أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - الإعتراف بالتعددية و الإختلاف... رمز حداثة و تقدم المجتمع















المزيد.....

الإعتراف بالتعددية و الإختلاف... رمز حداثة و تقدم المجتمع


عبد الوهاب عتى

الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 19:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هو أمر بديهي، فالمجتمعات الحداثية التي تنتمي إلى ما يسمى حاليا "بالدولة الوطنية" في كل العالم، هي مجتمعات تعددية، تتعايش فيها مختلف التوجهات الدينية و الإدييولوجيات السياسية و الثقافية و مختلف الإثنيات. هذا الإختلاف يعتبر بمثابة المحفز على التعايش و التنافس بين الجميع. غير أن الأمر ينقلب إلى عائق و معطل للتعايش الإجتماعي عندما لا تحسن إدارة شؤون هذا الإختلاف الذي تزخر به هذه المجتمعات، فتطفو المشاكل و العاهات بشكل مستمر عندما يكون فهم الأفكار و القيم الأخلاقية من منطلق الدين الواحد و الأوحد، و الإديولوجيا الواحدة، و تعمد المجموعات الفردية للأخذ بمنظورها الفردي لحقوق الإنسان و الحريات الفردية كما تفهمها من المنظور الديني أو الإديولوجي.

إن التوجهات الدينية و العقائدية في كل العالم، كانت و ما تزال تعتبر من أهم العوامل التي تسعى إلى تقسيم المجتمع إلى أفراد و مجموعات. فالأديان كانت منذ القدم بمثابة المعيق الأول و الأساسي للحريات الفردية، كما يقول أحد رموز الديمقراطية الأمريكية، ثوماس جيفرسون (1743-1826). فمن عادة الدين العمل على الإستغناء و طمس الهويات الآخرى مقابل الإهتمام بمكون الإنتماء العقائدي، محاولا تكوين هوية جماعية شاملة تعمد إلى تطبيق التعليمات الإلهية في تسيير شؤون المجتمع و الأمة التي يُعْتَقد خطأ بتجانسية أطيافها و إديولوجياتها المذهبية و الفكرية. هكذا، يمكن للفرد أن يستمتع بإنتمائه إلى أكثر من دولة وطنية، يمكن له أن يحس بإنتماءه لهذا البلد أو ذاك في نفس الوقت. كما يمكن له أن يتكلم و يتقن أكثر من لغة في نفس الوقت. لكن لا يمكن أن يكون معتنقا لديانتين مختلفتين في الوقت ذاته، إذ لا يستطيع أن يكون معتنقا للإسلام و معتنقا للمسيحية أو معتنقا لليهودية و المسيحية، و لا غيرها. كل الأديان تسعى إلى تقسيم الأفراد إلى مجموعات على أساس عقائدي، فتستعمل مصطلحات متضادة لبعضها للتمييز بين أفراد نفس المجتمع، من قبيل الكفار و المؤمنين، أهل الجنة و أهل النار، المؤمنين و أعداء الله. بالتالي فهي تعمد إلى إستعمال قاعدة: أن تكون معي أو أن تكون ضدي، في تصنيفها للمواطنين.

في هذا السياق، فقد صارت كل الدول و المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة تتصدر صفحات الأخبار العالمية، إذ أصبح المسلم و الإسلام مرادفان للفوضى و الحروب الأهلية، و كل أشكال القتل: التفنن في قطع للرقاب، حرق، شنق، إلخ، بإسم الدين و الله. فكل أشكال العنف الرمزي و المادي بإسم الدين و الأخلاق الدينية و تحت راية "الجهاد" و "محاربة أعداء الله" و "الحفاض على وحدة الأمة" يكون مقترفوها من رافضي الإعتراف بالإختلاف كشرط أساسي للتعايش بين الجميع. إن الحركات الإسلامية (معتدلة كانت أو متشددة) التي تسعى إلى تبرير العنف بكل أشكاله بإسم المقدس: معتبرةًّ الدين كأمر لا تجب مناقشته و إنتقاده، يقدمون الحق في إمتلاك المعتقد على الحق في العيش، و الحق في الإستمتاع بالسلم الجسدي، محاولين أسلمة الديموقراطية العالمية و أنظمتها و بالتالي إخضاعها لمفهومها الأخلاقي عوض العمل على دمقرطة تشريعاتها و دساتيرها قصد مسايرة التطور و التقدم الذي يعيشه العالم اليوم، مما ينتج في الآخير، العديد من الصراعات و الصدامات التي تكون نتائجها غير تلك المرجوة. مما ينتج بالتالي صدامات قوية بين مختلف التيارات و التوجهات التي تتواجد في نفس المجتمع. هي أمور في الحقيقة تقول بحقيقة الدين كرمز الإنحطاط و التخلف الإجتماعي و الثقافي للمجتمعات الإسلامية.

بإعتبار الحق في الحياة من المسلمات المقدسة التي لا يمكن التنازل عليها، فهي محفوظة في كل المواثيق الدولية و التشريعات الدينية، فالحماية الجسدية هو الأمر الأساسي الذي يتوخاه كل إنسان قبل الشروع في إستمتاعه بالحقوق الفردية و الحريات و المساواة. هكذا، إذا إنتهك هذا الحق إفتقدت الدولة (المسؤول الأول على حماية أمن المواطنين دون النظر إلى العقيدة، الطبقة الإجتماعية، الجنس، إلخ)، شرعيتها في الوجود. و ما ظعف الدول في تثبيت الأمن في المجتمع إلا مظهر من مظاهر التخلف و تقويض الحريات. في هذا الموضوع لدينا من الأمثلة الكثير من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمية التي تنعدم فيها كل مقومات الأمن و السلامة الجسدية للأشخاص بسبب الدين و العقيدة، مما يؤدي في النهاية إلى فشل و بالتالي إنهار الكيان السياسي.

