أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - سلام في جوف النهر















المزيد.....

سلام في جوف النهر


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4829 - 2015 / 6 / 6 - 19:28
المحور: الادب والفن
    



الى الانقى,,
والاطهر,, الى ( السبية الايزيدية)
لازلت مصدر النقاء,, حتى وانت تتجرعين قذارة غرائزهم...
بجسد منهك وممزق. غيرت ملامحه كل تلك المصائب الوحشية التي حلت طول تلك الايام المملة. استقبلت النهر تركض لاهثة مصحوبة بمرارة الخيبة والخذلان التي صاحبتها منذ ذلك اليوم العاصف الاسود واخذت تزداد يوما بعد يوم.
وقفت نارين على حافة النهر نظرت اليه, رفعت راسها للسماء بعيون دامعة. كانت سعادتها لا توصف وقد تخلصت للتو من اهوال جهنم البشعة و تحررت من سجن مليء بالجلاوزة الذين اذاقوها ما لا يخطر على بال بشر من عذابات والآم وإهانات.
وقفت هناك عارية ملفوفة بالرداء ألأسود كأنها ملاك ملفوف بهالة حزن. استعادت ذاكرتها كل شيء,, كما لم تنساه يوما,, كل شي كان يزورها في الاوقات القصيرة التي لا تتعدى دقائق ليتبادل بها الوحوش نوباتهم على جسدها المثقل بالجراح,, كانت هي تسترقها لتستذكر ماضيها الجميل..
ذلك الشارع الترابي,, انه ترابي لكنه جميل. كان ياخذها كل يوم لمدرستها لسنوات طويلة. تحمل حقيبتها الثقيلة مرة على ظهرها ومرة بيدها..
مر سردار يطرق ذاكرتها المليئة بالصور لماضيها الامن الجميل, ذلك الطفل الشقي الذي كان يركض وراءها حين يراها برفقة صديقاتها. فيركضن وهن يتسابقن مع ضفائرهن الجميلة واصوات الضحك تعلو..
_سردار ساقول لامك انك تعاكسنا.
هكذا كانت ترد عليه..
تذكرت سردار عندما قابلها في معبد لالش,, وكان اكثر نضجا وخجلا.. وقد تغيرت نظراته من ذلك الطفل المشاكس لذلك الشاب الذي ارسل لها اولى رسائل حبه..
تذكرت جمال الربيع و شجرة التين التي تقع هنالك حيث تلتقي هي وسردار. كان سردار قد وعدها ان يلتقون مرة اخرى.
لكن ذلك, لم يحصل ابدا....
تذكرت والدها واخويها الصغيرين,, وكيف كانت والدتها تودعها كل يوم عند ذهابها للجامعة:
خودي يحميك يا ابنتي..
مرت تلك الايام كاشباح وتلاشت كضباب ولم يبقى في راس نارين غير الذكريات الاليمة الموجعة الي تلتصق بذاكرتها وتتشبث هي بها مواسية نفسها لتتخلص من واقعها المرير..
بدات حسراتها تتسابق مع دموعها للخروج, واخذت تخرجها كلهاث مصحوب ببكاء. وهي ترى صورة اهلها وهم مقيدون للوراء امام عينيها, بينما اقتيدت هي امامهم يحيطها مجموعة من المجرمين. يمسكون بشعرها بقوة ويقيدون ايديها ويدفعونها للارض..
واهلها ينظرون... مقيدي الايدي وموجهة البنادق على رؤوسهم..
تعالت التكبيرات, كانها دعوة للصلاة,,
ولكنها دعوة لاستباحة جسد نارين,, امام عائلتها المسبلة للموت..
الله اكبر ,, اغتصبها الاول..
وكان صراخها يعلو ويعلو,,,
الله اكبر ,, اغتصبها الثاني
غير مبالين لبكاءها المستمر,,
الله اكبر ,, اغتصبها الثالث.
وهي جثة فاقدة للوعي,,
انتفض والدها ,, الله ياخذكم ياوحوش..
فاسكتوه بقطع رقبة,,, تلتها التكبيرات..
الله اكبر,, اغتصبها الرابع..
صاحت الام اه يا ابنتي,, يا ليتني مت ولم ار هذا..
صاح بها المؤمن: اخرسي ياكافرة,, فحز رقبتها وعلق راسها الملفوف بالعمامة البيضاء على جسدها المغدور..
بكى الصغار..
لا تبكوا,, فانتم قد من الله عليكم بنعمته, وأصبحتم جند للدولة الاسلامية.
بكت,, وبكت,, وهي تستعيد تلك الصور وتمتمت بصوت متقطع مصحوب بالدموع الساخنة:
عشرة اشهر وانا اتذوق نزعات الموت كل يوم,, وانظر كل صباح ومساء للطريق.
سياتون,,سياتون,,
