أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الإبداع وترجمة الواقع















المزيد.....

الإبداع وترجمة الواقع


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 14:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هل يستطيع المُبدع أنْ يُترجم الواقع بلغة الفن ؟ نعم يستطيع لو أنه امتلك موهبة الكتابة الإبداعية ، وهذا ما فعله الأديب الكبير عبد الفتاح الجمل الذى لم يترك الكثير من الأعمال الإبداعية، ولكنه ترك بصمته الخاصة، التى يستطيع القارىء المُـتمرّس على قراءة الأدب التعرف عليها ، حتى ولو كان العمل بدون اسم مؤلفه. وتلك البصمة الخاصة شديدة الوضوح فى معظم أعماله ، خاصة فى رواية (الخوف) ورحلته إلى الصحراء بعنوان (آمون وطواحين الصمت) وكتابه (وقائع عام الفيل) والعمل الأدبى الذى أخذ اسم الرواية (محب) بينما الأدق أنه أقرب إلى القصص القصيرة أواللوحات الأدبية. وأعتقد أنّ الأوروبيين كانوا على حق – مؤخرًا - عندما نحتوا تعبير (نص أدبى) على بعض الأعمال الأدبية ، التى يصعب تصنيفها .
فى العمل الأدبى البديع (محب) الصادر عن سلسلة روايات الهلال – يناير 1992، فإنّ عبد الفتاح الجمل توارى خلف قريته (محب) وجعلها هى التى تحكى عن ناس القرية : عاداتهم ومتاعبهم وكيف يبتهجون وكيف يحزنون ، أى أنه ترجم خبرته وذكرياته عن قريته وفق مُـفردات أهلها ، فكتب فى الصفحة الثانية ((هذا أصلى وفصلى – أنا قرية محب – وأصل الفتى ما قد حصل)) أما فى الصفحة الأولى فقد بدأها بداية أكــّدتْ على تفرده اللغوى والإبداعى حيث كتب ((حدّثوا فى رواية مُـتواترة ، أنّ مصر، كانت تتفسّـح فى شماليها الأقصى . وقبل أنْ تعـُـسّ وتتفقد الأحوال ، وتتعرّف على خلق الليل والنهار. وقيل – وهو الأرجح – تمشى رجليها وقد خـُـدّرتا من طول خلود)) وقرية (محب) تابعة لمحافظة دمياط ، وقد حدثنى عنها الأديب الدمياطى المُبدع محسن يونس ، وعندما زرته فى دمياط حدّد لى موقعها والأماكن التى وردتْ فى كتاب عبد الفتاح الجمل عنها.
وصفتْ القرية ناسها قائلة ((شعبى كسالى تنابلة كالمساطيل، يتكلــّمون بالكماشة. يُعملون عقولهم الصغيرة كسلا لا نباهة ، أكثر مما يُعملون سواعدهم)) فلماذا وضع عبد الفتاح الجمل هذا الكلام على لسان قريته ؟ وتبدو أهمية هذا السؤال ، حيث أنّ ما ذكره عن كسل أهالى دمياط ، يتناقض تمامًا مع الواقع الفعلى لما هو معروف عن (الدمايطة) من حب العمل ، لدرجة أنّ الأولاد الصغار يُـفضــّـلون العمل فى عطلات المدارس، رغم أنهم من أسر ميسورة الحال ، كما أخبرنى أكثر من صديق من الدمايطة. فلماذا وصفهم الجمل (الدمياطى) بالكسل ؟ إنه مثل كل المُبدعين الكبار، يلجأ إلى (الإسقاط الفنى) ويجدل الواقع المادى بالمعتقد الميتافيزيقى ، وهو ما فعله فى نفس الصفحة حيث كتب عن الدمايطة ((يتوقون للجنة لسببيْن : ليكونوا فيها هم الكسالى ، مُـتكئين على الأرائك ، ثمّ لأنّ قطوفها دانية ، أفواههم تتعامل معها بلا وساطة من رِجل تتحرك أو يد تمتد)) أى أنه - كما يذهب ظنى – كان يسخر من المعتقد الميتافيزيقى المُـتغلغل داخل وجدان الدمايطه - كما هو لدى أغلب شعبنا المصرى ، رغم أنّ المصرى زارع وعمل فى أصعب الظروف ، كما أثبتَ تاريخه الطويل . وهو ما تأكــّد عندما كان أبنوب أفندى ، مدرس التاريخ ، يشرح للتلاميذ أمجاد الحضارة المصرية. والتلاميذ يطلبون منه المزيد من الشرح ، رغم أنّ ما يقوله لم يكن فى مُقرّر الدراسة ، وكان أبنوب أفندى يتعمّد ذلك ((فى مواجهة الأوغاد من الإنجليز المُحتلين)) أما مدرس اللغة العربية والدين الذى كان يتكلم عن (فرعون) من وجهة نظر التراث العبرى ((فقد كنا نحن التلاميذ نتحمّس له أيضًا ، وإنْ تناقض مع مدرس التاريخ من الأساس : واحد يبنى ويشيد ويزهو ويُمجّد ، والآخر يهدم ويجتث ، والبناء والهدم فى داخلنا نحن الصغار)) (ص57)
وهذا التضاد بين التاريخ (والأدق بين علم المصريات) وبين الدين ، عبّر عنه المُبدع وهو يتناول رؤيته عن (الشخصية المصرية) بكل تناقضاتها ، فكتب عن الناس الذين يقضون الليل فى سهرات الحشيش ، والواحد منهم ((يشرب ويمز ويُصهلل ، وقبل الفجر ينفض المولد ، ليعتلى مئذنة النعمان ، يشجى الأذن النائمة ، وتـُنعش غبارته (أى غـُبارة الحشيش) الأحلام ، وتـقابل مع مؤذنه على سلم المئذنة، وانصرف من الجامع رأسًا دون أنْ يركعها)) (ص10) وفى مشهد آخر وصف شخصيْن بأنهما ((يُـطفشان المُصلين من الجوار فى صلاة التراويح ، التى يختم فيها الإمام المُـتأنى جدًا القرآن كله فى رمضان كل ليلة)) أما الحاج محمد مراد فهو ((ما سجد قط خلف الإمام ، إلاّ وتخلــّـف نائمًا لا يقوم، ومجاوراه يزغدانه بينهما زغدًا ، أما فى قرآن القيام الطويل ، فإنه ينام جانحـًا دائما إلى الشمال ، ومن شماله يهرب المُصلون ، كى لا يتحوّلوا إلى جدار أو دعامة. مرة واحدة تركوه لشماله الخاوى ، فكبس عليه طائف النوم ، فخرّ من طوله وقد شـُجّ رأسه)) أما الحاج محمد الشناوى فهو مولع بأكل الفجل فى إفطار رمضان ((وطوال صلاة التراويح يتجشأ الغازات ، كلما تألب مستنقع الفجل بالفقاعات ، ويا سلام لو هبّتْ ريح ، ووزعتْ النفحات على الأنوف الساجدة)) وعندما عاتبه البعض لأنّ غازاته تضر المُصلين قال ((يا أخى حد طايل.. ثواب ونازل عليهم من السما)) (ص29، 30) وفى مشهد آخر فإنّ الأهالى ((كانوا يُصلون العصر فى زاوية الشيخ إبراهيم الذى دعا على الأهالى بداء المحن . وما كاد الإمام يختم الصلاة ، حتى دسّ مختار العلمى يده فى جيب جلبابه ، وأخرج بلحة وقرش منها قبل أنْ يُسلــّم الإمام التسليمة الأخيرة (وهكذا) نجحتْ بلحة فى أنْ تـُخرج مختارًا من صلاته)) (ص37) والفلاحون لهم وجهة نظر خاصة بمسألة (الحرم والحلال) فهُم كما قال أحدهم ((نسرق كيزان الذرة بعددنا تمامًا ، لأنّ ما يزيد حرام ، يُعاقب عليه الله. كنا نأكل السمك بالذرة المشوية خبزًا)) (ص36)
وفى لوحة بعنوان (أنا مين؟) رسم المُبدع شخصية إنسان ((يكاد يمسك بخيوط توازنه. يفيق ويصلب عوده. وعلى القنطرة الفاصلة بين محب والمدينة يستأنف التطوح . ويقول لشخص غير موجود ((إنت بتشنكلنى.. ما تطيرش شوية السبرتو من قمع نافوخى)) ويواصل السير حتى يصل إلى ضريح (المظلوم) وضريح (الظالم) والضريحان على مدخل محب يتواجهان.. فيقول ((آدى الظالم وآدى المظلوم قصاد بعض ، الظالم أبو كرش بينش ، وسيدى المظلوم مقام ومزار، ومع كدا الظلم ما لوش آخر. وأنا مالى هو أنا اللى عليه تنظيم الكون.. الله يا معجل ما تزعل.. هو يعنى الواحد ما يقولشى رأيه ؟ اسمع لما أقول لك.. حاكم إحنا الاتنين ما نتخيرش.. بننداس.. براطيش بشرفك)) (ص143) فى تلك للوحة فإنّ المُبدع رصد – بشكل فنى بديع – الواقع الاجتماعى/ الثقافى (من منظور الثقافة القومية) للشخصية المصرية ، ونظرتها لثنائية الظالم والمظلوم. وأنّ ضريح الظالم أبو كرش بينش ، بمعنى أنّ لا أحد يزوره أو يقترب منه ويقرأ الفاتحة على روحه. بينما ضريح سيدى المظلوم ((مقام ومزار)) بمعنى إقبال الأهالى عليه. والمغزى أنّ الفلاحين بوعهم الفطرى يعرفون الفرق بين الإنسان الظالم والإنسان المظلوم ، بل أكثر من ذلك فإنهم يُدركون أنّ الظلم بلا نهاية. ثم يكون التعقيب الأخير من هذا الإنسان الذى يُحاول نسيان همومه بالخمر المغشوش ((وأنا مالى.. هوّ أنا اللى عليه تنظيم الكون)) وهكذا نفذ المُبدع إلى (عقل ووجدان) الشخصية المصرية ، بسلبياتها وإيجابياتها ، لأنّ ما قاله هذا الإنسان اليائس/ البائس عن أنه لا يملك تنظيم الكون ، كان يُترجم المأثور المصرى الشهير ((سيب المُـلك للمالك))
وفى لوحة (الأحمر والأخضر) تنويعة أخرى على تعددية الرؤى المُـتمثـلة فى تعدد أضرحة الأولياء ، وقد عبّر المُبدع عن تلك التعددية فكتب ((كل قرية تتعلق بأهداب ولى من أولياء الله)) وبأسوبه الساخر أضاف ((كالقرادة فى أعلى فخذه أو تحت إبطه ، تستمد منه الحماية والعون وكافة شئون الروح والأحلام والغيب)) وتتعاظم سخريته فكتب ((قائمة ضخمة من الأعمال الثقيلة. كان الله فى عون عونه. كيف يجد (الولى) الوقت والجهد إنْ لم يكن السر باتعًا؟)) والأهالى أخذوا اسم القرية (محب) ومنحوه لأحد الأولياء فصار (الشيخ محب) ولكن الشيخ ((بعد أنْ اعتمر القبة وارتاحتْ فوق رأسه وارتاح رأسه تحتها شرع (بواسطة مريديه) يفرض الإتاوة وصار الآمر الناهى فى الأحلام . وشموع منقادة بالداخل وفانوس بالخارج يُـضيىء له إسراءه ومعراجه إلى كراماته)) ولكن الإنجليز- بسبب رغبتهم فى توسيع الطريق – أمروا بإزالة مقام الشيخ محب. والأهالى لم يروا الإنجليز، ولكنهم سمعوا أنّ الإنجليز ((يركبون الحكومة حماريـًا ويقعدون فوق أكتاف الملك مُـنجعصين ، فإنْ أرادوا أنْ يسوقوه هزوا أرجلهم)) وعندما لجأ الأهالى