أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - الخروج من الحفر















المزيد.....

الخروج من الحفر


احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1339 - 2005 / 10 / 6 - 12:12
المحور: الادب والفن
    


ليتني رضيت البقاء في الحفرة ، قليلاً من الرضوض والآلام الخفيفة ، لأن محاولاتي للخروج من الحفرة في كل مرة تدفعني بلا اتزان ومن جديد لأقع ، وشتان ما بين الوقوع في حفره وخطفة السقوط في بئر ، ولم تبق إلا شظايا التمزق في هاوية سحيقة ليس لها قرار ، حتى أجرب كل أنواع الانجذاب نحو الفراغ الأثيم .
يشتكي المرء عادة من سوء تكيفه مع محيطه، مع البيئة حين تكون الحرارة أو البرودة لا تطاق ولا تحتمل، أو الرطوبة العالية، أو المرض، أما مع الآخرين من فالمشكلة تكون معقولة.
مشكلتي من نوع خاص، مشكلتي في نفسي، نفسي أنا هي المشكلة.أعاني من ذاتي ومن أجزائي الزائدة عن الحدود الطبيعية للأشياء المعتادة .
كيف أتخلص من الصلابة في ميولي ؟ كنت شديد التعصب، متوتراً على الدوام وسريع الخصام وأرفض أنا نفسي، قبول مثل هذا المظهر.
الحياة طيبة ، الحياة غالية ... مشاعر الناس أغلى ... يجب علي أن أحمي الحياة. تناول معول وهدمها أمرٌ سهل للغاية. .. وهو متاح للجميع . إن لم يكن بالعلن .. فبالسر.. إن لم يكن نهاراً جهاراً... فليلاً واختباءً... إلاَّ أنني أرفض هذا الإسقاط.. ببساطة فأنا منحاز في الخفاء نحو الحياة، ولكن التناقض مع الجذور ظاهر بالأغصان والفروع , ولابد من بعض التشذيب وبتر الزوائد الحرش .
بين الظاهر المرئي والسلوك العملي شيء يفضحني تماماً ، يعريني في محراب ذاتي ، وأصلي . دوماً أصلي كي أتغلب على هذه الفضيحة ، فالخطأ عند الآخرين أراه كالكفر ، يجب عليَّ ، ووحدي أنا الخصم والحكم ، أتسرع بلا رؤية لوضع حد حاسم لوضع حد للتجاوزات وكأنني الوكيل الوحيد المعتمد في حماية هذا العالم من الانزلاق نحو الهاوية ولكنني بالواقع أتعثر بالحفر .. وكم من مرة ٍ وقعت ، وتألمت ،
في إحدى المرَّات، دافعت عن امرأة تبين لي فيما بعد أنها فاسقة أصلاً، ورحت أخوض غمار معركة، وتشابك بالأيدي، كلفني ذلك عطب في ساقي اليمنى.
خصومي الذين تعدوا علانية على حرمة امرأة يعرفونها وتعرفهم وفي حين كنت مرمياً على الأرض أتألم ... كفارس قوي شجاع ، غلبته كثرةُ الخصوم ، هتفت بي حين انطلقت تحملها السيارة ..
- يا رجل ! لماذا تحشر نفسك في أمر ٍ لا يعنيك ؟
ما رأيكم ؟ .. هل أبقى أعيش على هذه الصفة الحمقاء . أم أجد لنفسي الدواء المناسب !
هل يرضيكم أن أبقى ساكتاً ولا أحرك ساكناً ؟
لا أبذل أي مقاومة للحفاظ على نفسي على الأقل.
لقد مرّ شهر وأنا أتعكز على عصا حتى وصلت إلى مرحلة الشفاء وكان السبب بسيطاً للغاية ... الآن أتذكر جيداً حقيقة ما حدث فلو أنني ببساطة انتبهت إلى البهرجة المبالغة على خدود ووجه المرأة بل وشفاهها بحمرة فاقعة لوفرّت على نفسي آلام شهر كامل .
وأضف إلى ذلك حرقة الخيبة الخفية التي أكلتني أكلت قلبي هرأته وهزأت معنوياتي بدون مبرر .
ما الحل في رأيكم ؟. البطل الذي تحول رأس بصل ، رأسه في عفر التراب ، وأقدامه تتطاوح في السماء ولا ناقة له ولاجمل ، ما لعمل ؟ ... لابَّد من فعل شيء .. وإن كنت مخطئاً والأعمال بالنيَات فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن أبقى ضحية النيّة وشرُّ البلية .
في المرة الثانية ، يا ويلي من حماقة أعصابي المتوترة حتى الأطفال يكذبون . بل هم الكاذبون ولا أحد غيرهم يكذب .
مجموعة من الأطفال رأيتهم يتضاربون بالأكف والأقدام وقد يقتلون بعضهم البعض ، فما هي قوة الكلية وماهي مقاومة الكبد ، بل المخ .. إن دماغ الإنسان يهتز ويختل ويصيبه الشــــلل من لكمة على الرأس ...
هل أدع الأطفال يلتحمون مع بعضهم ويجرمون . لا حتماً ، فرَّقت فيما بينهم ، ولم أترك ِ الشارع حتى تفرقوا .. فماذا كانت النتيجة ؟ !
آباؤهم يهاجمونني بالبيت دون أن يستمعوا أو يفهموا أيَّ كلمة مما قلت لهم.. ولست بالضعيف ولكنني نزق وعصبي، هكذا يقولون عني، كل أب ٍ يأتي إلىَّ ينتهي الحوار فيما بيننا بعدة لكمات، إلا أن أحد الآباء الملاعين، كان بطلاً في رفع الأثقال ولمجرد أن استلم اللكمة مني لأنه آخر من يفهم.. الحيوانات كلها تفهم إلاَّ هوَّ..
انزلقت على الحصى ، فداس بكل قوته على أضلاعي ، فحطم جزءاً من القفص الصدري ، والحجاب الحاجز تمزق ..
ظللت عدة شهور أتألم بشدة ورغم اعتراف الجميع بخطئه أمام مخفر الشرطة لتناقض أقوال الأطفال واعترافاتهم لأهاليهم ، وذلك بعد أن دفعت الثمن غالياً من شكواهم الأولى ، فما الفائدة ؟
قولوا لي ما الفائدة ؟ليتني أستطيع التوبة والإقلاع عن عاداتي السيئة !
أحد الحكماء حقاً نصحني قائلاً :
- لكي تقلع عن هذه العادة المدمرة عليك بالتدخين لذلك شرعت بتدخين السجائر، سيجارة تلو الأخرى.
وقال آخر : دعك من تدخين السجائر بشراهة .... إن السيكار مشروب فاخر ، يملأ الرأس ويخدر الأعصاب فرحت أدخن السيكار والسجائر ، كلاهما ، المهم راحة الأعصاب .
وجاء آخر فقال – ألم تجرب الغليون ؟
قلت – لا ...
قال جرب .. الغليون عظمه .. الغليون عراقة فلسفة وفن معاً في آن معاً.. وعمق ... عمق في النظر إلى الحياة
قلت حسناً ، هذا هو الغليون ، احتويت مجموعة من الغلايين ، بعد الإفطار ، والغداء ، والعشاء ، كل غليون له وقته المناسب . فماذا حدث ، سيجارة وسيكار ومن ثم غليون ...
كل هؤلاء اجتمعوا ينفثون بشكل متعاقب في زمارة حنجرتي المرّة وصدري الخشخاشة لايهم ، فالمهم السلامة ...
جاء أحدهم من بلاد بعيدة ووجد أن الأنسب بالنسبة لي هو تدخين المعسل بالأركيله .
- أخي، قرقرة الماء وحدها تكفي لمنحك الرواق والخدر والهدوء..
شيء جميل ! جميل حقاً... ! .. يا للنوايا الحسنة !
إلى الأركيلة والتراث والعراقة ، بل الجمال والفن والألوان الزاهية الفحم المحترق ، والتبغ المعسل ( والشيشة والنربيشة ) عالم آخر .. الخدر بلا حدود .. الخدر حتى التخمة .
أنا اليوم فعلاً ، أدخن السجائر اللحظية ، وأنفث السيكار الساعي ( حوالي الساعة ) أما الغليون فلساعات .. والليل الأنيس والهادئ والناعم فأقضيه مع الأركيلة . حدث عن الأ نسام الليلية ولا حرج .
لا أنام حتى مطلع النهار ، قلق جداً ، متوتر من جديد ولم تعد قبضتي من حديد .... أسهم بالآمال كثيراً، متأمل بلا حدود أقضي الأشياء أو قل أتوهم حدوتها.
