أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمود محمد ياسين - المحكمة الجنائية الدولية : أحداث جنوب أفريقيا ووهم العدالة















المزيد.....

المحكمة الجنائية الدولية : أحداث جنوب أفريقيا ووهم العدالة


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 4845 - 2015 / 6 / 22 - 12:11
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مقدمة
تأسست المحكمة الجنائية الدولية فى العام 2002 كأول محكمة عالمية دائمة لمحاكمة الأفراد، وهى فى هذا تختلف عن محكمة العدل الدولية التى تختص بالنظر فى النزاعات بين الدول، وعن المحاكم الجنائية الدولية الخاصة (international tribunals) التى تفصل فى قضايا مرفوعة ضد أفراد تتعلق بجرائم ضد السلام وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية كتهجير المدنيين. وأشهر المحاكم الخاصة هى محاكمات نورمبرج لمقاضاة قادة المانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية.

والملاحظ أنه لا يوجد دليل على أى أثر رادع لتلك المحاكمات الخاصة أوأنها أظهرت كل الحقيقة أو أثبتت نجاحها فى تحديد المشتبه فيهم...

تبنت المحكمة الجنائية الدولية لائحة الإتهامات التى تشمل الجرائم الرئيسية التى تضمنتها وثائق المحاكم الخاصة، ومهما كانت نوايا بعض الدول التى تحمست لتاسيسها إلا أنها أصبحت سلاحاً فى يد الدول الإمبريالية بهدف إضعاف سيادة الدول الفقيرة باسم العدالة الدولية لصالح تكريس إخضاعها.

أثبتت الوقائع أن المحكمة الجنائية الدولية لا تباشر عملها كجهاز مستقل حسب قانونها الاساسى وإنها ليست سوى أداة مكملة للهيئات الاقتصادية والمالية العالمية التى تستخدمها الدول الكبرى كأدوات لإحكام السيطرة على الدول الفقيرة. فنشاط المحكمة الجنائية الدولية، التى لم تنظر حتى الآن الا فى أربع قضايا تتعلق بدول افريقية، يتميز بالإنتقائية، فسكوتها عن جرائم الإبادة فى غزة ولبنان (صبرا وشاتيلا) و جرائم الحرب فى العراق ومذابح أفغانستان والصومال (عملية إعادة الأمل) ومصر والتهجير القسرى للمدنيين فى بورما يوضح إنحياز هذه المحكمة. ومعظم هذه الجرائم ينطوى على هولٍ وفظاعة أكثر من كل ما نظرت فيه المحكمة الدولية حتى الآن. وهكذا فإن المشتبه فيهم هم الذين ترتبط إزاحتهم باجندة سياسية للدول الكبرى، أو أن إسنادهم أصبح له تبعة (liability) وإن كانوا من أخلص الموالين للغرب.

النفاق الأمريكى
إن الموقف الأمريكى من الاحداث الأخيرة في جنوب افريقيا، فيما يتعلق بقرار إحدى المحاكم هناك توقيف الرئيس عمر البشير استنادا على إدعاءات المحكمة الجنائية الدولية، كشف عن العنجهية التى تمارسها أمريكا حيال العدالة الدولية.

فحول ما جرى بجنوب أفريقيا عبر متحدث وزارة الخارجية الامريكية عن أن الولايات المتحدة محبطة لعدم إتخاذ إجراء لمنع البشير من مغادرة جنوب أفريقيا وكأنه لا يدرك ما ينطوى عليه تصريحه من نفاق. فأمريكا رفضت التصديق على قيام المحكمة الجنائية الدولية منذ أن بدأت عملها، ولم تكتفى بهذا إذ أفلحت، عن طريق ممارسة كافة اشكال الضغوط، فى اصدار قرار من مجلس الأمن، يُجدد سنويا، يمنح العساكر والمسئولين الأمريكيين حصانة تمنع محاكمتهم عن الجرائم التي يقومون بها خلال إشتراكهم فى قوات حفظ السلام او مغامراتهم فى دول العالم. ودرجت أمريكا على توقيع اتفاقات ثنائية مع كل دول العالم لتنفيذ هذا الإستثناء؛ وعند إحالة مجلس الأمن قضية دارفور المتهم فيها البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية تضمن قرار المجلس شرطاً بانه ” لا يجوز للمحكمة محاكمة أي أمريكي بموجب هذه الإحالة لأسباب تتعلق بارتكاب جرائم في دارفور“!!

التصرف المتعجل الخاطئ
كرد فعل فورى على المذكرة القضائية التى صدرت مؤخراً فى جنوب أفريقيا بتوقيف البشير حث الأمين العام ل ”الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال“ حكومة جنوب أفريقيا على إعتقال البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، ولم ينس فى توسله لجنوب أفريقيا أن يُذكِّر قادتها بان إعتقال البشير ” يمثل تحدي لكل تاريخ وإرث جنوب أفريقيا ولا سيّما المؤتمر الوطني الأفريقي في مكافحة العنصرية وجرائم الحرب والبشير مجرم حرب لا تختلف سياساته عن نظام الأبارتايد.“ الحكمة البسيطة القديمة تقول أن التصرف المتسرع (gut reaction) يقود مباشرة لإرتكاب الأخطاء. وهذا ما وقع فيه أمين حركة (تحرير السودان- شمال). نظام الأبارتايد الذى كانت تطبقه حكومة الاقلية من البيض فى جنوب افريقيا هو فصل الأعراق فى كيانات إدارية منفصلة عن بعضها: البانتوستان. ولأن كل العالم يعرف أن السودان لا يتكون من بانتوستانات، لا بد أن يكون الناس قد تلقوا تصريح أمين تلك الحركة بالإبتسامات المستخفة. وعلى أى حال إن الهوس بالمسألة العرقية يقود للأخطاء فى تحليل الواقع ومن ثم التخبط فى مجرى النشاط السياسى.

الوهن الأفريقى
تجنب رؤساء الدول الأفريقية خلال الازمة التمسك بقرارهم السابق الذى يلزمهم بعدم تنفيذ أمر التوقيف، ولم يتحركوا لتجاوز قرار محكمة جنوب افريقيا المحلية، وكان يمكنهم أن يفعلوا على اساس ان الدعوة للإجتماع تمت بواسطة الإتحاد الأفريقى وأن جنوب أفريقيا يقع على عاتقها حماية الرؤساء خلال تواجدهم بجنوب أفريقيا بصفتها عضواً فى الإتحاد مكلفة من قبله بضيافة القمة الافريقية. ولكن تمخضت قرائح الرؤساء على تدبير هروب البشير من جنوب افريقيا بشكل مهين لكل الدول الأفريقية (تماماً كما حدث سابقاً فى نيجريا).

ولو إختار الرؤساء آنئذ تحدى المحكمة الدولية على النحو المذكور، لكان موقفهم ملائماً ونافعاً (expedient) لقضية التحرر من قيود الهيمنة الاجنبية، ولكن يبدو أن هذا مطمح لا يقدرون عليه لأن معظمهم لا يملك قراره ويعيش فى دوامة مأزق تتنازعهم فيه الرغبة فى التحرر من المحكمة الجنائية الدولية لأسباب معروفة والخوف من غضبة الدول الكبرى، التى تسلب إرادتهم، إن أقدموا على هذه الخطوة.

