أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - آزاد أحمد علي - جرعة الاتحاد الأوربي كعلاج سريع للجمهورية المريضة















المزيد.....

جرعة الاتحاد الأوربي كعلاج سريع للجمهورية المريضة


آزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1342 - 2005 / 10 / 9 - 10:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


عندما استقدم خلفاء بني العباس الترك إلى ثغور الدولة الإسلامية على مشارف الأناضول الغربي لتعزيز جبهات القتال، لم يكن في تصورهم أن هذه الهجرات ستغير مسار التاريخ، وخاصة تاريخ المشرق وأوربا. لقد جاءت معركة ملاذ كرد عام 1071م نقطة للتحول الكبير في هذا السياق بعدما انهزمت جيوش بيزنطة، وتتالت إثرها هجرات وغزوات الترك من الشرق نحو الغرب، وعلى الرغم من هذا التحول لم يكن يتصور أحد ـ حتى في سياق الخيال ـ أن أربعمائة خيمة تشكل قوام قبيلة بني عثمان في القرن الثاني عشر الميلادي ستؤسس للإمبراطورية الأكبر في القرون الوسطى، إذ أن نشوء وتطور الإمارة العثمانية في الأناضول الغربي شكلت ظاهرة تاريخية غير مألوفة بل استثنائية، فما زال ينظر عدد من المؤرخين بعين الشك والريبة إلى حقيقة العوامل المحفزة التي أدت إلى نشوء هذه الإمبراطورية ـ اللغز, على اعتبار أن مملكة العثمانيين الصغيرة هذه كانت واحدة من بين ستة عشر دويلة وامارة تركية وتركمانية وكردية وأرمنية في آسيا الصغرى، لكن قدر لها فقط أن تتحول إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، كثمرة غير ناضجة لحقبة تاريخية ملتبسة ولأزمة حضارية عصفت بالبشرية لحظة نمو وتطور هذه الإمارة ـ اللغز، وهذا ما لا ينفيه المؤرخين الأتراك أنفسهم، وقد عبر عن ذلك محمد فؤاد كوبريلي: (نعتبر ظهور الدولة العثمانية مشكلة من مشكلات تاريخ العصور الوسطى) ـ قيام الدولة العثمانية ص 29 ـ ويبدو أن الجمهورية التركية المعاصرة ما زالت تحتفظ في أحشائها مشكلة العصور الوسطى نفسها، أي مازالت تعاني من إشكالية الوجود ومعضلة الهوية والانتماء العضوي المنسجم إلى الزمان والمكان والفضاء السياسي المعاصر والمخيم على المرحلة التاريخية.
فعلى الرغم من أن عمر المشكلة ـ الإمبراطورية قارب ستمائة عام إلا أنها كانت سببا في تفكك الإمبراطورية، هذه الإمبراطورية التي تناثرت كالهشيم بالأعجوبة نفسها التي تشكلت وتطورت بها، فبعد الحرب العالمية الأولى اندهش المنتصرون من ذوبان الإمبراطورية واختفاءها لدرجة لم يبق منها سوى عدة ولايات تركية في غرب ووسط الأناضول.
فواجه المنتصرون الأوربيون حينئذ ظاهرة سياسية استثنائية تتلخص في كيفية اختزال الإمبراطورية العثمانية إلى دويلة صغيرة وسط الأناضول ؟! وذلك في حال تطبيق بنود معاهدة سيفر وإنشاء دولة كردية في جنوب شرق الأناضول وأخرى أرمنية في شمال غربها، إضافة إلى ضم المدن اليونانية على سواحل بحر ايجة إلى اليونان.
أمام هذا الإشكال السياسي والتاريخي الجديد ونتيجة لتضافر جملة من العوامل والظروف الموضوعية، كظهور الاتحاد السوفيتي بقوتها الأيديولوجية الجديدة وتحت تأثير مخطط إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وكذلك بفضل استغلال عواطف الجماهير الكردية لدعم أتاتورك وزجها في معركته ضد اليونان والقوى المنتصرة والتي سميت بمعركة "الاستقلال"، لكل ذلك أعادت تركيا تشكيل ملامحها المعاصرة على أساس أيديولوجيا قومية ـ أتاتوركية مستنفرة، في محاولة جديدة لتجاوز الإشكالية التركية ـ التاريخية في غرب الأناضول، وكأفق عملي للتأسيس لأمة تركية عصرية تتجه إلى الغرب وتستقوي بالمنتصر لإعادة بناء دولة قومية جديدة تسدل الستار على ماضيها السياسي الثقيل.
واليوم وبعد مرور أكثر من ثمانين عام على نشوء الجمهورية التركية المعاصرة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، مازالت مسألة الهوية وقضية الانتماء الإشكالي إلى المكان ـ القارة تتحكم بالسياسات التركية وتفعل فعلها في مجمل توجهاتها، ويبدو أن التحالف التركي ـ الأمريكي ونزعة تخطي البوسفور نحو أوربا وتجاوز الوضعية الجغرافية ـ الثقافية والأثنية القائمة في تركيا المعاصرة هي مازالت امتداد لمشكلة الوجود التركي الملتبس برمته، والتي تتمظهر في حالة الهروب المستمر من استحقاقات التاريخ والجغرافيا والثقافة.
