أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نشوء الطبقات الاجتماعية















المزيد.....


نشوء الطبقات الاجتماعية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4843 - 2015 / 6 / 20 - 15:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ منتصف ستينات القرن الماضي ونحن نسمع عن صراع الطبقات او الصراع الطبقي دون ان نكون قد وعينا المدلول الابستيمولوجي والسياسي والإيديولوجي الذي كان يعنيه هذا الصراع الذي اختزله جزء مهم من شباب الستينات والسبعينات في صراع الشعب مع القصر ، وليس في صراع طبقة ضد اخرى . بطبيعة الحال ومنذ ذاك الوقت والى الآن سنجد انه اصبح لمفهوم ومعنى الصراع الطبقي مدلولات خاصة تختلف باختلاف فهم السياسيين والمثقفين الايديولوجيين لمصطلح الصراع الطبقي . وهنا نذكر ان الصراع الطبقي ليس موضوع بحثنا لان هذا سنرجع له في دراسة قادمة . لكن السؤال المطروح ، انه بقدر ما كانت هناك عدة جماعات سياسية تتبنى اطروحة الصراع الطبقي ، ويقصدون به صراع الطبقة العاملة ضد الرأسمال وضد الامبريالية ، فان استعمال هذا المصطلح من قبل الدول التي حكمت فيها احزاب سياسية باسم دكتاتورية البروليتارية ، لم يكن يعني انه بالفعل تحققت دولة العمال التي نظر لها ماركس ورفيقه انجليز ، بل لقد تم فرض سلطة الاستبدالية السياسية الحزبية ، و سلطة الطبقة البرجوازية على البلاشفة الذين كانوا يشكلون اكبر عدو لدكتاتورية برجوازية الاحزاب التي حكمت باسم الشيوعية المفترى عليها . وهو ما عجل بسقوط تلك الانظمة البوليسية عندما استنفدت كل مقومات وجودها باسم الشفافية او الكلاسنوست في عهد ميخائييل غورباتشوف .
لكن بقدر ما كان يكثر الحديث عن دكتاتورية الطبقة العاملة التي لم يسبق ان طُبّقتْ في اي بلد من العالم ، بقدر ما كان الدارسون والمحللون يتجاهلون اهم موضوع لفهم واستيعاب اصل مقولة الصراع الطبقي التي هي نشوء وميلاد الطبقات . وقد فات هؤلاء ادراك ان الانسان عندما اشترى واقتنى اول دابّة ، لأول مرة في التاريخ ، فإنه لم يكن يدري بأنه وضع بهذا الاقتناء اللّبنة الاولى في بناء المجتمع الطبقي ، وفي الصراع الطبقي .
ان اي مجتمع مهما كان لا يمكنه العيش والاستمرار في الحياة دون ان ينتج الاشياء الضرورية للحياة . وهذه الاشياء ليست جاهزة ومتوفرة في الطبيعة ، بل تحتاج الى تدخل وعمل الانسان المفروض فيه انه يعمل ضمن الجماعة لا خارجها او بمعزل عنها . وتسمى العلاقات التي تنشأ بين الناس المتدخلين في عملية الانتاج هذه بعلاقات الانتاج .
وعبر آلاف السنين ، سنجد ان البشرية مرت بخمس مراحل اقتصادية – اجتماعية هي : المشاعية البدائية ، العبودية ، الاقطاعية ، الرأسمالية والاشتراكية كمدخل للوصول الى الشيوعية .
في المشاعية البدائية سنجد ان الناس عاشوا حياة ربما ما قبل التاريخ ، فهم كانوا مثل الحيوانات يقتاتون بما يجدونه في الطبيعة مباشرة . غير ان اكتشاف النار سمح بإيجاد مصادر جديدة للغداء مثل الصيد في الوديان والبراري حيث هيأ اكتشاف العصا والحجارة ثم الرماح الحجرية الى تغيير منظومة الطعام الذي اصبح يتكون من اسماك وحيوانات برية ، كما امكن من هذه الادوات بناء الاكواخ . ورغم كل ذلك فان مصادر الغداء لم تكن مستقرة او مضمونة دائما ، لذلك سنجد ان الانسان البدائي بدأ يتعود على العيش ضمن قبائل حيث ضمن هذا المجتمع الجديد للناس استمرار الحياة والانتصار على الطبيعة القاهرة .
ولم يكن ثمة امتلاك خاص لأدوات الانتاج ، بل كانت ملكية هذه الادوات في القبيلة مشاعا . ولم يكن ممكنا ان يستغل الانسان انسانا آخر ، بسبب عجز الانسان عن انتاج ما يكفيه وغيره من البشر ، بما يتيح للأقوياء العيش عالة على انتاج غيرهم من البشر .
لقد تفسخت المشاعية البدائية ، استجابة للحتمية الطبيعية التي اوجدتها هي نفسها . فقد كان تدجين الحيوانات ، بدل صيدها ، اول مسمار يدق في نعش المشاعية البدائية . إذ اتاح لبعض القبائل دون اخرى ، تملك اشياء ضرورية للحياة ، وبهذا وُجد اول تقسيم اجتماعي للعمل ، كما حلت المقايضة المنظمة ، فيما بين القبائل ، محل المقايضة العارضة .
وكانت الزراعة هي المسمار الثاني ، او بلغة الايديولوجيين ، الخطوة الثانية الى الامام في تطور قوى الانتاج ، إذ خلقت مصادر دائمة للأغذية النباتية . . وقد ادى اختراع ثوب الحياكة ، وتمكن الانسان من صهر المعادن ، الى استكمال اسباب موت المشاعية البدائية . فقد زادت معدلات الانتاج ، واحكم الانسان قبضته ، الى حد ما ، على اخطار الطبيعة .
ومن خلال التقسيم الاجتماعي للعمل ، انقسم المجتمع الى طبقتين : الاسياد والعبيد ، المُسْتغلٍّين والمستغلِين . وهنا غالبا ما افتقدت المساواة بين المرأة والرجل ، بعد ان استأنس الرجل المواشي ، وقام بحراستها ، اي انفرد بملكيتها ، ولم تشاركه المرأة إلاّ في التمتع بعائدها .ومع مرور الوقت ، تعمق التمايز بين رؤساء العائلات ، وعزز التقسيم المتزايد للعمل هذا التمايز .
لقد ادى استعمال الحديد الى تنوع الادوات ، فاتسعت الزراعة بفضل استخدام المحراث ذي السكة الحديدية . وادى اتساع التنوع هذا الى ثاني تقسيم كبير للعمل ، فالفرد عاجز عن انجاز هذا العمل المتزايد المتنوع بمفرده ، فكان ان انفصلت الحرفة عن الزراعة .
والى جانب الفارق بين الاحرار والعبيد ، نشأت فوارق جديدة بين الاغنياء والفقراء . فمع هذا التقسيم الجديد للعمل نشأ انقسام جديد للمجتمع الى طبقات مختلفة ، ومنحت الاسر الخاصة الارض القابلة للزراعة لمدة محدودة اول الامر ، ثم صارت ملكا لها الى الابد . وبهذا ولدت الملكية الخاصة .
مع اتساع انتاجية العمل ، وتزايد الروابط بين مختلف القبائل ، تضاعفت كثافة السكان ، واندمجت البطون بالتدريج في شعوب . ومع تفسخ المشاعية البدائية ، وتعمق التفاوت الطبقي بين افرادها ، خاصة في مجال استخدام العبيد ، نشأت الدولة كجهاز سيطرة الطبقة المستغلِة على الطبقة المستغَلة .
لقد تفسخت المشاعية البدائية بفعل التفاوت بين مستوى قوى الانتاج ، وبين علاقات الانتاج ، والمتأثر باحتدام الصراع الطبقي ، فأخْلت المشاعية مكانها لأول مجتمع طبقي في التاريخ : العبودية .
