أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رشيد غويلب - رايات حمراء ترفرف في البلقان/ الانتصار اليوناني ونهوض اليسار في جنوب شرق اوربا*















المزيد.....

رايات حمراء ترفرف في البلقان/ الانتصار اليوناني ونهوض اليسار في جنوب شرق اوربا*


رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 29 - 23:43
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


اعداد: رشيد غويلب*

ما زال الإنتصار التاريخي لحزب اليسار اليوناني يتفاعل وينعكس ايجابيا على الحراك في ساحة اليسار في البلدان الأخرى، وخصوصا في بلدان الأزمة في جنوب اوربا، وعلى الرغم من ان حكومة اليسار في اليونان مستمرة في صراعها الصعب مع المؤسسات المالية وبلدان منطقة اليورو، الا ان قيادة اليسار للحكومة اكدت حقيقتين اولهما قدرة اليسار على تعبئة الأكثرية، وثانيهما ان مواقف الحكومة اليونانية ومطالبها المتواضعة باستراتيجة نمو عادلة اجتماعيا، يقابلها اصرار مجموعة اليورو على سياسة تقشف قاسية جامدة، وقلق من ان تؤثر هذه المواقف ايجابيا في لوحة الصراع السياسي في القارة لصالح اليسار.

ولم ينحصر إهتمام وسائل الإعلام في بلدان البلقان في الحملة الإنتخابية ونتائج الإنتخابات وتشكيل الحكومة والمحادثات مع المؤسسات المالية، كما هو الحال في بقية بلدان القارة، وانما تركز الإهتمام هنا على التعاطف المفاجئ مع نموذج "اليسار الجذري"، ومازال هذا الإهتمام متواصلا. فعلى سبيل المثال في بلغاريا اكدت نتائج استطلاع للراي ان 55 في المائة من المشاركين فيه يدعمون نموذج حزب اليسار على غرار سيريزا اليوناني. وفي العديد من بلدان المنطقة يجري البحث بعد الإنتخابات اليونانية عن زعيم كـ "تيسبراس" او حزب مثل ""سيريزا".ولا يحظى بألإهتمام فقط وجوه قوى اليسار ذات التأثير المحدود في هذه البلدان، بل يتعدى ذلك الى شخصيات ليبرالية، وحتى محافظة تحاول توظيف التعاطف والإستفادة منه، عبر اعلان دعمها للكثير من المقترحات التي يقدمها حزب اليسار اليوناني خلال جولات المفاوضات.
ويبدوا ان هناك اربعة عوامل رئيسية تقف وراء التعاطف مع حزب اليسار اليوناني:

اولا:التشابه في هيكلية الأزمة بين اليونان وهذه البلدان، فبلدان جنوب اوربا هي الأكثر تضررا من الازمة وتعاني من تراجع كبير في الناتج الإقتصادي منذ عام 2009، فمعدلات البطالة وصلت ارقاما قياسية، وخصوصا في اوساط الشبيبة. وكذلك تقدم استراتيجية النخب الحاكمة في معالجة الأزمة على سياسة التقشف التي دمرت اليونان. وفي جميع بلدان المنطقة يجري الإصرار، خلال السنوات الست الماضية، على هذه السياسة التي ادت الى: خفض الإجور والمعاشات التقاعدية،الخصخصة القسرية، واجراءات الليبرالية الجديدة التي تفرغ قوانين العمل من محتواها، وتطلق حرية حركة رؤوس الأموال.

ثانيا: وفي سياق الأزمة اندلعت احتجاجات اجتماعية كانت على اشدها في سلوفينيا والبوسنه وبلغاريا. ومنذ بداية هذا العام اندلعت في مقدونيا احتجاجات شكل الطلبة والتلاميذ قوتها الأساسية، ماثلت وسائل التعبئة فيها احتجاجات بلدان الأطراف الأوربية، وكذلك تظاهرات الربيع العربي، ولكن المطالب السياسية لهذه الإحتجاجات لا تزال غير واضحة، ولم تتمخض الإحتجاجات عن تحالفات دائمة، او شبكات عالمية. ولكن اجزاء من الحركات الإحتجاجية اتخذت من ساحات اثينا رمزا ، ومن صعود حزب اليسار اليوناني مرجعية لها.
ثالثا: ادى انهبار التجربة الإشتراكية في هذه البلدان الى تحول معظم الإحزاب الحاكمة فيها الى احزاب اجتماعية ديمقراطية، انظمت الى "الإشتراكية الدولية"، ولم تشهد هذه البلدان تحولا نحو احزاب اليسار الجذري، كما هو الحال في المانيا الديمقراطية السابقة ما احدث فراغا في منطقة اليسار وحفز الفضول تجاه نماذج احزاب اليسار الجذري مثل حزب اليسار الألماني وحزب اليسار اليوناني.

رابعا: يبدوا ان تغييرا في الأجيال قد حصل ودخل جيل جديد معترك العمل السياسي، انطلاقا من تجربته المتشكلة في سنوات الأزمة الإقتصادية والمالية، ففتح فضاءاً جديدا لليسار. وعلى الرغم من ان هذا الجيل يعيش في مجتمعات تسود فيها المحافظة وقيم الليبرالية الجديدة، الا انه لم يتشرب معاداة الشيوعية التي كانت على اشدها في التسعينيات والسنوات التي تلتها. لان النخب الليبرالية الجديدة تجد صعوبة في القاء مسؤوليةالمشاكل الإجتماعية والسياسية الحالية على عاتق التجربة الإشتراكية، او اعتبارها ارثا لها. ولهذا يتنامى في بعض الأوساط وجود مجاميع مناهضة للرأسمالية، تقدم جيلا جديدا من الناشطين اليساريين، الذي استطاع في السنوات الأخيرة ان يثبت حضوره. ان نموذج "اليسار الجذري" يصبح جذابا بنحو متزايد لناشطين آخرين، وخصوصا في النقابات واوساط المثقفيين.
وسنحاول تقديم عرض لمايدور في ساحة اليسار في ثلاث بلدان من بلدان منطقة البلقان هي سلوفينيا، كرواتيا، وصربيا:

اليسار السلوفيني .. سياسة مناهضة للرأسمالية ونجاحات انتخابية

يعد التطور الذي يعيشه اليسار المتحد في سلوفينا، المثال الأكثر وضوحا وفعالية لقوى اليسار في جنوب شرق اوربا، وهنا ايضا يتلمس المتابع التأثير الإيجابي لإنتصار اليسار اليوناني على قوى اليسار في البلدان المجاورة.
و اليسار المتحد في سلوفينا هو تحالف يتكون من ثلاثة احزاب يسارية حديثة التأسيس. وكانت البداية مع «المبادرة من اجل الاشتراكية الديمقراطية» التي ولدت من رحم الحركات الاحتجاجية في ربيع وصيف عام 2013 على يد مجموعة من المثقفين الماركسيين الشباب ، التي نظمت الاحتجاجات الحاشدة ضد سياسة التقشف في سلوفينيا. وبالتعاون مع «حزب التنمية المستدامة»، و»حزب العمال الديمقراطي»، تم الاعلان في 8 اذار 2014 عن تشكيل « اليسار المتحد في سلوفينا». وكان اهتمام وسائل الاعلام على اختلاف انواعها ، في العاصمة السلوفينية «ليوبليانا» مميزا بالائتلاف الجديد، وبحفل اعلان تأسيسه.الذي حضره زعيم حزب اليسار اليوناني الكسيس تسيبراس، و دومينيك هايلغ عضو قيادة حزب اليسار الاوربي.
وتبدو حظوظ الائتلاف الجديد جيدة، فضلا عن ان «اليسار السلوفيني المتحد» ملأ الفراغ الذي تركه تحول الحزب الشيوعي السلوفيني الى حزب اجتماعي ديمقراطي، بعد انهيار التجربة الاشتراكية في يوغسلافيا، التي كانت سلوفينيا جزء منها.لقد استطاع اليسار السلوفيني تنظيم حركة احتجاجية ضد سياسة التقشف التي املتها «اللجنة الثلاثية» (صندوق النقد الدولي، المفوضية الاوربية، والبنك المركزي الاوربي) على غرار ما فعلت في اليونان، ويسعى اليسار السلوفيني الى استمرار وتعميق مشروعه. وحصل في انتخابات البرلمان الأوربي على 5.4 في المائة، ولكنه لم يصل الى العتبة الإنتخابية المطلوبة في سلوفينيا، ولم يحصل على مقعد واحد في البرلمان الأوربي من مجموع المقاعد الثمان المخصصة لسلوفينيا فيه. وبعد حملة انتخابية ناجحة استطاع التحالف الحصول في الإنتخابات البرلمانية الوطنية المبكرة، في تموز 2014 ، على 6 في المائة، ضمنت له 6 مقاعد قي برلمان البلاد. وفي الإنتخابات البلدية المقبلة في تشرين الأول 2015 يتوقع ان يحصل التحالف على مقاعد في جميع المناطق التي يتواجد فيها . ويمكن من الأن رصد الحراك الذي ولده هذا التطور الهام داخل قوى اليسار في بلغاريا، وهنغاريا وكرواتيا وبلدان اخرى في الاتحاد الاوربي.
ووفقا لإحدث استطلاعات للرأي نشرتها جريدة «ديلو» واسعة الإنتشار، فان نسبة التحالف بعد عام واحد على تاسيسة وصلت 10.3 في المائة، ليحتل المرتبة الثالثة في البلاد متقدما على الحزب الإجتماعي الديمقراطي. ومن بين العشرة السياسيين الأكثر شعبية في سلوفينيا يقف ثلاثة نواب من كتلته البرلمانية، يتقدمهم رئيس الكتلة الشاب لوكا ميسج البالغ من العمر 27 عاما، والمعروف ببلاغته و قدرته على الإقناع، ويعد الشخصية الأكثر شهرة في اليسار المتحد.
وجاء انطلاق اليسار المتحد في سياق تطور سياسي خاص. فبالنظر إلى القوة النسبية لإنتاج الصناعة السلوفينية، كانت النقابات قادرة مع بداية التسعينيات على منع السيادة التامة لنهج الليبرالية الجديدة، الذي هيمن على معظم بلدان شرق اوربا. وبدلا من ذلك تم العمل بنموذج الإستقرار التدريجي. ومع بدء عملية «التكامل الأوربي» في عام 2004 ، بدأ فرض هيكلية الإصلاح الليبرالية الجديدة. ومع اندلاع الأزمة المالية في عام 2008 ، اصبحت سلوفينيا مرشحة لما اطلق علية آلية الأستقرار الأوربي، وسقطت في ركود اقتصادي عميق
وكرد على الأزمة المالية عاشت البلاد لشهور عديدة حركة احتجاجية واسعة انطلقت في شتاء 2012 /2013 ، ويطلق عليها في سلوفينيا اختصارا تسمية «انتفاضة الشعب»، وكانت الأحتجاجات كما هو الحال في اسبانيا موجهة ضد تداعيات الأزمة المالية وفساد السياسين، واسقطت الإحتجاجات حكومتين وهزت المشهد السياسي في البلاد.

وبالإضافة الى ذلك يستند اليسار المتحد الى ارث كبير للحركة المناهضة للفاشية، التي حررت البلاد، والتي مازالت تحتفظ بشرعية كبيرة، بالضد من محاولات اليمين تحريف كتابة التاريخ ، لإضعاف تاثير النضال البطولي لحركة الأنصار التي قادها الشيوعيون. وفي هذا السياق يمتلك اليسار المتحد فرصا جيدة لسيتقر كعامل سياسي مؤثر يمتلك الديمومة.

كرواتيا .. حراك سياسي وفرص لتحالف انتخابي مناهض للرأسمالية

شهدت كرواتيا في السنوات الأخيرة، وليس بعيدا عن التطورات الأخيرة في اليونان، حراكا في خارطة الاحزاب السياسية القائمة فيها. وكما هو الحال في سلوفينيا تمثل هذا الحراك في تحقيق ثلاثة احزاب يسارية حديثة التشكيل نجاحات انتخابية، وهذه الاحزاب هي: العمال الكرواتيين، تنمية كرواتيا المستدامة،حركة الجدار الحي.

والتنظيمات الثلاثة غير مكتملة الإنتشار السياسي، وفي طور استكمال بنائها التنظيمي، ولكنها جميعا تقف على يسار الحزب الإجتماعي الديمقراطي. حزب العمل الكرواتي بزعامة الكادر النقابي راغوتين، الذي يركز على قضايا الظلم الإجتماعي، وحزب تنمية كرواتيا المستدامة، الذي جاء تأسيسه على اثر انشقاق في الحزب الإجتماعي الديمقراطي بزعامة ميريلا هولي النائبة في البرلمان الكرواتي ووزيرة البيئة السابقة، ويهتم الحزب بقضايا البيئة. اما حزب حركة الجدار الحي فعرف بالتعبئة للإحتجاج ضد الإخلاء القسري للمساكن ومصادرة ممتلكات الناس الثمينة بقرارات قضائية جائرة، وقد حصل المتحدث باسم الحزب ايفان فيليبور سنسج في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، في كانون الأول 2014 ، على 16,4 في المائة، وشكل بذلك مفاجأة انتخابية.

ويتميز حزب جبهة العمال، الذي تاسس اخيرا ، بملامح اكثر وضوحا لليسار الإشتراكي، ويطرح الحزب نفسه بوعي باعتباره «سيريزا الكرواتي». ويضم الحزب مجاميع اليسار المناهض للرأسمالية، وعددا من الشخصيات النقابية. ويتواجد الحزب حاليا في بعض المدن مثل العاصمة زغرب، أوسييك، رييكا، بولا، وسبليت. واستطاع الحزب خلال اشهر قليلة ان يحقق حضورا اعلاميا واسعا، وسيشارك في الإنتخابات البرلمانية القادمة، التي ستجري في خريف العام الحالي.

وهناك على المدى المتوسط امكانية لتشكيل حزب جامع لليسار الإشتراكي، ومؤشرات اكثر من واعدة لقيام تحالف الحمر - الخضر المناهض للرأسمالية، ويلعب هنا قبل اي شيء آخر موقف المنظمات اليسارية غير الحكومية، والنقابيين، والمثقفين النقديين دورا حاسما. وفي هذا المجال حدث في السنوات الأخيرة تطور هام باتجاه «يسار مجتمعي». وكانت الاحتجاجات في الجامعات الكرواتية 2009 محطة رئيسية على هذا الطريق. وخلال حصار الكليات والمعاهد في زغرب، والذي استمر 35 يوما تبلورت حركة جماهيرية ذات توجه مناهض للرأسمالية. وفي عام 2010، حدثت في زغرب احتجاجات قوية ضد تحويل المساحات الحضرية الى مشاريع تجارية بحته. و على خلفية هاتين الحركتين - والعديد من الاحتجاجات الأخرى مثل الإحتجاجات المناهضة لانظمام كرواتيا إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي نشأت حركة يسار جذري شابة، تمكنت منذ ذلك الحين من تأكيد حضورها في مجالات البحث العلمي والثقافة والإعلام، والنقابات العمالية والحركات الاجتماعية.

اليسار الصربي الجديد .. نهوض واعد وصعوبات جدية

يشهد اليسار الديمقراطي في صربيا مؤشرات نهوض واعدة يعكسها تأسيس شبكة «قمة صربيا اليسارية» (LSS) في كانون الأول 2013، والتي تضم 20 منظمة يسارية محلية، منها مجاميع يسارية، ونقابيون ، ومنظمات غير حكومة وعدد من مبادرات المواطنيين البديلة.

واستطاعت الشبكة تحقيق حضور في بعض وسائل الإعلام السائدة. وتكمن نقاط قوة وضعف الشبكة في هيكليتها اللامركزية، فمن ناحية يمثل التحالف العريض نقطة جذب لقوى جديدة، ومن ناحية اخرى تحول بنية الشبكة دون سرعة الوصول الى تصور مشترك . ومع ذلك يجد أكبر اتحاد نقابات للعمال في صربيا في الشبكة شريك حوار هام. وتسعى الشبكة الى تأسيس حزب سياسي، عندما تتوفر ظروف سياسية وتنظيمية افضل. وعلى الرغم من ان الشبكة لا تزال في بداياتها، الا ان تجربتها بنيت على اساس سلسلة من المواجهات السياسية المهمة. فجزء من الشبكة خرج من معطف الاحتجاجات ضد عمليات الخصخصة الإجرامية، وهنا يمكن الإشارة الى مقاومة منتسبي مصنع ادوية يورغا في مدينة زرينيانين، اذ تمكن 500 منتسب بواسطة حركة احتجاجية واحتلال المباني خلال سنوات 2004 / 2007 انقاذ مصنعهم من الخصخصة لفترة من الزمن. وتمارس مجموعة من العاملين السابقين في المصنع مهمة التشبيك لصالح الشبكة مع مجموعات عمالية خاضت صراعات مماثلة. والقسم الرئيس الثاني من قوام الشبكة يتشكل من نشطاء عرفوا عبر عمليات احتلال الكليات والمعاهد في جامعة بلغراد اثناء الحركة الإحتجاجية ضد اجور الدراسة المرتفعة. ويشارك في الشبكة ايضا شبيبة يسارية تهتم بقضايا البيئة. وبالمقارنة مع تجربة اليسار في سلوفينيا وكرواتيا، فان الشروط الأولية لبناء مشروع سياسي لليسار في صربيا اصعب. لأن عدم الإستقرار الأجتماعي في صربيا اعمق مما هو قائم في جاراتها، فمعدل الدخل يبلغ 350 يورو في الشهر، والحكومة المحافظة تنفذ برنامج تقشف قاسياً. والكثير من المواطنين يخوضون، بمعنى الكلمة، نضالا من اجل البقاء. ومئات الآلاف من الشبيبة غادروا منذ بداية التسعينيات البلاد. والإحباط والتفكك سائدان في الواقع الإجتماعي. وبالإضافة الى الإرتباك الإجتماعي، يسود البلاد نظام سياسي يصعب التفريق فيه، بالنسبة لإكثرية السكان، بين اليسار الليبرالي واليمين في اطار القوى المتنفذة. فبعد انهيار التجربة الإشتراكية في يوغسلافيا السابقة، نفذ الحزب الإشتراكي في صربيا بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش سياسة تعتمد التعبئة القومية، مصحوبة بسياسة اقتصادية يمينية قائمة على الخصخصة، وفي هذا السياق تشكلت نخبة قائدة من امراء الحرب والسراق زينها ميلوسيفيتش بخطاب «اشتراكي». وهذه التوليفة السياسة لا تزال قائمة في التحالف الحاكم الذي يقوده حزب الليبرالية الجديدة «الحزب التقدمي الصربي» المحافظ والمستبد بزعامة رئيس الوزراء الكسندر فويجج وبالتحالف مع الحزب الإشتراكي، والحركة الإشتراكية المنشقة عن الإخير. والتي تتبع خطابا سياسيا مماثلا لخطاب سلوبودان ميلوسيفيتش في عقد التسعينيات.ويعتبر رئيس الحركة الكسندر فولين قومياً متشدداً وعلى صلة وثيقة بالكنيسة الأرثوذكسية الصربية. وكوزير حالي للعمل فرض فولين في تموز 2014 ، وبالضد من رغبة جميع النقابات، «اصلاحا» ليبراليا جديدا لقانون العمل. ولكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار باستخدام خطاب «يساري» ان توظيف الخطاب الديماغوجي بالإستناد الى الإرث الإيجابي المتبقي من التجربة الإشتراكية من قبل اشتراكيي الحكومة القومية والليبرالية الجديدة يجعل صياغة سياسة يسارية ديمقراطية أكثر صعوبة بكثير مما هو عليه الحال في سلوفينيا و كرواتيا . اذ على اليسار الصربي ان يخوض صراعا ضد الليبراليين الجدد المكشوفين ، وكذلك ضد تحالف حاكم يوظف قسم منه خطابا ديماغوجيا مغلفا بقميص يساري ويملك علاقات قوية مع وسائل الإعلام السائدة، والنخبة الإقتصادية والمخابرات. يضاف الى ذلك إشكال آخر متمثل في الموقف الخاطئ لبعض قوى اليسار العالمي من حزب الرئيس الصربي السابق ميلوسيفيتش وخلفائه، بحجة معاداة الإمبريالية، وهو نفس المنهج الذي قاد قوى يسارية لدعم انظمة مستبدة في الشرق الأوسط كنظام صدام حسين. وعلى هذا الأساس يمتلك حزب اليسار اليوناني علاقات مع الحركة الإشتراكية في صربيا مستندة الى الدوافع التاريخية والدينية التي تربط اليونان بصربيا، فضلا عن البحث عن حلفاء في اطار السياسة الدولية وكذلك داخل القارة.

