أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - كشف القناع .... قصة قصيرة















المزيد.....

كشف القناع .... قصة قصيرة


محمد مهاجر

الحوار المتمدن-العدد: 4859 - 2015 / 7 / 7 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


كشف القناع .... قصة قصيرة
-
محمد مهاجر
-

في البدء لم يتوقع أي من زملاء الدراسة أن يتخلى حمدي عن جزء من عجرفته ويبوح لعدن بولعه الشديد بها. وقد ساهم عدد كبير من صديقاته في الكلية في أن تتحول النظرة السلبية إلى أخرى إيجابية تراه بطلا أنهى حالة العداء والتنافس المحموم إلى حالة حب عنيف ومسيرة مميزة أصبحت تتناقلها الأجيال المتعاقبة في الجامعة. ومن قبل لم يعترف حمدي بذكاء عدن وتفوقها عليه بل وصفها بأنها مجرد انعزالية لا إجتماعية، ومهووسة بالكتب

ولان الأثيوبية عدن فتاة منفتحة وطيبة وبسيطة وتلقائية في تصرفاتها ، فانها كانت تحكي تفاصيل العلاقة لكل زميلاتها حتى أصبحت قصة الحب مثل دفتر المهنئين، بوسع الجميع الاطلاع عليه وإضافة ما يشاؤون. ولان الزملاء كانوا يحبونها كثيرا فقد اطلقوا اسم رحلة الشتاء والصيف على الترحال اليومي للحبيبين. فكان حمدي يذهب إليها في كلية الطب في الخرطوم فيمكث حتى منتصف الليل، وهي تفعل نفس الشيء حين تذهب إليه فى كلية البيطرة في الخرطوم بحري.

جلست عدن في المكان المألوف لديهما في المطعم ألاثيوبي في الخرطوم ثم أفردت ذراعيها النحيفين وتمطت وابرزت صدرها الناهد إلى الأمام ثم تبسمت ، لكنها انتبهت إلى الحضور الكثيف للزبائن فتلاشت الابتسامة الحلوة بسرعة. وعادت للتفكير في أمر ازعجها لمدة طويلة. ولانها كانت تريد أن تعمل بسرعة على ربط الحقائق مع بعضها البعض من أجل العثور على شواهد تؤكد أن شكوكها قد بنيت على أساس متين، فقد عمدت على ان تعزل نفسها تماما عن العالم الخارجي. استقامت فى جلستها واسندت ذقنها على قبضة يدها ثم جعلت تركز بصرها على الأرض وتحاول جاهدة ألا تستمع إلا إلى كلماتها هي ولا شيء غير ذلك .

ست سنوات مضت من عمر الحب لم تشك خلالها ابدا حول مشاعرها الفياضة . هي كذلك متيمة به، ومع ذلك طرأ أمر ما ازعجها خلال إمتحانات السنة النهائية، وهي فترة لا تحتمل ان تتعرض خلالها الى ضغوط، فقررت التأجيل. وما ان بدات سنة الإمتياز حتى عادت لبحث الامر من جديد. وعلى الرغم من اجتهادها الكبير وكثرة المحاولات إلا أن التفكير الطويل لم يفلح إلا في زيادة حيرتها.

أذنت لنفسها بإستراحة جعلت خلالها تتصفح الصور المحفوظة في الجوال . وتوقفت عند صورة الفتاة المرهرهة. قطب جبينها فجذبت نفسا طويلا ثم فكرت بأن تزيل الصورة تماما، لكنها في اللحظات الأخيرة اهتدت الى تدبير أخر. تبسمت بطريقة واضحة ثم استدارت ذات اليمين وذات اليسار، ولما اطمأنت إلى عدم انكشاف أمرها، عدلت فستانها الجميل وأرخت أطرافها. كانت تعلم إنه يحب هذا الفستان الاثيوبي التقليدي مثل حبه للمأكولات والرقص والأغاني الأثيوبية. وكان حمدي يحبها مثل المراهق ويباهي بها ويقول بأنه قد فاز بالبن الاثيوبي الأصلي، إسم سماه لها، وانه استثار بنكهته الخاصة وبسحر أديس أبابا النادر


أوقف حمدي سيارته الفارهة في موضع محظور فتكالب عليه الساخطين من المشاة وسائقي المركبات وصبوا عليه وابلا من اللعنات . لم يهتم بهم لانه كان مشغول البال ومتعجلا لانه تاخر عن الموعد. وفجأة توقف في منتصف الطريق لكي يطمئن إلى أنه لم ينس أي شيء فاصطدم به أحد المارة العجولين، وبدلا من أن يعتذر الرجل، لعنه وكال عليه الكثير من السباب. وحين إلتفت حمدي وجد إن الرجل كان يرفع يده محتجا ومهددا. تجاهل حمدي كل شئ ومضى في طريقه وهو مشوش الفكر. هو يعلم ان هموما أخرى تسيطر عليه إضافة إلى هم ادارة مزرعة الدواجن التي أهداها له والده بعد التخرج