مع تطور المبادلة وظهور النقد ، دمرت الاستثمارات الكبيرة الاستثمارات الصغيرة ، وأدى ازدياد تقسيم العمل والتبادل الى نشوء التجارة والتجار . واعتبر هذا ثالث تقسيم كبير للعمل ، حيث اشترى التجار سلع صغار المنتجين – المعزولين عن السوق – بأسعار بخسة ، ليبيعوها بأسعار اعلى ، وبهذا استغلوا المنتجين والمستهلكين معا .
ومع نمو الانتاج السلعي والتبادل النقدي جاء إقراض المال والربا اللذين كبّلا صغار المنتجين والحرفيين والفلاحين . وغدا الصراع بين المُرابين ومدينيهم ، الشكل الرئيسي للصراع الطبقي في صفوف السكان الاحرار . وانتهي هذا الصراع في روما الى لفظ المدين من طبقة عامة الى طبقة العبيد .
واستحوذ كبار الملاك العقاريين على اراضي الفلاحين الذين اصابهم الخراب . وانشأ هؤلاء الملاّك استثمارات كبيرة في الزراعة وتربية الماشية ، مستفيدين من التوسع في استخدام العبيد . كما استخدم عمل العبيد ، اكثر فأكثر ، في معامل الحرفيين ، والمناجم ، والورشات الكبيرة ، وفي شق الطرق ، وبناء القناطر ... الخ . وبهذا تركزت الثروة في ايدي القلة ، مع اتساع التجارة والديون ، ورهن الاراضي والاستحواذ عليها ، مقابل ازدياد الجماهير العريضة فقرا على فقر .
كان العبد ملكا مطلقا لسيده ، شأن الدابة تماما . واستخدم الاسياد العنف لإرغام العبيد على العمل ، بل قتلوا من عجز منهم عن مواصلة العمل . ثم خاض الاسياد الحروب لاستجلاب مزيد من العبيد وتعويض من نفق منهم في العمل .
وادى هذا الاستغلال الجائر الى تحرك العبيد في تمردات ، اشهرها التمرد الذي قاده سبارتاكوس على روما في 71 / 73 ق . م .هكذا افادت طبقة الاسياد ، وحدها من تطور قوى الانتاج . ومنذ اصبح المجتمع طبقيا ، ارتكزت الحضارة الى استغلال طبقة لأخرى . ان كل خطوة الى الامام في الانتاج ، هي في الوقت ذاته ، خطوة الى الوراء في وضع الطبقة العاملة والطبقات المسحوقة والمضطهدة ، اي الشعب . وكل خير لإحدى الفئتين ، هو بالضرورة شر للفئة الاخرى ، وكل تحرر جديد لطبقة هو اضطهاد جديد لطبقة اخرى .
كان طبيعيا ان تنحط قوى الانتاج بمرور الايام ، الامر الذي عجل بانحلال النظام العبودي ، وادى الى زواله . وبقدر ما كان الافقار يزداد ويتسع ، والتجارة والحرفة والزراعة تتدهور وتنحط ، بقدر ما كان عمل العبيد يكف عن الافادة وتحقيق الربح للأسياد .
ومع تدهور الاستثمارات الكبيرة ، غدا الانتاج الصغير مجزيا ، واتسع عدد العبيد المحررين ، مما فتت المزارع الكبيرة الى اراضي صغيرة يزرعها المعمرون ، مقابل اتاوة نقدية او عينية لصاحبها . وألحق المفلح بالعارض . وبالرغم من انه كان يباع معها ، إلاّ انه لم يعد ملكا شخصيا لسيد الارض .
منذ القرن الثاني الميلادي ، ازدادت تمردات العبيد ضراوة ، واكتسب اغلبها تأييد فقراء الاحرار ، وسهل هجوم البرابرة الجرمان على اراضي الامبراطورية الرومانية للعبيد ، القيام بتمرداتهم . وتضافر هجوم الجرمان مع ثورة العبيد في هزيمة روما ، وتصفية نظام العبودية في نهاية القرن الخامس ميلادي .
