أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد حسن - الماركسية ونظرية الثورة - رد على مقال خليل كلفت















المزيد.....


الماركسية ونظرية الثورة - رد على مقال خليل كلفت


احمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 21:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    




كتب الأستاذ كلفت مقالا بعنوان ( المثقفون آخر أجيال المتفائلين )

فى العدد 4846 من الحوار المتمدن . وبغض النظر عن صلة العنوان بموضوع المقال فقد أثار الكاتب نقاشا زعم فيه ( لم تملك الماركسية في يوم من الأيام نظرية عن الثورة بوجه عام )

واعتبر أن ذلك هو السبب فى تخبط الماركسيين ( عدم فهمنا لطبيعة الثورة نظريا وبالتالي عمليا ) . إذ أن الماركسية وفقا لرؤيته ، ( جهدها الفكري في هذا المجال كان ينصبّ على الثورة الاشتراكية وليس على الثورة بوجه عام ) .

تلك النظرية الماركسية عن الثورة يراها السيد خليل متجسدة – ربما بصورة حصرية – في تلك الفقرة الشهيرة من مقدمة كتاب - نقد الاقتصاد السياسي - …
“ فى مقدمته لكتابه "نقد الاقتصاد السياسي": "عند مرحلة بعينها من التطور، تدخل قوى الإنتاج المادية في المجتمع في صراع مع علاقات الإنتاج القائمة، أو- ما ليس سوى تعبير قانوني عن نفس الشيء- مع علاقات الملكية التي كانت تعمل ضمنها من قبل. ومن أشكال لتطوُّر القوى المنتجة هذه تتحوَّل هذه العلاقات إلى قيود عليه. عندئذ تأتى فترة الثورة الاجتماعية. ومع تغيُّر الأساس الاقتصادي تتحول البنية الفوقية الهائلة بكاملها بسرعة إلى هذا الحد أو ذاك"،

ويقرر السيد كلفت -” من الجلىّ أن هذه الفكرة لا تنطبق على ثورات "الربيع العربي".
ومن ثم يرثي لحال " الماركسيين فى العالم كله " وذلك لأنهم " اعتادوا جميعا على التفكير من داخل قفص يخنقهم " يقصد بالطبع قفص النظرية الماركسية . ويوجه الكاتب سهام لومه اليهم جميعا لأنهم " ألومهم جميعا على أنهم لم يطوروا نظرية الثورة عند مار كس أو أن يُنشئوا نظرية ماركسية جديدة عن الثورة. “

ويقرر بحزم أن " كل مطلع على اجتهادات الماركسيين فى هذا المجال يدرك غياب أي مفهوم واضح عن الثورة عند أي منهم.”

وفى زائدة توجيهية يشير إلى صمت الماركسيين إزاء تلك القضية الهامة – غياب نظرية ماركسية عن الثورة - عبارة مار كس " يكتفون بملء أفواههم عن الثورة ، ولا يقتدون بقولة مار كس: "أنا نفسى لستُ ماركسيا"، …. حيث يراها الكاتب" عبارة تدعو إلى الاجتهاد" هذا الاجتهاد يعنى لديه " أن الماركسي عندما يفكر ينبغي أن ينسى أنه ماركسي " …... ؟ ، أو أن ينسى أن الماركسية نصوص جامدة نرددها بل ينبغي قبولها أو رفضها على أساس تفكير عميق.”

هكذا طرح السيد كلفت المسألة ….
أولا – حصر السيد كلفت تناول الماركسية لدى المؤسسين فى فقرة فقيرة للغاية ولا تناقش لديهم قضية الثورة على الإطلاق ، تلك الفقرة وردت في معرض تقديم مار كس لمفردات منهجه في التحليل … وفي كتاب خصص لنقد الاقتصاد السياسي ، وفى مرحلة كانت أداوت التحليل المادي التاريخي لدى مار كس وانجلز قد بلغت قدر معين من التطور والنضج ، اعتنت المقدمة بتقديم عرض موجز لتطور ذلك المنهج ، تلك الفقرة المقتبسة إنما كانت في معرض تقديم لوحة موجزة لتطور أداوت التحليل المادي الماركسي أن مار كس يقدم فيها – بعض مؤشرات عن سير دراساتي للاقتصاد السياسي – هذا السير الذي اكتنفه ( تصفية الحساب نقديا مع فلسفة القانون عند هيجل )
وهو ما وصل به إلى فهم " أن المفاهيم القانونية والأشكال السياسية لا يمكن أن تفسر نفسها بنفسها ، أو عن طريق ما يسمى بالتطور العام للعقل البشري ، وأن أساسها يكمن في ظروف الحياة المادية ") هكذا يقرر " يمكن أن الخص على النحو التالي النتيجة العامة التي وصلت أليها والتي أفادتني كخيط متصل فى دراساتي :