نحو سقف أعلى من العدالة الجنائية
لا يمكن لأى شخص جاد الا أن ينظر لقرار الإتحاد الافريقى بعدم الإلتزام بأمر التوقيف كخطوة إيجابية تصب فى إتجاه الإبتعاد عن المحكمة الجنائية الدولية وتجنب أذاها كأداة فى يد الدول العظمى لإخضاع الدول الفقيرة. كما يجب عدم الخلط بين مطلب الشعوب لتحقيق العدالة فى مواجهة جرائم أنظمة مستبدة وبين المحكمة الجنائية الدولية ودورها فى خدمة المطامع الإستعمارية؛ وإذا تمعنا كثيراً فى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية نجد أن فلسفتة تقوم على أساس إخضاع الدول الفقيرة الذى اشرنا له سابقاً. فمثلاً مبدأ التكامل فى المادة الاولى من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التى تنص على أن ” تكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية“، يجرى تفسيره لغير صالح الدول الفقيرة بحجة أن نظمها القانونية أضعف من ما تتمتع به الدول الكبرى فى هذا المجال؛ كما أن المادة 13(ب) تمنح المحكمة النظر فى الجرائم التى يحيلها مجلس الأمن ” متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة“. مَنَحَ النظام الأساسى هذه السلطات الإضافية لمجلس الأمن الذى لم يصادق ثلاثة من اعضائه على قيام المحكمة الجنائية الدولية وهم الولايات المتحدة وروسيا والصين. وخطورة هذه المادة أنها مجافية لمبدأ المساواة بين الدول وأن دول مجلس الامن الكبرى قد تسئ إستعمالها لمعاقبة البلدان التى تتمرد على هيمنتها.

إن الترويج للمحكمة الجنائية الدولية فى أحيان كثيرة يعكس رغبة قوية لدى أصحابه فى القصاص من المجرمين، ولا خلاف حول هذا الامر. ولكن إفتقار النظام الاساسى للمحكمة للعدل والمساواة لا يحقق هذا الغرض. وأهم من هذا إن معاملة المحكمة الجنائية الدولية، كنافذة قانونية، للسياسيين المشتبه فيهم كحالات جنائية فقط لا تكفى للقضاء على جرائم الدولة. فالإنتهاكات الكبرى التى ترتكب فى حق مواطنى الدول الفقيرة هى جزء من الإستبداد السياسى للدولة الذى تمارسه للحفاظ على أنساق إجتماعية وإقتصادية وثقافية بالية، وهى أنساق تحرم المواطن من أبسط حقوقه وتمارس ضده شتى انواع التهميش السياسى والإستغلال الإقتصادى كما هو الحال فى معظم الدول الطرفية.

إن العدالة التى تنشدها البلدان الفقيرة لا تتحقق الا برفع سقفها ليشمل إزالة الانساق الإجتماعية/الإقتصادية القديمة التى تكرسها فى البلدان الطرفية الدول الكبرى؛ وشعوب هذه البلدان هى الأحرص على إنجاز هذه المهمة وهى قادرة على ذلك.



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيبة أمينة النقاش
- محمود محمد طه والماركسية
- سد النهضة: غموض الإتفاق الإطاري....بؤس الدراسات (2-2)
- الدبلوماسية السودانية وعاصفة الحزم
- سد النهضة: غموض الإتفاق الإطاري....بؤس الدراسات (1-2)
- السودنة فى إطار كلى
- حسني مبارك لم يحاكم على الجرائم الكبرى
- ماذا لو رفعت داعش راياتها فوق البيت الأبيض الأمريكى؟
- ميزورى: الوجه الآخر لمظالم السود فى أمريكا
- سد النهضة الإثيوبى: الغموض وانعدام الشفافية
- مصر: المعادلة السياسية..الملاءة المالية..سيادة السودان
- يسار تحت حذاء عبد الفتاح السيسى!
- فى ذكرى أول مايو: التناقض بين رأس المال و العمل فى أمريكا
- أوكرانيا: النفاق الامريكى ومطامع القياصرة الجدد
- دولة جنوب السودان: الملهاة والمأساة
- الطرابيلي والحسينى ومغزى عبارة هيكل
- خواطر حول معوقات الديمقراطية الليبرالية فى العام السابق
- السودان دولة يحكمها دستور عرفى دائم!
- مانديلا : مكانته فى السياق التاريخى للثورة فى جنوب أفريقيا
- سد النهضة: نذير الفوضى فى التعامل مع مياه النيل


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمود محمد ياسين - المحكمة الجنائية الدولية : أحداث جنوب أفريقيا ووهم العدالة