ذاكرتي صارت ضعيفة إلى حد مرعب وحين يطلع النهار عليَّ أتساءل: ( أتراني نمت، ولا يهمني إجابتي
ربما كان ذلك في زمن ما، في وقت لا أعيه.
أيها الأصدقاء حباً بالإنسان أنقذوني .
أحدهم أقنعني بصدق ما يقول
- عليك بالخمر... العرق خاصة ففيه الدواء .إنه النوم الآمن ... إنَّه الخدر اللذيذ ... ففي حين تقرر النوم ... اشرب يا صديقي.
وشرعت بالقبض على كل تلك الخيوط , السجائر والسيكار ، والغليون والأركيلة آخر النهار, والكأس الأصهب تلو الكأس ... الصحن والمعلقة كل هؤلاء يصدرون أصواتهم .. يتدافعون ، يتضاربون وأنا الشاهد الوحيد ..
حقاً لقد صرت أنام وقتما أشاء .
بدأت بشرب الخمر مرة حين أشاء ربما في الأسبوع مرة ، أما اليوم فصارت عادة لي كل يوم، فلا أنام إلا مثقلاً بالسكر ، ثم تطور الأمر معي : يا ناس ، يا عالم .. يا هو ... في النهار أيضاً .. لقد صرت أشرب ليلاً نهاراً فقط
لقد صرت كالآلة التي لا تعمل بدون طاقة وطاقتي في البقاء حياً فقط من أجل أن تبقى الحياة، هي في التدخين والشراب حتى آخر نفس وحتى آخر قطرة..
في يوم من الأيام سهرت حتى الفجر والثمالة . أضعت المفاتيح .. كيف لي أواخر الليل أن أبحث عن المفاتيح.. إلى الجحيم كل مفاتيح وأقفال الدنيا, صعدت إلى سور المنزل وانزلقت بي حجرة أو بلوكة .. وقعت من تحت إلى فوق أم من فوق إلى تحت ... لايهم الأمر كثيراً ...
لست الآن مشلولاً عن الحركة .... يعني ! ربما كنت كذلك ! ؟ أين الحكماء؟ لا أحد حولي .
أن تضحك وتضحكنا فكلنا معك ولكن أن تبك فابق لوحدك, عندما كنت عصبياً نزقاً ثائراً على كل خطيئة تحدث بلا مبرر.. على الأقل كما اعتقدت ذلك . فقد كنت اشتبك بالأيدي مع واحد اثنين، ثلاثة على أكثر تقدير... أما اليوم فلا أحد من حولي يتساءل من هذا الآدمي لقد صار كل الناس يلكمونني ، ويرفسونني ...
وريثما يتم براءي وبراءتي ,سيكون لي مع الحياة الجميلة ... شأنٌ آخر... شأن آخر حتماً، لن أهرب من حفرة لأقع في بئر، إلا من حفرة البئر العميق.
أحمد مصارع
الرقة - 2005







#احمد_مصارع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغدا ألقاك ؟!.
- هل ستكون سوريا نموذجا للتحول الديمقراطي؟
- ?أنظمة الاستعمار الوطني الجائعة والإمبريالية الشبعانة
- الحضارة العربية والمحض هراء ؟
- رسالتي للرئيس الفنزويلي المحترم : هوغو تشافيز
- الأمير سعود الفيصل يتهم أمريكا ؟
- الحداثة العربية بدون ( ايتمولوجية ) ؟
- الإمبراطورية كارثة إنسانية ؟
- هل ستخفق منظمة الأمم المتحدة ؟
- الوجود واللا عدم ؟
- إنهم خلف الستارة
- أمريكا أضعف من الماء والهواء ؟
- النفط مقابل الدستور
- الحضارة الرومانية , حضارة عالمية ؟
- الأنظمة الشمولية محكومة بالتوسع والعدوان
- ?المدرسة العلمانية وبيان حقوق الإنسان والإرهاب
- المعتقل السياسي السوري المنبوذ ؟
- بدون نهاية نحو اللانهاية
- أسئلة في العشق لا , ثم لا ؟
- ?الإيديولوجية الذئبية والداروينية الطبيعية


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - الخروج من الحفر