أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ ... وشخصية مصر















المزيد.....

مصرُ ... وشخصية مصر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 15:02
المحور: المجتمع المدني
    


كلما حِرتُ في تفسير ظاهرة مصرية سلبية، أعودُ إلى مكتبتي لأتصفح دروبَ موسوعة "شخصية مصر" التي أهداها للمكتبة الإنسانية عالمُ الجغرافيا المفكرُ المصري العظيم "جمال حمدان". فبالرغم من اختلافي مع بعض نقاط جوهرية في تلك الموسوعة المحترمة، تخص جذور الشخصية المصرية وأحلامها، إلا أنني بالفعل أجد بين صفحاتها مفاتيحَ دقيقة تقودني إلى فكّ شفرة العديد من ألغاز المشاكل الراهنة التي تضرب خاصرة مصر بأشواك التأخر والبلادة والقدرية واللامبالاة والاستنامة والتواطؤ على المفاسد وغيرها مما تعاني منها مصرُ الطيبة.
انتابتني هذه الحال بعد زيارة رئيس وزراء مصر، المهندس إبراهيم محلب، المفاجئة لمعهد القلب، ومشاهدته مشاهدَ كارثية وأهوالا، وصفها الرجلُ المهذب بأنها: حالة من "عدم الانضباط"، فقط من باب التهذّب في القول، لكيلا يقول: إنها حال من الفوضى المقززة، والقذارة التي لا تليق بمكان، أي مكان فوق الأرض، فضلا عن أن يكون دارًا للعلاج والاستشفاء والنقاهة وإجراء جراحات دقيقة. قطةٌ ترعى بين أسرّة المرضى! حشرات وثعابين! موظفة تبيع الخضار! أجهزة صحية منثورة في الأروقة! أطباء غير موجودين! أسِرّة طبية محطمة! أغطية أسرّة ملوثة! وقمامة في كل مكان! فيتساءل الرائي إن كان هذا مشفى أم سوقًا شعبيًّا قذر في بلدة غير موجودة على الخارطة؟!
والشاهد أن معهد القلب ليس إلا صورة مصغّرة ليس فقط لجميع مستشفيات مصر الحكومية، إنما لكل مؤسساتها ومحلياتها ومدارسها ومكاتبها، وكل مبنى حكومي يحمل خاتم مصر الكريم! لكنها خبطُ عشواء أصابت معهد القلب ففاز بزيارة رئيس الوزراء ليقف على حاله المذري ويأمر بإعادة "ضبطه" بعد إقالة مدرائه ومحاسبة المتسيبين أرباب الفوضى. لكنْ، هل يدرك المهندس محلب أنه بزيارته هذا المعهد، فكأنما قد زار مستشفيات مصر ومحلياتها وأبنيتها جميعًا؟ هل يدرك المهندس محلب أن مصر ليست إلا معهدَ قلبٍ كبيرًا، بحجم دولة؟ أظنُّه يدرك.
ولكن السؤال هو: “لماذا نحن هكذا؟" لماذا لا "ينضبط" حالٌ إلا إذا زار مسؤولٌ؟! لماذا لا نتحرك إلا "بالعصا"، وأعتذر عن التعبير البغيض. لماذا غير موجود ذلك الرقيب الداخلي الذي يجعلنا نعمل، لأننا يجب أن نعمل، وفقط. ونتقن عملنا، لأنه لا يليق ألا نتقن أعمالنا، وفقط. وأن نراعي ضمائرنا، لأن لدينا ضميرًا يقظًا ونفسًا لوّامة تقضُّ مضاجعنا إن انحرفنا، وفقط. لماذا ينتظر الصغيرُ كبيرًا "ليؤدبه" إن أخطأ، فإن غاب الكبيرُ أمعن الصغيرُ في الخطأ، كأنها طبائع الأمور؟!
هنا يجيبني جمال حمدان قائلا: “إن ما تحتاجه مصرُ أساسًا إنما هو ثورة نفسية، بمعني ثورة علي نفسها أولا، وعلي نفسيتها ثانيا. أي تغيير جذري في العقلية والُمثل وأيديولوچية الحياة قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها. ثورة في الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر.”
ثم أتساءل: لماذا يعتلي الفاسدون الوصوليون عديمو الموهبة مقاعدَ صناعة القرار في هذا المكان أو ذاك، فيخرّبون أوصال بلادي ويذهبون بها للحضيض، بينما يتوارى أصحابُ الضمائر ذوو الموهبة والكفاءة ممن يفكرون خارج الصندوق، ويبدعون؟ وأيضًا أجد ضالتي في "شخصية مصر" لأتعلم: "واحدٌ من أخطر عيوب مصر هي أنها تسمح للرجل العادى المتوسط، بل للرجل الصغير، بأكثر مما ينبغي، وتُفسح له مكانًا أكبر مما يستحق، الأمر الذي يؤدي إلى الركود والتخلف وأحيانًا العجز والفشل والإحباط. ففي حين يتسع صدرُ مصر برحابة للرجل الصغير إلى القميء فإنها على العكس تضيقُ أشدَّ الضيق بالرجل الممتاز. فشرط النجاح والبقاء في مصر هو أن تكون اتّباعيًّا لا ابتداعيًّا، تابعًا لا رائدًا، محافظًا لا ثوريًّا، تقليديًّا لا مخالفًا، ومواليًا لا معارضًا. وهكذا؛ بينما تتكاثر الأقزامُ على رأسها ويقفزون على كتفها، تتعثر أقدامُها في العمالقة وقد تطأهم وطئًا." هل بالفعل تفعلين هذا بأبنائك يا مصرُ، حاشاكِ، بل يُفعل هذا فيك رغمًا عنك، لأنني أسمعُ أنينكِ الرافضَ لما صنع بك الفاسدون.
