أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر














المزيد.....

سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4837 - 2015 / 6 / 14 - 21:04
المحور: المجتمع المدني
    




“فضلُ مصرَ لا ننساه!"، كلمةٌ طيبة قالها أحدُ أبناء مصر البررة ممن يعيشون خارج حدودها، لكن قلوبَهم معلّقةٌ بدروبها ومساجدها وكنائسها ومعابدها ونهرها وأهرامها وشِعابها رغم الأميال والبحار الفاصلة، ورغم مشاغل الحكم الجِسام. شرب من نيلها مرّةً، فظلّ يعود إليها بالخير والرغَد كلما خفقت نسائمُ الهواء بجناحيه، شأنَ الطيور المهاجرة التي لا تنسى أيَّ أرض طيبة حطّت عليها بأجنحتها وتذوّقت فيها ثمارها الشهد. أحبَّها بصدق، فلم تمنعه عثرتُها الراهنة من رؤية حُسنَها الخبيء المنزوي وراء غلالة الحزن والعوَز التي صنعتها يدُ الإرهاب الآثمة، فراح يكافح مع أبنائها الصالحين ليُقيمها من عثرتها ويُعيد إليها مجدَها الغابر.
د. سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، قال كلمته الثرية هذه أثناء حفل الافتتاح الرسمي، مع رجالات مصر، لمبنى دار الوثائق القومية الجديد في مدينة الفسطاط بالقاهرة الشهر الماضي. أتذّكر الآن صوته الذي أشرق بالدمع وهو يتحدث من باريس إلى برنامج العاشرة مساء لحظة احتراق "المجمع العلمي". كدنا نرى قلبه يحترق مع الكتب والوثائق التراثية النادرة التي احترقت. فتعهد ليلتها بمنح المجمع ما فقد من كنوز فكرية، من مقتنيات مكتبته الشخصية! وها قد برّ بوعده الصعب. مَن يفعل هذا سوى ابن أصيل لم يهُن عليه حزنُ أمّه مصر؛ فكفكف دمعَها ومنحها من روحه ما يردُّ لها ابتسامتَها؟
قال الشيخُ الإماراتي المثقف: “فضلُ مصر على الخليج عامة وعلى الإمارات خاصة لا ولن ننساه، فرغم الظروف الصعبة التي كانت تمر عليها في كل مرحلة من مراحلها لم تتوان مصرُ في تقديم العون للدول العربية الأخرى. ساهمت بالكثير من المساعدات واستقدام المعلمين الذين ساهموا في النهضة العلمية للبلاد. والآن نقول لكل المصريين ما كان يُراد بكم من سوء أكبر مما ترونه. إنما كان يراد بكم زوال من الوجود، ولكن بهمة الرجال وهمة شباب مصر استطاعت استعادة دورها المحوري والمؤثر في المنطقة، وأن تحمي المنطقة وتحمي مكتسبات مصر.”
جاء الشيخُ سلطان إلى مصر في صدر شبابه طالبَ علم، فاستدعى تلك اللحظة البعيدة القريبة قائلا: “أتيتُ إلى مصر في عام 1965 طالبًا للعلم؛ فوجدتُ جميع علوم الدنيا في مصر من تراث وآثار وقيم وأخلاق. وعشتُ هنا خمس سنوات بقت محفورة في القلب. وأعظم ما عرفته فيها ليس العلم ولا التراث وفقط، إنما عرفت المصريَّ الأصيل بعد أن طبعت كل صورة في مصر في قلبي من تراثها ومن علمها.”
هذا الرجل المحترم، كما آذر مصرَ في محنتها وحزنها، كان أيضًا حاضرًا في فرحٍ غمر قلبَها لحظة إزاحته الستار عن اللوح التذكاري إيذانأ بافتتاحه دار الوثائق الجديد الذي أهداه لمصر، فقال: “ما هذا المبنى ولا أي عمل نقوم به اتجاه مصر إلا نقطة من بحر عطاء مصر.”
أيُّ هديةٍ أثرى وأغلى من تلك الهدية القيّمة التي أهداها حاكمُ الشارقة إلى مصر؟! هدية لا يعرف قيمتَها إلا من يعرف قيمة العلم والثقافة وحتمية الكتاب للإنسان، حتى يستحق لقب "إنسان"، بما ميّزه اللهُ عن مخلوقتها كافة بالعقل والسعي نحو الحضارة والترقّي. هديةٌ لا يفكر في إهدائها إلا أحدُ نبلاء العلم والمعرفة ممن حباهم اللهُ بنعمة العقل النيّر المصقول بنصال الثقافة. فكلمة "ثقافة" تعود للجذر اللغوي "ثقف الرُّمح" أي سوّاه وشذّبه وصقله وقوّمه ليصير رشيقًا ماضيًا يصيبُ قلبَ هدفه دون خطأ. و"ثقف القلمَ" أي براه بالمبراة أو بالنصل وجعله حادًّا رفيعًا ليكتبَ بدقّة وجمال دون عِوج. كذلك العقلُ المثقف، هو الذي قوّمه صاحبُه وهذّبه بالعلم والنور والمعرفة ليصير حاذقًا ذكيًّا عالمًا مُنصتًا لإيقاع الكون الصعب متناغمًا مع وقعه المُحيّر. هكذا مَن أهدى مصر هذا المبنى العظيم المكون من خمس طوابق، بتكلفة 120 مليون جنيه، وضمّت رفوفُ مكتباته 7778 من الكتب القيمة والمخطوطات النادرة والوثائق المهمة التي أتلفتها يدُ الإرهاب السوداء في المبنى القديم. تلك النفائسُ التي لا تُقدّر بثمن، أهداها لنا، ولمصرَ، الشيخُ المثقف سلطان القاسمي من كنوزه الشخصية ومقتنياته الخاصة. وليست هذه هي هديته الوحيدة لمصر، بل سبق وأهدى مصر مكتبة كلية الزراعة، ومبنى الجمعية التاريخية بمدينة نصر، وأهدى مستشفى السرطان مليوني جنيه سنويًّا لعلاج الأطفال المرزوئين بالمرض، وغيرها مما قدّمه ويقدمه لمصر هو وزوجته المتحضرة الشيخة "جواهر القاسمي" صاحبة الأعمال الإنسانية والخيرية والثقافية المدهشة لصالح المرأة وإحياء التراث الثقافي ورعاية الأطفال اللاجئين واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة. أيُّ كلمة شكر وامتنان تفي هذه العائلة الطيبة المغرمة بالثقافة والمعرفة، الشغوفة بعلو الإنسان؟
هذا الرجل الاستثنائي، الذي يذكّرنا بسلفِه العظيم "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"، أحبَّ مصرَ بحق، فأحبه المصريون بحقّ.
هل يجب أن أفسد هذا المقال النقي بذكرى معتمة تُلحّ على ذهني الآن، في المقارنة بين هذا السلطان الإماراتي العظيم الذي أحبّ مصر فصار ابنَها بالعماد والاختيار وليس بالجبرية البيولوجية، وبين سلطان آخر إخوانيّ تنازل عن جنسيته المصرية بفرح؛ ليفرّ من جرائمه الإرهابية، وهرب إلى أمريكا يُقبّل أرضَها؟!
أعتذر عن إفساد المقال لكنها تداعياتُ الذاكرة الآمرة بالسوء.
الشيخ "سلطان القاسمي"، مصرُ والمصريون يحبوّنك، كما أحببتَ مصرَ وأحببتنا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
- قبل أن تُحبَّ صحفية
- عكاشة والسيسي
- النظافة ليست من الإيمان!
- بعضٌ من الحلم لا يفسدُ العالم
- في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟
- رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
- حزب النور... على أبواب التمكين
- خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
- تمرّد... وكتابُ التاريخ
- بذورٌ فاسدة
- انتحارُ الأديب على بوابة قطر
- حزب النور وحلم التمكين الداعشي
- سلّة رمان ..
- حكاية حنّا وعبد السلام
- هل تحب الغُراب؟
- “بَسّ- اللي فيها كل العِبر
- هل قرأ وزيرُ العدل -أفلاطون-؟
- ميكي يجيدُ العربية
- والله وبكّيت فاطنة يا عبدُ الرُحمن


المزيد.....




- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا بقيمة 15 ...
- اليونيسف: مقتل ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة -الأونروا- بقيمة ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- بن غفير يدعو لإعدام المعتقلين الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ ال ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- المواجهات تعود لمدينة الفاشر رغم اكتظاظها بالنازحين
- شهادات مروّعة عن عمليات التنكيل بالأسرى داخل سجون الاحتلال
- دهسه متعمدا.. حكم بالإعدام على قاتل الشاب بدر في المغرب
- التعاون الإسلامي تؤكد ضرورة تكثيف الجهود لوقف جرائم الحرب بح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر