أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد















المزيد.....

تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


صدر عن منشورات "الاغتراب الأدبي" بلندن كتاب نقدي جديد يحمل عنوان "قراءة في قصيدة قديمة" للشاعر والناقد صلاح نيازي الذي سبق له أن أصدر عدة كتب نقدية نذكر منها "الاغتراب والبطل القومي"، "نزار قباني رسّام الشعراء" و "فن الشعر في ملحمة كلكامش". وقد أظهر نيازي في مجمل كتبه رؤية نقدية فاذّة لا تُخطئها عين القارئ المدرّبة.
في توطئته المقتضبة يحضّ نيازي قرّاءه على تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد، وسبر أغوارها، ومعرفة معانيها الظاهرة والخفيّة، بل ويتمنى عليهم أن يصطادوا بأنفسهم الطيور النادرة التي يستدرجها الشعراء الموهوبون إلى غابات قصائدهم الملأى بالمفاجآت.
يعتمد نيازي على تقنيات عديدة في تحليل النصوص الشعرية من بينها المنظورية، وتقنية الحواس، والألوان، والتزامن، والتزمين، والصور الساكنة والمتحركة، وأساليب الانتقال من العوالم البرّانية إلى الجوّانية وبالعكس. كما يدعو إلى قراءة القصيدة القديمة بوصفها وحدة متضّامة متواشجة ناسفًا بذلك المقولة الصدئة التي رسخت في الأذهان بأنّ الشعر العربي يعتمد على "وحدة البيت" وليس على "وحدة القصيدة". فالشاعر العربي ينثر بذور أفكاره في مطلع القصيدة، ثم يتركها تنمو وتورق في متن النص حتى تستوي أثماراً يانعة في خاتمة القصيدة المشيّدة بإتقانٍ كبير.
يُهيمن التحليل المنظوري على غالبية القصائد التي توقّف عندها نيازي ولعل أبرزها قصيدة "قِفا نبكي" التي استهل بها هذا الكتاب النقدي المتفرد في موضوعه. يؤكد نيازي بأن أمرئ القيس كان يقف على ذروة جبلية شاهقة حينما كتب هذه القصيدة واصفًا ما يدور في أعالي السماء تارة، وفي منحدرات الجبال ووديانها تارة أخرى. وقد اعتمد على تقنية "تقريب الصورة" وجعلها محسوسة. وهي ذات التقنية التي يدعو إليها الشاعر إزرا باوند حينما يطلب من الشاعر المحلِّق أن يهبط من عليائه ليقدّم لنا صوراً شعرية واقعية يمكن أن نلمسها لمسَ اليد. فلاغرابة أن يشبّه شرايين البرق بشرايين اليدين أو أن يشبِّه دوران السيل حول جبل طميّة في أرض المجيمر بـ "فلكة مغزل" وما إلى ذلك من تشبيهات محسوسة.
تتكرر تقنية تقريب الصورة في معلقة زهير بن أبي سُلمى الذي يشبِّه ديار "أمِّ أوفى" بـ "مراجعُ وشمٍ في نواشرِ معصمِ" حيث غدت الديار النائية مثل وشم في باطن معصم الذراع.
ما يلفت الانتباه في هذه المعلّقة أن زهيرًا مُلِمٌّ بحزمة الألوان الحارّة والباردة وكأنه يرسم صورهُ الشعرية بريشة رسّام ماهر يتقن فنّ التلوين. الأمر الذي يثير فينا سؤالاً شديد الأهمية مفاده: هل أن فطرة الشاعر أهمُّ من ثقافته المكتسبة أم العكس هو الصحيح؟
قبل أن نطوي تقنية المنظورية لابد لنا من الإشارة إلى قلعتي المتنبي وشكسبير حيث كان المتنبي يقف أسفل قلعة "الحَدَث" مع جيش سيف الدولة الجرّار وهو ينظر من الأسفل إلى الأعلى حتى تُصبح السماء بغمامها ونسورها جزءًا طبيعيًا من مجال بصره فلاغرابة أن يستعمل "بحر الطويل" بتفاعيله الشائعة "فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن" التي توحي بالتعب والإنهاك وهو ذات الانهاك الذي يشعر به الجنود وهم يتدافعون في صعودهم البطيئ إلى قلعة الحدث. أما في قلعة "دنسينان" فزاوية النظر معكوسة حيث يقف شكسبير في داخل القلعة المطلة على غابة "بيرنام" وكان ينظر من الأعلى إلى الأسفل. والأهم من ذلك أنه انتقل بنظره من المشهد العام للقلعة إلى صميم مكبث كي ينقل لنا طبيعة مشاعره الداخلية المحتدمة.
يَعتبر نيازي قصيدة "فتاةُ الخدر" من مفاتن الشعر العربي، وهي كذلك لأسباب مختلفة يعود بعضها إلى ثيمة القصيدة بينما يعود بعضها الآخر إلى موسيقاها الناجمة عن "مجزوء الكامل" (مُتَفاعِلنْ مُتَفاعِلا / ن). إن ما يلفت الانتباه في هذه القصيدة كما يذهب نيازي أن اليشكري يمهِّد أحذق تمهيد قبل الدخول إلى الحدث الرئيس الذي تقوم عليه ثيمة القصيدة وما ينجم عنها من تداعيات تبدأ من البيت الحادي عشر الذي يقول يقول فيه الراوي: "ولقد دخَلْتُ على الفتاةِ / الخدرَ في اليومِ المطيرِ" وكلنا يعرف أن الخدر مكان ضيق وبعد أن يدفعها ويلثمها يخرج إلى فضاء واسع ومكشوف وهو الغدير . كما ينتقل من قصه حبه لفتاة الخدر إلى قصة حب بعيرهِ لناقتها كي يوسع من حجم الحب في هذه المساحة المترامية الأطراف.