إلى شيخ القرية لوقف هدم ضريح الشيخ محب قال لهم ((الأحمر هم الإنجليز. والأخضر هو الشيخ محب.. الذى يقول لكم.. دعوا كرامة الشيخ محب تتكفــّـل بالإنجليز. إنْ صدق أوقفهم . وأنا أضم صوتى إلى صوته)) وردّد الناس أنّ الشيخ محب ((سوف يعطب السلطان الأحمر. سوف يخسف الأرض بالإنجليز)) وبعد أنْ تمّ هدم ضريح الشيخ محب قال الأهالى ((محب ابن ستين فى سبعين كلب.. محب فص ملح وداب. دى القبه الخضره تاخد ولا تديش.. حاميها حراميها يا كلاب)) (من 102- 110)
فى تلك اللوحة البديعة فضح الجمل التعلق بأذيال الخرافات (إحدى توابع الميتافيزيقا) عن كرامات الأولياء ، وكانت قمة السخرية أنّ تلك الكرامة اختفتْ تمامًا ولم يستطع الشيخ محب ولا أتباعه حماية ضريحه. وبينما الأهالى يُصدّقون تلك الخرافات ، وعندما يسخرون من أى شخص يُشبّهونه بالحمار، فإنّ الحمار لديه قدرة فائقة على التذكر وتراكم الخبرة حيث أنه يذهب إلى بيت صاحبه الذى نام فوقه (ص91) ورغم ذلك فإنّ الأهالى لا يزالون على تمسكهم بالخرافات ، من ذلك أنّ بعضهم ((يسعى إلى الصلاة فى المساجد ذات الأضرحة على أمل أنْ يكون الولى وسيطه فى حساب القبر. والشفيع فى حساب يوم الحساب.. قطبان يتنافران : مُبتدع يموت ويعيش فى الخرافات.. وسنى لا يفعل إلاّ ما فعل الرسول بالحرف ، حتى الصلاة بالنعل فى المسجد إحياءً لسنته)) (ص87) وفى لوحة (بير الصمت) فإنّ إبراهيم أطلق مدفع السحور، ثم نام بجوار المدفع حتى يجيىء موعد الإمساك، ولكن ((جرفته التعسيلة إلى أنْ أيقظه الشارع فى الضحى ، وعبوة الإمساك بين يديه لم تـُطلق . فقام من فوره إلى المدفع يُعمّره وأطلق . ومثل الوز وقفتْ المدينة على رٍجل واحدة ، وانضاف الحادث إلى رصيد فلوكلور المدينة الفـَـكِه)) (ص132)
وعبد الفتاح الجمل كما أعطى للحمار حقه فى (النباهة وتراكم الخبرة) أجرى الكثير من الحوارات سواء بين الكائنات الحية أو بين مظاهر الطبيعة ، من ذلك الحوار الذى أجراه بين قطرة الندى وأختها المشنوقة فوق قمة الورقة الإبرية المتجهة إلى السماء وتقول لها ((أأنت الثور الذى يحمل الأرض على قرن؟)) فقالت أختها ((ألا ترين المصير؟ عما قريب تـُرسل الشمس شعاعها.. وفى الفضاء الحر تتنادى وتتجمّع فى سحاب.. تدفعنا الريح وتهدهد.. بلد تشيلنا وبلد تحطنا إلى أنْ نسقط فى مكان ما مطرًا أو ندى.. ألا تـُعجبك هذه السياحة الفضائية؟)) وعندما قالت قطرة ندى أخرى ((أنا فرحتى إلى الموت والفناء فى الأرض.. انظرى إلى تحت.. سأسقط فى هذه الأفواه الفاغرة تبتلعنى وأفنى)) ولكن أختها ردّتْ عليها قائلة ((يا عبيطة.. تفنين؟ ألم تسمعى عن القانون الكونى القائل : المادة لا تفنى ولا تستحدث.. يموت الحى ويظهر فى تفاحة أو عصفور أو جحش)) (ص65، 66)
وفى لوحة (الجاموسة والفراشة) الجاموسة تقف فى ظل أمها الجميزة. وعلى طرف قرن الجاموسة حطتْ فراشة. ثم حط أبو قردان على ظهر الجاموسة. فقالت له : يا حكيم هل تنتظر عزومة ؟ ثم رفعتْ ذيلها فتولى أبو قردان مطاردة الذباب والقضاء على مستعمرة القراد. وكان الهدهد يجلس تحت الجاموسة يلتقط القراد فقالت له ((مين قدك يا عم؟ مثل الفرخة رزقك فى رجليك))
وفى لوحة (هذه هى المسألة) فإنّ الغراب ينشن على بلحة بعينها.. ومن قمة مخروطها المقلوب ينقر. وإلى منابت سعفة يحجل . انغرزتْ سلاءة السعفة فى جسده . فتألم وصاح : كواك.. كاك. فقالت له النخلة : ذنبك على جنبك.. ألم تر كل هذه الحراب المشرعة حول جمارى.. هل عميت ؟ ولأنّ الغراب هو الذى اقتحم عرين النخلة ، ولأنه هو المتحرك والنخلة لا تتحرك لذلك سألته ساخرة : من الذى يتفادى الآخر؟ الثابت أم المتحرك ؟ فقال لها : المتحرك هو القادر على التفادى . هو الذى أتى برجليه. أنا المُخطىء يا عمتى النخلة. ثم تكون حكمة النخلة : ولكن الناس (أسيادنا) أراهم ثابتين كالشجر، يتفرّجون منذ آلاف السنين على من يُـلعبهم على الشناكل . وعندما سألتها الجاموسة : ما العمل ؟ قالت : شوفى يا ست . الواحد فى محب اثنان : واحد قابع فى داخله وقدس أقداسه. مذعور لا يبرح ، وآخر بقناع ومهاود.. هم كالقراميط مزفلطون . أما الحمار فقال لعمته النخلة : طالب من الله.. ولا يكتر على الله. قبل ما أموت ياعمة. أنْ أركب شيخ الخفر شخصيًا وأهز رجلى . ثم سألها : كيف الخروج من هذا الحكم الظالم : فقالت : طالما ظلّ الحكام فى حصنهم الحصين . فلا أمل فى تغيير. أو فى الحصول على حق منهم . فسألتها كل الحيوانات : إذن كيف نـُخرجهم ؟ فقالت العمة النخلة : هذه هى المسألة. فى تلك اللوحة فإنّ عبد الفتاح الجمل أدان - على لسان النخلة - ظلم الحكام واستسلام المحكومين ، بينما الحمار يتمنى ركوب شيخ الخفر.
وعالج المُبدع نفس الموضوع فى لوحة (الحدق يفهم) حيث جعل اليمامة تقول ((ابن آدم أوتى اليد واللسان ، فابتدع السجن ، أبشع ما قام به على الأرض من بناء. يزج فيه باسم مقدساته كل من يُخالفه ، حتى عمدة محب الأكتع يُحوّل إليه كل من لم يدخل له زور)) والتعبير الأخير معناه كل شخص (دمه تقيل على قلبه) أى تلفيق أى تهمة لمجرد أنّ هذا الشخص ليس من المُريدين/ المنافقين . فقالت الصفصافة : لو أننا نحن الشجر والطيور اهتدينا كما اهتدوا إلى هذا السجن ، لدوّنــّـا بدماء التعذيب تاريخـًا ، ولنبتتْ لنا فى ظلام الزنازين ذاكرة تخزن ، وكانت لنا حضارة . فقالت اليمامة : يا شيخة. الله الغنى عن مثل هذه الحضارة الدموية. فليغـُر وحش الوحوش سبحانه من الحياة. وفى لوحة (إماء) تجسيد لاستغلال السلطة لشعبها من خلال علاقة النحلة (الملكة) بمجموع النحلات (الشغالات) المؤمنات بأنّ ((ما الحياة إلاّ عمل))
000
