أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان اللبان - البطل هاشم ابو البايسكلات















المزيد.....

البطل هاشم ابو البايسكلات


عدنان اللبان

الحوار المتمدن-العدد: 4828 - 2015 / 6 / 5 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفاجأت المدينة وهي تشاهد نشرة اخبار الثامنة مساءا من تلفزيون بغداد والتي لا تتعدى محتوياتها البيان العسكري الذي يصف انتصارات الجيش العراقي على الجيش الايراني طيلة ايام الحرب التي استمرت لثمان سنوات , ونشاطات الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة السيد صدام حسين . تفاجأت المدينة ذلك المساء من عام 1984 وهي ترى هاشم ابو البايسكلات الذي قتل ابنه عباس قبل ثلاثة اسابيع يصافح صدام . هاشم الذي سبق وان القي القبض عليه وأودع السجن لإجراء التحقيق معه عن سبب قتله لابنه العسكري عباس .

ظهر هاشم مرتديا بدلة فاخرة وهو يتقلد " وسام الشجاعة " من السيد الرئيس وسط تصفيق الحاضرين . هاشم انسان بسيط , وفقير , ولا يعرف غير مهنة تصليح الدراجات الهوائية ( البايسكلات ) التي اكتسب لقبه منها . ولكنه كان حاد المزاج , ويفقد اعصابه بسرعة امام اي حدث جديد عليه . كان مرتبكا , لا بل مرعوبا رغم الفرح الذي تمثله وهو يتقلد الوسام .

" وسام الشجاعة " الذي منح الى هاشم , وما يحمله من امتيازات وإكراميات اثار الكثير من المخاوف والحسد عند البعثيين وبالذات الاعضاء المتقدمين في الحزب , ففي مدينة وادعة مثل الصويرة لم يحدث ان ارتكبت فيها جريمة بهذا القدر من الوحشية والغرابة . حدث ان قتل ابن اباه بعد ان ارسله ليخطب له فتاة , الا ان الاب خطبها لنفسه مما دفع الابن لقتل والده , ولكن ان يقتل الاب ابنه البكر المعروف بهدوئه ولطفه ورضا ابناء المدينة عنه ؟ فلم يحدث هذا.

كان اكثر المرعوبين من البعثيين فاضل كَطاية , وفاضل هذا معلم من عائلة ارمنية سكنت الصويرة منذ مذبحة الاتراك للأرمن في بداية القرن الماضي . ولا احد يعرف سر مشاطرته لأحقر البعثيين , الذين يحقدون عليه لكونه الاكثر كفاءة في ملاحقة الآخرين خاصة في مسألة الجيش الشعبي . يقول بعض القريبين منه لكونه ارمني يحاول ان يبز الآخرين من العرب . ولكن عائلته لم تعاني من اي تمييز قومي او اجتماعي , لان المدينة اساسا ليست عريقة او قديمة كما ذكر عنها مؤرخها المرحوم السيد عبد المطلب الموسوي . ويمكن ان يقال عنها انها ( لملوم ) , من بغداد والحلة والنجف والكوت , عرب وفيلية واتراك , إسلام ويهود وصابئة , وأساسا وجدت كسوق لتسويق متطلبات شيوخ وأمراء قبيلة زبيد . وأخوه الاكبر حسن كان من الوجوه المحترمة في المدينة , الا ان فاضل قبل ان يكون بعثيا كان يلقب بفاضل كَطاية , لا نه يسير مختلسا خطواته ومتنصتا على من يتحدثون فيما بينهم .

كان فاضل كعادته في التنكيل بكل من تصل اليه يده , ووجد في هاشم ابو البايسكلات الوليمة الدسمة التي يشبع فيها شراهته , كان يجد ذاته ويستعيد توازنه كلما لاحق احدا هاربا من الجيش , او متخلفا عن الالتحاق بالجيش الشعبي , او ممتنع عن حضور الاجتماعات الحزبية , فكيف بمن قتل ابنه ؟! وبالتأكيد سوف لن يلومه احد , واعتقد انه سيبيض صفحته مع الآخرين كلما استخدم اكثر الوسائل خسة في اذية هاشم , اضافة لمحاولته اتهام باقي اخوة المجني عليه بالتواطؤ مع والدهم امعانا في اذلال كل العائلة .
اليوم يكرّم هاشم ليس بالوسام فقط , بل ببيتين وسيارة احدث موديل , وسائق من الاستخبارات وليس سائق عادي لحمايته الشخصية ايضا , ومنفذا طلبات ( الاستاذ )هاشم الذي قتل ابنه البكر ولم يقبل عار هروبه من الجيش . فأية تضحية عظيمة قام بها هذا الانسان النبيل ؟ وأية وحشية من قام بالاعتداء على هذا النبل ؟! الذي جعل منه السيد الرئيس القائد عنوانا للبطولة والمجد ؟ هذا ما فكر به فاضل .