يفرِّق نيازي بين التزامن والتزمين، فالأول يعني "وقوع حدثين في آنٍ واحد". أما الثاني فهو "الجمع بين حدثين متعاكسين في آنٍ واحد بحيث يصعد التأزم إلى أعلى ذروة له" كما يضيف نيازي بأنّ التزمين "حيلة لا يُتقنها إلاّ الموهوبون". وفي قصيدة "وطاوي ثلاٍث" لشاعر قديم مجهول نعثر على بذرتين مهمتين للتزمين. الأولى حينما يهمّ الأب بذبح ابنه. "فروى قليلاً، ثم أحجم برهة / وإن هو لم يذبح فتاه فقد همّا". والبذرة الثانية حين أمهل حُمر الوحش "حتى تروّت عِطاشها" رغم أنه كان إلى "دمها أظما". وهنا يغدو التزمين عاملاً حاسمًا ومغامرة كبيرة وذلك لانطوائها على أفكار متضادة متعاكسة مثل السماح لها بالتروّي والرغبة الملحة إلى قتلها في آنٍ معا.
كتبَ نيازي كثيرًا عن الحواس الخمس. وهو يعتبر شكسبير والمتنبي أكبر شاعرين غريزيين لا تتكثف صورهما الشعرية إلاّ باستعمال حاستين أو أكثر. أما رامبو فهو يعمد إلى "تدمير" الحواس، أي مزجها وصهرها جميعًا كي تظهر لنا صورة متواشجة، مؤثرة وكثيفة ثم يختار الشاعر فطريًا الوعاء الذي يسكب فيه تلك الحواس المنصهرة.
يحظى الشاعر أحمد شوقي باهتمام كبير من لدن الناقد والشاعر صلاح نيازي فهو ينظر إليه كواحدة من قِمم الشعر العربي الشمّاء ويلتمس من قراءه أن يتركوا أحمد شوقي الصحفي والتربوي أو المصلح الاجتماعي وأن يكتفوا بقراءته كشاعر مبدع حفر العديد من القصائد الخالدة في قلوب محبّيه لعل أبرزها قصيدة "ريمٌ على القاعِ بين البانِ العلمِ" أو سواها من القصائد التي ترتعد لها فرائص المتلقين. لعل أبرز ما يركِّز عليه الناقد صلاح نيازي هو تقنية الصور السكونية عند شوقي ولعل قصيدة "أندلسية" هي خير مثالٍ لما نذهب إليه حيث اخترع الشاعر طريقة قصّ جناح الطير كي يجعله ساكنًا لا يريم. "ماذا تقصُّ علينا غير أن يداً / قصّت جناحك جالت في حواشينا". أما الميزة الثانية في شعر شوقي فهي وقوفه على التماثيل القديمة مثل قصيدة "أبو الهول" التي يعتبرها نيازي مهمة جدًا لأن فيها إسقاطات كثيرة من الشاعر على التمثال لعل أبرزها الملل من طول البقاء.
لا يخفى على القارئ اللبيب بأن الشاعر أحمد شوقي قد رثى العديد من الأدباء والفنانين والزعماء العرب لعل أبرزهم هوغو وشكسبير وفيردي، وعمر المختار، والبطل السوري فوزي الغزي، وربما يكون الشاعر الوحيد بين الشعراء العرب، قديمًا وحديثًا، الذي رثى المغنين والفنانين العرب أمثال سيّد درويش، عبد الحي، عبدة الحامولي، والشيخ سلامة حجازي وظلت مراثيهم راسخة في الوجدان العربي.
يشكل هذا الكتاب إضافة نوعية إلى المكتبة النقدية العربية لما يتضمنه من تقنيات حديثة تشجع القارئ على التحليل العلمي وتُبعده قدر المستطاع عن آلية التلّقي السلبي أو حيادية الاستقبال.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
- الرحيل تحت جنح الظلام 1
- حُب وعنف في المتاهة الملحيّة
- بناء القصة السينمائية
- امرأة صينية تدجِّن شراسة الصحراء
- أطفال كورد يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود في المحار المك ...
- اصطياد اللقطات اللونية المدهشة في صحراء نيفادا
- التطرف الفكري في رواية -الأشباح والأمكنة- لذياب الطائي
- تكريس الدعاية الرأسمالية في فيلم-صُنع في الصين- لكيم دونغ-هو
- الرسم بالضوء لاصطياد اللحظات الهاربة
- كُتّاب بريطانيون يعيشون على حافة الفقر
- هشاشة البناء الدرامي والرؤية الإخراجية المشوشة
- قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت
- توثيق شامل للأفلام الروائية الطويلة في العراق
- تحت ظلال السنديان الإيطالي لموسى الخميسي
- اغتصاب الطفولة في -جراح الروح والجسد- لمليكة مستظرف
- شاهندة . . . أول رواية إماراتية
- الواقعية في السينما المصرية (2- 2)
- الواقعية الإيطالية الجديدة وموجاتها الثلاث (1 - 2)
- التعويل على الحوار في فيلم سُبات شتوي لنوري بيلكَه جيلان


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد