أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس والنص السردي الغائب















المزيد.....

القدس والنص السردي الغائب


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 13:06
المحور: الادب والفن
    


تغيب القدس تقريباً في نصوصنا السرديّة الطويلة. ثمة حضور لها إلى حدّ ما في الشعر. عدد غير قليل من الشعراء الفلسطينيين والعرب كتبوا قصائد عن القدس، عن الوضع الاستثائي القاسي الذي تعاني منه المدينة. كتبوا عنها باعتبارها رمزاً دينياً وثقافياً، وكتبوا عن فرادتها وما فيها من تعدّدية وقابليّة لأن تكون حاضنة لأشواق البشر على اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم، ولم ينسوا أثناء ذلك وقبله وبعده أنها مدينة عربية فلسطينية لها امتدادها العريق في التاريخ. ولعلّ البحث الذي كتبه الدكتور فاروق مواسي عن "القدس في الشعر الفلسطيني الحديث" ، وما كتبه الدكتور عادل الأسطة في الموضوع نفسه، أن يكون مرجعاً مناسباً لمن يروم تقصّي وجود القدس في شعرنا.
تحضر القدس في بعض النصوص القصصيّة التي كتبها كتّاب فلسطينيون. تحضر بأحيائها القديمة، بشوارعها ومقاهيها ومساجدها وكنائسها، بناسها الذين لهم طبائع وعادات وأنماط معيشة وأساليب في تحصيل العيش، مشتقّة من طبيعة مدينتهم ومن انفتاحها على العالم. ولعلّ ظهور كتاب باللغة الانجليزية بعنوان "القدس مدينتي" الذي حرّرته الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، واشتمل على نصوص لكتّاب عرب وأجانب حول القدس، أن يكون مؤشّراً على ضرورة إيلاء المدينة أهميّة خاصّة في نصوص أدبية، قادرة على الدفاع عن طابعها الذي يراد تزويره، للتماهي مع المقولة التي تدّعي أنّ القدس هي عاصمة إسرائيل إلى الأبد.
تحضر القدس أيضاً في بعض الأفلام الروائية والوثائقية التي أخرجها سينمائيون فلسطينيون في السنوات الأخيرة، وكذلك في بعض الأعمال المسرحية، وفي بعض الأغاني، وفي لوحات فنية لرسّامين فلسطينيين في الوطن وفي الشتات. تحضر في بعض المناسبات الثقافية الكبيرة، في جوائز فلسطين للآداب والفنون والعلوم الإنسانية، التي تدأب وزارة الثقافة الفلسطينية على توزيعها. فثمة ضمن هذه الجوائز، جائزة تحمل اسم "القدس". وقد منحت أوّل مرّة لدى إنشائها قبل سنوات، للمغنّية الكبيرة "فيروز" التي غنّت للقدس فأبدعت في الغناء.
تحضر القدس في القرارات المتتالية التي تتّخذها اليونسكو، وفيها تأكيد على ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري والتاريخي في المدينة. وتحضر في القرار الذي اتخذه وزراء الثقافة العرب، باعتبار القدس عاصمة للثقافة العربية في العام 2009 .
غير أنّ القدس تغيب حتى الآن على نحو فاضح، في نصوصنا السردية الطويلة، سواء أكانت هذه النصوص روايات أم أعمالاً نثريّة أخرى. هناك نصوص سردية قليلة تناولت القدس بهذا الشكل أو ذاك، ومن أبرزها كتاب إدوارد سعيد "خارج المكان" الذي تحدّث فيه الكاتب عن فترة من طفولته قضاها على نحو متقطّع في القدس، مسقط رأسه، في الفترة التي سبقت وقوع النكبة الفلسطينية العام 1948 ، ورواية "مصابيح أورشليم" للعراقي على بدر، وهي رواية لافتة للانتباه. ورواية "برج اللقلق" لديمة السمّان، ورواية "عائد إلى القدس" لعيسى بلاّطة، وروايتان لعزّام أبو السعود هما "صبري" و " حمام العين"، وروايات أخرى لسحر خليفة وليانة بدر وحليمة جوهر وربحي الشويكي وعيسى بشارة، وبعض روايات أخرى للفتيات والفتيان من بينها رواية "عش الدبابير" لجميل السلحوت، غير أنّ هذا لا يكفي للرّدّ على حالة الغياب المؤسفة، خصوصاً حينما نتذكّر ما تتعرّض له المدينة من مخطّطات تهويديّة مثابرة.
من هنا تتأكّد الحاجة إلى نصوص سردية طويلة مكرّسة للقدس، وعلى قدر عالٍ من التميّز الفني، لأنها هي الأقدر من غيرها من ألوان الأدب والفن، على استيعاب جوانب كثيرة تمثّل المدينة بكل ما تزخر به من تاريخ ومن حقائق ومكوّنات دينية وحضارية وثقافية، ومن وجود بشري فلسطيني لا يمكن تجاهله، وذلك بحكم الإمكانات التي يوفّرها النصّ الروائي لتقديم حكاية مسهبة، حافلة بالتفاصيل وبتجلّيات متنوّعة للماضي البعيد وللواقع القريب، ولإثبات أنّ العرب الفلسطينيين الذين عاشوا في هذه المدينة سنوات طويلة جداً، لا يمكن اختصار وجودهم في شكل أقليّة غريبة، تعيش في مدينة ليس لهم فيها تاريخ.
من يذهب إلى متحف القلعة الواقع في منطقة باب الخليل من البلدة القديمة في القدس، يدرك كيف يجري تقزيم التاريخ العربي الفلسطيني في المدينة، وتقسيمه إلى حقب منفصلة مجزّأة، أيوبية ومملوكية وعثمانية وعربية، وذلك لغاية في نفس يعقوب، بحيث يبدو تاريخ اليهود في المدينة كأنه الحقيقة الكبرى التي توضع القدس في سياقها، وبحيث يبدو للسائح الأجنبي الزائر لهذا المتحف، كما لو أن القدس مدينة يهوديّة في الماضي وفي الحاضر.
ولعلّ هذا الجهد الدعائي الإسرائيلي الذي يتّخذ أشكالاً متنوّعة، أن يفسّر ما يحدث في كثير من الحالات، حين يفاجئك بعض الناس أثناء السفر إلى أوروبا أو إلى الولايات المتّحدة الأمريكية، بالسؤال: من أين أنت؟ فتجيب: من القدس. وهنا تقع المفارقة، عندما يقول السائل على الفور: آه! إذاً أنت يهودي! هذا الأمر سبق لفدوى طوقان أن تعرّضت له أثناء زيارة لها إلى لندن، وقد عبّرت عنه في قصيدة لها كتبتها قبل سنوات بعيدة. والأمر نفسه وقع ويقع لكتّاب آخرين ولأناس عديدين من محبّي السفر.
تتنوّع الدعاية الإسرائيلية إزاء القدس وتجد تعبيرها الأوفى في الأدب. لاحظت ذلك، في ما أتيحت لي فرصة قراءته من الأدب العبري، خصوصاً في العديد من قصص وروايات أ. ب. يهوشواع وعاموس عوز. ولا يندر أن يلحظ القارئ لبعض النصوص الأدبيّة الإسرائيلية، تكلّفاً مقصوداً في ذكر القدس، لتثبيت حضورها في النصوص الأدبية وفي ذاكرة الإسرائيليين وفي ذاكرة العالم. وأشير هنا إلى قصّة طويلة تقع في خمس وسبعين صفحة، كتبها أ. ب. يهوشواع عنوانها "ثلاثة أيام وطفل" ورد ذكر "القدس" فيها اثنتين وخمسين مرة. وقد لاحظت أنّ كاتبها يسهب في وصف المقدسيين الإسرائيليين: (في بعض الأحيان، حينما يأتيهم المزاج، ينظرون نحو الشمس، الريح، والسماء الممتدّة فوق مدينتهم باعتبارها رموزاً تتطلّب الدراسة)، ويسهب في وصف أحياء القدس وشوارعها وأشجارها وطقسها: (ينبعث هواء بارد من جبال القدس، يحيط بنا ويداعب خدودنا)، وفي موقع آخر من القصّة يقول: (والآن تهبّ الريح الصحراوية بثبات على القدس) وفي موقع آخر أيضاً: (هذا القمر الأبله يتدلّى فوق القدس مثل حجر أصفر)، وغير هذا كثير.
وعلى الرغم من كلّ ما ذكرته من حضور للقدس في ألوان من فنوننا وآدابنا، فإنّ محصّلة ذلك كلّه حتى الآن ليست كافية. ربما لأنّ ثمة وقائع شرسة يفرضها منطق القوّة الإسرائيلية على حاضر المدينة وعلى مستقبلها. ومع ذلك، وإزاء التقصير العربي والفلسطيني الذي تتعرّض له القدس في ميادين عديدة، فإنّ حضورها في نصوصنا السردية الروائية يعتبر أمراً مطلوباً بإلحاح، لأنّه قد يحفظ للمدينة صورتها الحقيقية، ويجعلها حيّة على الدوام في ذاكرة الأجيال الفلسطينية والعربية، وفي ذاكرة محبّي العدل والسلام في العالم.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان عادل الترتير/ البدايات كانت في القدس
- فنان مقدسي اسمه فرنسوا أبو سالم
- القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب
- القدس وتبدلات شارع صلاح الدين
- ثقافة معزولة في مدينة محاصرة
- تبدلات شارع الزهراء
- العمران وضواحي القدس الآن
- القدس الشرقية تذوي والغربية تزدهر
- مقاهي القدس التي تتناقص باستمرار
- ترييف القدس المعزولة عن ريفها
- شبابيك القدس3 / قالت لنا القدس
- شبابيك القدس2 / قالت لنا القدس
- شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5
- في مديح نساء القدس/ قالت لنا القدس4
- قالت لنا القدس3
- تمهيد ثانٍ/ قالت لنا القدس
- تمهيد أول/ قالت لنا القدس
- رقص/ قصة قصيرة جداً
- فراغ/ قصة قصيرة جداً
- لو/ قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس والنص السردي الغائب