أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فانوس رمضان














المزيد.....

فانوس رمضان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 19:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا الفانوسُ الجميل المُعلّق في تِراس بيتي الآن، أهداه لي أحد أصدقائي عَشيةَ اليوم الأول من رمضان. أجّل سفرَه خصيصًا، وعطّل مصالحَه حتى يجهزه ويعلقه في بيتي قبل بداية الشهر الكريم. لأنه يعلم أن "رمضان ميبقاش رمضان من غير فانوس".
فانوسٌ أنيق، مصنوعٌ من الزجاج الملون الذي يملأ القلب بالدفء، ويجيش بالعقل ليسبح في لُجّة الذكريات الحلوة حين كنّا أطفالا صغارًا لا ندري إلا أن الحياة مجموعة من الفراشات تطير فوق الزهور الملونة، وسربٌ من العصافير الغريّدة تشقشق في أعشاشها السرية داخل الأغصان المتشابكة في الشجر، وفريقٌ من الضفادع الخضراء ذات العيون الواسعة تسبح في البحيرات الضحلة وتُصدر نقيقًا نحاول أن نقلّد أصواتها ونحن نضحك، قبل أن نعود إلى بيوتنا الدافئة لنشرب كوب اللبن الدافئ، ونغسل أسناننا، ثم ندخل أسرّتنا الدافئة لننام ونحلم بتلك الأشياء الجميلة التي نظنّها "كل" العالم. وحين يهلُّ شهر رمضان، نتحرّق في شغف حتى ننزل مع أمهاتنا لنشتري فانوس رمضان المصنوع من رقائق الصاج الفضيّ وقطع الزجاج الملون، وحزمة من الشمع والكثير من الفرح والترقّب.
قبل ثلاثة أعوام، زارنا رمضان ونحن في غمرة لحظات الشقاق الموجعة التي زرعها في أرضنا الإخوان والمتطرفون وترزية الفتاوى. حيث المسيحيون كفرة، والليبراليون والعلمانيون كفرة، ومن قالوا "لا"، على استفتاء 19 مارس كفرة، وغزوة الصناديق، والغزوات التالية التي كانت تخرج دائما بنتيجة واحدة وحيدة: كل ما عدا تيار الإسلامي السياسي: كفارٌ ملاحدة دمُهم هدرٌ. ثم تطور الأمر وبدأ المتأسلمون ذاتهم، يكفرون بعضهم البعض، بعدما كدنا نصدق أنهم الفرقة الوحيدة الناجية من النار، التي نحن وقودها.
وسط هذا الجحيم، كتبتُ مقالاً بعنوان: "شوارعُ تُغنّي بالفرح"، بعمودي بجريدة "المصري اليوم"، وآخر بعنوان: "نوستالجيا رمضان القديم"، بعمودي بجريدة "الوطن". تحدثت فيهما عن ذكريات طفولتي مع شهر رمضان. كيف كنّا نجمع قروشنا النحيلة لكي نُزيّن شارعنا ونُباري أطفال الشوارع الأخرى لتكون زينتنا أجمل، وفانوسنا أكبر. ولم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صانعى زينة رمضان كانوا مسيحيين. فرمضانُ شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد مالكِ هذا الكون الشاسع نعبده جميعاً، كلٌّ عبر رؤيته، ونحبُّه جميعاً، كما أحبَّنا وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى. تلك خصوصية رمضان في مصر، عنه في سائر بلاد المسلمين. هو الشهرُ الذى لن تميّز فيه المسلمَ من المسيحىّ؛ فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصرىٌّ، وليس دينيّاً وحسب. المسيحىُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه لا يليق أن يشبع وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب وهو فى الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه مبتسمين يلوّحون له بالخير. يفتح زجاج سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ البلح لكى "يكسر صيامه". فإن قال لهم إنه مسيحىّ، سوف يُفاجأ بهم يبتسمون قائلين: "واحنا كمان يا عمّ، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط فى مصر أن يقفَ شبابٌ مسيحيّون يحملون كؤوس الماء ليرووا ظمأ مسلمين صائمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
يوم 30 يونيو 2013، وقفتُ على منصة الاتحادية وتعهدت أمام ملايين المصريين بعهد، لم يكن لديّ من دليل عليه سوى ثقتي في الله وفي مكانة مصر في كتبه السماوية. قلتُ: “بعد أيام سيأتي شهر رمضان الكريم، وسوف يكون رمضان بلا إخوان.” فهتفت جموع الثوار: “آآآآمين.” وهو ما كان.
وانتهى عهدُ الإخوان. وزارنا رمضانُ جديدٌ، ومصرُ تبدأ التعافي لتعود من جديد مصرَ التي نعرفها. فكم نحتاج من وقت لنتخلّص من الأشواك القاسية التي وخزها أعداءُ الحياة في نحورنا لكي نكره بعضنا البعض؟ ثم نصفو لننصت إلى أصوات السماء العذبة في تواشيح سيد النقشبندي وقرآن قبل المدفع للشيخ محمد رفعت، وصوت البومب يضربه أطفال الشارع، الذين لن نميز أبدًا إن كانوا مسيحيين أم مسلميين، مادمنا متأكدين أنهم مصريون. مصريون وفقط.
نسيتُ أن أعرّفكم بصديقي الذي جلب لي فانوس رمضان وعلّقه بنفسه في بلكون بيتي. اسمه: "عصام فهمي صليب”. شكرًا له، وشكرًا لمصر التي تعرف كيف تُنشئ أبناءها على الطيبة والرقي والتحضر والمحبة. كل سنة وأنت طيبون. كل سنة ومصرُ، مصرُ، والمصريون مصريون.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درجة الإملاء: صفر
- -الحرف-... في المصري اليوم
- هدايا لم تُفتح منذ مولدك
- مصرُ ... وشخصية مصر
- شيخ الكافرين
- رحلتي للسماء
- رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
- سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر
- ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
- قبل أن تُحبَّ صحفية
- عكاشة والسيسي
- النظافة ليست من الإيمان!
- بعضٌ من الحلم لا يفسدُ العالم
- في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟
- رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
- حزب النور... على أبواب التمكين
- خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
- تمرّد... وكتابُ التاريخ
- بذورٌ فاسدة
- انتحارُ الأديب على بوابة قطر


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فانوس رمضان