التقت عدن قبل مدة قليلة بالفتاة المرهرهة وتحدثت معها كثيرا لكنها لم تحصل منها على معلومات مفيدة. والسبب يعود إلى تحفظ عدن و بغضها لهذه الزميلة التي تعتبرها متكبرة. والحقيقة إن كل واحدة من الفتاتين لديها موقف متحفظ تجاه الاخرى . قبل ذلك وفي أثناء فترة الامتحانات كانت الزميلات يجلسن في الكافتريا ويتحدثن عن شخص ما، فقالت احداهن: يحبها ؟؟ معقول؟؟ !!. لا لا لا . وقالت اخرى: " وصاحبتنا؟". ولم تجب اى من الفتيات على الاسئلة. وفى تلك اللحظات كانت عدن تقف بالقرب منهن فخمنت الاجابة لكنها لم تجرؤ على المشاركة في الحوار لكي تقف على بقية تفاصيل القصة.

مرة أخرى ملت من التفكير فطفقت تستمع الى اغنية اثيوبية من تلك الأثيرات عند حمدي. و كثيرا ما كان يسألها عن معاني الكلمات فتقوم بدورها بايكال المهمة إلى أمها ، وقد ساعدها ذلك على تعلم مباديء الأمهرية لغة أبويها. ولما أسرع حمدي في مشيه سال منه العرق الكثير فتوقف فمسحه ثم أدخل المنديل في إبطه. وحين قرب يده من أنفه تبسم و مسح بكفه على بنطاله. أخيرا عدل من هندامه ومشى في طريقه .

عندما إقترب ألفاها تصيح وتعدو نحوه وحين وصلت قفزت لتعانقه وتشبك ساعديها حول ظهره. حملها وثبتها جيدا حتى لا تسقط على الأرض . كانت تعلم أنه قادر على ذلك حين يستخدم يديه الغليظتين وارجله الطويلة البدينة. قبلته في خده وعنقه وضغطت جسمها عليه بعنف ومسحت على ظهره عدة مرات. ولما أنزلها على الأرض وجدها تضع شاله على كتفها. داعبته وازالت الشال ثم اشارت إلى الفستان وأفردته لكنه ظل صامتا فغضبت حتى احمرت عينيها الجميلتين. إعتذر كثيرا ثم إنحنى وقبل جبينها وسارا معا

جلسا فأغدق عليها الأطراء وافاض في تعبيره عن اعجابه بالفستان. والفستان هو اثيوبي تقليدي ناصع البياض ويحتوي على شريط أزرق في أعلاه. والشريط مطرز باشكال هندسية وايقونات رسمت بخيوط ذهبيه. وفي الأسفل شريط أخر مزين برسوم لطيور مختلفة وادوات صيد. كانت تستمع إليه وتتلذذ بحديثه الحلو. وهي تعلم إنه فصيح ويجيد إختيار عبارات المجاملة و أن له معجبات كثر.

طلبت الأكل وبعد دقائق قليلة جاءت فتاة بدينة تلبس عباءة ذات لون بيجي فاقع وتغطي وجهها بنقاب أسود. سلمت فرد عليها حمدي قائلا: أهلا نازلي . تفضلي . . شكرته واشارت إلى أسرتها التي كانت تجلس على مقربة منهم . في الجامعة كانت نازلي التركية تلبس فساتين عادية ولا تغطي شعرها الأشقر القامق . ربما كانت تريد بلبس الخمار إرضاء أبيها المتشدد في الدين. لكن الذي حير عدن هو سهولة تعرف حمدي عليها وهي منقبة. ولاحظت الأثيوبية أن عيني نازلي العسليتين أصبحتا أكثر إشراقا وسحرا، لكنها شعرت بأنها لم تتأثر بذلك بل لعنتها في دواخلها كثيرا ثم قالت: منافقة . و مع ابداء عدن لمشاعر الامتعاض الواضحة إلا أن الفتاة التركية تمسكت ببرود أعصاب نادر وحين وجدت فرصة مناسبة طرحت على حمدي نفس سؤالها القديم وهو يدور حول موضوع في مادة التشريح . وإغتنم الرجل الفرصة فسألها عن جدية عزمها على أداء سنة الامتياز في استنبول. وقبل أن تسترسل في الحديث رجعت نازلي إلى أسرتها ثم عادت بسرعة

