أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - مقالة عن رواية النبطى للدكتور يوسف زيدان (مترجمة من الإيطالية)















المزيد.....

مقالة عن رواية النبطى للدكتور يوسف زيدان (مترجمة من الإيطالية)


حذام الودغيري

الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


تتميز هذه الرواية التي ألّفها يوسف زيدان، الأكاديمي المصري، المتخصص في الفلسفة الإسلامية، بأزمنة وصيغ ولغة مختلفة عن المتعارف عليه في بلدنا، وهذا بالضبط ما جعلها ساحرة ومثيرة للاهتمام. تتفرّع القصة في مناظر طبيعية غبراء، عطشى، تسحقها الحرارة نهاراً وتجمّدها البرودة ليلاً. هنا الشمس، في مسيرتها اليومية، تُملي القوانين وتفرض حياة صعبة قاسية على الإنسان والحيوان .

بطلة الرواية و الصوت الراوي في الكتاب، رغم ما جاء في العنوان، امرأة مصرية شابة، قبطية، تدين بالمسيحية، وتعيش في قرية صغيرة عند أطراف دلتا النيل الشرقية. أعطيت زوجةً لرجل عربيّ من المستوطنات النبطية القريبة من مدينة البتراء القديمة، التي كانت لا تزال، في القرن السابع الميلادي، مناطق تهيمن عليها الإمبراطورية البيزنطية. ستمضي مارية سنوات طويلة من حياتها هناك، وسيغير خلالها مظهرُها الخارجي حتى يصبح مماثلا لمظهر امرأة عربية قُحّة، وإن ظلت في واقع الأمر غريبة عن هذه البيئة الصعبة، التي لم تعرف الانسجام معها كليا، وعااشت فيها ، مذهولة تعيسة.

الكتاب عبارة عن رواية، تطوّر حبكة، وتعطي عمقا نفسيا لعدد مهم من الشخصيات. ومع ذلك فهو نص يتسم أيضا بطابع جغرافيي، لأنه عبر عينيّ مارية ، ستستعرض أمامنا الأراضي الشامية بكل أسرارها، وعجائبها، و مآسيها.

مارية فتاة حيوية، ذكية، تحب الاستطلاع، إلا أنها لسوء الحظ، جاهلة، ليس بإرادتها، فحمولتها الثقافية وخبراتها الحياتية هزيلة، مبنية في معظمها على تعاليم نادرة وغير كاملة تلقتها من كاهن القرية التي ولدت فيها ومن النصائح البسيطة القليلة التي كانت تسمعها من أمها الأرملة، المنشغلة برعاية أسرتها ، والتي بدورها تعتبر ضحيةَ مجتمعٍ متخلف، يغلق أبوابه أمام الاحتياجات النسائية. مارية، تسأل، تستفسر، تحصل في كثير من الأحيان على أجوبة غير مُرضية، تَفهم ولا تفهم (لا تملك الأدوات اللازمة للوصول إلى قلب المشاكل التي تأتي إليها، فوق ذلك، مبسطة وغير مكتملة). تصمت، لا تعبّر عن مشاعرها، تُعاني؛ وفيما تكبر فيها الرغبة لتوسيع معرفتها، تحاول أن تتكيف مع دور الزوجة الجديد الذي يشعرها بالضيق، وتضطرلتقبّل كل القيود التي يفرضها عليها الزوج، بدءا من ارتداء النقاب.
.
تتعرّف الشابة على العادات والأعراف والقوانين لشعبها الجديد، المكرَّس لتجارة المسافات الطويلة. وتلاحظ حياة النساء، الكامنة في انتظار عودة الرجال. إلا أنها في الفراغ الداخلي الذي يخنقها، تحسّ بحماية حماتها، المرأة الحكيمة المتفهمة، التي تجدها ملاذا حقيقيا في غياب أمها. شخصيات نسائية عديدة أخرى تدور حول بطلة الرواية، بعضها مجرد شخصيات ثانوية، رفيقات أيام معدودات، والبعض الآخر أكثر أهمية، ومن بينهن، ليلى، أخت زوجها. وهي امرأة رقيقة وحلوة ولكن، عند الضرورة، قاسية وحازمة. تستشيرها و تبوح إليها بأسرارها، وهي الصديقة التي تساعدها على تجاوز اللحظات الصعبة، وتحمّل زوجها الوقح، عديم الإحساس، وتجعلها تقدّر الحياة بكل أطيافها. تبدو أحيانا غامضة وبعيدة المنال، متحرّرة ظاهريا ولكنها في واقع الأمر تمتثل لجميع القوانين القبلية . وبالتالي فإنها ستختفي فجأة من أفق مارية، وتتركها وحيدة ،مهجورة، عاجزة عن فهم ما حدث فعلا.

والنبطي؟ يشار إليه في العنوان بكلمة "الكاتب" وكأنه يعطيه تعريفا واحدا وإلى الأبد، ويحصره في مهمة فريدة ومحددة لكنه في الواقع شخصية أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. ففي فترة تاريخية من التغيرات الكبيرة، حيث أسس محمد الدين الإسلامي ونقل الغضب والعدوانية من القبائل الداخلية إلى خارج حدود شبه الجزيرة العربية، كان النبطي يجسّد رؤية بسيطة للحياة، مدعومة بفلسفة روحية شخصية، بعيدة عن احتياجات ومطالب ملموسة جدا. النبطي روح حرّة، ورجل لطيف يتحدث إلى من يريد الاستماع، ويجيب من يطرح الأسئلة، يعيش منعزلا، بأسلوب متواضع، مخلص لمعتقده الديني الخاص، وهو واحد من بين المعتقدات العديدة المنتشرة في بلاده، قبل أن يحدث التوحيد الإسلامي متحولين جددا وكثيرين إليه . جلب ظهور الإسلام عواقب وخيمة حتى على الأنباط الذين تركوا طرق القوافل والتجارة التي لم تعد آمنة ، لينخرطوا في أنشطة جديدة، من جملتها تربية الخيول الضرورية للحرب. في قبيلة مارية، حدث اضطراب وقلق في نفس الوقت، إذ أن كثيرين، ومن بينهم زوجها، يدخلون إلى الإسلام. بينما النبطي لا يتغير، ويبقى وفيا لقيمه، رغم أن حياته تصبح أكثر عزلة وصمتا. تعلقه الصادق بالتقاليد، الذي لا يفهمه أعضاء جماعته، يؤثر على العكس من ذلك في مارية، التي فتنت بشخصيته الأصيلة المتميزة منذ أن تعرفت عليه، لدرجة جعلتها تستوعب حديث الرجل كمثل بلسم للروح. في تلك الظروف الصعبة، وأكثر من أي وقت مضى، تشعر المرأة بأن الكاتب يمثّل ما لا تملكه هي، أي الالتحام مع بعدٍ مختلف، مما يجعلها تتحمّل الواقع القاسي. نضوج هذه العلاقة الخاصة، التي تقوى في نفس مارية، ستؤدي بها، ربما، إلى تحول وجوديّ ، لا يمكننا أن نعرف نطاقه.

الملاحظة الأخيرة التي أريد أن أنبه إليها، تتعلق باللغة المستخدمة في النص. وهي أنها لغة بسيطة للغاية، سواء في الأوصاف أو الحوارات، التي ليست كثيرة ، وقد أدخلتني، منذ بداية القراءة، في حيرة. إلا أنني سرعان ما أدركت أنه ما كان ممكنا للغة أخرى غيرها أن توصل جيدا فكر شخصية تتميز بالبساطة لكنها في الوقت ذاته قادرة على استيعاب كل شي يحدث حولها بدقة . المشاعر أيضا، تجد في جوهر الكتابة تعبيرا كاملا، تجعلها مشتركة ومفهومة بالمعنى الحديث.

يبقى لي فقط أن أوصي بهذا الكتاب: المناظر الطبيعية والشخصيات والأحداث ستظل لفترة طويلة محفورة في الذاكرة.

المرجع:
http://www.qlibri.it/recensioni/romanzi-storici-narrativa-straniera/discussions/review/id:47786/



#حذام_الودغيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة  في المجموعة القصصية  -حِلّ وتِرحال- للدكتور يوسف زيدا ...
- -عزازيل- يوسف زيدان ثلاث مقالات مترجمة عن الفرنسية
- قراءة في رائعة الدكتور يوسف زيدان -جُوَّنتنامو -
- مقالتان عن رواية - النبطي - ليوسف زيدان (ترجمة عن الإيطالية)
- كيف نكافح الغيرة أو الحسد (ترجمة من الفرنسية)
- الأخرويات (الإسخاتولوجيا) و تفكيك الجهاد من خلال -سبعة أماكن ...
- محاضرة حول- العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي - في الملتقى ال ...
- من محاضرة الدكتور يوسف زيدان - تراثنا الروحي- بمركز دربة للت ...
- قراءة في -اللاهوت العربي وأصول العنف الديني - للدكتور يوسف ز ...
- قصيدة للأب فينتشينزو ريتشو (مترجمة عن الإيطالية)
- قصيدة للأم إيدموندو دي أميتشيس ( مترجمة عن الإيطالية)
- قراءة في اللاهوت العربي وأصول العنف الديني للدكتور يوسف زي ...
- برتولد برخت حياة جاليليو (الفصل 1، المشهد 1) عن الإيطالية ( ...
- ألدا ميريني قصيدتا -ليدا - و - فانّي- (مترجمتان عن الإيطالية ...
- لوتشو دالاّ كاروزو (الأغنية الشهيرة) عن الإيطالية
- إدموند روستان، - سيرانو دو برجراك- (الفصل 2، المشهد 8) ( متر ...
- قصيدتان ل ألدا ميريني ( مترجمتان عن الإيطالية)
- قصيدة -شاعرة- ل إيلدا ميريني (مترجمة عن الإيطالية)
- قصيدة -حبّ- بابلو نيرودا (مترجمة عن الإيطالية)
- قصيدة -الحب- لويس أراغون (مترجمة عن الفرنسية)


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - مقالة عن رواية النبطى للدكتور يوسف زيدان (مترجمة من الإيطالية)