"في إنتاج الناس الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل مجموع علاقات الإنتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتمشى معه أشكال اجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام. ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”.
“فعندما تصل قوى المجتمع الإنتاجية المادية إلى درجة معينة من تطورها، تدخل في صراع مع أحوال الإنتاج القائمة أو بالتعبير القانوني مع أحوال الملكية التي كانت تعمل في ظلها حتى ذلك الوقت. وتتغير هذه الأحوال التي هي قيد على الأشكال التطورية من القوى الإنتاجية. وفي هذه اللحظة تحل حقبة من الثورة الاجتماعية. فتعديل القاعدة الاقتصادية يجر في أذياله قلباً سريعاً بدرجة أكثر أو أقل، لكل الصرح العلوي الهائل. وعند دراسة الانقلابات التي من هذا النوع يجب دائماً أن نفرّق بين القلب المادي الذي يحدث في أحوال الإنتاج الاقتصادية والتي يمكن تقريرها بدقة عالية، وبين الأشكال القانونية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية،"

تلك الفقرة من المقدمة بدرجة اكبر من الوضوح ، ومن السياق يتضح أن مار كس إنما يعرض النتيجة التي توصل أليها ، أن القانون والسياسية ومجمل مفردات أيدلوجيا إنما تنمو – وتتغير – وتتعرض أيضا لانقلابات كبرى ، فى سياق عملية الإنتاج الاجتماعي ، وليس كمنتوج لعقل بشرى يتطور فى فراغه الخاص ، وان هذا الإنتاج الاجتماعي فى كل مرحلة تاريخية يصنع نوع خاص من العلاقات بين أفراد المجتمع ، علاقات الإنتاج ، وعند درجة معينة تصطدم هذه العلاقات مع شكل الإنتاج القائم الذي خلقها ، ومن ثم ينفتح الباب أما الثورات الاجتماعية التي عليها أن تحل هذا التناقض الذي وصل إليها الشكل الاجتماعي القائم .

بإيجاز … لا تهتم الفقرة ، ولا المقدمة ، ولا الكتاب ، بتقديم نظرية -أيا كانت - عن الثورة ، وإنما تشير لفهم العلاقة بين الواقع المادي والأفكار ، شروط التحولات الاجتماعية واثرها فى التحولات الفكرية ، طريقة تحليل الواقع بدأ من شروطه المادية وليس من المقولات الذهنية أو التصورات الأيدلوجية ، انه يرغب في إيضاح تلك العلاقة ( أن تعديل القاعدة الاقتصادية يجر في أذياله قلباً سريعاً بدرجة أكثر أو أقل، لكل الصرح العلوي الهائل ) بين الأفكار والشروط المادية ، تمهيدا لأن يبدأ بحثه بتلك الشروط المادية ، وليس بالتصورات الأيدلوجية الناتجة عنها .

فعندما يعتبر السيد خليل تلك الفقرة … التي (أشارت عرضا ) إلى حدوث ثورات عند بلوغ التناقض مستوى معين – بمثابة .. النظرية التي قدمتها الماركسية عن الثورة ، يجب أن تصعقنا الدهشة ، ونندهش اكثر عندما يعتبرها نظرية فى ( الثورة الاشتراكية ) إذ أن الفقرة ، والمقدمة ، وحتى الكتاب برمته ، يدور بعيدا تماما عن الاشتراكية ، أنه حتي لا يذكرها ، وإنما يدور حصرا حول بنية الاقتصاد الرأسمالي ، والمفاهيم أو المقولات الخاصة به .

أن الكاتب يمد خطا تاريخيا يبدأ من تلك الفقرة التي اقتبسها ، وينتهى عند – الماركسيين " الآن" فى العالم كله – مأساويا ألي درجة الفجيعة ، فهو خيط خالي تماما من أي خرزات أو فصوص ، من أي تفاصيل ، فقد سكت الماركسيون منذ عام 1859 ، لم يضيفوا أو يناقشوا ، لم يطوروا أو يقدموا ، شيئا فى نظرية الثورة التي يري أن مار كس قدمها في تلك الفقرة . انه بالفعل قفص – شديد الضيق – الذي حبسوا انفسهم فيه منذ 1859 إلى الآن .

ولكن هل فعلا كانت الماركسية بهذه الدرجة من الفقر النظري المفجع فى قضية الثورة ؟

الإجابة ليست بنعم أو لا ، الإجابة فى التفاصيل الفعلية قبل أن نقفز إلي مصادرات .



قبل كتابة تلك المقدمة بعشر سنوات تقريبا كتب مار كس وانجلز البيان الشيوعي 1848 ، وضمنوا فيه ليس فيه فقط عناصر أساسية من النظرية الماركسية في الثورة ، بل أيضا برنامجها العملي ( في حدود مستوى نضالات تلك الحقبة ) .

لقد تناولوا فيه جدلية تطور وتناقضات النظام البرجوازي ، النضال العمالي ومشكلاته ، الحزب الشيوعي وعلاقته بالأحزاب الأخري أثناء النضال ، أهمية موضعة الأدب الثوري الدعائي أو التحريضي في شروطه المكانية والزمانية ، نقد الأطروحات المثالية أو الإصلاحية عن حلول الصراع الدائر ، الموقف الجدلي الذي يجب اتخاذه من كل صراع عيني دائر ودون تعميم .
لنرى تلك الفقرة من ( مقدمة ) البيان …

" مع تقدم الصناعة لا تتسع البروليتاريا فحسب، بل تحتشد في حشود أكثر ضخامة و تنمو قوَّتها، و تعي هي هذه القوة وعيا أفضل. فالمصالح و الأوضاع المعيشية داخل البروليتاريا تتماثل باطراد، بقدر ما تمحو الآلة الفوارق في العمل، و تنخفض الأجرة، في كل مكان تقريبا، إلى مستوى مُتماثل في الانخفاض. فإن المضاربة المتعاظمة بين البرجوازيين أنفسهم، و الأزمات التجارية الناتجة عنها، تجعل أجور العمال أكثر تقلبا باستمرار؛ و التحسين المتسارع المتنامي، و المتواصل للآلة، يزعزع باستمرار الوضع المعيشي للعمال؛ و المصادمات بين العامل الفرد و البرجوازي الفرد، تَتَّخذ أكثر فأكثر طابع مُصادمات بين طبقتين. و عندئذ يبدأ العمّال في تأليف اتحادات نقابية ضد البرجوازيين؛ و يتكاتفون للحفاظ على أجر عملهم، و يؤلّفون جمعيات دائمة للتمّون تحسُّيا لانتفاضات مُحتملة. و هنا و هناك، ينفجر النضال شَغَبا .
و من وقت إلى آخر ينتصر العمال لكن انتصارهم هو إلى حين. و النتيجة الحقة لنضالاتهم ليست في النجاح المباشر بل في اتّحاد العمل المتعاظم باستمرار. و هذا الاتحاد يعززه نمو وسائل المواصلات التي تبتدعها الصناعة الكبرى، و التي تربط بين عمّال مختلف النواحي. و الحال لا بُدّ من الرابط لجعل النضالات المحليّة و المتعددة، ذات الطابع الواحد في كل مكان، تتمركز في نضال وطني، في نضال طبقيّ. غير أنّ كل نضال طبقي هو نضال سياسي. و الاتحاد الذي اقتضى سكان بلدان القرون الوسطى قرونا لتحقيقه، نظرا إلى طُرقاتهم البدائية، تحقّـقه البروليتاريا العصرية في سنوات قليلة بفضل السكك الحديدية .
و انتظام البروليتاريين في طبقة، و بالتالي في حزب سياسي، تنسفه مجددا و في كل لحظة المزاحمة بين العمال أنفسهم؛ لكنه ينهض مرارا و تكرارا قوى و أمتن و أشدّ يأسا، و يستفيد من الانقسامات في صفوف البرجوازية، فينتزع الاعتراف على وجه قانوني ببعض مصالح العمال، مثل قانون العمل عشر ساعات (يوميا) في إنكلترا .
و عموما فإنّ صدامات المجتمع القديم تدفع بطرق شتى بتطور البروليتاريا قدُما. فالبرجوازية تعيش في صراع دائم: في البدء، ضدّ الأرستقراطية، ثم ضدّ تلك الأقسام، من البرجوازية نفسها، التي تتناقض مصالحها مع تَقدُّم الصناعة، ثم بصورة دائمة ضدّ برجوازية جميع البلدان الأجنبية. و في كل هذه الصراعات تجد البرجوازية نفسها مضطرة إلى الاستنجاد بالبروليتاريا، و طلب معونتها، و بذلك تَجرّها إلى المعترك السياسي. و هكذا فإنّ البرجوازية نفسها هي التي تزوّد البروليتاريا بعناصرها التثقيفية أي بالأسلحة التي ترتدّ عليها.
و إضافة إلى ذلك و كما رأينا قبلا، فإن أقساما بكاملها من الطبقة السائدة تنحدر، بفعل تَقدُّم الصناعة، إلى البروليتاريا، أو تتهدد على الأقل بأوضاعها المعيشية. و هذه الأقسام تمدّ البروليتاريا أيضا بطائفة من العناصر التـثـقيـفية .
و أخيرا، عندما يقترب الصراع الطبقي من الحسم، تتخذ عملية التـفسّخ داخل الطبقة السائدة، و داخل المجتمع القديم بأسره، طابعا عنيفا و حادا، إلى حد أنّ قسما صغيرا من الطبقة السائدة يَنسلخ عنها و ينضمّ إلى الطبقة الثورية، إلى الطبقة التي تحمل بين يديها المستقبل. و مثلما انتقل في الماضي قسم من النبلاء إلى البرجوازية، ينتقل الآن قسم من البرجوازية إلى البروليتاريا، لا سيما هذا القسم من الأيديولوجيين البرجوازيين، الذين ارتفعوا إلى مستوى الفَهم النظري لمُجمل الحركة التاريخية .