في لحظة ما شعر حمدي بانه أوفى لكن نازلي أصرت على مط النقاش بإضافة اسئلة فرعية . ولما إستمر النقاش وتشعب أبدت عدن استيائها الشديد خاصة انها تؤمن بان فهمها للمادة يفوق فهم الاثنين مجتمعين. والأمر الأكثر إزعاجا لها هو أن تظل التركية واقفة وهما جالسين يأكلان. وبعد تردد اعتدلت في جلستها وتبسمت لما شعرت أنها مهيأة تماما للنقاش. لكن الثنائي لم يترك لها أي فرصة فتراجعت وانهمكت في الأكل . حاولت أن تسرع في الأكل لكنها عجزت . كانت تضع قطع دجاج الزيغني في فمها وتضغط عليها وتظن أنها تستسيغها ثم تعود وتلوكها وتلوكها ولما تشعر أن الوقت مناسب تجد أنها لا تقدر على البلع . احتارت في حالها وفكرت وتدبرت لكنها لم تهتد إلى إجابة شافية . هي تعلم علم اليقين أنها تحب الزيغني الأثيوبي حبا جما، تماما كحب حمدي له ،وهي تعلم أن الطعام أصيل وشهي لكنه أصبح فجأة عصي على البلع

أخيرا كفت عن المحاولات . شربت وجعلت تستمع إلى البوم يحتوي على خليط من الأغاني الاثيوبية والسودانية يؤديها مغني سوداني . وبالمثل كان المغني بالكاد يجيد نطق الكلمات الأمهرية . وكانت عدن تتبسم كثيرا وتتمايل مع الإيقاع ، وفي نفس الوقت تراقب نازلي بين الفينة والأخرى . وبعد مدة أعلنت التركية عزمها على المغادرة فشكرتهما ثم تحركت . وفي منتصف الطريق استدارت وقالت لحمدي : لا تنسى . ولاحظت خطيبته إنه كان ينظر إليها طول الوقت .

على العكس من عدن المولودة في الخرطوم، فإن نازلي تمكنت من اجادة اللغة العربية في فترة وجيزة ، وقد ساعدها على ذلك حبها للأدب العربي . وهي انتقلت إلى الخرطوم بعد أن أكملت المرحلة الثانوية في بلدها . لكن الذي حير عدن هو بيت الشعر المنقوش على خمار الفتاة المرهرهة . وحين انتبهت إلى خطيبها وجدته منهمكا في الأكل فعادت إلى خلوتها وأغمضت عينيها. كانت في تلك الاثناء تفكر في حل مناسب وفي لحظة حدثت نفسها فقالت :

لا شئ فيها مميز. نعم بيضاء حلوة ذات عيون عسلية جذابة، مرهرهة يعجب بها رجال السودان ، تعاملها جيد لكنه رسمي، ومع ذلك فهي ثقيلة الدم غير جذابة ، كتلة شحوم متحركة. منافقة .

لما فرغ حمدي من الأكل وجدها تقف أمامه وهي على وشك المغادرة . هم بالحديث لكن كان ذلك بعد فوات الأوان . ولولا أنه جفل في الوقت المناسب لكانت الاصابة حدثت في وجهه ، ومع ذلك لم يسلم صدره من فعل القهوة الحارة التي دلقتها خطيبته عليه . وحين تجمع الناس حوله كانت عدن قد اقتربت من باب الخروج .

توقفت عند الباب وفكرت في الأمر مرة ومرة أخرى وبعد حين رجعت. بالطبع ستحدث صديقاتها بعد ذلك بأن واجبها كطبيبة كان يحتم عليها أن تؤوب من أجل معالجته . وقبل أن تصل إلى مسرح الحدث كانت تركز بصرها جيدا في الكلمات المنقوشة على خمار نازلي بخيوط ذهبية :

إنْ تُتْهِمي فتِهامَةٌ وطَني : أوْ تُنْجِدي إنَّ الهوى نَجْدُ

حين وصلت شعرت بها نازلي فاستدارت راسمة إبتسامة حلوة على وجهها الجميل الذي ازالت عنه النقاب . كانت تمسك بالسماعة وتهم بوضعها على صدر حمدي
-



#محمد_مهاجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروبات القبائل ..... مأساة أخرى للحرب الأهلية في السودان
- شهاب ..... قصة قصيرة
- ليس لدى البشير ما يفتخر به
- لمياء .... قصة قصيرة
- صداقة ..... قصة قصيرة
- لا إنتخابات ولا تفاوض يقوي النظام
- أم أيمن ... قصة قصيرة
- بعض مشاكل تطبيق البنائية
- كرسى
- ارهاب من يحارب الفساد
- حول عدم جدية الحكومة السودانية فى محاربة الفساد
- عهد ... قصة قصيرة
- الفساد فى الاراضى والعقارات وغسل الاموال
- الجهادية والجنجويد والحروب الاهلية
- تحديات العمل الجماعى
- عن جرائم استغلال النفوذ فى السودان
- المسالة ليست اضافة سنة دراسية الى مرحلة الاساس
- فوضى مقصودة
- تخطيط اجتماعى ام تخريب للمجتمع
- التعليم الاجتماعى والنمذجة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - كشف القناع .... قصة قصيرة