لم يكن فاضل وحده الذي فكر في هذا المأزق , بل الكثير من اعضاء المنظمة البعثية التي وجدت في ادانة الجريمة سواء بالكلام البذيء ام بالضرب والإهانة ترضية لنفوسهم المريضة , وإمعانا في تعميم تسلطهم . وتحت عنوان ( تضحية للوطن ) اعاد تلفزيون بغداد لأربعة ايام متواصلة تكريم هاشم , مما جعله نجما لا في العراق فحسب بل وفي الوطن العربي , وقد طبل لها الاعلام البعثي كثيرا في برامج تحليلية على هامش هذه التضحية ليجعل منها بطولة قابلة للتصديق . وان البطل هاشم البايسكلجي يستحق كل هذا التكريم من سيادة الرئيس حفظه الله ورعاه الذي كرمه ببيتين وزادها بثالث وسيارة حديثة وراتب تقاعدي لم يحلم به وزير . وهو ما زاد في حماسة البسطاء والفقراء من الناس مما دفع بعضهم لارتكاب جرائم قتل مشابهة بحق ابنائهم , وفي مناطق مختلفة من العراق , لكنهم لم يحصلوا على اي شئ , لا بل اعدم بعضهم والآخر كان السجن المؤبد بانتظاره .

اما اهل الصويرة فالقضية تختلف معهم , فهم يدركون جيدا حقيقة هاشم ( الوطنية ) – التي اصبحت تعني الاخلاص للنظام وليس للوطن - , فلا هو ولا ابنائه لهم اية علاقة بالسياسة , وأولاده حالهم حال اغلب العراقيين المجبرين على الانتماء الى البعث , على الاقل بحثا عن راحة البال وعدم ملاحقتهم واتهامهم بالعداء ان لم ينتموا . ولشخصية هاشم النزقه وأعصابه المتوترة دوما لم يطلب احدا منه حتى الانتماء الى البعث , ونتيجة عصبيته يسمونه ( مخيبيل ) والمقصود درجة خفيفة من الجنون .

كانت الفترة التي يمر بها العراق في حربه مع ايران حرجة , ولم يتم التساهل مع اي هارب من الجيش , وشكلت مفارز حزبية مسلحة لاقتحام البيوت بعد منتصف الليل اذا عرفوا او سمعوا ان فيها جندي او شرطي افرار ( هارب من الخدمة العسكرية ) . وسبق لأحد ابناء هاشم ان هرب من الجيش وعاد بعد العفو الذي اصدره صدام . وهاشم لم تتقبل كرامته وجذوره العائلية الشريفة ان يتم اقتحام بيته وهو في عز النوم مع زوجته وبناته وزوجات ابنائه . كان هاشم يرتجف ويفقد اعصابه كلما تذكر هذا المشهد , رغم انه اصبح مألوفا لباقي العوائل لكثرة الهاربين من العسكرية , وبسبب هذه الكثرة اصدر صدام عدة اعفاءات . فاضل كَطاية كان دائما يستفز هاشم عندما يذكرّه بهذا المشهد , وهذا سبب رعب فاضل اكثر من الآخرين , فقد اصبح هاشم بطلا , وبكلمة واحدة يمكن ان يسحق اكبر عضو في المنظمة . ندم فاضل على كل كلمة اسمعها لهاشم , وبالذات : وين يرحون , والله حتى من بين نسوانهم نأخذهم . . واخذ هاشم يفقد اعصابه كلما سمع : وين يرحون ؟

المدينة صغيرة والجميع يعرف الجميع , والتصرفات المرتبكة مكشوفة للجميع ايضا , وطالت التعليقات الساخرة كبار المسؤولين في المدينة . فاضل وباقي اعضاء المنظمة الحزبية كان ا فضلهم في حيرة من امره , ولم يجدوا تفسيرا لما حدث وكيف اصبح هاشم بطلا ؟ طيلة الاربعة ايام الماضية فقدوا فيها بوصلة تسلطهم على الآخرين , واخذوا يتملقون الجميع , وكانت اكثر الصور مهزلة هو تقبيل فاضل ومعه اثنان من المنظمة جميع المعزين في احد عزاءآت المقتولين في الحرب ويقدرون بأكثر من مئة شخص , بدل اهل المقتول فقط كما هو العرف السائد .
في نهاية اليوم الرابع صدرت اشاعة من البعثيين - رددت بتكرار مجنون لملايين المرات -, وهي ان سجن هاشم بعد ان قتل ابنه كان للحفاظ على حياته من ابنائه الآخرين وأقرباءه , خوفا من ان يقتلوه انتقاما لابنه . ويخسر العراق احد ابطاله الذين ضحوا بفلذات قلوبهم ايمانا منه بضرورة ( التضحية للوطن ) .
فاضل كَطاية وباقي البعثيين وأهل المدينة يعرفون ان عباس لم يكن هاربا . والسؤال هو : لماذا قتل هاشم ابنه الذي كان ينتظر ولادة زوجته بين دقيقة وأخرى , وكيف كرمه السيد الرئيس كل هذا التكريم ؟! والاهم ان هاشم غشيم ما يفتهم , فمن الف له هذه القصة التي صدقها الرئيس وكرمه كبطل قتل ابنه فداءا للوطن ؟