كريح غاضبة,, كرعد مزمجر,, سياتون,,
وسيحرروني..
ومر الصبح, ولم ياتي احد,, هل نسوني.. عجبا,, فانا لم انساهم ,,
واتى المساء وانا انتظر,,
انتظر بلهفة,, لا تماثلها لهفة مسجون لحرية,, او لهفة عاشق لحبيبة,,
بل انها اعمق,, اعمق بكثير,,
لهفة امراة يُنتهك جسدها كل لحظة وكل ثانية.. امراة تُغتصب الف مرة باليوم,,
امراة لا يعلم احد بمكانها,, وعذابها,, وماتلاقي كل يوم,,
امراة تصرخ وتسغيث كل يوم.. ولايسمعها احد..
امراة بيعت في اسواق النخاسة ثلاثين مرة ,, واهديت اربعين مرة.. تمزق جسدها وتهالك ولازال ذلك النفس البغيض متمسكا في مكانه لا يرغب بالرحيل..
نسوني,,
لم يعودوا يتذكروني,,
لم يعودوا يحسبونني ابنة لهم,,
ايزيدية او عراقية,,
تخلوا عني,, واصبحت وحيدة منفردة, اواجه العذاب لوحدي كل يوم , كل ساعة, كل لحظة,, حتى سكن اليأس والقنوط في قلبي,, فتوقفت عن الانتظار لذلك الفارس الذي سيأتي يلوح بسيفه لإنقاذي,,
اه,, اين كنت واين صرت,,
لم يكن يخطر في بالي ابدا,,
توقعت كل شي,,كل شيء, وكل الاشياء,,
لكن ان اكون سبية ذليلة يقتادني رعاع الناس واقذرهم,,
جارية يغتصبني ذلك القذر ثم يشكر الله لهديته المستباحة,, لم يخطر في بالي ابدا..
سبية تدنس طهارتي قذارتهم,,, لم يكن في الحسبان ابدا..
* *
نارين,, لم تسمع منذ عشرة اشهر غير نداءات الله اكبر المرفوعة على بعثرة جسدها النحيل المتهالك الذي لايقوى على مقاومة اتفه مغتصب بينهم..
ولم تعد تطلق غير انين يسكن اعماقها و لا تشعر بغير حزن يغلف روحها وتعاسة تحيط بأيامها وقنوط يسكن قلبها..
اقتربت اكثر من النهر جلست ملفوفة بعباءتها السوداء التي تلف جسدها العاري وأخذت تتكلم مع نفسها وكأنها تلقي كلمتها الاخيرة:
انا الكافرة بنظرهم,, فلو تركوني اتذوق نار الله على ان اتذوق نار ايمانهم الذي سيمنحني الجنة.
اه,, كم تمنيت ان اكون ماكنت عليه قبل عشرة اشهر,,
بعيدة عن هذه السجون المحاطة بالمعابد,, والصلوات,, و الدماء,,والاستباحات,,
كم تمنيت ان اكون,, كما كنت,, حرة,,
عندها ساغادر الى بلاد بعيدة,, بعيدة جدا,, لا تذكر اسم الله لتحز رقاب بعضها,,
او لتنتهك اجساد نساءها,,
رفعت راسها نحو السماء وأخذت تخاطبها بصوت مزقته العبرات. كان جسدها يرتعش وهي تخاطب الرب وقد ارتسم على وجهها الباهت كل مايدور في خوالج قلبها من الم وحزن وبراكين ثائرة تحاول اقتلاع الحجر والثورة للأعلى:
الهي ألرحيم,, ما الذي اقترفته من ذنب حتى استحق هذا العذاب الشنيع؟
ما الذي فعلته حتى يكون عقابي مهين ومقرف وبشع لدرجة انه لا يضاهيه عقاب اخر؟
هل ارتكبت جرما قاسيا يا الهي,, جرما صغيرا,, كأصغر جرم قام به اولئك الذين يرددون اسمك ليلا نهارا على كل ذبيحة وكل سبيه, لاستحق هذا العقاب؟
انا انسانة ضعيفة, قلبي مليء بالأوجاع والإذلال ألمستمر كل لحظة اساق للموت فأتذوق نزعاته الاكثر ايلاما من الوصول اليه.
لماذا يا الهي,, لماذا,,
تنظر الي وكأنني غير موجودة بينما يدور الطغاة من حولي ويرتكبون مجازرهم وطغيانهم باسمك.
وانت الرحيم.. لماذا تتركني وحيدة بائسة اتذوق الموت الف مرة في اليوم..
لماذا تتركني اعاني الوجع وحيدة, بين ايدي الشقاء,, اتقلب من جهة لاخرى وانا اتذوق الالم اللامنتهي..
لماذا تتركني اتجرع الموت البطيء وبلا رحمة؟؟
الهي لطالما صرخت باسمك وتوسلت بك وممدت يدي اليك وانا اغتصب في السر وفي الساحات العامة امام اعين المارة,,
لطالما صرخت يالله خلصني منهم,, وهم يغتصبونني واحد تلو الاخر,,
ولكنك لم تسمع لي ولم تجبني,,
استباحوا جسدي الطاهر باسمك, يارب,, ورموا به في قذارتهم..