لقد وزع الجرمان الغزاة الارض على البطون والعائلات ، وعلى القادة العسكريين الذين سلموها بدورهم الى جنودهم ، للتصرف بها دون امتلاكها . وبقيت هذه الاراضي تحت سلطة الملك ، وسميت اقطاعات ، وحمل اصحابها اسم الاسياد الاقطاعيين . ولجأ الفلاحون الصغار للسيد الاقطاعي طلبا لحمايته . وجاءت معهم اراضيهم ، لتنضم الى اراضي السيد الاقطاعي . هكذا نشأت في القرن التاسع الميلادي ، الاقطاعية في اوربة .
كان الانتاج الفلاحي الصغير وإنتاج صغار الحرفيين الاحرار ، هو الاساس الاقتصادي للنظام الاقطاعي . واتسم الاستغلال الاقطاعي بإجبار الفلاح على العمل بالمجان ، اياما معينة في الاسبوع ، في اراضي الاقطاعي ( السخرة ) ، وتسليمه جزءا من محصول ارضه كإتاوة للإقطاعي . وبالرغم من ان الفلاح كان بإمكانه ترك سيده والانضمام لآخر ، إلاّ انه لم يكن باستطاعته التحرر من السيادة الاقطاعية .
وفي المدن ، اقام الحرفيون المستقلون والتجار ، وخاضوا معا ، غمار كفاح مرير ضد الاقطاع حتى فازوا بالحكم الذاتي لمدنهم . فحصّنوها ، وخصصوا لها الحاميات ، وأقاموا لخيراتها المستودعات ، ونظموا مراقبة اسعار الحاجيات . كل ذلك للحفاظ على استقلال التجار ضد الاقطاعيين .
مع اتساع التبادل التجاري ، توسع الاقطاعي في شراء الكماليات والأسلحة لجنوده ، ووقع عبئ ذلك كله على فلاحيه الذين وصل قهره لهم درجات لا تطاق مع نشوء الدولة المركزية التي افسحت المجال للتجارة ، بعد ان اعاقت الاقطاعيات حركتها بمكوسها العديدة ، وغارات جنودها على قوافل التجار لنهبها ، مما دفع بالتجار الى معاضدة اقوياء الاقطاعيين ضد ضعفائهم ، حتى عقد النصر لأقواهم ، وقامت الدولة المركزية . على ان قيام هذه الدولة ضاعف الاتاوات التي يدفعها الفلاح ، حيث اضيفت اليها اتاوة الدولة الجديدة ، مما زاد من وقوع الفلاحين تحت نير التاجر والمرابي .
ان هذا الوضع دفع بالفلاحين الى الفرار من الارض ، فلجأ الاقطاعيون الى تحويلهم الى اقنان عبيد ليربطوهم بالأرض . ونظم الفلاحون انتفاضات عديدة ، وان انتهت جميعها بالفشل ، خاصة بسبب افتقار هذه الانتفاضات الى حلفاء لها في المدينة .
ومع هذا التطور ، فان التنظيم الحرفي الاقطاعي غدا حائلا دون تطور الانتاج السلعي . ودفعت الاكتشافات الجغرافية الكبرى التجارة خطوات واسعة الى الامام . واخذ رأس المال التجاري في توسيع دائرة نشاطه ، وتطلب هذا تطوير الانتاج الحرفي وارتباط الحرفي بالسوق ، وعلى وجه الدقة ازدادت تبعيته للمتعهد الرأسمالي ، مما جعله اقرب الى العامل منه الى الحرفي . ثم سرعان ما تحول الى بيع قوة عمله بدلا من بيع منتجاته .
ولكن علاقات الانتاج الاقطاعية كانت تعوق قوى الانتاج الرأسمالي الوليدة ، مما حتم تغييرها . فانفجرت طبقة الفلاحين والبرجوازية الصغيرة والعمال في ثروات دمرت النظام الاقطاعي وأفسحت المجال للرأسمالية .
