أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي اركون - حدود الاستكشاف في مقاربة العلمانيين للنسق الأصولي















المزيد.....

حدود الاستكشاف في مقاربة العلمانيين للنسق الأصولي


هادي اركون

الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 18:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




لم يخصص المفكرون الحداثيون إلا قليلا من الدراسات للوهابية وكتابات حسن البنا وسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وروح الله الخميني ومحمد باقر الصدر وعلي شريعتي .والأنكى أنهم لم يولوا أي أهمية لدراسة تاريخ الحركات الإسلامية ولا لدواليبها التنظيمية وتحالفاتها ومصادر تمويلها وإستراتيجيتها في التوسع .فكلما قابل المثقف الحداثي ،الحركية التنظيمية للحركات الإسلامية الشيعية والسنية ،إلا واتجه إلى التراث ليجد فيه بلسما لجروحه وحلا لمشكلاته ومتنفسا لتوتراته.وكأن تفكيك منتجات العقل ، كفيل بمحاصرة مفاعيل حركات دينامية تتفاعل ببراغماتية مع معطيات الواقع الإقليمي والدولي .
من النادر أن نجد دراسات شاملة عن التنظيمات الإسلامية أي دراسات تشمل الجوانب الفكرية والإيديولوجية والسياسية والتنظيمية والمالية والإعلامية لهذه التنظيمات . بل إن الدارسات المخصصة لخطاب الإسلام السياسي ولتفاعله مع الخطاب التراثي والخطاب الحداثي ،نادرة في أدبيات العلمانيين.نذكر منها دراسة عبد الرزاق عيد " سدنة هياكل الوهم : نقد العقل الفقهي (البوطي نموذجا ).
فلما كانت كتابات حسن البنا ومحمد باقر الصدر والخميني وسيد قطب وعبد السلام ياسين ،مرجعيات ضرورية لحركات الإسلام السياسي ،كان من الضروري الانكباب عليها واستشكالها والإبانة عن حدودها بالقياس إلى الأصول التراثية و إلى المنجزات الحداثية في العلوم الاجتماعية والإنسانية .
ومن اللافت للنظر أن المحافظين ،لا يألون جهدا في نقد أي كتاب يجرؤ على نقد مظهر من مظاهر الفكر أو التاريخ الإسلامي .بل أضحى تفنيد مقولات وتحليلات الحداثيين ، من أولويات الإسلاميين .وتشكل الردود والتفنيدات والطعون المقدمة ضد (في الشعر الجاهلي ) و(مستقبل الثقافة في مصر ) والمنحى المعرفي والشخصي لطه حسن ،مادة من الضروري استثمارها في تناول إستراتيجية الخطاب الإسلامي في النقد والطعن في شرعية الخطاب النقيض. ( كتابات أنور الجندي ومحمود شاكر ضد طه حسين مثلا. ) .
ارتأى الحداثيون ، اعتماد إستراتيجية أخرى ،أكثر فائدة من الناحية المعرفية ،إلا أنها قليل النجاعة عمليا .قوام هذه الإستراتجية ، نقل المنازلة الفكرية إلى الحقل التراثي ، وتفكيك العقل العربي أو الإسلامي .
ورغم ما تحقق من منجزات في هذا الإطار، فإن تفكيك العقل،بقي حبيس الكتب النظرية ، ولم يتم تطويعه واستثماره في إضاءة النصوص المحركة للجموع في العالم العربي وفي المهاجر الغربية .
ولئن خصصت كوكبة من الباحثين بحوثا ودراسات نقدية للخطاب الإسلامي ،فإنها تبنت إستراتيجية حجاجية غير مواتية ولا سيما في لحظات التمدد الأصولي وتراجع الخطاب الحداثي .كان حريا بناقدي الخطاب الأصولي ،نقده نقدا مزدوجا،مبنبا على نقد داخلي ونقد خارجي معتمد على أدوات مخارجة لذلك الخطاب.
ويغلب على بعض المقاربات المخصصة لجوانب من الخطاب الإسلامي ،استعمال آليات أو مفاهيم أو أطر تحليلية مقتبسة من أنساق مختلفة لا تتجاوب بالضرورة مع مقتضيات الخطاب الإسلامي .وكأن الهدف ليس الكشف عن الظاهرة المقروءة ،بل التدليل على إجرائية الإطار التحليلي(كتابات سمير أمين ومهدي عامل وطيب تزيني عن الإسلام السياسي ) .
ومن اللافت للنظر ،أن اعتراضات العلمانيين على الخطاب الأصولي ،شملت جوانب وتناست جوانب أخرى ،إما بسبب الافتقار إلى الكفاءة المعرفية أو للقراءة غير الملائمة لإستراتجية الخطاب النقيض .
يلاحظ أن الخطاب الإسلامي اختار الاشتغال على مواضيع محددة ،نظرا لحساسيتها وراهنيتها بالنسبة إلى المتخيل الإسلامي .
وفي هذا السياق ،تم التركيز على الجوانب التالية :
-الإعجاز العلمي : لعبت نظريات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ،دورا بالغ الأهمية في الاستقطاب والتحشيد واستمالة الأطر التقنية أو العلمية ،إلى صفوف الحركة الإسلامية .وبما أن التحدي العلمي ،هو أرفع تحديات الحداثة ،فمن الضروري ،استعمال أرقى أدوات الحداثة نفسها ،لدحضها وإعادة الكتل المتعلمة القلقة ،إلى التقليد الفكري النقلي .
والأغرب أن العلمانيين ،المعتصمين بالدراسات التراثية ،تخلوا عن رهاناتهم الإبستمولوجية ،واكتفوا بردود عامة ،منهجية في الغالب مرتكزة على ضرورة مراعاة بعض القواعد المنهجية والمبادئ التفسيرية أو التأويلية دون أن تنكب على استشكال التكييف الإعجازي لنتائج العلوم .
(إنها عملية ايديولوجبة إذا قبلناها وسلمنا بفائدتها كان علينا أن نقبل توظيفا ايديولوجيا مماثلا للقرآن الكريم عرفه التاريخ الإسلامي ، وهو التأويل الإسماعيلي . وكما هو معروف فالمذهب الإسماعيلي يقوم كله على تأويل القرآن وفق " الحقائق العلمية " التي كانت سائدة في ذلك العصر ( القرن الثالث والرابع والخامس الهجري ) "حقائق" الفلسفة الدينية الهرمسية. ) 1-
وبدلا من أن تتحول كثير من المنجزات العلمية إلى مكاسب فكرية للحداثيين ،صارت رهانا من رهانات الإسلاميين ،وأدوات إيديولوجية للتغلب على صدمة الحداثة ،وتحول العلم والتقنية ،حتى في ذراهما ،إلى روافع ايديولوجية لدعم النقل وتغييب العقل وتأكيد المقررات التراثية بوسائل جديدة .
-الاقتصاد الإسلامي :
خصص الإسلاميون دراسات غزيرة للاقتصاد الإسلامي .ولم تبق أفكارهم الاقتصادية ، رهينة الفكر والمطارحات ،بل صارت تجارب عملية طرحها أصحابها كبديل فعال وناجز للاقتصاد الربوي.
ومن النادر أن نجد دراسات نقدية تفكيكية للاقتصاد الإسلامي ،واستطلاعات ميدانية عن تطبيق مقولاته وإجراءاته في السياقات الإسلامية .
تبقى الانتقادات الموجهة إلى الاقتصاد الإسلامي ،عمومية ومبدئية ،لا تلامس القضايا التقنية ، أو محصورة في بعض الحوادث مثل قضية البنوك الإسلامية في الثمانينات بمصر .
وحين ينكب البعض على نقد هذا الاقتصاد ،فإنه يبرهن على عدم اتساقه استنادا إلى أطر تحليلية مقتبسة إما من الأدبيات الليبرالية أو الماركسية .فالاقتصاد الإسلامي غير ممكن لعدم وجود نمط إنتاج إسلامي ،كما يرى مهدي عامل ؛وهكذا ينفي المنظر الماركسي واقعة اجتماعية وسياسية استنادا إلى مفهوم ذي تاريخ خاص .
(لذا ،غلب مبدأ التوزيع على مبدإ الإنتاج في ما سمي ، ردا على الماركسية ،الاقتصاد الإسلامي . وما هذا الاقتصاد باقتصاد فعلي . هكذا تفهم هيمنة السياسي / الإيديولوجي ،أو العقيدي في الفكر الإسلامي على الاقتصادي نفسه ، ولا يمكن للأمر أن يكون ، في الفكر الإسلامي ، إلا كذلك .
لكن مادية نمط الإنتاج أقوي من تغييبه . ) 2-
كان من الممكن مناقشة هذا الاقتصاد من منظور تاريخي ،يبين جذور هذا الاقتصاد في الفقه والتاريخ الاقتصادي الإسلامي ،أو من منظور تقني يكشف أصول المفاهيم والآليات المعتمدة في بلورة هذا الاقتصاد وتركيب مقولاته ،بالإضافة إلى حصيلة تجارب البنوك الإسلامية .
-السياسة الإسلامية والإعداد للخلافة :
إن استعادة الخلافة ، هي الهدف الإستراتيجي للإسلاميين ،أيا كانت تقديراتهم وتقويمهم للظرفية السياسية العربية أو الدولية . فمهما حاول الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر ،استحياء هذا الجانب أو ذلك من جوانب الحداثة السياسية ،فإنه ينتمي ،عمقيا إلى الفكر السياسي التقليدي ويتبنى جذريا مفاهيمه وتصوراته ومقولاته الأساسية .
وقد قدم المفكرون الحداثيون ،قراءات هامة في هذا السياق ،إلا أنهم لم يهتموا بتطبيق تلك المقولات في سياقات محددة،وبالأخص في السياق السعودي والسوداني والباكستاني .
-الشريعة والحدود :
يركز الاسلاميون على تطبيق الشريعة بوصفها ،قانونا إلهيا ملزما .وفي هذا السياق ، يتم تفكيك القوانين الوضعية ،والكشف عن قصورها وتناقضها .إن القصد من إقامة الخلافة ،هو تطبيق الشريعة والحدود ،والتخلي عن القوانين الوضعية المستمدة من القانون الغربي أو من التوفيقات الحديثة .
ولئن قدم الحداثيون ،اعتراضات على تطبيق الشريعة ؛فإن اعتراضاتهم انصبت أساسا على الاكراهات الوقتية وعلى ضرورة الاجتهاد ،دون أن تنكب على تفكيك الشريعة من منظور العقل .
ولا يمكن انتظار مثل هذه الاستشكالات ،في غياب فكر قانوني قوي ،قادر على الدفاع عن الحداثة القانونية ،استنادا إلى الحداثة الفكرية حصرا .
إستراتجية نقد التراث :
صاغ العلمانيون إستراتيجية غير ملائمة لطبيعة التحدي ،وغير مجدية على المستوى العملي ؛فالمباحث التراثية ،هي مباحث خاصة بالنخب ،ويصعب كثيرا ،الاستعانة بخلاصاتها في الحجاج ضد مفكرين –دعاة يكتفون بالمقررات الشرعية دون التعمق في المباحث النظرية .(القرضاوي ومحمد الصدر ومحمد الغزالي وراشد الغنوشي ..... الخ).
والملاحظ أن العلمانيين تجنبوا مباحث تراثية إشكالية ،كان من الممكن استثمارها لو توافرت إستراتيجية ملائمة للاستعمال .ونخص بالذكر ما يلي :
-تاريخ المصاحف ،
-أساليب وتقنيات المحدثين،
-تاريخ أصول الفقه ،
-تاريخ المذاهب الفقهية .
لا ينشغل المنظرون الإسلاميون ،بالمباحث النظرية الدقيقة إلا لضرورات نقدية أو سجالية ؛وفيما عدا ذلك يكتفون بتأكيد الثوابت والمقررات دون استشكال ،أو بالتأويل أو التكييف دون التساؤل عن شروط ذلك التأويل وملاءمته للمقتضيات المعرفية الحديثة .كان من الممكن ،الانكباب على تلك المقررات ،إلا أن المفكرين العلمانيين آثروا النقاشات النظرية العالية ،غير المرتبطة مباشرة بإشكاليات النصوص والتجارب المؤسسة(الاعتزال والرشدية والخلدونية ...... الخ) .
فبما أن القصد واضح لدى الفاعل الإسلامي ،فمن الضروري ايلاء الأهمية للوسائل ولتحقيق المكاسب الثقافية والسياسية ومحاصرة المخالفين سياسيا وإيديولوجيا واجتماعيا .وعادة ما تتم بلورة استراتجيات معقدة ،لتكثير المكاسب والمحافظة عليها ، في وسط متحول ومتقلب ومتأثر ،بكثير من المؤثرات المخالفة ،للأصولية ،فكرا وسياسة وثقافة .
كانت السلفيات بارعة في نسج التحالفات وفي تنويع مصادر التمويل وطرق العمل الميداني ،واكتفت في النطاق الفكري ،بالمقررات النظرية دون الاشتباك بالإشكاليات الحارقة للتراث الإسلامي.لم يكن لحسن البنا مثلا إسهام فكري يوازي إسهامات محمد عبده أو محمد إقبال ،ورغم ذلك فقد تبوأ مكانة رفيعة في متخيل الإسلاميين .
كيف تمكن حسن البنا من بناء تنظيم دولي ،قادر على التأثير لا على الرأي العام العربي والإسلامي ،بل على الدول نفسها ؟ كيف تمكنت جماعة دعوية ،من إتقان لعبة التنسيق والتحالفات ،على الصعيد الإقليمي والدولي ؟
إن الفكرة ركن ركين في البناء الأصولي ،إلا أنها جزء من بناء أكبر . وبدلا من أن ينكب المفكرون العلمانيون على هذا البناء ، آثروا الانشغال بتفكيك منتجات العقل العربي أو الإسلامي ،والكشف عن علله التاريخية .
وعادة ما يتم التركيز على المنظرين والإيديولوجيين ،ويتم التغاضي عن رجال الإعلام والإسناد والتعبئة والتحالف والتمويل .فالبناء الأصولي بناء متكامل ، لا يمكن حصره ، بأي حال من الأحوال ، في الفكرة أو الخطاب ، بل هو مجموعة من الآليات المتضافرة والمتناسقة ، بهدف تحقيق الهدف الإستراتيجي للحركات كلها : أستاذية العالم .
لم يراع نقاد التراث ، هذه الاعتبارات ،بسبب تغافلهم عن كلية الظاهرة ،وتعقد تركيبها وآليات اشتغالها في كل سياق سياق.
والحقيقة أنه لا يمكن فهم توسع الفعالية الأصولية دون ،الكشف عن تناسق جوانبها الفكرية والتواصلية والتنظيمية والسياسية والتمويلية .
لتفعيل الأفكار وتصييرها حقائق ميدانية ووقائع تاريخية لا بد من الاستعانة بحوامل و بآليات؛بل إن كثير من الأفكار الأصولية ،لا تسمد قيمتها من قدرتها الكشفية أو الاستشرافية ، بل من قدرت حامليها على استزراعها في أنساق شهدت أطوارا من التحديث(فرض الحجاب ومهاجمة الفن والحريات الفردية ..... الخ).
عادة ما يولي النقاد الحداثيون ،أهمية كبيرة للتمويل النفطي للأصوليات ؛إن هذا التعليل صائب ،بلا شك ، إلا أنه جزئي.فقد ظهرت الوهابية في وسط فقير ،وتمكنت من التمدد شرقا وغربا ،بدون موارد مالية غزيرة.وقد كشفت الدراسات الأنثروبولوجية عن قدرة الرأسمال الرمزي على توليد الرأسمال المادي في المجتمعات التقليدية .