وهذا تباين آخر بين تجربة اليسار في صربيا ومثيلاتها في كل من سلوفينيا وكرواتيا. والمثير للانتباه ان قوى اليسار الديمقراطي في صربيا هي التي ساهمت في 15 حزيرن 2015 في يوم التضامن مع الشعب اليوناني وحكومته اليسارية، وغاب عن الإسهام فيه خلفاء سلوبودان ميلوسيفيتش الديماغوجيين.

لقد نظمت العناصر ألآساسية في الإحتجاجات الطلابية في عامي 2009 /2010 على سبيل المثال « مهرجان المشاكسين» Subversive، الذي عد في سنوات 2011 2013/ احد اكبر الملتقيات للمثقفين اليساريين في اوربا. وفي الأعلام استطاعت مجموعة كبيرة من الصحفيين اليساريين ان تأخذ دورها كممثلة لخطاب سياسي مناهض للرأسمالية. وفي عام 2012 صدرت طبعة كرواتية جيدة جدا من جريدة «لوموند ديبلوماتيك». وبدأ نشطاء يساريون تعاونا مثمرا مع الجناح المتبني لموضوعة الصراع الطبقي في النقابات. وتشكلت جبهة النساء في سبيل حقوق العمل والحقوق الاجتماعية، والتي ضمت المنظمات النسوية اليسارية، ولجان المرأة في النقابات العمالية. ونظمت حملة ناجحة من قبل المجموعات اليسارية بالتعاون مع النقابات ضد خصخصة الطرق السريعة، وكذلك مشاريع لإقامة دورات اقتصادية محلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- عن مقالة تفصيلية لـ"بوريس كانزلايتر" رئيس مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في جنوب اوربا، ومقره بلغراد



#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوى اليمين المتطرف في اوربا*
- مع اقتراب اولى الجولات الانتخابية في البلاد / أسبانيا .. لا ...
- عيون وآمال شعوب أوربا ترنو نحوها / معركة حاسمة بين اليسار وا ...
- الحزب الشيوعي في جنوب افريقيا/ خطة العشر سنوات و-المرحلة الج ...
- البرازيل.. هل فشل رأس المال المالي في كسر هيمنة اليسار؟
- من أروقة الدورة العشرين لمنتدى ساو باولو/ دروس اليسار المستخ ...
- الناخبون الاسبان يتجهون يسارا/ هل ينجح اليسار الأسباني في إع ...
- بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة القائد الشيوعي إنريكو برلينغوي ...
- في وثيقة لحزب الشغيلة التقدمي القبرصي (اكيل) / تقويم عمل الش ...
- ابنوا الأمل مرة أخرى/ ماذا يقول مسؤول الانتخابات في قيادة ال ...
- ردا على بيان الحكومة الألمانية بشأن الأزمة الأوكرانية/ حزب ا ...
- هل انتهت مرحلة سياسة التردد ؟ / مؤتمر الأمن في ميونيخ وعسكرة ...
- إنهيار امبرطورية الخوف/ تركيا .. الحركة الاحتجاجية ومصير حكو ...
- مدينتان مدينتا ومستقبل واحد/ نجاحات اليسار الأمريكي.. هل ستؤ ...
- الفوارق ليست بين الشعوب.. الفوارق بين الطبقات/ أوروبا .. صعو ...
- مع طلوع العام الجديد نعود اليها/ انتصارات و محطات هامة لقوى ...
- في قراءة لتجربة البلاد بعد نهاية الحكم العنصري/ جنوب افريقيا ...
- قراءة ميدانية مباشرة للوضع في البلاد/ اليونان: إحصائيات مخيف ...
- استبعاد اليسار ونتائج الانتخابات الالمانية/ كيف يقرأ شيوعيو ...
- ليس هناك وصفة جاهزة لبناء الاشتراكية/ موضوعات حول التجربة ال ...


المزيد.....




- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رشيد غويلب - رايات حمراء ترفرف في البلقان/ الانتصار اليوناني ونهوض اليسار في جنوب شرق اوربا*