بكت ,, بكت,, حتى احست انها لاتقوى على البكاء,,
احنت راسها نحو النهر ثم تذكرت ان تتصل بسردار ( حبيبها) الذي لازالت تحفظ برقم نقاله عن ظهر غيب.
اخرجت النقال( نقال ذلك القذر الذي اشتراها اخر مرة). اتصلت بسردار.
سمع صوت باهت منخفض.
_الو, من ؟
_ سردار؟؟ اانت حي؟؟.
قفز قلبه الذي اكله الحزن من مكانه, نارين ؟ اين انتي لماذا لم تتصلي طوال ذلك الوقت؟
_ وكيف تظنني ان اكون؟
بكت باعلى صوتها وتقطعت اوصال قلبه لنحيبها:
_ حبيبتي, انتظريني سننسى كل شي وسنكون معا.
_ وكيف سيكون كل شي على مايرام,, وانا التي اشتراني امير بعد امير واغتصبوني كل يوم عشرات المرات يوم.,,
وانا التي تناوب القذرون على اغتصابي علنا, مرار وتكرار, وسط الجماهير المكبرة..
هل تعلم يا سردار,,ماعنيت من وجع والم, وانا التي رأت ذبح اهلها بأُم عينها,, والتي سيقت للرذائل من جدائلها؟؟
هل تعلم ماذا اكلت وماذا شربت وماذا عانيت؟؟
هل تعلم كيف مرت الليالي ثقيلة وموجعة علي؟؟ جسدي يؤخذ ويعطى كقطعة حلوى من يد ليد؟
هل تعلم كيف قضيت ايامي ابكي واتوسل الى الله كي يخلصني؟؟
كم تنصت لوقع اقدام من سياتي لينقذني؟؟ ولم ياتي احد,,
ناديت الرب كثيرا لكنه ادار بوجه عني,,
ها انا ذا اقف على ذلك النهر بعد ان فقدت بكل شييء وبلغت اقصى ذروات الالم ولم اعد احتمل,,
فاني الان اطلب من النهر ان يتقبلني ضيفة خفيفة ويسدل علي بظله.. ساموت هنا عارية لاواجه ربي عارية,, وساشكو له ظلم من اغتصبوني باسمه,,
احنت راسها,,
تقدمت نحو النهر و عينيها تمطر دموع..
ازاحت العباءة السوداء التي تطوق جسدها الهزيل المرصع بهالات التعذيب الملونة,, تسللت بقدميها الحافيتين الى النهر الساكن الذي يصغي لصوت حزنها بصمت, عارية.
اخذ النهر يلتهم جسدها المتعب شيئا فشيئا,,
فاستقرت في جوفه بسلام لم تشهده منذ عشرة اشهر....







#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موكب نحو الخلود
- لحظة تمرد
- لعنة فرخندة
- حب تحت شجرة
- بائع السجائر
- وعدتك يا امي
- ليس هو
- نداء ايزيدية مسبية( لاتحزني)
- ابن حرام
- جمعة الغضب لاتشمل اليزيديات
- انا امراة,, اذا انا قادرة
- حوار مع احداهن
- برمجة المراة
- مواجهة مع رجل صالح
- قصة قصيرة (بسمة)
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - سلام في جوف النهر