ومن بين جميع الطبقات، التي تُـناهض البرجوازية اليوم، فإنّ البروليتاريا وحدها هي الطبقة الثورية حقا. فالطبقات الأخرى تنهار و تتلاشى أمام الصناعة الكبيرة، و البروليتاريا هي نِتاجُها الخاص.
و الطبقات الوسطى – الصناعي الصغير و التاجر الصغير و الحِرفيّ الصغير و الفلاّح الصغير – كلها تحارب البرجوازية للحفاظ على وجودها كطبقات وسطى من التلاشي. فهي إذن ليست ثورية بل مُحافظة، و فضلا عن ذلك، إنها رجعية تسعى إلى جعل عَجَلة التاريخ ترجع القهقرى. و إذا وقع لها أن تكون ثوريّة فذلك نظرا إلى انتقالها الوشيك الوقوع، إلى البروليتاريا، و هي بذلك لا تدافع عن مصالحها الراهنة، بل عن مصالحها المقبلة، فتتخلى عن موقعها الخاص، لتَتَبنّى وجهة نظر البروليتاريا .
أما اللومبنبروليتريا Lumpenproletariat (دون، أو تحت البروليتاريا)، هذا النتن المُستسلم، حثالة الفئات الدنيا من المجتمع القديم، فإنها قد تنجرف هنا و هناك في الحركة بفعل ثورة بروليتارية، لكنها بحكم وضعها الحياتي كله تصبح أكثر استعدادا لبيع نفسها لمكائد لرجعية.
ففي شروط حياة البروليتاريا تمّ تـقويض شروط حياة المجتمع القديم. فالبروليتاري لا ملكيّة له، و علاقته بالزوجة و الأطفال لم يبق جامع يجمعها بعلاقات الأسرة البرجوازية؛ و العمل الصناعي الحديث و الإستذلال الحديث، في ظل رأس المال، جرّداه سواء في إنكلترا أو في فرنسا، و في أميركا أو في ألمانيا، من كل طابع قومي؛ و القوانين و الأخلاق و الدين هي و الأحكام البرجوازية المغرضة الكثيرة، سواسية بالنسبة إليه، تتستر وراءها مصالح برجوازية كثيرة.
فالطبقات السالفة كلها، التي استولت على السلطة، كانت تسعى إلى توطيد مركزها المكتسب بإخضاعها المجتمع بأسره لشروط كسبها. و البروليتاريون لا يستطيعون الاستيلاء على القوى المجتمعية المنتجة، إلاّ بإلغاء النمط السالف الخاص بهم لامتلاك المال، و بالتالي بالقضاء على كل نمط للامتلاك قائم حتى الآن. و البروليتاريون لا يملكون شيئا يحافظون عليه، و عليهم أن يقوضوا كل الضمانات الخاصّة، و كل الحمايات الخاصّة، و القائمة حتى الآن.
فحتى الآن كانت الحركات كلها إمّا حركات أقليات، و إمّا لمصلحة الأقليات. و الحركة البروليتارية، هي الحركة القائمة بذاتها، للأغلبية الساحقة، في سبيل الأغلبية الساحقة. و البروليتاريا، الفئة الدنيا في المجتمع الراهن، لا يمكنها أن تنهض و تنتصب، بدون أن تنسف البنية الفوقية كلها للفئات التي تؤلّف المجتمع الرسمي .
و مع أنّ نضال البروليتاري ضد البرجوازية ليس قوميا في محتواه، فإنه يتّخذ في البداية الشكل القومي، و لا حاجة إلى القول إنّ على البروليتاريا في كل بلد أن تتخلص من برجوازيتها الخاصة.
و بإجمالنا أطوار نمو البروليتاريا في خطوطها الكبرى، تتـبّعنا أيضا الحروب الأهلية الكامنة تقريبا داخل المجتمع القائم، حتى الحين الذي تنفجر فيه هذه الحروب ثورة علنيّة، تُرسي البروليتاريا سيطرتها بإطاحة البرجوازية بالعنف .
و قد رأينا أنّ كل مجتمع حتى الآن قام على التناحر بين الطبقات العسفية و الطبقات المضطهَدَة. و للتمكن من اضطهاد طبقة ينبغي أن تؤمّن لها شروط معيشية تمكنها، على الأقل، من مواصلة وجودها ولعبادي. ، و كذلك ارتفع البرجوازي الصغير إلى برجوازي تحت نير الحكم الإقطاعي الاستبدادي. بخلاف ذلك، فإنّ العامل العصري، بدلا من أن يرتفع مع تقدّم الصناعة، لا ينفك ينحط عميقا دون أوضاع طبقته نفسها. فالعامل يغدو مدقعا، و العَوَز يزداد بسرعة تفوق سرعة نُمو السكان و الثروة. و بناءً عليه يتضح أن البرجوازية عاجزة عن أن تبقي زمنا أطول الطبقة السائدة، و أن تَفرض على المجتمع شروط وجود طبقتها كقانون أعلى. فهي عاجزة عن أن تسيطر، لأنها عاجزة عن تأمين عيش عبدها، حتى في إطار عبوديته، لأنها مرغمة على تركه ينحطّ إلى وضع يُلزِمها بأن تُعيله، بدلا من أن يُعيلها "

