أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس















المزيد.....

إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 08:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في قسوة طريقة تعاملنا مع أهل المعصية، نكون حيارى بين أمرين مختلفين: الأول: أننا نريد غرس شجرة الهداية في القلوب الغافلة، لكي تكون أقرب إلى نعيم الجنان الخالدة. والثاني: أننا نخشى من افتتاننا بهم في سيرنا نحو ما نراه كمالا، وجمالا. ولذا، فإن كان الدافع لنا هو الأمر الأول، فإن هداية الناس ليست بأيدينا القابلتين لما تتسخ به من أدران الذنب، والخطيئة، بل هي في صريح عقدنا بيد من يملك أزمة قلوب الخلائق. وهنا نخطئ كثيرا حين نظن أن سوء تعاملنا مع أهل العصيان، سيكون أثره عليهم، هو العودة المحمودة إلى حظيرة الرشد، والهداية. وذلك لو قصد منا بالحركة الفاعلة، فإنه غير مطلوب منا في الأصالة، لأننا لم نكلف في المطالب الشرعية إلا بما يفيد إرشادنا لهم بين دروب الغفلة، والضلالة، ويضمن براءة ذمتنا من السكوت عن صلاح أمرهم، وشأنهم، وأما ما عدا ذلك، مما يؤدي بنا إلى إحداث فتن عامة بسبب تجريحهم، أو ضربهم، أو قتلهم، فإنه تجاوز للحد المنوط تكليفه بنا في الذمة الشرعية. فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لم يكن في حقيقة الإلزام به أمرا مطلقا بلا حدود، ولا قيود، بل قوة الضرب على أيدي العصاة المعاندين، والمجاهرين، ليست لأي فرد في المجتمع، بل هي منوطة إلى ولاة الأمر الذين يقيمون العدل بين الناس بالسوية. وإذا كان الدافع هو الأمر الثاني، فإن مفهوم الابتلاء بالفتن، لن يكون له أي معنى في الاعتبار، لاسيما وأن المجتمع المتعدد الوجهات في الفكر، والممارسة، لن يكون خالصا لفئة دون فئة، أو لطائفة دون طائفة، بل إلى جانب أهل الصلاح ينمو أهل الفساد، وإلى جانب المعروف ينبت المنكر، ولذا، فإن استعداء أحد على الآخر بدعوى امتلاكه لنص السماء، واستحواذه على الخلق في عالم الأرض، لن تكون نتيجته إلا بروزا لعقلية متعصبة لرأيها، ومتشنجة من غيرها. وذلك ما يفسح المجال لوجود مناخ قابل للشحناء، والبغضاء، والكراهية. وذلك ما يربك السير العام للمجتمع، ويصرف كثيرا من جهدنا إلى متاهات لا مخرج من حدة لغطها، وجدلها. والأغرب أن تبني هذه الفكرة الأحادية النظر، لم تكن مقبولة شرعا، ولا واقعا، بل هذه النظرة المتعالية تتعارض مع المفاهيم القرآنية التي رسخت لمفهوم الأكثرية بنظر قدحي، وركزت على صناعة النوع الإنساني الملتزم معرفيا، وسلوكيا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية،. فإن أهون التزام بالمبادئ الدينية، والأخلاقية، هو ذلك الالتزام الذي تحركه رجة، أو هزة. فأي التزام هذا الذي يفسده ساق فتاة عارية، أو ملاحة وجه أمرد صبوح.؟ لو فسد هذا الالتزام بشيء يطرأ عليه في عالم الغرائز الجامحة، فإنه أقرب إلى النفي من الإثبات. لأن الالتزام القلبي والعقلي يحميان الإنسان من الوقوع في سبة الهدم، والنقض، ويمنعان من الذوبان في محيط الآخر المخالف، والمجافي. وإذا كانت نظرة واحدة ستؤدي إلى تحطيم كل القناعات الدينية، والفكرية، فإن ذلك في الحقيقة يدل على عدم امتلاك الفرد لسقف لسقف معرفي ونظري يستطيع الوقوف في وجه البلاء، والفتن. ومن هنا، فإن الالتزام الديني، كما تبنيه نظم فكرية، وثقافية، قد تكون في مفاهيمها متساوية، ومتناغمة، وقد تكون متنافرة، ومتعاندة، فإنه إلى جانب ذلك يفرض وجود مظاهر متشابكة مع الواقع في عملية المزج بين العقائد، والشعائر، ولذا لا يمكن تجاوزها في عملية فهمنا لحقيقة التدين، وإلا كان التعبير عن الباطن في صياغة المنطق الفردي والجماعي ناقصا، وضعيفا. وذلك ما جلب ويلات ضرورة التشكل في المبنى الخارج، وإن كان ذلك في الغالب لا يخرج عن كونه من باب الحصانة في المجتمع، لا من منطلق الإيمان بجدوى ما نبرزه من أشكال هندسية في التعبير عن حقيقتنا الروحية، والمعنوية. وهنا نفقد شخصيتنا الحقيقية في شخصية المجتمع، لئلا نصاب بهوس ذلك النافر، الثائر، الهائج، المائج، وهو يعلن عن التزامه بكثرة تجسده لمظاهر الصلابة، والصلادة، والشدة، والحدة. وتلك هي سبة العقل الديني، لأنه بمقدار ما يريد تطهير المجتمع من مظاهر الغير المخالف، فإنه يلغي الفرد، ويعطله، ويشله، ويقتله، لكي يكون القرار بداية ونهاية بيد الجماعة، لا بيد الفرد الذي يمكن له أن يختلف عن غيره في فيزيائيته الذاتية، أو في تنشئته المجتمعية. لكن ذلك ومهما حاول بعض المجدفين من المفكرين أن يقولوا بضرورة قيامه، فإنه في حقيقته مجاف لأسطورة طهارة المجتمع، ونقاء طريقته، وسلوكه. وهكذا، فإن كثيرا من حركات الاحتجاج على تصرفات العصاة في الأماكن العمومية، لم يحركها فهم مستساغ شرعا، ولا واقعا، لأنها لا تمثل إلا إطارها النظري، ولا تجسد إلا سياقا مجتمعيا قائما على قناعات فكرية جماعية، وسواء شارك الجميع في صياغة أنموذجها، أو فرضت من قبل نخبة معينة من نخب المجتمع، فإنها لا تسمح في ظروف تعدد المشارب الروحية والفكرية والثقافية بممارسة عملية المراقبة لتفاعلات الأفراد والجماعات مع ما تفرزه الأنظار الفلسفية الكونية. ومن ثم، فإننا إذا اكتفينا بنظرتنا الأحادية إلى حقيقة المجتمع، ورفضها ولوجه في خضم رزنامة من المواثيق والعهود التي تواطأ عليها العالم، فلا محالة، سنقع في مغبة مجازر رهيبة، يتطاول فيها كل من زعم أنه المهيأ بشعيرات لحيته للنيابة عن الله على المخالفين، والمعادين، لكي يسومهم الخسف، ويذيقهم الهوان. وذلك ما لا يمكن أن توجد معه حرية، ولا عدالة، ولا مساواة. بل سنستنكف عن العمل الجاد الذي يدفع بنا إلى تحديث مجتمعاتنا حتى لا تحفر فيها حفر يؤوب إليها كل من أحس بضرر الفقر، والحرمان، وإذ ذاك، سنعترض سبيل المارة، فنبحث في عمق بواطنهم، وجلية ظواهرهم، وإذا ما عن لهم أنهم منحرفون، أو ضالون، نعلن إقامة الحد عليهم في الأماكن العامة. وهنا لن نصل بهذا الأنموذج المتسيب إلى مرحلة الاستقرار، والأمن. ولذا، فإن محاربة الظواهر التي تنتشر في المجتمعات البشرية، لن يتأتى لنا إلا بمواجهة محاضنها التي تتوالد وتتناسل فيها، ومحاصرة مهدها الذي نستعذبه، ونستلطفه، ولعلنا إذا قمنا بهذا الدور التكليفي القائم بالأصالة في حقائق الأشياء المعترض عليها، فإننا نكون قد برأنا ذمتنا الشرعية، وإذ ذاك لا يضيرنا إذا وجد في المجتمع عصاة مفسدون، لأن وجود ذلك مما يدل على استمرارية الحياة التي لا يمكن لها أن تصفو في مورد واحد، بل لو لم يكن إلى جانب أهل الطاعة زمرة من العصاة، لما كانت لطاعتنا قيمة، ولا اعتبار. بل لو خلص الكون لأحد الفريقين، لانتهى العالم بجموده، وهدوئه، لأن ديمومته ليس من اتحاد كل العناصر على فكر واحد، بل من تجاذب وتدافع سنن الحقيقة المبتغاة بين هؤلاء، وهؤلاء. وهنا يتجسد العمق الإيماني للالتزام التكليفي، وتظهر معه كامل الصفات الإلهية التي من منها التَّواب، والغفار، وإذا لم يكن لهذه الصفات تمثلات على أرض الواقع، فإن ذلك مما يعطلها عن ارتباطها بالفعل التنجيزي الحدوثي، وإذا تعطلت نسبتها في كلية الأشياء، أبدلنا الله بأقوام بعصون، فيستغفرون، فيغفر لهم. وأخيرا يمكن لي أن أشير إلى نقاط لها ارتباط بالموضوع، الأولى: أن مفهوم الخيرية إن لم يكن مترعا بمفاهيم الحرية، والعدالة، فإنه يتحول إلى سادية لا تتحقق إلا في فرض سياق معين، لا تعدد فيه، ولا تنوع، وذلك مما يؤدي بنا إلى هيمنة مسعورة بلذة الاستحواذ على الآخرين، وإذلالهم، واحتقارهم. الثانية أن ديمومة المجتمع، ليست في الاعتراف بالآخر، أو عدم الاعتراف به، لأنه موجود، ووجوده أصلي، لا فرعي، أو تبعي، بل ديمومته في تجاوز بعض المفاهيم التي تنعكس على مرآة عقولنا بعنفها، وشدتها، لكي يكون هدفنا المشترك، هو خدمة ما به تقوم آلات البناء، وقواعد التطوير، وعلاقات التحديث. ولذا، فإن القول بالخيرية المجردة عن العمل الإنساني المشترك، يؤسس لعقل باطني يستلهم مفاهيم الاستعلاء بطريقة ميكانيكية من أدوات الهيمنة على الآخر، واستلابه، واستغلاله. وذلك مما لا يمكن معه الاعتراف بالآخر، وإلا، كان ذلك انبطاحا للآخر في دائرة رسمت بصور مختلفة، تقتضي المغايرة المضمرة للاختلاف، لا للتعدد، والتنوع، وسواء كان ذلك الآخر المستكين من أهل الكتاب، أو من أهل الشرك، أو من أهل المعصية. ولذا، فإن المعتقد الذي يتأسس على المجانسة المقيدة بالجنس المعين، لا ينظر إلى الآخر إلا بعين مخالفة، ومهما كان هذا الآخر متفوقا، ومتميزا، فهو يحمل في حقيقته نجاسة معنوية، لا رسم لها في الأعيان البارزة، وإنما هي منظورة في أمر باطني، لا تجسد له في الواقع، وهو الشرك، أو له تجسد في الخارج، وهو المعصية. وذلك ما يمنع حملة مفهوم الخيرية المرتبطة بالجنس، لا بالنوع، من إيجاد سبل للتواصل مع الآخر، والاستفادة منه، ولو كان موافقا له في مادية أبجديات تصوراته، وتصديقاته، أو في خصائصه الإنسانية، والبشرية. الثالثة: إذا كان المجتمع يقر بوجود جيوب أخرى للرذيلة في عمقه، فإنه في إصراره على رفض الآخر، لا يعدو ما صاغه الخطاب الديني من تفخيم لضرر الغرائز على الإنسان، والمجتمع، وذلك لو نظرنا إليه بعين فاحصة، فإننا نشهد من خلاله كيفية بناء طابوهات على المستوى الباطني، وهي لا تنتج إلا تعظيما للشهوات التي يعسر معها الخلاص من ضغطها النفسي، والاجتماعي. فلو وصفنا الإنسان بأنه إرادة قوية، وعزيمة حادة، لا تضعضعها العواصف، والرياح، فإننا سنكون قد وضعنا قدمه على صريح حقيقته، لكن حين نروج لهذا الفكر المحطم لقوى الإنسان، ونوازعه، وغرائزه، ورغباته، ونمنحه في مقابل ذلك بديل الحرمان، والهجران، أو بدائل أخرى لا تستوعب تفاصيل القضايا البشرية على امتداد الزمان، والمكان، فإننا نصنع غولا، ووحشا، وعلجا، وعجلا. وهنا يكون الاستحضار الذهني مرتبطا بالاستبطان الباطني، فتتحول الصفات البشرية إلى الحيوانية التي ذكرت أعيانها كثير في النصوص المقدسة. ومن ثم، فإن تقديس الذات، أو الجماعة، وبمؤازرة تأويل مهام التكليف الإلزامي الشرعي، لن يفتح تلك النافذة التي نطل فيها على الآخر، بل سيجعلنا نتقوقع على نفوسنا، وعقولنا، وإذ ذاك، سنسهم بسهم في تدعيش المجتمعات العربية، وتثويرها نحو لغة العنف الرمزي، والمادي، وذلك مما يتحمل وزره كل حداثي يفجر بعض المظاهر في المجتمع، وهو يريد أن يجد لها مكانا في المجتمع، ويحد لها حدا في الواقع الذي تراكمت فيه تجربة معينة، لا تقبل بالمخالف المعادي، بل تحاربه حماية لبيضتها من الضياع، والهوان. كما يتحمل وزر ذلك أولئك الذين يصنعون تلك النظرة الأحادية بلغة حزينة، تستبطن نظرية المؤامرة، والعداء. ولو كان ذلك مجراه من الوهم المتوارث فينا منذ زمان طويل.



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفكار مسوقة (الجزء السادس)
- أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
- أفكار مسروقة الجزء الرابع
- أفكار مسروقة (الجزء الثالث)
- أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
- أفكار مسروقة (الجزء الأول)
- صرخة براءة صغير
- همم الحكماء، وذمم السفهاء
- تعدد الزوجات بين فحوى النص، وفوضى اللص.
- دموع الجمعة
- رسالة حب إلى أوشو
- تأملات في خلفية داعش


المزيد.....




- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس