أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج كتن - مرض -السايس- بيكوية- لنخب شرق اوسطية















المزيد.....

مرض -السايس- بيكوية- لنخب شرق اوسطية


جورج كتن

الحوار المتمدن-العدد: 4852 - 2015 / 6 / 30 - 23:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفسير المؤامرة المعتبر مجازا "نظرية"، هو بديل التحليل الموضوعي والواقعي للحدث ودوافعه الحقيقية والعوامل التي ادت اليه وغاياته ونتائجه. كما انه هروب من مواجهة الازمات بالقاءها على مشجب الآخرين وخاصة القوى الخارجية تبريرا للهزائم والفشل والكوارث. مرض ابتليت به نخب شرق اوسطية منذ ما بعد الحرب العالمية الاولى واستعمار المنطقة من قبل بريطانيا وفرنسا، الدولتين المنتصرتين، التين تقاسمتا تركة الامبراطورية العثمانية كأمر طبيعي يلي كل الحروب، فرسمت حدود دولها وادارتها بين الحربين العالميتين قبل ان تستقل هذه الدول وتحكمها نخب محلية.
لكن رغم قبر الاستعمار العالمي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بعد ثورات الشعوب ضده ونشوء الامم المتحدة التي لعبت دورا مهما في انهائه، فإن النخب الشرق اوسطية لا تزال ترى ان كل ما يحدث في البلدان المستقلة هو من تخطيط القوى الخارجية، فكل شر هو قادم على جناح المؤامرة من الخارج، وكل خير صناعة محلية بجري عكسا لارادة الدول العظمى الشريرة التي سماها البعض "الشيطان الاكبر"، كقوة كلية القدرة تكاد تشبه "اله" تتآمر علينا بشكل دائم، فاي شيء يحدث هو نتيجة مؤامرة مرسومة سرية تخترع تفاصيلها من المخيلة. والدول العظمى التي "تكرهنا" تخطط لمنع تقدمنا وتفتيت مجتمعاتنا ونهب ثرواتنا وتدمير ثقافتنا وعاداتنا القديمة وديننا !.. فلو تركنا وحدنا لتقدمنا وتوحدنا واعدنا ازدهارنا التاريخي يوم كان العرب والاسلام يصدرون الحضارة للعالم!
مدرسة التحليل السياسي المعتمد على نظرية المؤامرة ينتظم فيها قوميون وإسلاميون ويساريون تجمعهم سمات واحدة : الابتعاد عن التحليل الواقعي للاحداث الحقيقية الملموسة، الجهل بالمعلومات التفصيلية للحدث وبالتالي اللجوء لتعميمات حيث تستخدم المخلية لاختراع مؤامرات توجه ضد بلداننا لمنع تقدمها او اعاقة تحولها للديمقراطية، وتفتيتها حتى لا تشكل خطرا عليها بتوحدها. اصحابها لا يعترفون بالصدفة، رغم انها ممكنة في ظروف معينة، اذ ان كل شيء برأيهم مخطط له مسبقا، هي نوع اقرب "لادب سياسي" او "افلام خيال علمي" منها لنظرية مبنية على العلم والمنطق، فهي لا تبحث في الوقائع استسهالا او جهلا او عجزا.
يمكن تسمية المرض ب"السايس-بيكوية" نسبة لوزيري خارجية بريطانيا وفرنسا اوائل القرن الماضي، إذ لا زال المرض يستوطن تلافيف دماغ نخب سياسية، رغم التغيرات الواسعة في ارجاء العالم. ساعد على انتشاره عقب الحرب العالمية الثانية اجواء الحرب الباردة التي تلتها، حيث استخدمت النظرية بشكل واسع في منظومة الدول الشرقية التي نشأت تحت هيمنة الاتحاد السوفييتي ذو النظام الشمولي، الذي كان يعزو اسباب ازماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لـتآمر المعسكر الغربي ضد منظومته "الاشتراكية"!، وليس لفشل النظام الذي بني على ديكتاتورية تعيق التقدم بشتى اشكاله. وبما ان معظم النخب العربية كانت تستقي فكرها من المعسكر الشرقي فقد عزز ذلك من استمرارها في تفسير الاحداث بالمؤامرة على نمط مثالها السوفييتي.
اعاق الشفاء من هذا المرض تخلف مجتمعات المنطقة فتفسير المؤامرة هو الاكثر قبولا لاذهان الناس في مجتمع متخلف. بالاضافة لدور الانظمة الاستبدادية التي تلت الفترة الاولى القصيرة من العهد الديمقراطي عقب الاستقلال، اذ أن المناخ المفضل لانتشار النظرية نظام قمعي يمنع الشفافية التي تقدم معلومات وفيرة تساعد في البحث عن تفسيرات واقعية للاحداث. فالنظام الاستبدادي يحصر السياسة في صفوف قياداته ويمنعها عن المجتمع، الذي من حق افراده الحصول على معلومات لتحليلات مستمدة من الواقع. نقص الوعي السياسي افضل بيئة لتصديق نظريات المؤامرة كما ان الانظمة المستبدة أسوأ من يستخدمها لكونها تتخذ التفسير عن قصد، اي رغم علمها بالحقائق، فتخفيها لتمنع انتشار الوعي بتفاصيلها الحقيقية.
ومن نماذجها ان البعض يرجع جميع المؤامرات والسياسات الغربية في الشرق الاوسط لهيمنة متخيلة للماسونية الصهيونية على العالم! بالاعتماد على مرجع اسطوري هو "بروتوكولات حكماء صهيون!". ومن "المخططات" المفترضة ان حرب حزيران 67 هي مؤامرة على عبد الناصر لمنعه من توحيد العرب، رغم ان وحدة مصر وسوريا فشلت ليس بسبب تدخلات خارجية بل نتيجة الحكم الاستبدادي الذي سلط على الشعب السوري. ومؤامرة غلاسبي، السفيرة الاميركية في العراق، التي ورطت - حسب مفسري المؤامرة- الدكتاتور صدام باحتلال الكويت، والتي حتى لو كانت صحيحة اليس من الحمق ان تنجر القيادة العراقية لمثل هذا المخطط؟ الا اذا كان الحمق مخطط له مسبقا في تفاصيل المؤامرة! كما روج البعض ان الاحتلال الاميركي للعراق كان لنهب نفطه رغم ان صدام كان يبيع القسم الاكبر منه لاميركا بطريق غير مباشر رغم المقاطعة. او ان كل فوضى تحدث في اي بلد عربي بسبب صراعات قواه المحلية تنسب لمخطط "الفوضى الخلاقة" وهو تعبير جاء في مجرد حديث لكوندليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية عام 2005، ولكنه اصبح مخططا شريرا يراد تطبيقه في كل دول المنطقة.
ويفضل الاسلاميون تفسير الصراع العالمي على انه تكتل الغرب لمحاربة الاسلام كديانة وكامة "متخيلة"، وقد يسمى البعض ذلك بحرب صليبية مستمرة رغم الحريات الواسعة التي يتمتع بها المسلمون في الدول الاوروبية واميركا وكندا والتي يكاد لا يتوفر مثيل لها في بلدانهم! اما الثورات الراهنة للشعوب العربية فهي لدى الانظمة، مؤامرات كونية لتحطيم "ممانعتها" للمخططات الامبريالية! وهي من جانب بعض الاطراف المعارضة مؤامرات لتفتيت المفتت وتقسيم المقسم! استمرارا لسايكس بيكو رقم 2 . كما ان تنظيم "الدولة الاسلامية" صناعة اميركية لانه جاء في مذكرات هيلاري كلينتون ان امر انشاء دولة اسلامية من قبل اخوان مصر الذين وصلوا للسطة ايام مرسي امر يمكن التعامل معه طالما انه تم عن طريق ديمقراطي!
فضلا عن عشرات التخيلات من قبل معارضين وانظمة واحزاب عمن صنع داعش، تتراوح بين اتهام ايران أواميركا أوتركيا أوالنظام السوري وحتى اسرائيل، رغم التناقض الكبير بين هذه التخيلات، وبتجاهل كلي لاوضاع القطاعات الاشد تخلفا في مجتمعات المنطقة التي هي المصدر الحقيقي للتنظيمات المتطرفة السلفية والتكفيرية التي ترفض الحداثة وتريد ارجاع المجتمعات الى اسلوب الحياة الذي كان سائدا في القرون الوسطى. مثل هذا التفسير يعبر عن العجز عن ملاحقة الاحداث المفاجئة وغير المتوقعة التي حيرت بعض المحللين بتناقضاتها وتغيراتها السريعة فتغيب عنهم اسبابها وعواملها التي تحتاج لبحث معمق، وليس اللجوء لتفسير موجز يستسهله محللون متسرعون يهمهم كمية انتاجهم اكثر مما تهمهم نوعيته.
هذا لا يعني ان تفسير المؤامرة يوجد فقط لدى نخب شرق اوسطية فهو موجود ايضا في دول العالم ولكن بنسبة اقل بكثير مما في بلدان منطقتنا. فالهجوم الياباني على بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية فسره محللون غربيون بان اميركا كانت تعلم به وتركت اسطولها في الباسفيكي يدمر كليا، فقط ليكون سببا لدخولها الحرب ضد اليابان! وهذا يشابه تفسير محللين عرب وغربيين لتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون الاميركي عام 2001 انه من تدبير السي آي أي وذلك لايجاد المبرر لاحتلال افغانستان! كما ان سقوط الاتحاد السوفييتي في نظر مؤيديه اليساريين هو نتيجة مخطط غربي رأسمالي شرير، وليس بسبب ازماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ادت لانهيار المنظومة الشرقية باكملها.
هذا كله لا ينفي دور الخارج ولكنه ليس الدور المقرر في كثير من الحالات، بل احد العوامل المؤثرة في الاحداث الى جانب الدور الرئيسي الداخلي. كما انه لا يعني عدم وجود مخططات حقيقية للدول الكبرى تتعلق بمصالحها في دول العالم تسعى لتنفيذها. ولكنها ليست المخططات المتخيلة التي يروج لها محبذو تفسير المؤامرة، الذين لا يعترفون باستخدامهم اسلوب تفسير المؤامرة، بل يحاولون اقناعنا انهم يتحدثون عن "وقائع" وليس "تخيلات"، اما قصدا لاخفاء مقاصدهم كما الانظمة، او جهلا او نقصا في الوعي لمعارضين.
تفسير المؤامرة في نهاية المطاف يلعب دورا في حجب الحقائق حول المخططات الحقيقية للاطراف المختلفة الخارجية وحتى الداخلية.



#جورج_كتن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نجح التحول الديمقراطي في شرق اوروبا وأعيق في شرق المتو ...
- احلام الامبراطورية الرثة
- هل يمكن استرداد الثورة في عامها الخامس؟
- إفشال الثورات المضادة الاسلاموية للربيع العربي
- الطرف الديمقراطي في الصراع السوري
- دعوة مفتوحة للنقاش حول الثورة السورية المغدورة
- مراجعة شاملة للثورة السورية
- تطبيق الشريعة لا يتحقق الا بوسائل داعش
- هل تضرب اميركا داعش في سوريا ؟
- هل يمكن ان تتغير سياسة أوباما السورية؟
- هل داعش ثورة شعبية؟
- ميثاق الشرف الثوري تطوير ام -تشذيب!-
- أي طريق سيسلك إخوان سوريا؟
- فشل خلط الديمقراطية بتطبيق الشريعة - الاخوان المسلمين في مفت ...
- روسيا تواجه ثورتين، والثالثة قادمة!
- حوار حول جنيف 2 *
- هيئة التنسيق ولعبة الكراسي
- تشتت المعارضة السورية يغذي الكارثة
- سيرة من القومية للديمقراطية مروراً بالماركسية
- حوار مع جورج كتن - شبكة المرأة السورية


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج كتن - مرض -السايس- بيكوية- لنخب شرق اوسطية