نحن نعتذر للقارئ عن هذه الفقرة المطولة ( المختصرة للغاية ) إذ أن البيان برمته يحمل مقومات عناصر أساسية وجوهرية فى – النظرية الماركسية في الثورة – بعمق تتلاشي أمامه الفقرة التي اقتبسها السيد خليل .

في البيان نحن نقترب فعلا من نظرية عن الثورة الاشتراكية ، لكن الماركسية كانت اكثر ثراء وتنوعا من هذا بكثير .

سنكتفي بإشارات حتى لا نرهق القارئ بنصوص وفقرات مطولة أخري . أننا هنا نشير إلى ذلك العمل الفذ عن الثورة الفرنسية ( الثلاثية ) التي قدمت تطبيقا رائعا للمنهج المادي التاريخي على واقع ثورة فعلية ، بكل تموجاتها ، من شقها البرجوازي حتى أفاق الثورة الاشتراكية فى تطورها ، مرورا بالانقطاع البونابرتي فى مجراها ، وفى تحليل يضافر المستوى السياسي بالواقع الاقتصادي والاستعارات الأيدلوجية وموقع التشريعات والدساتير فى الصراع الطبقي الدائر .
دون إسهاب في ذلك نحن أمام تطوير وتأصيل لنظرية ماركسية فى الثورة لم يقدم علم الاجتماع برجوازي ما يجعله يقترب من عتبتها حتى الآن ، لن نضيف ( حرب الفلاحين فى ألمانيا) أو نقد برنامجي غوتا واير فورت رغم انهما أيضا عناصر بنائية فى النظرية الماركسية فى الثورة .

لنتقدم تاريخيا قليلا … ستدهشنا التفاصيل ، بعد أن صعقتنا الصورة التي قدمها السيد خليل .