عباس لم يكن هاربا من الجيش , ولكن صادف ان انتهت اجازته اليوم , وزوجته منذ البارحة في طلق مستمر لولادة طفلها الثاني . عباس قلق على سلامة طفله , ففي السنة الماضية قتلت زوجته طفلهما الاول نتيجة حالة مرّضية بكره طفلها تصيب بعض النساء عند الولادة . اراد عباس ان يتأكد من سلامة زوجته وابنه , وقد اتفق مع امه ان تأخذ الطفل عندها لغاية استرجاع زوجته لحالتها الطبيعية .

كان هاشم يحسب الاجازة يوم يوم لعباس , ولما انتهت ولم يذهب دخل في شجار عنيف معه . كان عباس يتوسله بأنه سيذهب غدا ولن يكون هاربا فلديه ثلاثة ايام ليدخل الهروب , الا ان هاشم ابن العائلة المعروفة بتاريخها النظيف وعفت نسائها لم يكن يرى غير تلك اللحظات المشؤومة يوم دخلوا بيته منتصف الليل بحثا عن ابنه الهارب , كان يرتجف وهو يأمر عباس بترك البيت والذهاب الى وحدته , وعباس يتوسله للمبيت ليلة واحدة فقط ويذهب غدا حتى وان لم تلد زوجته , ولا احدا يعرف كيف تمكن هاشم من اطلاق اربعة رصاصات على عباس ليرديه قتيلا وجميع من في البيت قد تجمد . من اين حصل هاشم على المسدس ؟ ! لا احدا يعرف , ولا احدا يعرف ان هاشم قد اطلق اطلاقة واحدة في حياته .
استعد فاضل ومعه بعض البعثيين لاستقبال البطل هاشم . وعندما تقدمت السيارة التي يجلس في مقدمتها هاشم الى البيت يقودها السائق المرافق , وخلفها سيارة ثانية فيها مجموعة من العسكريين , واثنان منهما اخذا موضعيهما عند عتبة باب بيت هاشم قبل نزوله من السيارة التي فتح له بابها السائق المرافق . كان فاضل ومعه مجموعة من الحزبيين يطردون الاطفال الذين تجمهروا حول السيارة , ولم يجد فاضل نفسه الا وقد امسك به وقذف به بعيدا الى الرصيف . يقول فاضل قبل وفاته , انه عندما امسكوا به العسكريين المرافقين لهاشم كان خائفا جدا , واعتقد ان هاشم قد اشر لهم عليه , الا ان سقوطه على الرصيف منحه القوة للقيام والهرب , رغم انه ظل يعاني من اثر اصطدامه الحاد بالرصيف الى يوم وفاته .

لعدة سنوات كان هاشم وعائلته متنعما بما منح له من اكراميات , وبعدها اصيب بجلطة دماغية وفقد القدرة على المشي . كان اغلب الوقت يجلس على كرسي متحرك امام باب بيته , ويتوسل الجيران والمعارف الآخرين على كلمة معه حتى ولو في سبيل الله , كان يعاني من عزلة قاتلة . بعض الشباب كانوا يجدون في اهانته تعبيرا عن رفضهم للنظام . وافاه الاجل عام 1998 , ولم يحضر فاتحته إلا بعض الاشخاص .



#عدنان_اللبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقبض فلوسك .. وآني الممنون
- فندق الشهيد
- المكلوم
- جرائم يرفضها النسيان
- الاوسط
- مفترق الطريق
- كانه بي
- الشربة حمودي
- شهداء في قارعة الطريق
- وقائع كان يمكن ان لا تكون
- دعوة انصارية
- مسرحيون في ذاكرة النضال ضد الفاشية
- آلام كان يمكن تجنبها
- أوميد
- أم علي والحلم المغدور
- بين عزيزين
- علي خليفة وأبنائه الشهداءاحد معالم النضال الوطني
- ذكريات لها رائحة الورد( يحيى عزيز الحميدي )
- في قلب الحدث
- احتفال انصاري


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان اللبان - البطل هاشم ابو البايسكلات