل يكاد يطابقه، إذ الخلط واضح؛ فالقيمة تعني الثمن. الثروة، وإن كان المعنى أكثر وضوحاً، في مرحلة متقدمة تاريخياً أيضاً، في قاموس أكسفورد؛ حيث الإشارة إلى عنصري المنفعة والمبادلة، وقدرة السلع على شراء بعضها البعض.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقدم ديموقراطيه في التاريخ، للباحث محمد عبد الحق
- هيكل الصناعة العسكرية في إسرائيل، للباحث هاني محمد وصفي
- نماذج تجديد الإنتاج عند كارل ماركس، للباحثة سحر حنفي محمود
- الاقتصاد في العالم الشرقي القديم، للباحث محمد عبد الحق
- لماذا اتخذ ماركس من إنجلترا حقلاً للتحليل؟
- الشركات دولية النشاط، للباحث أحمد مجدي الشرقاوي
- مقال: المقريزي، للباحث محمد جابر عامر
- ألفريد مارشال
- جون مينارد كينز
- الخلاصة في الإقطاع شرقاً وغرباً
- منهجية فهم التاريخ الاقتصادي
- التكون التاريخي لتخلف أمريكا اللاتينية
- تاريخ ضائع
- التبادل متكافيء
- أرسطو (المنطق، والقانون، والاقتصاد)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (6)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (5)
- المدرسيون: من الإقطاع إلى الثمن العادل
- من أجل الزيت!
- نهاية الاقتصاد السياسي: من العلم إلى الفن التجريبي


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - ما القيمة؟