أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي رمضان فاضل - المقدس الملعون















المزيد.....

المقدس الملعون


علي رمضان فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4827 - 2015 / 6 / 4 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


المقدس الملعون
في وسط صحراء الوادي الجديد أقامت السلطات المصرية معتقلا كبيرا لكي يستوعب الإعداد الضخمة التي يتم اعتقلهم من الجماعات الإسلامية وخصوصا بعد حادث المنصة واغتيال السادات. كانت الجماعات الإسلامية ورجال الأمن في مصر في مواجهة . السلطات المصرية في ذلك الوقت كانت تري أن الجماعات الإسلامية بكافة أطيافها وأشكالها المعتدل منها وغير المعتدل أعداء للوطن وينبغي التعامل معهم بحزم وعدم رحمة وأتباع الجماعات الإسلامية كانوا علي قناعة بأن الحكومة ذاتها حكومة كافرة لأنها لا تحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية وأنها قائمة علي مبادئ الديمقراطية والعلمانية الكافرة وينبغي محاربتها وجهادها، وكل طرف من الطرفين كان يتصرف مع الطرف الأخر بناء علي هذا المنطلق الفاسد.
ففي يوم 23 – 4 – 1989 كان أبو المجد ذاهبا إلي عملة في الساعة الثامن صباحا استوقفته دورية من دوريات الشرطة بالقرب من سكنه في منطقة حلوان وقبضت علية لمجرد أنة أطلق لحيته... وضعوا عصابة سوداء علي عينية، وارتمي في السيارة. مر الوقت متثاقلا كئيبا علي أبو المجد لأنة ترك ابنة محمود في الصباح مريضا ويريد الاطمئنان علية،وزوجته كانت حامل وفي أيامها الأخيرة، وهو غريب عن البلد وليس بجوارهم أي من أقربائهم حتى يعول زوجته في غيابة .. كاد أبو المجد يجن من التفكير في ابنة الصغير وفي زوجته، وأصبح مثل الأسد المقيد بسلاسل... بعد أكثر من ثمانية ساعات من الانتظار في هذه السيارة الخالية من المقاعد وكأنها علبة مصفحة محكمة الغلق وموضوعة في مكان مكشوف والشمس مسلطة عليها من كل جانب، وأصبحت بعد سويعات الظهيرة وكأنها إناء موضوع علي موقد..... في نهاية اليوم وبعد أن امتلأت السيارة ذهبوا بها إلي مقر امن الدولة في منطقة لاظوغلي في وسط البلد . نزلوا من السيارة معصوبي العيون، مكبلي الأيدي مسوقون كأنهم البهائم. وتم وضعهم في غرفة ضيقة وتركوهم ساعات طويلة علي حالهم هذه، وأصبح كل واحد منهم غارق في عالمة... وبعد التحقيق الذي لم يكن في الحقيقة تحقيقا بل كان إجراء شكلي لاستيفاء البيانات وكتابة خطابات الاعتقال بناء علي قانون الطوارئ الذي كان ساريا في ذلك الوقت وكأن هذه الإجراءات الاحترازية هي التي سوف تنهي علي الظاهرة العنف المتبادل بين الشرطة والجماعات...... مرت الساعات عليهم كأنها أياما، وأطبقت عليهم الظلمة من كل جانب حتى استحال عليهم معرفة الليل من النهار. بعد التسجيل،والإجراءات أصبح أبو المجد ضمن المجموعة الذاهبة إلي معتقل الوادي الجديد الذي يبعد عن القاهرة ميئات الأميال . لم يتوقف أبو المجد لحظة عن التفكير في زوجته وابنة الصغير .... أما زوجته فكانت مثل المجنونة ،فبعد أن أعدت الطعام لزوجها، وانتظرته ولكن زوجها لم يأتي في موعدة المعتاد، مرت الساعات عليها متثاقلة ، بدون جدوى، فأين تذهب وهي الغريبة عن هذا المكان فهي وزوجها كانوا يسكنان في منطقة كبري القبة ولكن عندما اشتغل زوجها في مصنع الاسمنت في منطقة طرة انتقلوا للعيش في مدينة حلوان بالقرب من العمل حتى يوفر الجهد والوقت والمال... طال انتظارها وزوجها لم يأتي، في الصباح ذهبت للمصنع فأخبروها أن زوجها لم يأتي للعمل بالأمس، وهنا جن جنونها، فعند سماعها هذا الخبر دارت الدنيا بها ووقعت من طولها مغشيا عليها، التف حولها الكثير من العمال وأسندوها وأجلسوها وفجأة دخل واحد من العمال كان راكبا مع زوجها نفس السيارة ولكنهم لم يقبضوا علية لأنة كان حليق الذقن فهذا هو المعيار الذي كان رجال الأمن يتعاملون بة، فكل من أطلق لحيته كان لديهم متهما ومذنبا ومشتبه فيه ومواطن من الدرجة الثالثة، وكل حليق كان شريفا ومواطن صالح. سأل هذا العامل عن سبب هذه الضجة فأخبروه بأن هذه زوجة أبو المجد وهي تسال عن زوجها لأنة متغيب عن البيت منذ الأمس فرد عليهم.
- أبو المجد مقبوض علية منذ الأمس، فأنا كنت راكب بجواره السيارة، وفجأة استوقفتنا دورية أمنية وقبضوا علي أبو المجد وعلي غيرة من الذين أطلقوا لحاهم ....
عند سماع هذا الخبر كانت زوجته في حالة من الارتباك. أتفرح لأنها أطمئنت علي زوجها وعرفت مكانة ؟ أم أنها تصرخ لأنة مقبوض علية ؟ أصبح الجميع يواسيها في مصابها كل منهم يريد أن يخفف عنها أحزانها ولكن في النهاية الكل عاجز عن إحضار زوجها لها.. تحدث إليها رئيس الوردية التي يعمل فيها زوجها واخبرها بأنة سوف يبذل قصارى جهده من اجل معرفة مصير زوجها..... واخبرها أن تأتي في مثل هذا الموعد في الغد لتعرف الإخبار. عادت الزوجة وكلها أمل في معرفة أخبار مفرحة عن زوجها.... مر عليها هذا اليوم وكأنة سنة،ولم يغمض لها جفن حتى الصباح ،وفي الساعة السادسة صباحا اصطحبت ابنها محمود وذهبت للمصنع لملاقاة رئيس الوردية . جلست أمام باب المصنع تنتظر قدومه. وفي تمام الساعة التاسعة حضر رئيس الوردية، وفور أن رأته جرت علية.
- طمني رينا يبارك في أولادك زوجي فين ؟؟؟
- أنا قابلت محامي الشركة بالأمس وبعد الاتصالات عرف أن زوجك تم اعتقاله، وترحيلة لمعتقل الوادي الجديد .
سمعت الزوجة هذا الخبر فصرخت من أعماقها. التف حولها العمال، يواسونها وبعد ساعات من الصريخ والعويل إمام باب المصنع أدرك أنة لا جدوى من كل هذا وإنها لابد لها من الرجوع للبيت والتفكير في مصيرها ومصير ابنها فالعويل والنحيب والصراخ لا فائدة منة.... فور عودتها للبيت جمعت كل شيء وأحضرت سيارة ووضعت عليها كل شيء وذهبت لبيت والدها... في منزل أبيها فكرت في كيف تتغلب علي محنتها لكي تربي ولدها الصغير ، ورأت أنها في حاجة للعمل حتى تستطيع ان تنفق علي نفسها وزوجها ،ولكنها في شهورها الأخيرة وعليها أن تنتظر حتى تضع مولودها وبعدها تبحث عن عمل . بعد عدة أيام شعرت بحركات سريعة في أحشائها وكان الجنين يستعجل النزول.... أخبرت أمها بما تشعر بة اصطحبتها الأم إلي المستشفي، وبعد وصولها بساعات وضعت نجاة ابنتها. احتضنتها نجاة ،وبكت وشتد بكائها وكلما كانت تنظر في عيناها الصغيرتين وفي وجهها الملائكي تذكرت كيف كان شوق زوجها لمثل هذا اليوم ،كيف كان متلهفا لحملها بين يديه وتسميتها . بعد مغادرتها المستشفي مكثت في بيت أبيها عدة أيام وبعدها نزلت تبحث عن عمل، وبعد طول عناء وبحث وجدت وظيفة في الشهر العقاري بمساعدة احد أقاربها، فهي كانت تحمل دبلوم التجارة، التفتت نجاة لتربية ابنها محمود وابنتها أمل الاسم الذي أطلقته علي ابنتها، وتركت أمر زوجها إلي الله، مرت الأيام والسنين عليها وعلي أولادها وكلما كبر الأولاد كبرت معهم الأسئلة عن الأب وعن سبب اعتقاله، ورضع الابن من امة كراهية رجال الشرطة وأصبح كل رجل من رجال الشرطة عدوة الأول حتى ولو كان رجل الشرطة هذا عادلا في تعاملاته، ومخلصا في عملة ،ويعامل الجميع بالقانون دون محاباة أو ظلم ... أصبح محمود الابن الذي لم يتعدي الست سنوات يتحدث مع امة عن أبية الغائب وكله شوق للانتقام ممن وضعوه في المعتقل وحرموه من رؤيته . وكلما كبر الابن كبرت معه الكراهية لرجال الشرطة جميعا دون تحديد أو تمييز. أدخلته امة المدرسة وكان محمود متفوقا في دراسته غاية التفوق، وكأن حرمانه من والدة كان يدفعه نحو التفوق والتميز فعقدة الحرمان والنقص كما يقول بعض علماء النفس أحيانا تدفع بعض الأفراد للتفوق والتفرد . مرت السنين علي محمود وهو ينتقل من نجاح إلي نجاح ومن تفوق إلي تفوق ،ولا ينقصه في حياته سوي فقدان ابية الذي لم يكن يراة سوي مرة واحدة كل عام لبعد المسافة من القاهرة للوادي الجديد ، وكان في الزيارة يقف علي مسافة بعيدة منة حتي أنة لم يتعرف علية وعلي ملامحه جيدا.... في الصف الثاني الثانوي كان محمود دائم التردد علي الصلاة في مسجد يخطب فيه الشيخ سند الباجواري .. زعيم تنظيم مسلح هدفه تفجير المنشات الشرطية والحكومية .. لم يتحدث في يوم من الأيام عن الحكومة ، ولم يتعرض لأي نقد للحكومة وطريقته هذه جعلته مقرب من رجال الأمن، وفي بعض الأحيان كان يضحي ببعض رجالة ويقدمهم هو بنفسه لرجال الأمن حتى يكسب المزيد من ثقتهم ولا يشكون فيه وما يفعله، كان صاحب نفوذ وسطوة لا تقارن في الحركة الإسلامية كلها. كان لدي الشيخ سند الباجوري عيون في كل معتقل من معتقلات مصر،وتلك العيون كانت تنقل إلية كل التحركات داخل المعتقلات، المراجعات الفكرية، واللقاءات التي تتم داخل المعتقلات، وأسماء الأشخاص الذين يحاولون الرجوع حتى يتم التخلص منهم داخل المعتقل بواسطته