وكما استوعب عبد الفتاح الجمال كافة مفردات أهالى قريته (محب) بكل تنافضاتها (من مزايا وعيوب) كذلك التزم بمفردات لغتهم فكتب أنّ فلانــًا (شنكل) فلانــًا بمعنى كعبله من أجل توقيفه واستدراجه. وفلان (يُناغى) و(يُناغش) وفلان عامل زى (الشحط) بمعنى (صحته بعافيه وقوى الجسم) بينما المعنى فى قواميس اللغة العربية : الشحط : البُـعد وشحط المزار (أشحطه) أى أبعده (مختار الصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص353) وكتب فلان عامل ((غاغه)) بمعنى الشوشرة والتشويش على الآخرين . وفلانه (شرشوحه) بمعنى طويلة اللسان وتسب الآخرين . وفلانه (بتهنكر) ومن السياق فإنّ المعنى قريبٌ من الفشر. وفلان (محتاس) بمعنى مرتبك ويمر بأزمة لا يعرف كيف يخرج منها . وفلان (مزقطط) بمعنى شديد الفرح . وفلان (شملول) بمعنى عظيم الخبرة أو هكذا يظن فى نفسه. وغالبًا يستخدم الفلاحون تلك الكلمة للسخرية. واستخدم كلمة (صرمحه) للتعبير عن قتل الوقت فى الأشياء التافهة. وفلان قال لفلان (قم فز) بمعنى انهض بسرعة وبلغة آمرة فيها عنف . والإناء (تدشدش) بمعنى تكسّر. والمرزبه ح تبطط فلان (عِجه) والشىء الذى يُسبب النكد فإنه (يفقع المراره) وفلان (كوّع) بمعنى نام على كوعه. أى مرفقه أو طرف الزند كما فى اللغة العربية كما شرحها الجمل (ص129) وكما وردتْ فى مختار الصحاح (ص608) بينما المعنى الحقيقى أنه نام على ذراعه. وعزرائيل له حق (ما يهوبش) ناحية البلد دى ، بمعنى لا يدخل تلك البلدة. واستخدم (براطيش) بمعنى الأحذيه أو النعال القديمة. وفلان يشرب السبرتو و(منقوع الصُرم) بمعنى الماء المنقوع فيه الأحذية. والجاموسة رفعتْ (نن) عينيها بدل كلمة (بؤبؤ) العربية. واستخدم كلمة (فلفص) للتعبير عن التخلص من موقف ما.
000
أعتقد أنّ الأديب الكبير عبد الفتاح الجمل فى مجموع اللوحات التى رسمها لقريته (محب) أبدع أدبًا راقيًا (بغض النظر عن تصنيفه) ولخـّـص – إبداعيًا – رؤاه عن ناس تلك القرية - أثناء فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر- بكل مزاياهم وعيوبهم ، وأنّ تلك القرية فيها شىء من الجنة وشىء من الجحيم (ص146)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات فى حياتى : أبى
- التاريخ المسكوت عنه فى رواية (شوق المُستهام)
- شخصيات فى حياتى : زوجة أبى
- شخصيات فى حياتى : جدتى
- نشأة الأصوليات الدينية والدور الأمريكى
- الوفد وآفة شعبنا : ينتفض وينام
- الوفد وضباط يوليو (1)
- جهاز كشف الأصولية الدينية
- مؤسسات الدولة والأصولية الإسلامية
- تجارة السلاح والمسرح العالمى
- الشعر والصدق الفنى : قراءة فى ديوان (إسكندريه يوم واحد)
- التعليم والوطن
- مخطط العداء للنوبيين
- الرياضيات والألعاب فى مصر القديمة
- فلسفة إلغاء العقوبات البدنية
- المرأة فى التراث العربى / الإسلامى
- تحولات المثقفين وتنازلاتهم
- الإنسان ال Dogma والكائنات غير العاقلة
- تناقضات الأصوليين ومرجعيتهم الدينية
- ثالوث الخرافة والأسطورة والدين


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الإبداع وترجمة الواقع