طورت الرأسمالية التقسيم الاجتماعي للعمل ، ووسعته . فمن المعمل اليدوي الى المصنع الآلي ، مما قفز بمعدلات الانتاج قفزات واسعة الى الامام . وأصبح الربح هو محرك كل رأسمال ، مما جعله يتفنن في استغلال العمال بشكل يفوق بمراحل اسلافه المستغلين جميعا .
ومع تطور قوى الانتاج ، ازداد عجز الرأسمالية عن السيطرة عليها . وغدت الرأسمالية عقبة كأداء في وجه تطور قوى الانتاج . ومن هنا اصبح من الضروري هدم الرأسمالية وإحلال الاشتراكية محلها ، وتحويل وسائل الانتاج الى ملكية جماعية للشعب .
ولكن كيف تحولت البرجوازية من طبقة تقدمية الى طبقة رجعية ، بما حتّم ازالتها ؟
خلال النظام الاقطاعي ، اتسمت البرجوازية الناشئة بالثورية ، فهي ترحب بالثورة من اجل اسقاط النظام الاقطاعي وعلاقاته الرجعية ، لإحلال النظام الرأسمالي الاكثر تقدما محله . كما دافع مفكرو الرأسمالية المختلفون ، آنذاك ، عن حق الشعب في الثورة ، واعتبروه حقا مقدسا للإنسانية .
لكن ما ان تسنى للبرجوازية اسقاط النظم الاقطاعية ، حتى انكأت وتقوقعت على نفسها ، فهجرت الفلسفة المادية الى الفلسفة المثالية ، بما يحفظ للبرجوازية اوضاعها وأنظمتها . فتنكرت لحق الشعب في الثورة ، بل ادانته ، واجتهد مفكروها لتبرير القهر الامبريالي للشعوب ، وتجميل اساليب الاستغلال الرأسمالي للطبقات الكادحة . وعموما ، ادار مفكرو البرجوازية بمجرد انتصارها ، ظهرهم لدعوات مفكري ما قبل الانتصار . وكان هذا التنكر طبيعيا ، فبدونه لم يكن في امكان الطبقة البرجوازية البقاء في السلطة ، فالدعوة السابقة للثورة كانت من اجل تحطيم النظام الاقطاعي ، والدعوات المحافظة بعد الانتصار ، جاءت للإبقاء على الرأسمالية ونظامها وضمان استمرار الاستغلال للرأسمالية ونظامها ، وضمان استمرار الاستغلال الرأسمالي والامبريالي .
وهنا لا نستطيع انكار كون " الحرية والإخاء والمساواة " هي شعارات الثورة الفرنسية ، اول ثورة برجوازية في العالم . وان كانت الحرية اقتصرت ، بعد انتصار هذه الثورة على حرية التجارة فحسب . لقد حاربت الطبقة البرجوازية عقب فوزها ، فكرة مساهمة الجماهير في السياسة ، بسبب خشية البرجوازية من افلات زمام الموقف من ايديها . وباختصار فان البرجوازية ادارت ظهرها للثورة بمجرد وصولها الى السلطة ، وتخوفت من نمو الطبقة العاملة ومن تصور وصولها الى السلطة على حساب البرجوازية .
لقد تعزز الطباع الرجعي للبرجوازية بعد وصولها الى مرحلة الامبريالية ، المرحلة الاعلى للرأسمالية ، مرحلتها الاحتكارية . وهكذا انتقلت البرجوازية من خنادق الثورة الى خنادق الثورة المضادة . ومن هنا ايضا نشأت ضرورة العصف بالنظام الرأسمالي وإحلال النظام الاشتراكي محله ، النظام الذي ينهي الاستغلال ، ويكنس الطريق امام التقدم الاجتماعي .