وتدبيره .. وذات يوم وصلت إلية أخبار تفيد بأن شخص يدعي أبو المجد يتزعم حركة مراجعات داخل معتقل الوادي الجديد، وأصبح الكثير من أتباع الجماعات الإسلامية التي كانت تتبني منهج العنف ضد الحكومة وخصوصا المعتقلين معه في نفس العنبر يتراجعون عن هذا المنهج واقتنعوا بأفكاره المعتدلة.. كلف الشيخ سند من يأتيه بكافة الأخبار عن أسرته خارج المعتقل من لحظة دخوله المعتقل وحتى هذه اللحظة،وعرف الشيخ سند أن أبو المجد دخل المعتقل مثله مثل الكثيرين غيرة دخلة لمجرد أنة أطلق لحيته، ولكنة في المعتقل ونتيجة للشعور بالظلم أصبح يعتنق الكثير من الأفكار العنقية، ولكنة وبعد دراسة متأنية تراجع عن تلك الأفكار، وأصبح لا هم له سوي حفظ القران ومتون الأحاديث .. وعرف أيضا أن لدية ابن أصبح في الصف الثاني الثانوي، وبنت في الصف الثالث الإعدادي. وبعد دراسة وافية قرر الشيخ سند التخلص من أبو المجد داخل المعتقل من اجل تأجيج النار في صدر ابنة حتى يستطيع تجنيده من اجل تنفيذ عملية انتحارية. أرسل الشيخ رسالة إلي رجالة في معتقل الوادي الجديد فيها خطة وافية عن كيفية التخلص من أبو المجد داخل المعتقل.بعد أسبوع من وصول الرسالة وجدوا أبو المجد مشنوقا في دورة المياه. أخذوه إلي المستشفي ومن هناك أرسلوه إلي أهلة في كبري القبة تسلمه أهلة وأخذوه ليلا إلي المقابر لدفنه حتى لا تحدث بلبلة وبعد الدفن جلس محمود علي قبر أبية الذي تسلم جسته لتوه ، شارد الفكر،سابح في بحر من الهموم، والأحزان، وتجمعت وتكاثرت الأفكار والأحزان والهموم علي رأسه، وكل فكرة كانت ترفض أن تغادر رأسه قبل إن تترك بصماتها علي جسده النحيل. مر وقت طويل ومحمود علي هذه الحالة وهو بين الصحوة والمنام، كأنة في عالم أخر. لم يوقظه سوي صوت الشيخ سند الباجوري، التفت إلية وهم بالقيام لكي يرتمي في أحضانة ولكن قدميه لم تقوي علي حملة لذلك ارتد مكانة واضعا يديه فوق رأسه. انحني الشيخ سند الباجوري ومال إلية ووضع يديه تحت أبطيه وأوقفه وأخذة في أحضانة. بين أحضان الشيخ سند سالت دموع محمود، وارتفع صوته باكيا فقدان أبية الذي لم يره ، ويوم أن يلقاه يجده ملفوفا في قطعة من القماش الأبيض مودعا الدنيا بكل ما فيها من هموم وأحزان وأحقاد وظلم .... ربت الشيخ سند علي ظهر محمود ومسح دمع عينية بيديه وامسك يده وخرج بة من المقابر. وطول سيرهم من المقابر وحتى منتصف الطريق لم يتكلم أي منهم بكلمة فأي كلام في مثل هذه المواقف لا يجدي نفعا، والشيخ سند كان خبيرا في مثل هذه المواقف، كان يعرف جيدا متى يتكلم ومتى يسكت، متى تكون كلماته مؤثرة ونافذة نحو العقل لكي تسكن فيه ولا تخرج منة أبدا ومتى يكون لصمته مغذي ومعني ومعبرا اكثر من الكلمات . في منتصف الطريق التفت الشيخ سند نحو محمود بحنو أبوي مفتعل وقال له:
- "بني أي كلام في هذا الموقف سوف لا يعوضك حنان أبيك الصالح التقي، فلا تحزن فأبيك شهيدا، والشهداء منعمون عند ربهم، وباليتنا يا بني نصل إلي ما وصلوا إلية، أتعرف آن أبيك الآن تستقبله الحور العين بجمالهن وحسنهن،فلا تحزن علي أبيك أنة شهيد مقاومة الظلمة، أتعرف يا بني منذ أيام عرفت من احد الأصدقاء الذي كان مع أبيك في المعتقل أنة حفظ القران الكريم كاملا ليس هذا فحسب بل حفظ متن صحيح البخاري عن ظهر قلب، فلا تحزن علي أبيك يأبني ... وكن مثلة مجاهدا .
