أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شاكر النابلسي - ورغم هذا، فالعراق بألف خير !















المزيد.....

ورغم هذا، فالعراق بألف خير !


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1341 - 2005 / 10 / 8 - 11:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


-1-

مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور العراقي الدائم، ما زالت العمليات الارهابية الانتحارية مستمرة. ومع استمرارها الجنوني، يزداد الشعب العراقي اصراراً على الاستفتاء في الخامس عشر من هذا الشهر على الدستور.

المتشائمون من مستقبل العراق، نتيجة لهذه الأعمال الارهابية اليومية كثر. وهم ينظرون إلى مستقبل العراق من خلال هذه الأعمال الارهابية الانتحارية التي يقوم بها عملاء النظام السابق، والمرتزقة المُرسلين من دول جوار العراق، والأصوليون المخبولون الذين يحلمون باقامة الخلافة الإسلامية ومركزها بغداد، كما جاء في رسالة الظواهري الأخيرة للزرقاوي التي اعترضتها السلطات الأمنية الأمريكية ونشرت ملخصها. وهؤلاء جميعاً، ليس من مصلحتهم على الاطلاق أن يرتفع البناء الديمقراطي العراقي شامخاً كما هو سائر الآن، ليكون المثال المحتذى والنموذج المُؤمّل لباقي الدول والشعوب العربية.

-2-

الذين يقرأون صفحة العراق اليوم من خلال ما يجري من سفك للدماء، وتدمير لآمال الشعب العراقي، يتخيلون بأن العراق يحترق، وأنه سائر إلى الدمار والنهاية. ولكن الذين يقرأون ما وراء كل هذا، وما تحت النار ، يدركون بأن العراق سائر في الطريق الصحيح والسليم. وما هذه الحوادث اليومية غير النـزع الأخير للنظام السابق وفلوله، التي هي كالديك المذبوح يتقافز في نزعه الأخير، وسيلفظ أنفاسه الأخيرة قريباً.

على العرب أن ينظروا إلى العراق ليس من خلال السطح الطافي فوق الماء، ولكن من خلال السطح المختفي تحت الماء. إلى البناء التحتي الذي تم في كافة وجوه الحياة خلال العامين الماضيين رغم كل العوائق، ورغم كل ما يحصل يومياً.

-3-

كان المفكر الألماني هيجل، يؤكد بأن الشعوب هي التي تكتب التاريخ. فالتاريخ لا تكتبه فئات معينة، ولا أفراد معينون، ولا حكام، ولا أباطرة. التارخ تكتبه الشعوب. والشعب العراقي اليوم هو الذي يكتب التاريخ. ليس الجعفري ولا الطالباني ولم يكن من قبلهم صدام حسين أو حسن البكر أو غيرهما. والتاريخ لا يكتبه الارهابيون من أمثال الزرقاوي ولا الظواهري الذين يُطلق على أمثالهم "هوام التاريخ"؛ أي بعوض التاريخ الذي لا بد منه في الحياة، لكي تتم التوازنات والجدل في الحياة؛ الشيء وضده. والتناقض هو نفس الحركة.

والرجال العظام في التاريخ هم الذين يستجيبون لضرورات عصرهم، ويتحدون في الهوية اتحاداً قوياً مع الضرورات التاريخية.

-4-

إن التاريخ الجديد الذي يكتبه الشعب العراقي الآن، عسير على القاريء العربي، الذي لم يعرف مثل هذه الأبجديات في التاريخ.

القاريء العربي لا يعرف قراءة التاريخ إلا من خلال أبجديات القهر والظلم والطغيان على امتداد القرون السابقة.

القاريء العربي يجهل حتى الآن، أن التطور يأتي من خلال الصراع. وأن الصراع ملازم للتطور، كما يقول هيجل. فالتقدم لا يتم إلا بطريقة جدلية مع التناقضات والأزمات والصراعات. فلأول مرة يكتب شعب عربي تاريخه الحديث على هذا الوجه الذي يكتبه العراقيون الآن.

وقد تأملت أمس طويلاً صورة المواطن العراقي البسيط في احدى الفضائيات يحمل صندوقاً مليئاً بنسخ من الدستور الجديد، لتوزيعها، ويضعه في سيارته التي تقف إلى جانب سيارة محترقة تم تفخيخها، من قبل منتحر فاشل ومهزوم. مفارقة عجيبة وغريبة بين المنتصر والمهزوم تصلح لرواية عظيمة. ولكنها ترينا كم هو عظيم هذا الشعب العراقي الذي سيُستفتى غداً على الدستور، تحت حراب الارهابيين من ناشري الموت والدمار والتهديد، ويتحدى السيارات المفخخة، كما جرى في معجزة الانتخابات التشريعية في يناير الماضي.

-5-

أنا أدرك بأن الشعب العراقي حزين ومبتئس لما يجري على أرضه من مذابح يومية. ولكن التاريخ سيكتب غداُ كيف أن هذا الشعب دفع ثمن حريته وديمقراطيته غالياً – كباقي شعوب الأرض والتاريخ – من أجل نيل هذه الحرية.

فالشعب العراقي عليه أن يفخر بأنه نال حريته ليست هبة ولا منة ولا مكرُمة ولا عطية من حاكم أو مسؤول. وانما انتزعها انتازعاً من فم الغيلان والغربان، التي تقاتل الآن في العراق قتال الطلقة الأخيرة والسهم الأخير. فبعد هزيمتهم الحتمية التاريخية في العراق لن تقوم لهم قائمة. والعراق هو مقبرتهم، كما كان مقبرة الكثير من الغزاة في التاريخ.

-6-

أنا أدرك بأن الشعب العراقي الذي يعاني من نقص بالمواد الغذائية والماء والكهرباء والدواء، والشعور بعدم الأمن والخوف من الارهاب، هو نفسه الشعب العراقي الذي يدفع بممثليه في الجمعية الوطنية وبالحكومة إلى العمل الجاد والمثمر والبناء، بعيداً عن رائحة الدم ومناظر الدم وبيانات الغربان من المرتزقة.

فهل كان الشعب العراقي والشعب العربي من ورائه، يتصور بأن ينهار نظام صدام حسين خلال 24 ساعة بمثل هذه السهولة، وهو الذي كان بحاجة إلى مئات السنين لكي يزول بدون ما جرى في فجر التاسع من نيسان 2003؟

-7-

لو علم الشعب العراقي ماذا فعل انبثاق فجره يوم التاسع من نيسان 2003 في العالم العربي لازداد فخراً واعتزازاً بما فعل، منذ ذلك الفجر حتى يومنا هذا. لقد تحول العالم العربي من بركة استبداد ساكنة مليئة بالدم والجماجم وأشلاء المساجين السياسيين والأفواه المكممة والوجوه المقنعة، إلى أمواج لا حدود لها من المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية.

أنظروا ماذا جرى في لبنان. وأقرأوا اعتراف وليد جنبلاط من "أن شرارة التغيير في المنطقة بدأت بسبب الاجتياح الأميركي للعراق"، وأضاف: "لقد كنت متشائماً بالنسبة للعراق، ولكن بعد أن رأيت ثمانية ملايين مواطن عراقي يصوتون، فإن هذا يعني أنها بداية عالم عربي جديد". وأضاف: "ان شرارة هذه الثورة الديموقراطية تنتشر: الشعب السوري، الشعب المصري، جميعهم يقولون ان شيئاً ما يتغير. حائط برلين انهار، ويمكننا رؤية ذلك".(واشنطن بوست، 22/2/2005).

أنظروا ماذا جرى في مصر وظهور حركة "كفاية"، والتعديلات الدستورية التي تمت وانتخاب حاكم مصري لأول مرة في التاريخ.

أنظروا ماذا يجري في الخليج من صياغة للدستور، واعطاء الحقوق السياسية للمرأة، وترشيح المرأة وانتخابها في الغرف التجارية، واطلاق سراح المطالبين بالإصلاح والتطوير.

انظروا ماذا يجري في سوريا، وفي الأردن، وفي غزة والضفة الغربية.

انظروا ما جرى في الجزائر من تحقيق للمصالحة الوطنية، وما يجري في المغرب من تحقيق في مقتل ابن بركة، ودلالات ذلك، وما جرى في ليبيا، من تحول النظام الحاكم هناك من نمر من ورق، إلى فأر من ورق.

لقد سقط جدار الخوف. وسقط حائط الديكتاتورية، وإن كانت حجارته ما زالت موجودة إلى الآن، وتحتاج إلى متعهد لرفع هذه الانقاض.

لقد كتبت قبل فترة مقالاً (كيف سيمكر تاريخ العرب بنابليون الأمريكي؟ 15/9/2005 ) أقول فيه، إن العالم العربي يتقدم ولا يتأخر، يتقدم ولا يتوقف، ولكن هذا التقدم بطيء جداً.

تفاءلوا واستبشروا خيراً.



-8-

ما يجري في العراق الآن هو الحلم العربي المستحيل بعينه: سقوط الديكتاتورية، سقوط حكم الحزب الواحد الشمولي، حرية الإعلام والرأي، حرية التظاهر ضد الدولة، رفع صور النازية العراقية، حرية قيام الأحزاب، حرية الانتخابات، قيام أحزاب المعارضة، وضع دستور جديد، اختلاف رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء، ونقد كل منهما لآداء الآخر، الشفافية في الحكم، الكشف عن الفاسدين والسارقين واللصوص والناهبين للمال العام وتقديمهم للمحاكمة، حرية المعارضة، حرية العبادة، حرية السفر.. الخ. وهذا كله رغم الدمار والارهاب والدماء اليومية الغزيرة.

فزنابق الحرية لا تروى إلا بدماء الأحرار. رغم أن الإعلام العربي لم يكتشف في العراق حتى الآن غير هذا التاريخ الظاهري السطحي المتمثل بالارهاب اليومي والقتل المجاني.

فالإعلام العربي المُسيّر لا المُخيّر بجملته، لا يرى أبعد من أنفه.

ورغم كل هذا، فالعراق ما زال بخير، بل بألف خير.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد شعب عظيم
- عار المثقفين العرب في العراق
- هل الإرهاب ضرورة تاريخية للتغيير؟
- القرار 1626انتصار لبيان الليبراليين
- كيف سيَمْكُرُ تاريخُ العربِ بنابليون الأمريكي؟
- خُرافة علاقة الإرهاب بالتعليم الديني!
- هل ستصبح الفيدرالية العراقية نموذجاً عربياً يُحتذى؟
- تهافت المعارضة الدينية الأردنية
- النوابُ اليومَ والشعبُ غداً
- السُنَّة والفيدرالية والدستور العراقي
- مكاييل الأردنيين شارعاً وإعلاماً
- عندما يرفضُ الملكُ مصافحةَ رعاياه!
- ما هو مستقبل الهاشميين في الأردن؟
- هل سيصبح الأردن النموذج الديمقراطي العربي؟
- ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني
- لماذا لم يُفتِ أحد بقتل ابن لادن حتى الآن؟
- الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
- وباء الديكتاتوريات يلتهم المليارات
- كيف سيثأر العرب لقتلاهم؟
- كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شاكر النابلسي - ورغم هذا، فالعراق بألف خير !