أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - - البدون - الحائر















المزيد.....


- البدون - الحائر


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4824 - 2015 / 6 / 1 - 10:49
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


"البدُونْ" الحائر
صباح الخميس 22اكتوبر2009
دخل الغرفة 8 غاضبا، شاهرا ورقة التحويل من طبيبه المعالج ورئيس الوحدة في نفس الوقت. ضئيل الحجم، قصير القامة، احتويت مشاعره الصاخبة حتى هدأ، قال أنه يتردد على هذا المكان منذ بضعة أشهر، وأن طبيبه المعالج وصف له عقار غير ناجع، ما يزال يشعر بالتعب والألم، والأكثر من ذلك أنه يعاني من الآثار الجانبية السلبية للدواء. وكان قد بدأ رحلة علاجه الكيميائي بنوعين من الدواء الأول مضاد للاكتئاب، ومثبط مزاج "سيبراليكس" والثاني مضاد للصرع "دباكين" يأخذهما في المساء، وأن التغيير الذي حدث اليوم في نوعية الدواء والجرعة يعتبر التغيير رقم اربعة في حياته مع هذا المرض. ولم يكن لديه مانع من شرح رحلته مع الدواء منذ بدأ تردده على المستشفى. والبداية كانت مع مضاد الاكتئاب الثير وكسات فقط، ثم انخفاض تدريجي حتى النقطة صفر، واحلال الديباكين محله. عندما عادت الشكوى عاد الثير وكسات مرة أخرى مع الدباكين، لكن ما تزال الشكوى من الاكتئاب والعصبية الزائدة والاضطراب والتوتر والقلق والتجنب، اضافة للشكوى من الأعراض الجسدية التي تمثلت في نوبات ألم شديدة في الصدر، ناهيك عن مشاكل الدواء وأعراضه الجانبية السلبية. في كل مرة كان يلتقي فيها طبيبه لا بد ان يغير اما في صنف الدواء، أو في الجرعات. حتي هذه اللحظة لم أفهم لماذا أتى هذا الشاب الغاضب الى هنا؟، تحملت سماع كل هذه القصة لمجرد احتوائه فقط، وأن يكون متيقنا من وجود آخرين يهتمون بسماعه ومساعدته. ويبدو ان هذه الرسالة بتفاصيلها وصلته وبدأنا رحلة التعارف بعد أن تيقنت أنا الآخر أنني بصدد حالة مركبة وليست بسيطة ومن ثم يتطلب الأمر التعرف الأعمق على هذا الشاب الضئيل الغاضب الذي بدا مزعجا للجميع، وبدا مسكينا أيضا ويعاني من ويلات مرض ليس هينا. شاب أسمر، ضئيل الجسم، ثلاثة سنوات تفصله عن اتمام عقده الثالث، حصل على الشهادة المتوسطة بالكاد، وفشل لاحقا في المراحل التالية، لكن أثناء رحلة العلاج النفسي تم دعمه وتشجيعه وحصل على دبلوم احدى الدورات الدراسية التدريبية التخصصية، مدة الدراسة عامين اثنين، وتؤهله للتوظف في احدى الشركات أو المؤسسات الحكومية. مصنف باعتباره " بدون"، أي بدون جنسية أو من غير محددي الجنسية، وهو تعبير ينطبق على فئة من السكان يعيشون في البلاد منذ عدة أجيال، ولا يحملون جنسية أو أوراق دولة بعينها، وخاصة الدولة التي يعيشون فيها. ويبدو أن هذا أحد أسباب شعوره بعدم الطمأنينة والراحة، وبالتالي اطلاق هذه المشاعر السلبية تجاه نفسه والآخرين. والوالد مصنف أيضا من غير محددي الجنسية، يعمل عسكري الحرس الوطني، يتميز بحسب وصف المريض بحدة المزاج، والطيبة. الأم تحمل الجنسية الكويتية، وللمريض أخت واحدة فقط تصغره بثلاثة أعوام. وعن علاقة الأب بالأم يقول المريض" صعبة، أمي تشك في تعدد العلاقات النسائية لوالدي، وهذا صحيح، وأمي حادة الطبع وشكاكة، دائما الانتقاد لسلوك وتصرفات والدي. وشكوى المريض الحالية تتعلق بتلك النوبات الهوسية التي لا يستطيع السيطرة عليها، مثل سخريته من الجميع عمال على بطال، اطلاقه الضحكات والصوت المرتفع من دون مناسبة....