أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حين يعانقك الكر في بسنادا















المزيد.....

حين يعانقك الكر في بسنادا


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4841 - 2015 / 6 / 18 - 19:50
المحور: الادب والفن
    


في إحدى الزوايا المشمسة من باحة المدرسة في قرية بسنادا الصابرة يجلسُ صباح يوم سبت وحيداً متكئاً بظهره الصغير وبعض ذراعه الأيمن إلى السور .. للمدراس أسوار! ..

بنظارته الطبية يراقب مشاكسات الأولاد وحيلهم، بيده اليسرى يداعب فتقاً في بنطلونه القصير، بسبابته يتحسس بداية الفتق الأزمة محاولاً تعميقها ..

الساعة قاربت العاشرة .. حصة الرياضة شارفت على النهاية .. يشعر بالجوع إذ مضى على خروجه من البيت عدة ساعات دون فطور .. يحمل أصابع يده اليسرى ويطويها برفق على بطنه الصغير ويبتسم راضياً عن فطور الأمس صباح يوم الجمعة الباكر جداً .. فقد تناول لوحده أكثر من خمس بيضات مقليات وثلاثة أرغفة من الخبز المرقد ..

كان ليل الخميس مميزاً بالنسبة له بل كان حلماً .. ولم يكن ليلاً للنوم بل للسهر والسرقة .. أمضى الليل ساهراً على سطح الجيران في خيمة من قصب .. انتصف الليل ومازال وصديقا طفولته "ثائر" و"نزيه" دون عشاء إلى أن اقترح "ثائر"تحضير فطور شهي .. وحين سُئِلَ كيف لكَ ذلك؟ .. أجاب باحتراف: سنبقى مستيقظين حتى الثالثة صباحاً .. نشرب الشاي ثم نذهب إلى فرن "دياب" حيث يبدأ "سرحان السيسي" بتحضير العجين وسيعطينا بالتأكيد أرغفة الخبز الأولى دون مقابل .. وفي طريق العودة سوف نجد سيارة تاجر الجملة "أبو نصر" المعبّأة بصحون البيض .. سنصعد إلى شاحنته ونأخذ منها ما يحلو لنا ونستطيع حمله من صحون البيض ..

أثارته الفكرة ووافق على تنفيذها معهما دون إضافات .. في الساعة الرابعة صباحاً تسلقا "ثائر" و"نزيه" إلى ظهر الشاحنة مثل قطط جائعة .. أما هو فقد ضم إلى صدره أرغفة الخبز الساخنة الأولى يراقب لهما خلو المكان .. عندما وصلوا إلى البيت برفقة ثلاثة صحون من البيض وموجات فرح .. بدأوا خلسة بإعداد الفطور المشتهى "شاي وبيض مقلي وخبز وزيتون" .. في ذاك الصباح أكل للمرة الأولى في حياته كمية البيض التي طالما حلم بها واشتهاها .. فقد اعتادت عائلات القرى الفقيرة في سوريا على مزج بيضتين أو ثلاث على الأكثر بالطحين وقليهم كي تصبح الوجبة كافية للأولاد الذين لم يقل عددهم في أي أسرة عن السبعة ..

يَسمعُ جرس المدرسة منذراً بانتهاء حصة الرياضة/الحركة/الفوضى .. ينهض من قعدته ويلمح الولدين "عبدو" و"عماد" في طريقهما إليه وكأنهما خططا للقيام بعملية فدائية ..

كان "عبدو" يشبه العجل الصغير بجثته المكتنزة ولهذا رافقه كما جرت العادة في بسنادا لقب "عبدو العجل" منذ نعومة أظافره .. أما "عماد" ذاك الفتى النحيل أصفر اللون كان أقرب إلى أشباح القبور والأَكْفَان منه إلى الأطفال .. يسأله "عبدو" ممازحاً محرضاً والخبث يغلف كلماته: هل نلتقي اليوم ظهراً في الوادي الأحمر؟ .. نريد أن نعمل معك اليوم جولةً في البراري .. في أرض "بديرة" ..

أضاءت نظارته، فرح من أعماقه لاهتمام "عبدو" بوحدته وقبل أن يجيب أضاف "عماد" بحزم ولئم: يجب أن تأتي هذا اليوم معنا، سننتظرك خلف بيت أبو الخشب .. لا تتأخر!

كان أهل القرية يحكون لأطفالهم عن بديرة العجائب! .. تلك المرأة القميئة بثياب العجوز .. بشعرها الأبيض الوسخ بذقنها و شواربها "الفيتنامية" .. قالوا عنها: أنّها مجنونة، تضرب الأولاد بل قالوا أنّها تخنقهم، وأضافوا إنّها ساحرة تبني أعشاشاً من عشبها "الفيتنامي" في جذوع أشجار الزيتون .. وحكوا بأنّهم وجدوا سابقاً أدوات السحر وشفرات الحلاقة في تلك الأعشاش .. بل قالوا أكثر، قالوا أن لديها جرة مليئة بالليرات الذهبية خبأتها في تلك الأرض البعيدة، أرض "بديرة" الشهيرة ..

في كل خريف، في كل موسم زيتون، اعتاد أهل القرية على حفر التربة في أرضها بجانب جذوع الشجرات كي ينبشوا ما خبّأته "بديرة" من شعوذات "فيتنامية" وليرات ذهبية ..

في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت، التقى الأولاد الثلاثة أمام منزل "عبدو العجل" المسقوف بألواح التوتياء وعوارض الخشب والواقع جانب منزل "أبو الخشب"، احتذى كل من "عماد وعبدو" في قدميه خفافة البلاستيك الأسود المعروفة .. أما هو /ضيفهما/ فوضع في قدميه صندلاً بلاستيكياً قد تقطّعت بعض حوامله ..

غاب "عبدو" لحظات ليعود برفقة كر شبق أسود اللون .. ثم طلب من رفيقيه اصطحابه، مشوا عدة خطوات حتى وصلوا إلى ما يشبه الحظيرة، إلى مستودع مبني من الحجارة والتربة والتبن، هناك طلب "عبدو" إليهما التوقف ثم ناول "عماد" رباط الكر ليدخل بعدها حذراً متسللاً إلى مخزن "أبو الخشب"، هناك فك رباط جحشتين، الأولى: شابة، حُبْلَى، بعينين شهوانيتين والثانية: عجوز، نحيلة، قوية اعتادت التحمل والصبر والوحدة .. خرج بالاثنتين مثل غاز منتصر .. أعطى صديقه "عماد" العجوز القوية، وأعطى ضيفه الحُبْلَى النزقة .. أما هو فقد استرجع كره الشبق الذي هلل لرؤية معشوقته فصار كراً بخمسة سيقان ..

ركب الثلاثة كل على حصته من القسمة .. ومضوا يسرحون في أراضي الوادي الأحمر في طريقهم إلى أرض السحر والشعر والكنز المخبأ، إلى أرض "بديرة" بطبيعتها الصخرية الانحدارية، وصلوا إلى القمة، إلى أرض "أم حسن"، نزلوا عن ظهور حصصهم وهم يتمازحون ويتغامزون ويتصايحون، تبولوا على جذوع الأشجار .. حاولوا تحطيم الباب الخشبي للضامة .. تلك الغرفة الصغيرة التي بنتها "أم حسن" في أرضها .. وحين لم يقدروا عادوا إلى حصصهم، اعتلوها من جديد ..

صرخ "عبدو" متوهجاً: اللعبة ابتدأت، الجولة ابتدأت .. وبالعصا التي وجدها تحت جذع شجرة .. لكز الحُبْلَى بعنف .. ضحك عماد عالياً، توجعت الحُبْلَى، ركضت أسرع، سقط الصندل، ارتّج جسده فوق ظهر الحُبْلَى، صرخ عبدو: ياهووووو، كشر الكر عن فكيه، توجع لوجع معشوقته، اشتهاها أكثر، لحق بها، وصلها، طارَ عالياً ماداً/فارشاً ساقيه الأماميتين إلى الهواء ليعانق بهما كتفي الصغير الخائف على ظهر الحُبْلَى، يقترب رأسه البشع من رأس الصغير ويهدر بأنفاسه مثل شلال اللقبة، بينما وجدت ساقه الخامسة طريقها إلى الحُبْلَى ..

"عبدو" ينهق، يسقط أرضاً، يتدحرج على ظهره مثل عجل يرضع الضحك والفرح من السماء، أما "عماد" فقد وقف على كفيه فوق ظهر عجوزه مثل "دون كيشوت" مجنوناً من نشوة الانتقام والبسط، سقط "عماد"، جُرِحَ، هربت عجوزه، بينما يقاوم ضيفهما فكرة البقاء على ظهر الحُبْلَى المُشتهاة، تضيع فردة صندله الثانية، يقع أرضاً، تنطفئ نظارته، تنكسر، و ينكسر معها أحد أسنانه .. وإذ يتألم ينظر إلى البعيد ليرى الكر الشبق وحبيبته الحُبْلَى يتمسكان بغصن زيتون أخضر ويطيران عالياً إلى السماء ..

نهض الثلاثة والجوع والتعب قد هدهم ليتابعوا رحلتهم في البراري، بحثاً عن الجَرَّة .. جَرَّة الليرات الذهبية المدفونة في أرض "بديرة" العجيبة ..



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة
- سينما في بسنادا
- صباحك جميل أيها الرجل الأسود
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -15-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -13-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -12-


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حين يعانقك الكر في بسنادا