كان محمود يسمع كلام الشيخ وكأنة يشرب ماء عزب في يوم شديد الحر، وكل كلمة كانت تخرج من فم الشيخ سند كانت تسكن في عقل محمود وتتكاثر مع ذاتها داخل عقلة الصغير المستعد لاستقبال وتسكين كل الأفكار في هذه اللحظة بدون أي تعليق أو اعتراض حتى ولو كانت تلك الأفكار غير منطقية، وفجأة وبدون مقدمات سأل الشيخ
- لماذا اعتقلوه وقتلوه طالما أنة كان بهذه الصفات الحسنة ؟؟!
- الإجابة علي هذا السؤال تحتاج إلي جلسات كثيرة حتى تستطيع فهم الوضع جيدا، وهذا ليس وقته ولا مكانة يا بني، وعليك الآن أن تذهب إلي والدتك وإخوتك وتكون بجوارهم.
اخرج الشيخ بعض النقود ودسها في يد محمود ، ومال علية وقال لة بصوت كأنة فحيح الافعي أن كنت تريد الانتقام لأبيك ممن قتلة فحرس علي حضور صلاة الجمعة معي .
- أين المسجد، أنا لا اعرف العنوان؟؟
- أسأل فقط عن الشيخ سند الباجوري، وسوف تصل.
اختفي الشيخ سند بعد أن رمي شباكه علي هذا الولد المسكين الذي كان ينتظره مستقبل مشرق، والذي أصبح السند والمعين لأمة وأخته الصغيرة. عاد محمود مثقل بالهموم والحزن والأفكار، والرغبة في الانتقام. وانقلبت حياته من طالب مجتهد متفوق إلي شخص يسعي للانتقام. وفي أول جمعة بعد موت أبية ارتدي محمود الثياب البيضاء وذهب للصلاة في المسجد الذي يخطب في الشيخ سند الباجوري ، وفور ان دخل محمود من باب المسجد وقعت عيني الشيخ سند علية وكأنة كان ينتظرة . وبعد الانتهاء من الخطبة والصلاة سلام الشيخ سند علي محمود بحماس وترحاب شديدين ،ووقعت تصرفات الشيخ سند في قلب محمود . في هذا اللقاء لم يتحدث الشيخ سند مع محمود عن أي شيء فالشيخ سند كان خبيرا في الإقناع وغسل الأدمغة. ومن يوم إلي يوم ومن شهر إلي شهر توطدت علاقة محمود بالشيخ سند وبغيرة من شباب الجماعة. وبعد أن اطمئن الشيخ سند تمام ان محمود أصبح تحت تأثيره أخبرة بان الوقت قد حان . فبعد أكثر من خمسة أشهر وبعد الانتهاء من خطبة الجمعة جلس الشيخ سند مع محمود واخبره بأنة رأي له رؤيا في المنام.
- خيرا يا سيدنا، اللهم صلي علي سيدنا.
- خير يا بني اللهم اجعله خير، لقد رأيت في المنام انك ترتدي ثياب بيضاء مثل اللبن، وحولك الكثيرات من بنات الحور العين ملتفين حولك يتشاجرن أيهن تكن من نصيبك، وكل واحدة أجمل من أختها. واستيقظت والمؤذن يقول الله واكبر .
- اللهم أحسن ختامنا جميعا يا سيدنا ...
- با بني بيدك أن ينقلب الحلم إلي حقيقة وتزف علي الحور العين ..
- كيف ؟؟ كيف أصل إلي هذه المكانة ؟؟ قالها محمود بلهفة وشوق ورغبة في المعرفة.
- بالجهاد في سبيل الله يا بني، في جهاد من قتلوا أبيك، وقتلوا الكثير من المؤمنين غيرة فأبيك ليس أول أو أخر ضحية. فنحن يا بني في هذه الدينا حزبان حزب الرحمن وحزب الشيطان وينبغي الجهاد وبكل السبل لكي نتمكن نحن حزب الرحمن من دحر وهزيمة حزب الشيطان .