الخ الأمر الذي يورطه في مشكلات اجتماعيه مستمرة. لكن ما خفيا كان أعظم، فالداخل لديه يمور بالاستثارة وبالتقلبات والاندفاع الهوسى غير قابل للسيطرة. وينعكس هذا الأمر في سلوك قيادته للسيارة، تاريخه الشخصي مفعم بالكثير من حوادث السيارات الدراماتيكية، أشهرها تلك الحادثة التي توفي على أثرها ابن عمه الذي كان يركب السيارة جواره، بينما تم انقاذه بأعجوبة. ظل غائبا عن الوعي مدة طويلة قبل ان يستفيق وتجرى له العديد من الجراحات، ويمتلئ جسده بالمسامير والشرائح المعدنية التي تربط مفاصله وتدعم عظامه التي تهشمت. ناهيك عن تلك القضية التي ماتزال منظورة والتي رفعها عمه والد الشاب القتيل، حيث حكمت المحكمة حكما مبدئيا لصالح والد القتيل بتعويض مادي كبير. أيضا ابتليٌ المريض بمرض السكري الذي تفشى في جسده بصورة جسيمة، واصبح يتحرك وفي جيبه أنبوب الانسولين ولا غناء له عنه في هذه المرحلة من العمر. نحن اذا بصدد حالة فريدة في التعامل مع واقعها، مفعمة بالاستثارة والهوس، والتمرد، يسخر من كل شيء وعلى كل شيء. شخص فريد من نوعه، مسكين، وغير مستكين، مسكون بألم اجتماعي قاسِ متمثل في شعوره بالمرارة لكونه من دون جنسية ولا يستطيع أن يعترف لنفسه أنه يعيش حياة طبيعية مثل الآخرين. اضافة الى ألم جسدي قاسِ حيث اضطرته ظروف الى مواجهة مع مرض السكري في صورته المزعجة. الآن يتمرد على الواقع بطريقته الخاصة، إما بالاندفاع السلوكي والسخرية المصطنعة من الآخرين تأكيدا لذاته وتفخيما لها على غير وجه حق، أو الانتقام من الناس والطريق عن طريق التهور المجنون في قيادة السيارات حقدا وغيظا، أو رغبة غير مسيطر عليها في تدمير ذاته بالسرعة المجنونة أثناء قيادة السيارة. الأمر الذي نتج عنه مشاكل جسيمة له ولأسرة وخاصة ذلك الأب المسكين الذي يضطر في كل مرة ان يدفع تعويضات للضحايا. يجدر التذكير ان مجمل حوادث السيارات التي ارتكبها أثناء فترة المتابعة في العلاج النفسي في أقل من عام واحد بلغ نحو خمسة حوادث جسيمة، نتج عنها اضرار كبيرة لحقت بالسيارة وتعويضات كبيرة دفعها الوالد نيابة عنه. والمدهش أن الوالد قرر عدة مرات منعه من ركوب السيارة لكنه كان يرضخ لتوسلاته في نهاية الأمر ويعطيه السيارة مرة أخرى، الأمر الذي يشي بسعة صدر الاب واستيعابه له في كل ظروف الألم والاضطراب. طلبت منه لقاء هذا الاب الشجاع أخبرني " انه غير مقتنع اصلا بفكرة اللجوء للطب النفسي، وأنه يتعاطى الدواء من خلف أظهرهم، وانه (أي الوالد) لو علم اني باجي المستشفى سوف يمنعني ". تتميز شخصية المريض بصفة عامة باللزوجة، والالحاح، والجوع الواضح للعلاقات الانسانية. فحسب طبيعة شخصيته الهوسية تتعدد علاقاته السطحية، لكن لا يوجد لديه علاقة حقيقية جادة، ويبدو أنه وجدها معي فاستمر على المتابعة، والمثابرة. ويعد أكثر من هاتفني على الخط الساخن من بين جميع المرضى الذين قابلتهم في العلاج النفسي، كان دائم الحديث معي، يستشيرني في كافة اموره الشخصية. اتفقنا على برنامج للعلاج النفسي والمتابعة . ولا أحسب أنه كان ملتزم بصرامة بتفاصيل البرنامج العلاجي كما حددناها بدقة بقدر ما كان معتمدا على علاقته بي في النجاة من مأزقه، على الرغم من دقة متابعته وتردده على جلسات العلاج النفسي والتي فسرتها بجوعه للعلاقة لا أكثر، ولوجود شخص في حياته يثق فيه، يستمع اليه وينصت له، ويبدو أن ذلك تحقق له على أي حال، ما يزال مثابرا ومستمرا على متابعتي بانتظام قبل عدة شهور من اليوم وحتى الآن، ويحرص على ابلاغي بكافة تفاصيل حياته الشخصية واستشارتي. وبمراجعة المعلومات المستمدة من المريض وحده فقط للأسف، وعلى الرغم من عدم كفاية هذه المعلومات لوضع تشخيص اكلينيكي دقيق، اضافة الى عدم التحقق من مصداقيتها حيث ان المريض مصدرها الوحيد فقط، فإننا مبدئيا وبدرجة متعجلة يمكن أن نصنفه ضمن فئة اولئك المرضى الذين يعانون من اضطراب الشخصية من النوع البيني. وهو اضطراب فريد من اضطرابات الشخصية في الطب النفسي. وفي السطور القادمة نعرج قليلا لنتعرف على هذا النمط من اضطرابات الشخصية.