في المستعمرات ، فان البرجوازية الوطنية تتسم بالثورية طالما كانت صلتها بالسوق الرأسمالية العالمية منقطعة . وثوريتها هنا هي بسبب تطلعها الى الانفراد بسوقها المحلية . لكن هذه الثورية تنقلب الى الضد بمجرد ان ترتبط هذه البرجوازية بالسوق الرأسمالية العالمية ، وبعد ان ترمي لها الامبريالية ببعض الفتات او العظام ، او بعد ان تتولى شريحة رقيقة من هذه البرجوازية " الوطنية " توكيلات بعض الشركات الاحتكارية للبلد الامبريالي . هنا تفقد هذه الشريحة طابعها " الوطني " وتغدو وكيلة للامبريالية في السياسة ، فضلا عن الاقتصاد .
إذن فالبرجوازية الوطنية تظل ثورية ما دامت تناضل ضد الامبريالية ، وتفقد صفتها الوطنية هذه بمجرد ان ترتبط بالامبريالية اقتصاديا وسياسيا .
نستفيد من هذا ان المجتمع البشري مر خلال آلاف السنين بخمس مراحل وخمس تشكيلات اقتصادية واجتماعية ، هي : المشاعية البدائية ، العبودية ، الاقطاعية ، الرأسمالية والاشتراكية للمرور الى الشيوعية . فما ان تتخلف علاقات الانتاج عن قوى الانتاج ، وتعيق تطور هذه القوى ، حتى يصبح التغيير حتميا من اجل حل هذا التناقض . وهنا يتم الانتقال الى التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية الارقى . وفي الرأسمالية ، فان التناقض هو بين الصفة الاجتماعية للإنتاج والصفة الفردية للملكية .
كانت العبودية هي النظام الطبقي الاول ، وفيه احتلتا طبقتا اسياد الارض والعبيد قطبي التنافس والتناقض الرئيسي ، وبينهما نشب صراع طبقي ، لم ينهه سوى زوال النظام العبودي نفسه . واستجد في نظام الاقطاعية ، تناقض رئيسي آخر ، وصراع طبقي بين طبقتين اخريين ، هما : الاقطاعيون والاقنان . ثم حل النظام الرأسمالي محل الاقطاعية ، وحل محله تناقض رئيسي ، وصراع بين الرأسماليين والعمال . وفي كل مجتمع ثمة طبقات اخرى غير رئيسية ، الى جانب الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع . وتنتمي الطبقات غير الرئيسية هذه إمّا الى المجتمع المندثر كالفلاحين في المجتمع الرأسمالي ، وإمّا الى المجتمع الآتي كالرأسماليين في المجتمع الاقطاعي .
ان الانتساب الى طبقة او اخرى يحدد مصالح الفرد ونمط حياته ، وبالتالي افكاره . ومن ثم فان النضال السياسي هو شكل رئيسي للصراع الطبقي ، لأنه سلاح الطبقة للاستيلاء على السلطة . ومسألة السلطة هي المسألة الجذرية في السياسة .
والعنف كقابلة للتاريخ يبرز اتوماتيكيا وبشكل مدروس وأحيانا عفوي في كل مراحل تأزم الصراع الاجتماعي بين الطبقات المكونة للمجتمع . وهنا فان هذا الصراع وهذا العنف هو ما يفسر اسباب وجود الاحزاب السياسية الممثلة للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المتناقضة داخل المجتمع . ان الحزب هو هيئة اركان حرب كل طبقة تدافع عن مصالحها داخل المجتمع .
من هنا فإننا لا تنطلي علينا الديمقراطية المزيفة التي تتباهى بتعدد الاحزاب . ان الديمقراطية التي تتعدد فيها الاحزاب خاصة البرجوازية ، هي ديمقراطية شكلية ، لان البرجوازية التي تسيطر على الثروة والسلطة ، دائما تتمكن من توفير ما يسمى بالأغلبية البرلمانية التي تمثل دكتاتورية الطبقة البرجوازية ، وبما يضمن لها السيادة المطلقة . لذا سنجد هذه البرجوازية التي تمارس الدكتاتورية من خلال سيطرتها على الثروة والتجارة والاقتصاد والسلطة ، تنقلب على ديمقراطيتها الممسوخة كلما احسّت بتهديد احدى الطبقات العدوة لها اجتماعيا وسياسيا ، اي الطبقات المهددة لديمقراطيتها المزيفة ، لذلك لا تتردد تلك البرجوازية في الانقلاب على ديمقراطيتها الشكلية لتصبح وفي اسرع وقت ديمقراطية الاتجاهات الفاشية الاسلاموية او اليمينية المتطرفة . ان الفاشية سلاح تلجأ اليه البرجوازية في مرحلة التوازن الطبقي الدقيق بين الطبقات المتناقضة بالمجتمع .
الم يستغل المخزن التناقض الاساس الذي كان داخل المجتمع / وكشفت عليه حركة 20 فبراير التي كانت تطالب بالدولة الديمقراطية الاصلاحية وغير المتطرفة ، في سرقة احلام الحركة حين استعمل ورقة الفاشية الاسلامية البنكيرانية لحزب العدالة والتنمية في تركيع الحراك ، وتزييف الوضع الذي كان قابلا لجميع الاحتمالات ؟ الم تلعب الفاشية البنكيرانية لحزب العدالة والتنمية الاسلاموي دور الكمبراس في تمرير كل القرارات المضرة بالشعب وبالمجتمع من خلال الزيادة المرتفعة في الاسعار ، وتخصيص التعليم والمرافق الاجتماعية المختلفة ، وضرب حقوق الشغيلة التي راكمتها بنضالها طيلة اكثر من اربعين سنة في كل القطاعات والميادين ؟ الم تستعمل البرجوازية المغربية الوسخة ومعها المخزن حزب العدالة والتنمية في اقبار ملفات الاختلاسات وسرقة المال العام والإثراء غير المشروع ، حين قال الوزير الاول عبدالاله بنكيران لقلب صفحات جرائم الاختلاسات " عفا الله على ما سلف " ؟ .
إذن لا بد من استراتيجية وتكتيك ثوريين لإعداد الجماهير الشعبية من اجل دحر المخزن وقوى الظلام ، وإعداد الشعب للتغيير المنشود الذي شروطه ومستلزماته متوفرة اليوم بالساحة بالجملة . ان الاسباب التي ادت الى انتفاضة مارس 1965 و انتفاضة الدارالبيضاء في يونيو 1981 وانتفاضة 1984 و انتفاضة 1990 وآدت الى خروج حركة 20 فبراير ، هي نفسها ، بل اكثر منها تعج بالساحة .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى - الشعب الصحراوي - - الشعب العربي في الصحراء - - ا ...
- العبت
- طبخة طنجرة وزارة الداخلية والمسخ السياسوي الانتخابوي
- هل لا يزال هناك امل بالوحدة العربية ؟
- الثورة
- شروط التغيير
- على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخ ...
- السيد محمد عبدالعزيز رئيس - الجمهورية العربية الصحراوية الدي ...
- قراءة لقرار مجلس الامن 2218 حول نزاع الصحراء
- - ملف حقوق المرأة في العالم العربي -
- انصار واعداء الرسل : المجتمع الاشتراكي مجتمع الكفاية والعدل
- رد على مقال الاستاذ سعيد الفطواكي . ملكية برلمانية ام جمهوري ...
- هل تنفع المخزن سياسة الهروب الى الامام للإلتفاف على ازمته ال ...
- قوى المعارضة السرية في الاسلام
- السلف الصالح
- بحلول 23 مارس 2015 تكون قد مرت خمسة واربعين سنة على تأسيس او ...
- من افشل حركة 20 فبراير ؟
- بيان الى الرأي العام الحقوقي
- المكيافيلية والسكيزوفرانية الفرنسية : هل فرنسا مع الحكم الذا ...
- بلاد دنيال كالفان . بلاد الظلم والذل والعهر والعار . بلاد هك ...


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نشوء الطبقات الاجتماعية