أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - القرد 01















المزيد.....

القرد 01


رياض محمد رياض

الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 00:46
المحور: الادب والفن
    


دائم الترحال ، يرتدي معطفه الطويل الذي يقيه البرد والمطر كما يقيه الحر والشمس فهو لا ينزعه صيفا أو شتاء و ليس في حوذته بديلا عنه ، لذا ترى المعطف وقد حال لونه و أصبح رثا فتستعطف الرجل ، كان يرتدي قبعة بنية اللون ( برنيطة ) لا تفارق رأسه كالمعطف الذي لا يفارق جسده ، ويضع خلفه كل ما يملك في صندوق خشبي يتنقل معه على دراجته البخارية العتيقة من مكان إلى مكان ، من قرية إلى قرية ومن بلدة إلى بلدة ومن مولد إلى مولد ومن مسجد إلى كنيسة إلى معبد ، لا فارق عنده فكلها موالد و كلها بهجة .
كان يضع قردا صغيرا في قفص يضعه فوق الصندوق الخشبي ويطرح فوقه قطعة قماش كبيرة متسخة لكنها تؤدي الغرض منها . بكرشه الضخم الذي يحمله أمامه على الدراجة كإنه طفل صغير لا تستطيع أن تصدق رشاقته و هو يلاعب القرد في الموالد و الناس مصطفة حوله تشاهد مهارات القرد الصغير و صاحبه البدين .
كان يسير ببطء بدراجته البخارية بين الأراضي الزراعية في قرية لا يعلم اسمها ولا موقعها ، ربما هو طريق زراعي و ليس قرية مأهولة ، الأنوار تلمع من بعيد ، أنوار زينة بألوان صفراء و خضراء تسطع و صوت هرج ، الاحتفال يعلو كلما اقترب .كان يسير قاصدا هذا الاحتفال لا يعرف ماذا هو ربما كان مولد إمام أو قس أو حفل زفاف، مايعرفه أن صوت البهجة يتصاعد من هذه البقعة ، لذا لا يوجد أفضل من هذا المكان ليتواجد فيه هذه الليلة ، على الأقل سيجد وجبة تسد جوعه و مأوى إلى الصباح وسط هذه الألفة البشرية ويستطيع أن يستعرض مهاراته مع القرد أمام جمهور قليل فيجمع بعض النقود ليشتري وقودا لهذه الآلة الصدئة التي تسلك طريقها بين الوحل وعلى الجسور الزلقة .
كان يقترب وكانت الأنوار تسطع أكثر ، و بدأ يتبين الاصوات ، ليست أصوات مزامير ولا طبل ، ليست هذه أناشيد دينية و لا أدعية مسيحية ، لكنها أصوات رائعة الجمال متناسقة كسيقان الزرع الخضراء هذه مع الريح التي تتخللها ، اقترب أكثر و أوقف الدراجة وترجل، لم يفتح القفص ليخر ج القرد بل سار وحيدا إلى الحفل ليتبين حقيقته ، لم تكن هناك مصابيح بل ضوء يشع من المكان بكامله في وسط الظلام و كإنه مصباح ارتمى وسط صحراء في ليلة محاقية سوداء .
كانوا أكثر من سبعين شخصا يرتدون البياض الساطع و لا يدري ما كنه ما يرتدون قميص جلباب معطف لايدري.كان الجميع ملتف حول شيء ما في الوسط يلمع ، يقفون حوله يترنمون بأشياء لذيذة المسمع ثم يصمتون و يدورون حوله في دائرة عملاقة ثم يقفون ليترنموا بنفس الأقوال ثم يبدأون مرحلة جديدة من الطواف حول هذا الشيء ، الذي يسطع فتتألق منه الألوان الخضراء و الصفراء .. واقترب ليرى أكثر.
حاول أن يقفف وسطهم ، رآه البعض فسمحوا له بأن يقف بينهم ، ترنموا فلم يستطع القول مثلهم لكن حين طافوا طاف معهم ، وبدأ يرى ما الذي يوجد وسط الدائرة . إنه تابوت جنائزي كالذي يضع فيه الفراعنة ملوكهم مصنوع من خشب يبدو عليه القدم والعظمة ، يرقد داخل التابوت جسد مغطى بلفائف خضراء تبدو كالحشائش ، كان جسد أنثى هكذا أعتقد ، نعم فهناك بروز عند الصدر ، اثنان بروزان هذه أنثى و لاشك ، لكن لم اللون الأخضر ؟ أليست مومياء ؟ إذن تلف بشرائط بيضاء ، حزن الرجل لإنه ليس فرحا كما ظن إنما مأتم إذن لن يستطيع تقديم مهاراته مع القرد هنا . بجوار التابوت هرم صغير ، قاعدته أكبر من التابوت قليلا ، هرم يتألق منه ضوء أصفر ساطع .
من خلفه يدفعه للحركة فيسير ليطوف معهم ، هكذا ظل معهم يفعل كما يفعلون ، لا يعرف كم من الوقت قد مر ، لكنهم انتهوا الآن توقفت التراتيل ، إنهم يحملون التابوت ويخرجون الجسد الأخضر يضعونه في فتحة الهرم والجميع يتقدم نحو المركز واحد خلف الآخر يتقدم ليقبض قبضة من الجسد الأخضر ، وقبضة آخرى من الهرم الأصفر ، ثم يأكل ما قبضه . وجاء عليه الدور . تقدم فقبض قبضة من الجسد الذي لاينتهي ، وجدها ناعمة الملمس كإنه يقطف قطنا ناعما ، ووضع القطفة في فمه إنها رائعة المذاق ، قبض قبضة آخرى وضعها في جيبه سيعطيها للقرد ، هكذا تعود في كل الأفراح كان يتناول وجبته ثم يدخر شيئا ما للقرد ، تقدم نحو الهرم الأصفر الذابل الذي لا يكف عن بلع الجسد الأخضر وقبض قبضة بكفه ووضعها في فمه ، الطعم كريه المذاق ، مرا ، مقبضا ، لكنه فرغ من البلع ، ولم يقبض قبضة آخرى للقرد إنه كريه المذاق ولن يتقبله القرد.
و توالى الجميع حتى فرغوا و انتهى الهرم من ابتلاع الجسد الأخضر و وجد الجميع يرفع ذراعيه كما في الدعاء ويترنمون والصوت يعلو تدريجيا والهرم يزداد اصفرارا مع إرتفاع صوتهم ، يترنمون ، والهرم يزداد تألقا وسطوعا ، يتشقق يبدو من داخله ضوء أخضر لامع يسطع ويزداد تألقا مع إزدياد الترانيم في الإرتفاع ، الهرم يتحطم و الضوء يسطع من وسطه كقنبلة انفجرت بداخله ، و تتطاير ذرات الهرم وتهبط عليهم كذرى القش المطحون الذي يتطاير أثناء حصاد الأرز ، حولهم ظلام ، والضوء الأخضر يسطع وسط الحلقة ، وقطع ذهبية اللون من الهرم المتطاير تسقط على رؤسهم كإنهم في حفل صاخب ، وانتهى الحفل ، وخفت الضوء وبدأ الجميع في الحركة ، كل في اتجاه ، يسيرون مبتعدين ، يتوغلون في الظلام ثم يختفون في هذه الحقول الخضراء المظلمة ، ووجد نفسه وحيدا وسط الظلام ، ضوء كشاف دراجته البخارية ينير له الطريق إليها ، يعود ، يتحسس جيبه القطفة الخضراء معه ، يفتح القفص ويطعم القرد الذي يأكل في نهم ، ويقرر الرجل أن ينام هنا حتى الصباح .
يستيقظ على ضوء الشمس يركب دراجته البخارية ويتحرك ، يخرج إلى الطريق الرئيسي بين الحقول ، يسير قليلا ثم يجد أحد الناس يركب عربته التي يقودها حمار شرس المظهر ومربوط في نهايتها بقرة يتبعها بعض الخراف ، الآن اقترب من قرية ما ، بالتأكيد سيجد مسجد أو دير أو دوار عمدة ، بالتأكيد سيجد المأوى ويجد الأفراح ويجد البهجة سيسأل عن أي مولد يقام هنا ، وسيعود لهذه القرية مرارا ليحضر هذا المولد .
هناك صوت غريب مفزع ينبعث من خلفه ، إنه قفص القرد ، يتوقف ليرى ما باله ، يزيل القماش الذي يغطي القفص ويرى ما هناك ، القرد يصرخ في وحشية ، أصبح غزير الشعر ، مفزع الصوت ، مد يده من بين القضبان ليهدأه ، لكنه قضمها ، فسحبها سريعا ساخطا :
- أيها اللعين ..
لاحظ أن القرد أصبح أكبر حجما هذا القفص لم يعد يسعه ، ماذا حدث لهذا القرد ؟ ربما هي القطفة الخضراء التي أكلها الليلة الماضية ، لكن هو أيضا أكل من الجسد الأخضر قطفة مشابهة ، إذن ماذا ؟ ، القرد يتمسك بالقضبان يريد أن يكسر القفص ، الآن يلتمع الفهم في ذهنه إن القرد لم يأكل القبضة التي أكلتها من الهرم الأصفر .. الآن يعلم أن القبضتين يصنعان توازنا ما ، هذا التوازن اختل في جسد القرد الذي ازداد في الحجم طوال الليل و أصبح أكثر هياجا ، القرد يصرخ ويحطم سقف القفص و يقفز ، الرجل يتراجع خوفا ، والقرد يهرب ، يفر نحو الحقول .
- اللعنة ، كيف سأتمكن من الإمساك به.



#رياض_محمد_رياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أول الدرب جلسنا ثملين
- دعوا الخيال للفقير !!!
- زوربا اليوناني
- نورٌ و دماءْ و قبورٌ في السماءْ
- لقد حلمتُ بكِ للتوِ
- للموتِ وجهٌ يحملُ صورتي
- التفوه بالحقيقة
- عن التعددية الجنسية و السرد القصصي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - القرد 01