نحن على أعتاب عالم اكثر تعقيدا من فرنسا وألمانيا وانجلترا ، عالم يقف على حافتي التطور البرجوازي الأوربي ، والتأخر التاريخي الشرقي . عالم روسيا القيصرية . إيجازا لدينا نظرية ماركسية تتشكل تجاه قضايا هذا العالم ، وطابع الثورة المنتظرة فيه ، ونوع المهمات التاريخية التي على الثورة أن تنجزها ، نحن أمام الرؤية البلشفية المعبر عنها فى كتاب ( خطتي الاشتراكية الديموقراطية ) الذي كتبه لينين ، والرؤية التروتسكية التي وضعت ابتداء فى كتاب ( نتائج وتوقعات ) لتروتسكى ، دون أن ننسي ذلك الإسهام الهائل لنظرية التنظيم اللينينية الذي شكل إضافة جوهرية لنظرية الثورة فى الماركسية ,
ودون إسهاب فى التجربة البلشفية وتطور توجهاتها النظرية والسياسية نصل مباشرة إلي كتاب الدولة والثورة ، تلك المساهمة اللينينية الهامة استنادا إلى كل من خلاصة تجربة الكوميونة ، والعناصر النظرية فى الماركسية .

ثم تلك المبادئ التي وضعتها الأممية الثالثة بخصوص ثورات التحرر الوطني فى المستعمرات ، وما أضافته أيضا الأممية الرابعة .
وأيضا لا مكن أغفال الإسهام الهام للشيوعية الألمانية ممثلا فى كارل كاوتسكى ، وتحديدا كتابه ( الديموقراطية والنضال السياسي ) الذي كان أساسا لنظرية الثورة على مراحل التي تبنتها الأممية الثانية ، أو روزا لوكسمبورج ( إصلاح اجتماعي أم ثورة ) لن نشير هنا إلى ماو أو جيفارا أو ارنست ماندل أو عشرات الكتاب والمفكرين والمناضلين الماركسيين الذين لم ينقطعوا عن تطوير النظرية الماركسية فى الثورة لحظة واحدة ، وان كان من الهام أن نشير إلى إسهامات متميزة لنيكوس بولنتزاس .

حسنا … لن نختنق داخل القفص الضيق الذي أشار الكاتب ، لدينا نطاق واسع من المفاهيم والتصورات الماركسية عن الثورة ، بالطبع لا يمكن توحيدها فى نسق سياسي ونظري واحد إلا إن استطعنا أن نوحد توجه ومناهج المدارس الماركسية حول العالم ، لا يمكن سوى الانتقاء ، فالتجارب صنعت استقطابات ضخمة ، وأظهرت أن الشيطان فعلا يسكن فى التفاصيل ، وليس فى المبادئ العامة . على الأفل نعرف الآن رحابة وخيارات النظرية الماركسية فى الثورة ، دون ذوبان أو ضياع لأسسها المادية والتاريخية ، هذا الجدل فى التطور الذي لا يبقي ما كان بالأمس على حاله ابدآ .


نأتي الآن إلى تلك الفقرة فى مقال خليل -

( قد أدركت الدولة فى مصر، ولكن ليس فى باقي بلدان "الربيع العربي"، أن إفقارها للشعب ماديًّا وروحيًّا هو الذي دفعه إلى الثورة ضدها. ومن هنا دخلت فى عملية إصلاح اقتصادي قد ينقذها، ليس بهدف تحقيق الثورة بل بهدف تفاديها. غير أن مشكلات كبرى تحيط بها من داخلها ومن خارجها تضع علامة استفهام كبرى على نجاح محاولتها للإصلاح. )

تلك الفقرة أيضا تخرسنا فعلا ، هل كنا نتحدث عن نظرية ماركسية فى الثورة ؟ أن السيد خليل لا يرى ( الطبقة الحاكمة ) في الثورة المصرية ، ويري فقط الدولة ، انه يحدثنا عن خصوصية مصرية كامنة فى " إدراك الدولة " وان الدولة هي التي ( أففرت الشعب ماديا وروحيا) ؟!!! هل يحتاج رؤية الطبقة البرجوازية المصرية ، وهيمنة رجال الأعمال فى العقدين الأحرين على مفاصلها ، وتحديدا جناح معين من الطبقة الرأسمالية في مصر ، إلى نظرية ماركسية ؟ ذلك واقع يدركه القاصي والداني ، القوميين والإصلاحيين وحتى الصحافة الغربية وليس فقط الماركسيين ، الدولة ليست هي الطبقة ، وإفقار الشعب – منذ البيان الشيوعي فى 1848- نعرف انه ناتج عن علاقات الإنتاج الرأسمالية ، والثورة كانت نتاج لسياسات طبقة – استخدمت الدولة لصالحها بالقطع .
بعد أن حذف السيد خليل الطبقة من تحليله ، يفاجئنا بأن الدولة – وفقا لتصوره – التي أففرت الشعب ، قررت القيام بإصلاح اقتصادي ، بهدف تفادي الثورة ؟ لكن الثورة اندلعت بالفعل ، كيف يمكن تفادي ما تم حدوثه ؟ ربما المقصود استمرار الثورة أو تفادى موجات ثورية لاحقة . أن السيد خليل لم يحدثنا عن مضمون هذا الإصلاح ، ولا لماذا تصور انه قد ينقذ الدولة ، أو يمنع الثورة ؟ لم يكلف نفسه بأي نقاش كهذا فقد كان مشغولا بالدولة نفسها ، انه فيما يبدو قلق على الدولة لأن ( مشكلات كبرى تحيط بها من داخلها ومن خارجها تضع علامة استفهام كبرى على نجاح محاولتها للإصلاح ) ولأننا لا نعرف ماهية الإصلاح الذي يشير إليه لذلك لا نعرف ما يجب علينا حياله ، هل نتعاطف مع الدولة ؟ هل يتوجه هذا الإصلاح لتطوير أحوال الجماهير المعيشية مثلا ؟ هل نخاف على الدولة إذا من الفشل ؟
ما نراه فعلا هو مزيد من إفقار الجماهير بواسطة تلك الإصلاحات بالذات ، دون دخول فى تفاصيل اقلها نزع الدعم من كافة قطاعات الخدمات ، والارتفاع المنفلت للأسعار ، و .. و ,,, و .. دون توقف .
عند هذا الحد اعتقد نحن في حاجة إلى أمور أولية سابقة بكثير على .. نظرية ماركسية فى الثورة .

الملاحظة الختامية

ذلك الاستخلاص من عبارة مار كس "كل ما اعرفه أنني لستُ ماركسيا"، يراها السيد خليل "عبارة تدعو إلى الاجتهاد" وذلك بالنسبة له " أن الماركسي عندما يفكر ينبغي أن ينسى أنه ماركسي " .

نحن نعرف أن تلك العبارة - عند ماركس - ليست ابدآ أن يتحرر المرء من منطلقاته حين يفكر ، لقد قيلت بسبب تغليب ماركسيين جدد للجانب الاقتصادي فى التحليل ، والتقليل من دور الأفكار والمفاهيم . أراد مار كس أن يشير إلى أن التحليل لا يجب أن يكون أحاديا ، ويجب أن يتسم بتناول جدلي للتفاعل بين هذين المستويين ، التأثير المتبادل بينهما . دون تجرد أو تخلى .
أما ما يدعونا إليه السيد خليل - ينبغي للماركسي عندما يفكر أن ينسى أنه ماركسي – موضوع مختلف تماما . ولا يغير في ذلك إضافته الشارحة

" أو أن ينسى أن الماركسية نصوص جامدة نرددها بل ينبغي قبولها أو رفضها على أساس تفكير عميق .” وبغض النظر عن كيف نجرى هذا التفكير العميق ، هل أيضا تفكير .. ننسي فيه المنهج ؟ فما يقوله هنا هو مسألة سابقة على قبول الماركسية ذاتها ، يجب أولا قبولها أو رفضها ، وعند قبولها …. لن ننسي ابدآ عند التفكير أننا ماركسيين ..



#احمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موجة مرت في مساء غريب
- غوص
- سؤال الثورة المصرية الآن
- لست وطنيا واعترف
- الإفيهات والنقد السطحى
- الثورة المصرية - دراما ثورة لم تنتصر
- نشيد القساوسة
- الجانب الدرامى فى ثورة لم تنتصر - جدلية اﻻ-;-حباط وال ...
- موجزاً عن تاريخ قرية كري بري
- حياة مدنية على شواطئ دجلة
- الديمقراطية والفوضى


المزيد.....




- الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا ...
- بيان مركز حقوق الأنسان في أمريكا الشمالية بشأن تدهور حقوق ال ...
- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد حسن - الماركسية ونظرية الثورة - رد على مقال خليل كلفت