إن الكيان السياسي (أي الدولة) الذي يعمل بإحترام مبدأ الإختلاف و التعدد الديني في المجتمع يمكن لهكسب الكثير من النتائج الإيجابية. فعندما تنجح الدولة في تحقيق المساواة و العدالة بين المواطنين، و ذلك بإرساء قيم التسامح و الإحترام التي تعمل على الأخذ برأي الآخر دون أي مركب نقص رغم إختلافه مع الأغلبية السكانية، يصبح الإختلاف و التعددية مركز ثقل قوة و تلاحم المجتمع، و كذا قوة الدولة نفسها. إن المهمة الأساسية للدولة إذن، هو الصهر على أمن المجتمع و المواطنين، و الفشل في هذه المهمة تعني العجز المسبق في تحقيق الحريات و الحقوق الفردية التي يعتبر بمثابة العمود الأساسي لحماية كرامة الإنسان.

الدول الديموقراطية هدفها الأساسي هو إذن، العمل على حماية حياة الأفراد و ضمان إستمتاعهم بالحريات الفردية في إطار القانون المنظم للجميع. و عندما تظهر مشاكل معرقلة للتعايش بسبب الدين، أو بسبب إديولوجيا معينة، الدولة بإعتبارها المثل الأعلى للمواطنين في حماية الحريات و المسؤولة عن الأمن، تكون مجبرة على الدخول على الخط لوضع الحد لهذا الإصطدام دون الإنحياز لطرف أو لآخر، بالرغم من رغبة الكثيرين في فرض أمر الواقع و محاولة إنزال معتقداتهم الدينية و توجهاتهم الفكرية إلى المجتمع و تطبيقها كقانون أسمى دون تهاون. بالتالي وجب العمل بحيادية الدولة في الأمور الدينية كأساس المرور إلى مبدأ الفصل بين السياسي و الديني في السلطة.
لتحقيق تعايش صحي في مجتمعات تعددية و غير متجانسة ثقافيا و دينيا و لغويا يجب النظر إلى هذه الإختلافات بالشكل الإيجابي و الأحذ بجدية الإعتراف بها و تقبلها كأمر عادي في المجتمع و المؤسسات الوطنية، لأن الجنس البشري مختلف و متنوع بطبيعته، كما يقول مونتيسكيو، و كل فرد يستوجب في المقام الأول كل الإحترام و التقدير بكونه إنسان قبل كل شئ. أما الأفكار و المبادئ و العقائد، إلخ، فهي عناصر يجب أن تكون خاضعة لقانون الإنتقاد و النقد بإعتباره مفتاح أساسي لكل تقدم فكري. فليست هناك أفكار و معتقدات و لا آراء خارج مجال النقد و النقاش.

إن الوصول إلى تحقيق مجتمع حداثي يتسع للجميع يتطلب في المقام الأول الوصول إلى تحقيق الدولة المدنية كنظام سياسي للحكم، و العمل بالتالي على الفصل بين الدين و الإدارة العمومية، حيث يتم إحترام الكل و إحترام الحقوق الفردية و حرية الوعي و الضمير و تطبيق مبدأ المساواة بين الجميع دون النظر إلى إختلاف الأفراد على أساس عرقي أو ديني أو سياسي أو جنسي. الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بخلق منظومة أخلاقية محايدة تتسع للجميع، كما يقول الهولندي باول كليتور. إذن، فتثبيت الدولة المدنية في النظام السياسي هو الأمر الوحيد الذي يكفل الفصل بين الإدارة العمومية التي تعتبر ملكا للجميع و المؤسسات الدينية التي تعمل في نطاق المعتقد الذي يعتبر بمثابة شأن فردي مرتبط بالفرد و ربه. إن تحقيق الدولة المدنية لا يراد منه القضاء بصفة نهائية على الدين أو طرده من المجتمع، كما لا يود منه إضعاف و تقزيم نسبة المتدينين، كما يدعي المتشوقون للإقصاء، بل يراد منه حماية كل أطياف المجتمع قصد التمكن من إستمتاعهم بنفس الحقوق و الواجبات تحت نفس السقف القانوني الذي يجعل ممارسة السياسة، الإقتصاد، و الثقافة و كل العلوم الآخرى مقيدة بقوانين يسنها أفراد المجتمع حسب الشروط التي يمليها الوضع و بعيدة عن الأخلاق الدينية.

لقد حان الوقت إذن، لإعادة النظر في تدبير التعددية و الإختلاف من كل المجالات (التعددية الدينية، اللغوية، الهوياتية، الإثنية، إلخ) في مجتمعاتنا و بالتالي إعادة النظر في كيفية تسيير شؤوننا الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية، الشئ الذي سيمكننا لا محال بتطوير ديموقرطيتنا الإجتماعية الوسيلة الوحيدة التي تعمل على حماية الجميع و تجعل من الإختلاف رمز القوة و الحداثة.



#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقصاء و تعنيف النساء بإسم الدين و الأخلاق
- البعثات الرمضانية في أوروبا
- الوعي بالذات و الآخر أساس التقدم إلى الأمام.
- عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.
- الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.
- الإرهاب ... بضاعتنا رُدٌت إلينا.
- العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع
- أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
- المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
- العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - الإعتراف بالتعددية و الإختلاف... رمز حداثة و تقدم المجتمع