أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل خليل الحسن - شخصية سورية المهدورة














المزيد.....

شخصية سورية المهدورة


اسماعيل خليل الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4833 - 2015 / 6 / 10 - 08:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل لبلد ما شخصيته؟ شأنه بذلك شأن الفرد الإنساني.
لقد كتب جمال حمدان عن شخصية مصر، ورمز الأدباء والشعراء والفنانون لها بشخصية فتاة تدعى "بهية". فيما يبدو أن مصر هي البلد العربي الوحيد الذي تكاملت شخصيته.
سورية بلد اقتطعه كل من سايكس وبيكو مثل قطعة جبنة وبقيت أجزاؤه مبعثرة في الجوار الذي جرى تصنيعه أيضا، لكن السؤال هل اسم سورية الذي توافق عليه المقسّمون يعبّر بصدق عن حقيقة الأرض والشعب؟ هل من توافق ثقافي على هذا الاسم أم هو ضرب من ضروب السياسة ودهاليزها.
قد يكون اسم الشام أكثر تأثيرا وبعدا دينيا لمجتمع غالبيته مسلمة, لكنّ هذا يثير حفيظة القاطنين في الجزيرة والجزيرة العليا على اعتبار أن الفرات يقسم الجغرافيا إلى شامية وجزيرة، لكنّ ما يدبر في أروقة السياسة لا يُعنى كثيرا بمسائل الثقافة.
ولأنّ السياسة تعقل الثقافة في بلاد هي مرتع للعبة الأمم وساحة من ساحات ألاعيب المجتمع الدولي، كما اختصرت السياسة من قبل نخب تلك البلاد بالشعارية الجوفاء, فإن سورية ظلت منذ تأسيسها بلدا مضطربا، وكأن تلك النخب - وهي على الأغلب عسكرية - تريد التخلّص من البلد في أول منعطف أو تحكمه بنزعة استبدادية لتكتم أول ماتكتم سؤال الثقافة وسؤال الهوية والشخصية.
لم تكن الرقة معمورة ولا جسر على الفرات فلم تكن حلب بالمتناول وكانت زيارة المدينة حكاية تدعو إلى البهجة في مجتمعات قروية، والمدينة هي اسم تعارف عليه العوام بدلا من اسم (الرُّها) التي دعيت اليوم بأورفا التي أمرّ ( أنا كاتب المقال) فيها اليوم وأشاهد جامعها الأحمرأتذكر روح جدّ لي كان في مطلع القرن الماضي يزاول الحضورفي هذا الجامع كل يوم جمعة كي لا تفوته صلاة الجماعة، ممتطيا ظهر حصانه، قاطعا مسافة 60 كم ذهابا ومثلها عودة ثمّ يصلّي المغرب في بيته.
أذكر هذا الحدث الشخصي لأقول: إنّ ديار بكر وسهول أورفا وكيليكية تنتمي إلى أرومة ثقافية واحدة وإنّ العائلات العربية والكردية والتركمانية والسريانية تجمعها، عدا عن وشائج القربى، تلك الرّوح المشتركة التي تحول دون الشعور بالغربة بين القاطنين في هذه المناطق التي كرّستها السياسوية الضيقة, ولعل كثيرا من العائلات العربية والكردية والتركمانية في الشمال السوري تلتقي اليوم، بعد اندياح الحدود، بنصفها المنشطر في الأراضي التركية والأمر نفسه بالنسبة للعشائر والعائلات على الحدود العراقية والأردنية واللبنانية.
لقد أصبح, لدى مثقفي اليسار واليسار القومي، هاجس أن كل طائر يدخل من الحدود الشمالية لسورية هو مؤامرة عثملية وطورانية تسعى للتخريب، وكذلك ما يدخل من الموصل وراوة وعانة والزرقا والجليل ولبنان، فلم يبق لدى المثقف المتوجس، أمنيا، سوى البحر الذي يرتد عنه طرفه فهو حسير.
وعندما أغلقت السلطة الحدود، ولم تجد مقاومة لهذا العمل الشائن، عطلت التواصل بين السكان على الضفتين عبر الحدود الطويلة المحيطة بالبلد ثم أجهزت من خلال منهجها المزيّف في التاريخ المدرسي على كل أمل بإحياء تلك الروح المشتركة ليحل محلّها التوجّس والريبة رغم شعارات التوحيد القومي التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
