أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - أيكون اسمها العنقاء؟















المزيد.....

أيكون اسمها العنقاء؟


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4857 - 2015 / 7 / 5 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


بسنادا هي المتاهة بسكانها وطقوسها، هي المتاهة بالأسماء والألقاب والحكايات، هي إحدى القرى القليلة في العالم حيث ينضج الطفل حقيقة ويصير رجلاً، حيث تصير الطفلة إمرأة .. كلما عمّ الخراب في بسنادا، كلما ماتت .. تحترق وتصبح رماداً، ومن رمادها تخرج قرية جديدة، يخرج طائر عَنْقاء جديد .. لينتصب رافعاً جناحيه إلى أعلى ..

عندما بدأ الضجر يتسرب لمسامات جسده .. كان قد داس لتوه اساءات ووشايا ابن الشوباصي في القبو البعيد، كما يدوس أعقاب السجائر وقشور بذور عباد الشمس في الكورنيش الجنوبي لمدينة اللاذقية ..

عندما أحس بالضجر مشى باتجاه غرفة صديقه في بسنادا، غرفة أصيلة حنونة، غرفة لها استقلالية امرأة أربعينية حارة فضلت العزلة والابتعاد قليلاً عن بيت العائلة، ساحة الدار وجدار متواضع يفصلهما عن بعض، للمنزل مدخلين: الأول للعائلة والأقرباء .. يفتح مباشرة إلى الشارع، إلى الضوء .. والمدخل الخشبي الآخر للأسرار و أصدقاء صديقه .. يفتح نفسه إلى الزقاق، إلى العتمة، تدخل منه لتجد على يسارك الدرج الموصل إلى سطحها، تحت مطلع الدرج ثمة مرحاض عربي بسيط، على يمينك يقبع برميل ليشرب ماء الشتاء ..

خطوة أو خطوتان وتقف أمام باب الغرفة المزدوج، للغرفة نافذتين: الأولى تطل على الأهل و أصص الورد الموزعة في أنحاء باحة الدار، والثانية واسعة غريبة وعريضة تغطيها قطعة قماش سميكة، تحجب ضوء الزقاق الخافت مثل حجاب ترتديه امرأة حلبية ساحرة ..

أوشكت الشمس على الغروب حين وصل المدخل السري لغرفة صديقه، نقر بقبضته على النافذة، نظر الصديق من خلف القماش السميك، فتح له الباب الخشبي وأومأ له بالدخول ..

يبتسم الرسام بعينيه السوداوين، بشعره الأسود المجعد، بلحيته المهملة، وبجسده النحيل الرشيق .. يبتسم الصديق ببجامته الباكستانية الزرقاء المحببة إلى قلبه، والتي أهداها إليه سفير الباكستان في أحد الاحتفالات الوطنية الذي نظمته السفارة وشارك به الصديق بإحدى لوحاته ..

الغرفة مملوءة بلوحات ملونة لرؤوس غريبة الألوان والتقاسيم، لنساء مبهمات، أجسادهن كأجساد جداتهن الأوائل على جدران المعابد والكهوف، تستريح على طاولة صغيرة قصيرة القامة زجاجات فارغة من بقايا سهرات أصدقائه الفائتة، في الزاوية سرير متعدد الاستعمالات، الغرفة مرسمه، خمارته ومكان نومه .. يفترش أرض الغرفة فنجانا قهوة وصبية سمراء الوجه، طويلة القامة مثل نخلة، ترابية الجسد، في عُنُقها الطويل بياض كالطَّوق ..

دعاه لافتراش الأرض معهما، لم ينطق بحرف آخر، لم يعرفهما على بعضهما البعض بل تابع حديثه إليها عن الفن والجمال، بعد عدة دقائق حشر نفسه الضيف، سألها عن اسمها، نظرت إليه، أحاطته بعينيها وقالت: احزر ما هو اسمي اعطيك ما تشاء! .. أدهشته جرأتها، توقف الرسام عن حديثه، جحظت عيناه، هو قبل التحدي بمتعة ..

كان دماغه يعمل بسرعة تفوق سرعة الآلات التي طالما درسها .. هو من اعتاد على قبول تحديات الحياة فما بالك بتحديات الجميلات، هو من أحب المكافآت الغامضة ..
مر في رأسه كل ما حدث معه في الأيام الأخيرة، كل الأسماء كشريط سينمائي .. تذكر صدمته ليلة أمس، تذكر صدماته من نساء كثيرات في الأسابيع الأخيرة!

إحداهن وقفت على مدخل قاعة الامتحانات شامخة بشامتها وفستانها، بعمها الضابط الكبير .. مشى من قاعته إليها، حدثها عن إعجابه بها، ضحكت وسألته عن العمر، الإلزامية، المنزل، العائلة والسيارة .. ضحك بدوره وتمنى لها حياة آمنة ..

هل يكون اسم الصبية السمراء "شهلاء"!؟ مثل اسم المهندسة التي راقت له في قاعة الامتحانات؟

قبل يومين سمع أن جارته السيدة المسنة "ضعون" وقعت وكسرت ساعدها، اسمها استثنائياً لم يتكرر منذ يوم ولادتها مثل اسم أمها "دلعونا"، شغله الاسم منذ طفولته ومع هذا نسي أن يسأل معلم اللغة العربية عن معناه .. حين بحث عن المعنى لم يجد للاسم معنى أو استخداماً .. لعل أمها أرادت قبل عشرات السنين تسميتها "طُعُون" المصدر من طَعَنَ .. "تَعَرَّضَ لِلطَّعْنِ بِالسّكّينِ أو لِلْوَخْزِ" .. أو ربما "ظُعون" المصدر من "ظعَنَ" .. "ظَعَنَ الْمُسافِرُ" ومعناها "سارَ ، اِرْتَحَلَ .. و"ظُعون": حبل يشد به الهودج أو جمل يحمل عليه .. لكن القائم بالتسجيل فهمها خطأ فكتب في دفتر الدولة: "ضعون" ..

أيكون اسم الصبية السمراء "ظعناء"!؟

قالوا أن زوجها السيد الحاج عثمان قد أسعفها إلى المشفى، هل يكون اسم الصبية السمراء "عثماء"!؟

قبل اسبوع التقى الآنسة "حلا عجمان"، الصبية الأكثر شهرة في كلية الهندسة، غنية، قوية بسيارتها الفاخرة وأساورها الذهبية، إنها ابنة السيد "علي عجمان" رئيس اتحاد شبيبة الثورة .. استوقفها في أحد ممرات الكلية وتكلم إليها، أبدى لها إعجابه، ضحكت وأجابت: سيارتي كبيرة والعيون تعرفني في كل مكان .. وأنت!، يقولون عنك: أنك سادي، عنيد، وفقير .. ابتسم، هدأ من روعها ودعاها لتناول فنجان قهوة في كافتيريا حلويات سامر مقابل فندق هارون، عيناها قالتا أشياء حلوة، فرح قلبها، عادت خطوة للوراء وقالت: أجننت !؟ كل من يعمل هناك يعرفني ويعرف أبي .. هز رأسه حائراً وتمنى لها حياة آمنة ..

أيكون اسم الصبية السمراء في غرفة صديقه "عجماء"!؟

قبل بضعة أيام وفي السابعة صباحاً زار منزل حبيبته الدكتورة "هيفاء سمعان"، قرع الجرس، استأذن بالدخول، جلست الأم في غرفة الاستقبال مع أختها تحتسيان قهوة الصباح، الأم قارئة جيدة، في ذاك الصباح رجاها من جديد أن توافق على اهداءه يد ابنتها، أحنت الأم رأسها ونظرت من خلف نظارتها الطبية، قالت وهي تقطع أذناب قرون الفاصولياء الخضراء: يا خالتي يبدو أنك أكثر ثقافة مما تسمح به أجهزة الأمن في بلدنا، وهذا يشكل خطراً على ابنتي، أظن يا خالتي أنه إذا سافرت ذات يوم إلى بلاد الغربة فلن تعود يوماً .. خسرت في الغربة أخي ولا رغبة عندي بخسارة ابنتي هذه المرة .. من ثم يا خالتي سأكون أكثر صدقاً معك، لقد سألنا عنك صديقنا ابن الشوباصي، لم ينصحنا بمصاهرتك، قال: بأنك قد أغلقت مراراً شوارع بسنادا، بل قال: أنك أكثر عنفاً مما تسمح به أجهزة الشرطة في بلدنا .. تمنى لأسرتها و ابنتها حياة آمنة ومضى في طريقه ..