كان محمود في هذه الفترة علي استعداد ذهني وعقلي لتلقي الأفكار بدون روية ونقد، فالصياد استطاع بمهارة أن يجعل فريسته مسلوبة الإرادة، وغير قادرة حتى علي نقد الأفكار. بعد هذا اللقاء وضع الشيخ سند برنامج تأهيلي مكثف لمحمود لكي يجعله في النهاية طواق إلي حمل الأحزمة الناسفة، وتفجير نفسه في الأهداف التي يخطط لها الشيخ سند.... بعد انتهاء البرنامج وفي اليوم المحدد للعملية، ذهب إلي الشيخ سند وصلي معه الفجر ، وقام الشيخ سند بتجهيز كل شيء ، وحدد له الهدف المراد تفجيره. ارتدي محمود حزاما ناسفا وذهب إلي مقر شرطي في وسط البلد في تمام الساعة الثامنة صباح ومع دخول رجال الشرطة مقر عملهم وفي لحظة تجمع اكبر عدد وفي اللحظة الحاسمة ضغط محمود علي الزر ليصبح هو والكثير حوله أشلاء مبعثرة ممزوجة في كافة إرجاء المكان، وامتزجت دماء محمود ودماء ضحاياه معا وامتزجت أعضاء محمود وأعضاء غيرة من الضحايا معا حتى استحال الفصل بينهم .. ترك محمود امة ، وأخته في الدنيا ليذقن مرارة الحرمان من العائل ، تركهم وحدهم والفقر يلزمهم وليس الفقر فقط بل والمطاردة الأمنية تلاحقهم في كل مكان يذهبون إلية . وذهب محمود إلي حوريته المزعومة.
في لحظة الانفجار كان احد المارة يحمل جوال بة كاميرا عالية الدقة ،واستطاع أن يصور الحدث بكل تفاصيله، وسلمه إلي احدي القنوات الفضائية لكي تبثه بعد ساعة من الانفجار.... استيقظ حامد البالغ من العمر ستة عشر سنة، تقريبا في سن محمود وشاهد في التلفاز ما حدث تماما، ولفت نظرة أللفتة الملقاة علي الأرض والملطخة بالدماء، أنها نفس أللفتة التي تحمل مقر عمل أبية العميد سليمان... أسرع حامد إلي التليفون لكي يكلم أبية ويطمئن علية فوجد من يرد علية بأن التليفون خارج نطاق الخدمة.. وبعد دقائق معدودة عرف أبية كان ضحية هذا الانفجار.. لم يكن سليمان مثل بعض رجال الشرطة، الذين يتعاملون مع الناس باستعلاء ويستغلون مناصبهم، بل كان مثال للإنسان الطيب المخلص الصادق المحب لكل الناس، وكان يري بأن العنف لا يؤدي إلا إلي المزيد من العنف بكل أشكاله، وان الدولة تعاملت في العهود السابقة مع هذا الملف بجهل ، وعدم حكمة، وفضل سليمان أن يعمل في قسم استخراج الجوازات في احد مراكز الشرطة في القاهرة.. .. في اليوم التالي للحادث أقيمت جنازة مهيبة لسليمان وباقي الضحايا وحضر الجنازة القيادات الشرطية علي مختلف مكانتهم، وسمع حامد الوعود والعهود التي قطعها رجال الأمن علي أنفسهم للأخذ بالثأر ممن دبر وخطط لهذا الحادث الإرهابي الإجرامي .. دخلت الكلمات في عقل حامد وسكنت فيه، وقطع هو ذاته علي نفسه الوعود والعهود للانتقام ممن قتل أبية... وأصبح كل من أطلق لحيته، في نظر حامد مجرم يستحق العقاب... بعد الانتهاء من دراسة الثانوية العامة دخل حامد كلية الشرطة، وبين عينية وفي عقلة هدف واحد هدف الانتقام ممن قتل أبية وحرمة منة... واتسعت دائرة الانتقام ليقع ضحياتها الكثير من الضحايا الأبرياء الذين يتحولون بفعل المقدس الملعون إلي جلادين وقتلة ...



#علي_رمضان_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيزوفرينيا


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي رمضان فاضل - المقدس الملعون