إن التخبط السياسي للقوى السياسية والعسكرية التركية طوال السنوات والعقود الماضية وهيمنة ما هو عسكري على ما هو مدني، وما هو أيديولوجي ديني على النزعات الليبرالية العلمانية يشكل في الواقع ترجمة للأزمة البنيوية للمجتمع والحكم التركي معا،ً فهذه الأزمة مازالت مسيطرة على مسارات ومعالم السياسات التركية المتأرجحة بين الانتماء الإسلامي والشرق أوسطي والأوربي ـ الأطلسي مروراً بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل، وتفعل فعلها المباشر في بناءها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فليس سراً أن الشعب التركي هو شعب موغل في آسيويته، بل ينتمي تاريخيا إلى الوسط غير الحضري من آسيا الوسطى، وهو مجبول تاريخياً بأيديولوجيا دينية جهادية مؤسسة أصلاً على ثقافة الغزو القبيلة ـ الرعوية.
فكيف ستنجح تركيا المعاصرة في سعيها لتجاوز هذه الحقائق التاريخية وبالتالي واقعها الجيوسياسي المعقد؟ وعلى الرغم من أن خياراتها السياسية متعددة إلا أنها مازالت مصرة على اختيار طريق أوربا السريع ، بقيادة قواها السياسية النمطية، التي تفضل الهروب نحو أحضان أوربا الباردة؟
ويبدو للمحلل بمنظار المنهجية التاريخية إن تركيا المعاصرة بحكومتها الإسلامية وعمودها الفقري العسكري تتجه اليوم لتدك أسوار فيينا من جديد وتقرع بوابة بروكسل لدخول الاتحاد الأوربي ليس كقناعة سياسية بقدر ما هو حل مؤقت لإشكال وجودها وانتماءها التاريخي الملتبس إلى المكان ـ المضيق بين آسيا وأوربا، وكمخرج سريع من واقعها الجيوسياسي والقومي والاجتماعي المركب، وهي إن نجحت في ذلك فلا توفر حلولا بقدر ما ترحل مشاكلها الاقتصادية والسياسية والثقافية والديموغرافية إلى البيت الأوربي الكبير الذي سيترهل بدوره بأحمال تركيا وأوزارها.
وإذا كان بعض ساسة أوربا يتجاهلون عمدا هذه الوقائع فبالتأكيد أن الأنتلجنسيا الأوربية ومفكريها يدركون هذه الحقيقة، وما الموقف السياسي الفرنسي إلا صدى خافت لهذه القنا عات الفكرية، وقد انعكست وترجمت مؤخرا هذه المواقف المتحفظة من "أوربية تركيا" عبر نتائج الانتخابات الألمانية.
إزاء التردد الأوربي المرتقب في ضم تركيا، يمكن لتركيا اليوم أن تركن إلى واقعها، والاقتناع بانتماءاتها الجغرافية والثقافية، عبر قراءة واقعها بصدق وشفافية، ومعرفة حقيقة أن تركيا المعاصرة مازالت تحتفظ في جنينها بكل ذلك التاريخ الحضاري المشرقي وكل التراكمات الثقافية والسياسية للشعوب الشرق أوسطية، وهي لا بد أن تصوغ هويتها على أساس الجغرافية التاريخية، والإقرار بالتعددية القومية والدينية والطائفية والثقافية في بلادها، والسعي للتأسيس لوعي سياسي مطابق وجديد متصالح مع هذا الواقع والمحيط الغني. ولعل من أهم العوامل المعرقلة لدخول تركيا إلى البيت الأوربي هو الثنائية القومية التي ستبطئ سرعة حركتها نحو أوربا، فالقسم الكوردي من تركيا عميق الجذور في ترابطه مع محيطه الآسيوي الكردستاني والعربي والفارسي.
فالمخرج السياسي لواقع تركيا المعقد لا يكمن بالضرورة في السير خلف سراب الاتحاد الأوربي بوصفه العلاج الشافي لأمراض الجمهورية المزمنة، وانما الدواء والحل الاستراتيجي سيكون في الركون إلى هذا الواقع والتعرف على تفاصيله والإقرار بحقيقة أن تركيا مكونة بشكل رئيسي من شعبين آسيويين عريقين هما الشعب التركي والشعب الكوردي، ويستحسن تأمين صيغة اتحادية تجمعهما في إطار جمهورية ديمقراطية علمانية آسيوية ذات هوية إسلامية استقطابية واضحة المعالم.
فهذا التلهف والسباق الماراتوني نحو الاندماج الافتراضي مع المنظومة السياسية والاقتصادية للقارة الزرقاء عبر منظمة الاتحاد الأوربي، ليس بالضرورة أن يكون العلاج الشافي للجمهورية المريضة وأن تزيد من مناعتها السياسية على تخوم الألفية الجديدة.



#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمارة الإسلامية بين اشكالية الهوية ومنهجية التصنيف
- رواسب الحروب العراقية في رواية نافذة العنكبوت
- عودة أردوغان إلى -بيت الطاعة- الاسرائيلي
- قضايا العمال في العالم المعاصر وأهمية العودة إلى شجرة الحياة ...
- محكومون بالتعايش


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - آزاد أحمد علي - جرعة الاتحاد الأوربي كعلاج سريع للجمهورية المريضة