والآن أتساءل: هل إجراءات من قبيل: إقالة مدير، ومحاسبة موظف، واستئجار شركة نظافة لرفع القمامة، وإعطاء الأوامر المشددة بإعادة الانضباط الخ، هل تكفي مثل تلك الإجراءات الروتينية الطيبة لحل مشكلة هائلة، متأصلة منذ عقود في أروقة مصر، اسمها: الفساد وغياب الضمير؟
يجيبُني من جديد جمال حمدان قائلا:
“المأساة الحقيقية في ذلك أن مصر لا تأخذ أبدًا في وجه هذه الأزمات الحلَّ الجذريّ الراديكالي، و إنما الحل الوسط المعتدل، أي المهدئات والمسكنات المؤقتة. والنتيجة أن الأزمة تتفاقم وتتراكم أكثر. ولكن مرة أخرى تهرب مصر من الحل الجذري إلي حل وسط جديد، و هكذا. بعبارة أخرى، مأساةُ مصر هي "الاعتدال"، فلا تنهار قط، ولا هي تثور أبداً، ولا هي تموت أبداً، ولا هي تعيش تمامًا. إنما هي في وجه الأزمات والضربات المتلاحقة تظل فقط تنحدر وتتدهور، تطفو وتتعثر، دون حسم أو مواجهة حاسمة تقطع الموت بالحياة أو حتي الحياة بالموت. منزلقة أثناء هذا كله من القوة إلى الضعف ومن الصحة إلى المرض ومن الكيف إلى الكم و أخيرًا من القمة إلى القاع. غير أن النتيجة النهائية لهذا الانحسار المستمر المساوم أبداً وصفقات التراجع إلى ما لا نهاية؛ هي أننا سنصل يومًا ما إلى نقطة الانكسار بعد الالتواء، وبدل المرونة سيحدث التصادم، ومحل المهدئات ستحل الجراحة. أي سنصل إلى نقطة اللاعودة إلى الحل الوسط، وعندئذ سيفرض الحل الجذري الراديكالي نفسه فرضًا، ولكن بعد أن يكون المستوى العام قد تدنى إلى الحضيض، والكيف قد تدهور إلى مجرد كم، والمجد إلى محض تاريخ، وذلك هو الثمن الفادح للاعتدال.” ثم يضع لنا الحل الحاسم: “لننظر إلى عيوبنا في عيونها في مواجهة شجاعة، لا لننسحق بها ولكن لنسحقها! لا لنسيء إلى أنفسنا، بل لنطهّر أنفسنا.”
وبرغم إيماني، للأسف، بكل ما سبق من أفكار مخيفة، إلا أنني أصلّي لله، ألا تصدُق نبوءة الرجل حين قال: “مصرُ مرشحة، ليس بين السيء و الأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءًا؛ لتتحول في النهاية من مكان سَكَنٍ على مستوى وطن، إلى مقبرة بحجم الدولة.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيخ الكافرين
- رحلتي للسماء
- رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
- سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر
- ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
- قبل أن تُحبَّ صحفية
- عكاشة والسيسي
- النظافة ليست من الإيمان!
- بعضٌ من الحلم لا يفسدُ العالم
- في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟
- رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
- حزب النور... على أبواب التمكين
- خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
- تمرّد... وكتابُ التاريخ
- بذورٌ فاسدة
- انتحارُ الأديب على بوابة قطر
- حزب النور وحلم التمكين الداعشي
- سلّة رمان ..
- حكاية حنّا وعبد السلام
- هل تحب الغُراب؟


المزيد.....




- مسؤول أممي لبي بي سي: -المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب- ...
- الأونروا تدعو لرفع القيود عن وصول المساعدات إلى شمال غزة
- الأمم المتحدة: هناك مؤشرات وأدلة واضحة تثبت استخدام إسرائيل ...
- نادي الأسير: الاحتلال يستخدم أدوات تنكيلية بحق المعتقلين
- رفح.. RT ترصد أوضاع النازحين عقب الغارات
- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول اس ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ح ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حول ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مصرُ ... وشخصية مصر