إن إغلاق الحدود وقطع صلة الرحم ساهم باختلاف اللهجات بين تجمعات سكانية لا تبعد عن بعضها مئات الأمتار، فالعربية المحكية اليوم في سهول أورفا عربية مجمدة منذ مئات السنين وهي تتطور نحو الانقراض والتلاشي، وهناك صعوبة في التفاهم لغويا بينهم وبين أبناء عمومتهم في الجانب السوري, والتركمانية السورية مجمدة ولم تلاحق تطور اللغة في تركيا عدا عن انقراضها لدى كثير من التجمعات السكانية وهذا هدف كان يسعى إليه نظام البعث منذ تأسيسه، وكذلك الكردية بين لهجاتها السورية والعراقية والتركية ولا أدري بالنسبة لللهجة الماردينية وهي لهجة عربية أصلا.
إن لم تكن إعادة وحدة الأجزاء السورية ممكنة فهل ينبغي تعطيل أداء التواصل الثقافي؟ ذلك التواصل الذي وحّد أوروبا بعد مئات السنين من رسم الحدود القومية والحروب الطاحنة على الحدود، لكنه التسييس والولع بالسياسة وازدراء الثقافة والمثقفين الحقيقيين والتنكيل بهم بحيث أصبح البسطار العسكري يعدل في كفة الميزان كل كتب الأمة ومجلداتها ومدارسها وجامعاتها.
الثقافة لا يمكن تجزئتها ولا يمكن البناء على نصف أو ربع ثقافة كما لا يمكن بناء ثقافة من العدم كما كانت تحاول سلطات القمع الأسدي حيث يجد (مثقفو) السلطة أنفسهم اليوم مفلسين وقد سقط الفولكلور و التهريج الذي كانوا يخدعون الناس ويخدعون أنفسهم فيه لبناء سورية على مقاسهم هي قزم بالنسبة لسورية الحقيقية.
ووجد كثير من الناس أنفسهم صفرا من أية ثقافة، فهاموا على وجوههم يطاردون أمواج السراب وظنوا أن كلّ ما يلمع ذهبا ووقعوا في أفخاخ وأشراك ثقافية، لكنّه كالبرق الذي تبدد فكان خلّبا.
الثقافة التي ستنقذ سورية وتبنيها وتعيد بناء شخصيتها في المستقبل ستكون ذات خصوصية، فهي حقيقية ومتعددة وغير متعالية أومتعجرفة، ثقافة تسعى لتأسيس دولة وليس دولة تصطنع ثقافة أي أنها تنبع من تحت ولا تفرض من فوق، ثقافة كليّة لا مجتزأة وانتقائية، وإن جاز لفنان أن يرسم شخصية سورية الجديدة فإنها فتاة برؤوس متعددة وأسماء متعددة: عائشة وفاطمة وسنم وفاتي ومريم.
إن القوقعة التي استغلّتها السياسوية الضيقة لبناء هيكلها وتقديس طواطمها العسكرية وسدنتها من مثقفي اليسار والعلمانية المبتذلة، قافزين على بنى ثقافية يشكّل الدين والعرق والمذهب والمكان، داخل أو خارج الحدود، شطرا مهما في تأسيسها، قمعا وتأجيلا لأسئلة تطرحها الحياة والتاريخ والجغرافيا وتطرحها مسألة كل من الهوية والشخصية، هذه الأسئلة كان ينبغي الإجابة عليها عبر فضاءات الحرية الواسعة لكي لاتطرح لاحقا بشكل تدميري وكارثي ولا يجري حلها كارثيا كما هو الأمر اليوم حين طرح الحاكم شعار تدمير البلد لأن البلد, كما توحي له مخيّلته المريضة, قزم بالنسبة لذاته المتضخمة وقد أصبح التدمير هدفا يمارسه كما يمارس ألعاب الكومبيوتر في أوقات فراغ فراغه الفارغ أصلا؟!!



#اسماعيل_خليل_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوال إسرائيل لم يعد معجزة
- مساهمة في نقد بؤس الواقع
- لابد من ثورة .. وثورة واحدة لا تكفي
- انكشاف الباطنية
- سوريا: السلطة المعبودة والدولة المقهورة
- هل صيغة لا غالب ولا مغلوب صالحة للوضع السوري؟
- مبادرة للحوار الوطني في سورية
- سوريا: نحو هبوط آمن للوطن
- مصر المحروسة: أدخلوها بسلام آمنين(نوستالجيا)
- هل انطلقت ثورة الشباب العربي؟
- هنيئا للبشير بانفصال السودان
- ما لم يقله أبو الطيب المعري
- الواطي
- أنشودة الملل
- من يتذكر البيرسترويكا ؟
- جمر الكلمات
- حكاية سقطت سهوا من ألف ليلة وليلة
- يوميات السجن هو شي منه شاعراً
- ملامح من الفكر النقدي عند ياسين الحافظ ( منهج الشلف التأويلي ...
- لمحات حول المرشدية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل خليل الحسن - شخصية سورية المهدورة