ثم إن التمويل النفطي ،ليس إلا موردا من الموارد الكثيرة المتوافرة للتيارات الإسلامية.وهي موارد منتظمة ،آتية حتما ، من مصادر تجارية أو استثمارية أو من مساعدات أو من تبرعات الأنصار أو المتعاطفين.كان حريا بالمثقفين العلمانيين ، دراسة آليات تمويل هذه التنظيمات ،للوقوف ،على قدرتها على تنفيذ مخططات بعيدة المدى.
لا يقل دور رجل التنظيم والمكلف بالتمويل والتخطيط في العمل الإسلامي، عن دور المنظر أو الداعية.
إن ثمة تكاملا ،بين المنظر ورجل الميدان المكلف بالتنظيم أو العلاقات العامة والإعلامي .
وعليه ،لا يمكن الاستهانة بأدوار سعيد رمضان ويوسف ندا والشيخ جلال كشك ،في تقوية الفكرية الإخوانية وتمددها وقدرتها على الصمود في وجه الأعاصير.وعوض الاهتمام بكلية الظاهرة ،والكشف عن تفاعل كل العناصر ،وتضافرها ، اكتفى العلمانيون ،في أحسن الأحوال ،بتفكيك النصوص ،أو باستقصاء مدلولات الأحداث التاريخية . (تحليل محمد أركون لكتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج ) .
ثمة أحداث لم تحلل بما فيه الكفاية ،رغم انطوائها على حقائق من الضروري التفكير فيها وأخذها بعين الاعتبار في أي استشراف لآفاق العمل الإسلامي ولممكناته السياسية.والمقصود بالتحليل هنا ، هو الكشف عن تضافر واشتراك الفكر والايدولوجيا واللاشعور السياسي والحس العملي والقدرة التنظيمية والعوامل السياسية المحلية والإقليمية والدولية ،في دفع الفاعل الإسلامي إلى إعلان رغبته في تغيير الواقع باسم المثال الشرعي .
. نذكر من هذه الأحداث ما يلي :
حادثة الكلية الفنية العسكرية بمصر (1974)،ووصول الخميني إلى الحكم (1979) ومقتل السادات (1981)وظهور طالبان وعشرية الجزائر (1991و2002).
لم يتعمق المثقفون العلمانيون في دلالات هذه الأحداث ،وشروط إمكانها ؛واكتفوا إجمالا ،بانتقادات عامة ،أو بالإحالة على حوادث الماضي أو على المخططات السياسية للاعبين الإقليميين أو الدوليين .يكاد التحليل الشامل ،لبنية الحدث يغيب ،مما يشي بعمى إيديولوجي أو سياسي ،تنتج عنه مقولات غير ملائمة فكريا أو سياسيا مثل : الكتلة التاريخية أو أسلمة الحداثة . وأحيانا يتم التغاضي عن مقاصد الفاعلين ،نكاية في النظام أو بحثا عن مكسب أو مغنم أو تضامنا مع الأمة ضد الامبريالية والغرب.(التعاطف السني مع حزب الله في صراعه مع إسرائيل ).
يقود التعمق في الخطاب وفي دعائمه التاريخية ،إلى الكشف عن المضمر والمسكوت عنه والضمني والمكبوت و استشراف الممكن .والغالب على المفكرين العلمانيين ،تسييس الخطاب الأصولي ؛علما أنه مركب ،ينطوي على أبعاد متراكبة ومتداخلة .فهو يستوحي الذاكرة والمخيال التاريخيين ،ويستعين بالإيحاءات التاريخية ،في بناء الفعل وفي بناء الممكن التاريخي؛لكنه لا ينسى قراءة معطيات الواقع والتعامل مع تناقضاته .يقود التسييس إلى نسيان العمق المثيولوجي للحركية الإسلامية(تقديس الموت والشهادة ) ،وإلى تعقد ارتباطاتها بالعصر(استغلال التكنولوجيا والعلوم في الأسلمة و إعادة الأسلمة ) .فخلف الشعور السياسي يكمن لاشعور سياسي متحرق إلى النجاة أو إلى التسيد .وحين انتفت الموانع ،أطلق اللاشعور حمم داعش في غفلة من منظري الكتلة التاريخية والقائلين بإدماج الإسلاميين في الحراك السياسي بدعوى الوطنية المشتركة والحرص على المصلحة العامة .
فلو أدركت ممكنات الأحداث الموصوفة ،لما تمسك كثير من العلمانيين باختيارات فكرية ومنهجية ،غير ناجعة ولا فعالة،ولما دعوا إلى تسويات أو توافقات ،غير تاريخية.ومن اللافت للنظر ،أن العشرية الجزائرية ،همشت ولم تحظ بمقاربات فكرية وسياسية شاملة ،علما أنها كانت ،نذيرا بالقادم ،و تمهيدا لسياسة إيقاع التوحش . فقد تم حصرها في سياق سياسي واجتماعي محدود ؛والحال أنها كاشفة عما يعتمل في المخيال والوجدان الأصوليين ،وعن قدرة الفاعل الإسلامي على الرفع من إيقاع العنف إلى درجة التوحش .
فإدراك البنية وشروط إمكان الحدث التاريخي ،كفيل بإيضاح مهمة الفاعل التاريخي وقدرته على التفاعل والفعل في الظروف المواتية وغير المواتية ، ومقتضيات التعامل معه،حالا ومستقبلا .
وبدلا من تحقيق هذا الاستقصاء ،اختار البعض" التفكيك عن بعد" لا" التفكيك عن قرب" ،أي تفكيك المدونات التراثية دون الإستراتيجيات الحالية ،فضاع الاستكشاف والاستشراف على السواء .
قصارى القول أن المثقفين المحدثين ،جزؤوا ما لا يقبل التجزيء ،وتغاضوا عن كلية الظاهرة الإسلامية ، واحتوائها على جوانب متعاضدة ومتضافرة ومتآزرة .ولم يتمكنوا من استشراف آفاق المتخيل الإسلامي ،رغم استعمال بعضهم لعدة نفسانية أو أنثروبولوجية ، وطالبوا أحيانا بتسويات فكرية أو سياسية مثل الكتلة التاريخية الجامعة لكل الفرقاء .
الإحالات
1-[محمد عابد الجابري –وجهة نظر،نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي ،المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء ، بيروت ، الطبعة الأولى ،1992ـص.220] .
2-[مهدي عامل ،نقد الفكر اليومي،دار الفارابي،بيروت ،لبنان،الطبعة الثانية :1989،ص.287-288]


هادي اركون



#هادي_اركون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأسسة التنوير
- الإسلام الجمهوري : تعليق على محاورة (انفري –زيمور)
- أسلمة الأوروبيين : من التصوف إلى التسلف
- أسلمة الأوروبيين
- لماذا تتمدد الأصولية بفرنسا ؟
- موقف مثقفي اليسار الفرنسي من الحضور الإسلامي بفرنسا
- حوار بين مالك شبل وباسكال بيك
- التنوير والعلوم
- الوجه الآخر للأندلس
- الحوامل التقنية للتنوير المرتجى
- فرادة المنجز الثقافي الأوروبي
- منهج سبينوزا في قراءة الكتاب المقدس
- طه حسين وسبينوزا
- تنويريون بلا تنوير
- نقد استراتجية المثقفين الحداثيين
- نحو وعي نقدي للعلمانية
- التأويل العلمي للقرآن والمنظومة التراثية
- الصفاتية بين الوثوقية واللاادرية
- بعض مظاهر بيانية النص القرآني
- في بيانية النص القرآني


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي اركون - حدود الاستكشاف في مقاربة العلمانيين للنسق الأصولي