أيكون اسم الصبية السمراء "سمعاء"!؟

حين علم من حبيبته أن أمها ترغب السؤال عنه، توجه إلى ابن الشوباصي "جواد الروماني"، عرفه بنفسه، تحدث إليه وأخبره عن رغبته بالارتباط الجدي .. ابتسم له، تمنى وزوجته له التوفيق، أثنى على أخلاقه ووعده أن يتكلم عنه بكل خير ..

أيكون اسم الصبية السمراء "جيداء"!؟

حين أنهى السيد "ثائر غنام" ابن ضيعته دراسته في أوروبا .. دعى أصدقاءه كما جرت العادة في منزل عائلته الغنية غريبة الأطوار للاحتفال بالعودة في أحد مقاصف غابات الفرلق في مدينة اللاذقية، لم يكن زمن السيارات الخاصة قد حان بعد مما اضطرهم للتنقل في تكاسي الأجرة، في كل مرة يخرج السيد ثائر ورقة نقدية من جيبه من فئة المئة ليرة، ورقة عتيقة لعلها غسلت بعد أن نسيها في جيب بنطلونه، لعله قد مزقها قصداً وأعاد لصقها، في كل مرة يخرجها يناولها للسائق، يرفض السائق قبولها، يدعي السيد "ثائر" الاستغراب، يدفع أحد الضيوف أجرة التكسي وهكذا ..

أيكون اسم الصبية السمراء "غنماء"!؟

حين اخترق السيد المحامي "سامر الجردي" رومانسية سهرتهما تحت الدالية على سطح بيت ابن الجيران، كانا في حالة احتساء للخمر ولعبق الذكريات، جلس دون استئذان، تناول كأساً فارغاً وصب لنفسه خمراً وحدثهما عن أرضه التي يرغب في عزقها و زراعتها لاحقاً .. ولأنه شعر بحاجتهما للعمل عرض عليهما العمل سوية في الأرض مقابل مبلغاً مالياً اتفقوا عليه، في الأيام اللاحقات قاما بتحويل الأرض الصخرية إلى جنة، في الأسابيع اللاحقة تحول لونها للأخضر .. زرعاها بالفول والبازلاء، حصد السيد المحامي الموسم .. باعه وربح المال لكنه نسي إعطائهما أجرة تعبهما ..

أيكون اسم الصبية السمراء "جرداء"!؟

عندما دعته ابنة الجيران الثلاثينية "فاطمة العنّاق" لمرافقتها في مشوار المساء، على الطريق الأسفلتي الضيق المؤدي إلى القرية المجاورة كان لا يزال تلميذاً في الثانوية العامة، مشت ومشى بجوارها، تكلمت كثيراً وأصغى إليها، كتفها لامس ذراعه، تعمدت أن يلامس جسدها جسده مراراً، أتعبته الاحتكاكات، شعر بآلام في ظهره، شعر بألم بين فخذيه، عندما افترقا وعاد لمنزله، أرخى جسده على السرير وبكى .. سأله أخوه الذي يكبره سناً عن الأمر، أجابه والدمعات لا تفارق عيونه الصغيرة: كنت مع ابنة الجيران وظهري يؤلمني .. ضحك الأخ وقال: كنت معها أيضاً ذات يوم وآلمني ظهري، اذهب إلى الحمام ..

أيكون اسم الصبية السمراء "عنقاء"!؟

انتهى الشريط السينمائي، راح يخلص نظراته من شرنقتها الشفّافة، مازالت تنتظر منه أن يحزر اسمها، جمع طاقاته، ذكرياته، قدراته في خمسة أحرف تشبه اسمها، تشبهها، انفرجت شفتاه عن العين والنون والقاف والألف والهمزة .. خرجت من فمه دفعة واحدة ليبوح بإسمها: اسمك أيتها الصبية السمراء "عنقاء" ..

نهضت السمراء، ضمته إلى جناحيها الدافئين، أهدته قبلة، أخذ قبلتها، حَلَّقَتْ به العَنْقاءُ، أصابتهما رعشة فاحترقا ..
أنشد الرسّام: "المجد لكما في هيكلي/مرسمي عندما تنهضان من بيت النار والرماد.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعندما يكبر الضَّجَر
- سيدة محلات ألدي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -28-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -27-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -26-
- حين يعانقك الكر في بسنادا
- الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة
- سينما في بسنادا
- صباحك جميل أيها الرجل الأسود
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - أيكون اسمها العنقاء؟