اضطراب الشخصية من النوع البيني
يصيب الشخص فيجعله من ناحية يبدو حائرا قلقا، متوترا، مندفعا ، تغلب عليه الحيرة، وعدم الراحة. ومن ناحية اخرى مستبصر بكل ما يدور حوله وفي فلكه، وقادر على التفاعل مع واقعه البيئي / الاجتماعي بدرجة معقولة. وهذا الاضطراب يضرب الحياة الانفعالية /العاطفية في الصميم. ويعرف بصفة عامة بأنه اضطراب في الصحة العقلية للفرد، ينجم عنه اضطراب انفعالي شديد، وهذا الاضطراب يؤدي الى مجموعة من المشاكل النفسية والسلوكية شديدة الوطأة على الفرد. واضطراب الشخصية البيني يؤثر من غير شك على طريقة شعور الفرد بنفسه، وكذلك علاقاته بالآخرين وتصرفاته تجاههم. وتشتمل اعراض اضطراب الشخصية البيني وفقا للتصنيف الامريكي الاحصائي التشخيصي الرابع للأمراض النفسية على ما يلي: اولا: الاندفاعية وسلوك المخاطرة. مثل مخاطرة قيادة السيارات بسرعات كبيرة، المخاطرة بممارسة الجنس خارج اطار الزواج والتعرض للأمراض الخطيرة المعدية مثل الايدز وغيره، والهوس لدرجة الادمان على تعاطي المخدرات ولعب القمار. ثانيا: الرغبة في تدمير الذات، ويتضمن ذلك ايذاء الذات بالفعل، وينتابه أحيانا الشعور بعدم القدرة على تغيير هذا السلوك المدمر للذات. ثالثا: التقلبات المزاجية الكبيرة. رابعا: التعرض لنوبات قصيرة (ولكن حادة) من القلق والاكتئاب. خامسا: غضب غير متناسب مع الموقف، وسلوك عدائي، يتطور احيانا الى عراك جسدي. سادسا: صعوبات في السيطرة على العواطف والنزوات. سابعا: السلوك الانتحاري. ثامنا: الشعور بان الآخرين لا يفهمونه، ويتجاهلونه، وكذلك الشعور بالوحدة والخواء واليأس. تاسعا: الخوف من الوحدة. عاشرا: مشاعر تتمثل في كراهية النفس والاشمئزاز. ويجدر بالذكر أن المريض باضطراب الشخصية البيني يتملكه دائما الشعور بعدم الطمأنينة والأمان، واضطراب الهوية، وتنتابه الكثير من التغيرات والتقلبات السريعة بخصوص صورة ذاته، هويته، أو شعوره بذاته. وقدر يرى نفسه أنه انسان سيئ، أو حتى شيطان، واحيانا يتملكه شعور بانه كل هؤلاء. كما أن صورة الذات لديه غير مستقرة ومختلة وتؤدي في النهاية الى حدوث تغيرات متكررة في العمل حيث يتنقل بين الكثير من الاعمال، ولا يستطيع الاستقرار في عمل واحد. كذلك يكون سريع التغير والتنقل في العلاقات والصداقات، وأيضا الاهداف، وحتى القيم الشخصية. والاشخاص وفقا لاضطراب الشخصية البيني يعانون بشدة من اضطراب في علاقاتهم الشخصية بالآخرين، أحيانا يمجدونهم لدرجة التقديس، ثم ينقلبون عليهم فجأة بصورة دراماتيكية حقدا وكراهية وانتقادا بمجرد حدوث سوء فهم بسيط، وذلك لانهم لا يتقبلون المناطق الرمادية في حيواتهم الخاصة، فالأشياء لديهم إما ابيض أو اسود وغير ذلك لا يجوز. ومريضنا وفقا لتاريخه الشخصي والمرضى ربما عرك بعض من هذه الاعراض والاحداث التي صنفته ضمن فئة المرضى مضطربي الشخصية من النوع البيني، وجاء اليوم يشكو من انفلات في سيطرته على مشاعره، حيث تحررت من عقالها رغما عنه نوبة هوسيه تجاه استاذه في الدورة الدراسية، ظل يسخر مما يقوله ويستمتع بضحكات زملائه الطلبة. يقول " كلما ارتفعت أصوات ضحكاتهم رغبت أكثر في رفع صوتي والسخرية من المدرس الامر الذي جعل الرجل يقدم فيني شكوى للإدارة وكادوا يفصلونني، اكتفوا بإعطائي انذار نهائي". يعزو الانفلات الهوسى بسبب الدواء. رفضت اعتماده على هذا التفسير من حيث المبدأ، وأن كان فيه جزء من الحقيقة، ذكرته أنه غير الدواء اكثر من مرة لنفس السبب وما يزال الانفلات الهوسى موجود. اقترحت عليه تبني تفسيرات أخرى أهمها مسئوليته الشخصية عن النوبة الهوسية. وعدني بان يبذل جهدا أكثر للسيطرة على الموقف اذا حدث ذلك مرة اخرى. اتفقنا على تفاصيل البرنامج العلاجي السلوكي/المعرفي/التحليلي بهدف مساعدته في تعلم بعض المهارات الاجتماعية والشخصية المتعلقة بحل المشكلات، والتعامل مع الغضب، والمواقف الساخنة، وأساليب السيطرة على السلوكيات والأفكار الاندفاعية، والتعامل مع الضغوط النفسية بطريقة آمنة وهادئة. لكنه على الرغم من انتظامه في مواعيد الجلسات سواء محددة البناء أو الجلسات التالية غير محددة البناء التي تعتمد على مجرد الدعم النفسي ومتابعة التغيرات الحادثة، لم يبذل جهودا جادة وحقيقية في تنفيذ البرنامج العلاجي المكلف به سواء على مستوى التزامه بصرامة التعليمات من قبل المعالج، أو على مستوى الواجبات المنزلية التي تم دفعه للانخراط في أدائها لإحداث التحسن المطلوب على مستوى السيطرة الذاتية وتقييم حركة اجادته وتطور شخصيته. فقط اكتفى بالجلسات العلاجية التحليلية والثرثرة مع المعالج، والحرص على استمرار العلاقة العلاجية معه. ونزعم أن نجاحا نسبيا حدث على الرغم من ذلك. المريض أصبح أهدأ، معدل حوادث السيارات انخفض، بل لم يسجل حوادث سيارات خلال النصف الثاني من عامه الثاني من المتابعة، أنهى برنامجه التعليمي(سنتان دراسيتان) وأصبح على مشارف الحصول على عمل لأول مرة في حياته، وأخيرا نزعم أن حياته انتظمت واستقرت الى حد كبير. وفي السطور القادمة نعرض لنماذج من متابعاته التي استمرت نحو عامين أو أكثر قليلا.
صباح الخميس 17ديسمبر 2009
(متابعة)
كان منتظرا أمام باب غرفة 8 بالعيادات الخارجية قبل الموعد بدقائق، التقاني بابتسامة عريضة. قال أنه يركز الآن في الاختبارات، لا يوجد شيء محدد يشغل تفكيره الآن. الامور تسير بهدوء مع اسرته خاصة الوالد. "جئت فقط لأطمئنك" ، هكذا قالها وانصرف لحاله.
صباح الخميس 7يناير 2010
(متابعة)
لمحته جالسا وسط المرضى وانا اهم بدخول غرفتي رقم (8). استقبلني بوجه بشوش مد يده بالتحية. كان قد هاتفني قبل يومين. أبلغني انه يمر بحالة من عسر المزاج. يرجع السبب في ذلك أنه رأي سيارة مثل السيارة التي كان يقودها وقت الحادث الذي توفي فيه ابن عمه. اهتاجت عليه الأفكار السوداوية وطفق يتذكر شغلات قديمة حسب قوله. اتفقنا أن يفسر الامر يوم الجلسة. بعد أن اطمأننت على حالته الصحية فيما يتعلق بنسبة السكر في الدم ومدى التزامه بالعلاج. أكد كل كلمة قالها في التليفون. تحدث عن الضغوط التي يواجهها بسبب الاختبارات الدراسية هذه الأيام. معدلات أدائه حتى الان ممتازة. يستطيع التحكم في مشاعره وأفكاره. فقط بعص الافكار السوداوية (حسب تعبيره) التي تنتابه بين الحين والآخر بسبب تذكره للحادث بعد رؤيته للسيارة الشبيهة. تحدث عن الفتاة قريبته التي رغبت في الزواج منه عندما علمت برغبته في الزواج بعد الحادث، وكيف كانت تلاحقه وتتصل عليه بالتليفون؟. استمرت الجلسة على هذا المنوال. مزاجه لم يكن اكتئابيا على أي حال. لم يكن هناك أي علامة من علامات فقدان السيطرة بسبب تلك النوبات الهوسية التي كان يشكوا منها بسبب العلاج ( الثير وكسات اس أر ) . على العموم أوصيته بالتركيز أكثر في التحصيل والتركيز في الاختبارات.
صباح الخميس 21/1/2010
(متابعة)
مثل العادة كان ينتظرني في الممر. التقطني بمجرد ظهوري، اصطحبته الى غرفتي رقم 8 قال لي بسرعة " النتائج يا اما اليوم أو الأحد (يقصد نتيجة الاختبار الدراسي). لما اتصلت عليك بخصوص مشكلتي مع اخويا لما كتب على باب الحمام بتاع بيتنا للذكرى وهي كتابات يكتبها المراهقين على أبواب وحوائط الحمامات العامة وفي المجمعات التجارية (كان قد اتصل بي مساء اليوم الفائت يخبرني فيه بالواقعة وكيف سبب له هذا الامر مشكلة مع والديه. اعترض على كتابة العبارات في حمام المنزل والمفترض أن تكتب على حمامات المدارس والمراحيض العامة في المجمعات التجارية!!. قد نبهته أنه لم يعالج الامر بالحكمة المفترضة. وأنه كان عصبيا اكثر مما ينبغي، قال" لما شوفتها (العبارة المكتوبة على حائط الحمام ) غضبت جدا. أخويا كان نايم قمت صحيته، كنت عصبي عليه، قلت له دي تنكتب في المدارس موش في البيوت !!. بلغت أبي، لم يفعل شيئا. بلغته ثانيا ونحن نأكل، نهرني بشدة وقال لا تجيب سيرة الكلام على الطعام. تهاوشت مع أخي ورفع صوته. ضربته بصحن الشوربة (واضح فقدان تام للسيطرة على الانفعال والتصرف). تصادمت مع أبي. لكن هديت بعد فترة. ولقيته خارج من الحمام، أول ما شوفته تجننت، تعصبت عليه تاني، خاف وقالي أنا ما عملت شيء. والدي كلمني وقال لي اهدأ. وكان رقيق معي." . أضاف ايضا " كنت أتعصب زمان على اخواتي البنات لكن دلوقتي اصبحت لا اتعصب عليهم، لو فيه شيء موش عجبني أترك المكان واستريح لحد ما اهدأ ". أبلغته تلك استراتيجية حسنة لما لا تستخدمها مع الجميع في اوقات الغضب والانفعال. قال " افضل شيء عملته أني جيت الطب النفسي. تغيرت تماما. تحولت من شخص منطوي على نفسه الى انسان طبيعي. كان زمان فيني أخطاء زي عدم الثقة في النفس، غضب غير طبيعي، احتقار الذات، أحتقر نفسي. كنت أخاف اطلع بره، فيني انطوائية، لكن الانطوائية مازالت موجوده. عندي مشكلة في العلاج. لما اتوقف عنه اتعب هل فيه ادمان؟. لما انسى السيبراليكس أتعب ده اللي خلاني اعتقد أن فيه ادمان! ( يجدر التذكير أن المريض يعالج دوائيا بالسيبراليكس 5 مليجرام حبة يوميا. والدباكين 500 مليجرام حبة مرتين يوميا. انتهت الجلسة. في انتظار نتيجة الاختبار. طلبت منه الاتصال بمجرد علمه بالنتيجة. فعل اليوم الاحد الرابع والعشرين من يناير. هاتفني فرحا وقال "لقد نجحت وحصلت على معدل 91%". ترتيبه الثاني على الدفعة. هنأته بالطبع على ان نلتقي الخميس المقبل صباحا.
صباح الخميس 28/1/2010
(متابعة)
يبدو على وجهه الارهاق وعدم النوم. عاجلني بابتسامة مثل عادته. طلبت منه توضيحا للإرهاق الذي يكسوا وجهه قال " اذا استمريت في الاستيقاظ اكثر من (12) ساعة اشعر بنوبة هوس أو اكتئاب شديدة. نوبة الهوس قديمة عندي ". أبلغته أنه في حاجة للراحة. استطرد " انجذابي للبنات اختلف. لا ادري السبب. هل بسبب أني كبرت ام بسبب العلاج؟. لا حظت تصرفات اخرى اختلفت. علاقتي أصبحت كويسة مع اخواتي واخواني. اصبح أخي الاصغر يحبني. لو دشيت في مشكلة لازم أصلح الموضوع بسرعة بقدر المستطاع. لكن ما زلت انطوائي. لا أذهب للعرس، او العزاء لأشخاص اعرفهم ". انتهت الجلسة ولم تنتهى المتابعة، على امل اللقاء في الجلسة القادمة والاتصال تليفونيا حينما يكون الامر مطلوبا.
صباح الخميس 4مارس 2010
(متابعة)
لا جديد، هكذا قال عندما استراح على الكرسي امامي، يحاول التركيز في الامتحانات لم يواجه مشكلات شخصية خلال هذا الاسبوع. هذا جيد في حد ذاته. أصبح اكثر قابلية للتحكم في ذاته والسيطرة على انفعالاته. هذا ما أبلغني به قبل أن يغادر.
صباح الخميس 7مايو 2010
(متابعة)
هاتفني مساء امس يؤكد على الموعد. ثم اعاد مهاتفتي بعد دقيقة ليسألني ماذا افعل ياد كتور؟. عندما أرى فتاة يحوشني اكتئاب؟. قلت له فلنتحدث في الجلسة غدا. قال لا تنسى هذا الامر. جاء في موعده في العاشرة صباحا. اعطاني ورقة بأسماء اماكن العمل التي يتوقع الالتحاق بأحدها بعد التخرج. راجعتها معه. قال " عندما أريتها لوالدي قال كل هذه الاماكن ما فيه احد يستمر فيها. كلهم يطلعون". (كلها اماكم مرتبطة بالرعاية الاجتماعية، المسنين، ودور الايتام. خمسة أماكن ). جالي اكتئاب وقتها. شعرت بخيبة امل، جاءتني أفكار الانتحار ، الافكار الانتحارية زادت عندي عن المعتاد. على فكرة أنا متوقف عن تعاطي الدواء، ظليت أسبوع متضايق من كلمة والدي لدرجة أني قررت أنقطع عن الدراسة، واشتغل في أي عمل قطاع خاص. والمشكلة الثانية، اذا شوفت بنت في الشارع أشعر باكتئاب!. ما ادري ليش؟. صار لي موقف قبل أسبوع كنت اتصلت بالنت على بنت. كلمتك عنها زمان اللي كانت تكلمني وكانت تحبني. وقتها كنت مبسوط أنها حبتني، مبسوط أن فيه شخص حبني. رفعت معنوياتي، وبعدين أنهت العلاقة بصورة مفاجأة. حذفتني من سنة تقريبا. وبعدين كلمتني تاني الاسبوع الماضي. كانت مسحت ايميلي من عندها، ويبدو رجعته تاني. كلمتني عن شغلة تمنيت أني ما اعرفها. قالت كنت أمر بظروف صعبة. وأهلي واخواني واخواتي ما كانوا يكلموني. كلهم كانوا مشغولين. وما لقيت أحد الا أنت! . انكسرت حسيت أنها استغلتني. شعرت باكتئاب. أخدت قرار باني ما اتزوج. وقرار باني أطلع من الدراسة. سارت الجلسة في اتجاه تقديم الدعم النفسي المناسب للمريض، واستعادة ثقته بنفسه، وتحسين صورة الذات لديه. ذكرته بضرورة عدم التركيز على الهوامش، وجعلها مركزا ، لدينا هدف مركزي هو الحصول على الشهادة، لم يتبق سوى عام واحد على التخرج، أنت من اوائل الدفعة، كلام الوالد تلقائي، على سجيته، لكنه ربما يضعك في موقف تحدي مع نفسك، يذكرك بصعوبة المهمة اللاحقة، وأهمية أن تنجح في أي عمل يوكل اليك. انصرف على امل اللقاء في اواخر يوليو عندما اعود من الاجازة.
صباح الأحد 25 يوليو 2010
(متابعة)
قابلني بود وبشاشة وجه ربما تعكس افتقادا حقيقيا بعد طول غياب في إجازتي السنوية، هاتفني عدة مرات عقب عودتي لتحديد موعدا للجلسة الحالية، قال " دشيت في مشكلة كبيرة في البيت، اختى كنت ملاحظ عليها من مدة كأنها تحدث شباب على الكمبيوتر، كانت اذا رأتني في الصالة (حيث يوجد جهاز الكمبيوتر) تغير الشاشة، شككت أن في الأمر شيئا، ظليت اتعقب المسألة حتى تأكدت أنها تحدث شخصا ما، كنت قد استشرتك من قبل ونصحتني بان الوالد هو المسئول عن العائلة، كنت أخشى أتحدث مع الوالد لأنها سوف تنكر، وبعدين المسألة تقلب عليا في الآخر مثل حوادث كثيرة، المهم بعد أن تأكدت من أنها تحادث شاب على النت أصبحت شديد الغضب والتوتر، كنت غير مرتاح، لا انام، حسيت بانهيار، بانتكاسة، قررت ما اسكت، يا اما أنتحر، أو اسوي شيء، أخيرا قررت أتحدث مع والدي، كلمته، طلبت منه ان يفهمني. قلت له عن الموضوع، واللي شوفته، قال لي خلاص اترك الموضوع عليا، رد فعله كان ايجابي، علمت بعد كده أنه تحدث معها، وهيه أنكرت، لكن سلوكها اتغير تماما، كل شيء اتصلح والحمد لله، جلوسها على النت موش كثير، لم نتحدث في الموضوع تاني. كل مرة يزيد اكتئابي بالصيف موش عارف ليه ؟ ". هكذا انتهت كلماته والتي تدفقت خلال مزاج ايجابي لافت بعيدا عن نوبات الهوس التي كانت تنتابه من حين لآخر، وبعيدا عن المتاعب التي كان يسببها لنفسه، ولأهله جراء الحوادث والمشاجرات، الان اصبح اكثر هدوءا، وتحكما في مشاعره وأفكاره. أصبح أيضا أكثر هدوءا وقابلية لمعالجة مشكلاته مع أهله بسلاسة وهدوء، اتصل بي لاحقا ملحا في موعد آخر وسوف التقيه يوم الاثنين المقبل.
مساء الاثنين 26يوليو 2010
(متابعة)
موعد خفارتي اليوم، ولأول مرة أضبط نفسي متلبسا بمنح احد مرضاي موعدين متتاليين على يومين متتاليين، لكن هذا الذي حدث، التقيته أمس الحد في الصباح، واليوم يلتقيني في موعد خفارتي الرسيمة بناء على الحاح شديد. بمجرد أن التقاني بادرني بالقول " ملاحظ فيني شغلة تيجي وقت الامتحانات، أو لو عندي موعد مهم، ما أقدر انام بالليل، أبق قلق". هذا كل شيء، وهل هذا سبب كاف للإلحاح في طلب مقابلة طارئة؟. بالطبع الاجابة بالسلب، لكن مجرد اللقاء ذاته مؤكد له مغزى كبير لديه ولهذا لم اتردد على الرغم من تشككي في أن لديه من الاحداث الهامة ما يريد مشاركتي فيها. المهم اطمأننت على مصالحته لأخته ووالده، واستقرار وضعه تماما في المنزل، وحصوله على المكانة اللائقة به كأخ أكبر داخل الأسرة، بعد استعادة معظم ما فقده في السابق من ثقة واحترام، وتجاهل. أصبح والده يخرج به الى التجمعات العائلية الأكبر في المناسبات يتباهى به. استمرت الجلسات النفسية غير محددة البناء والتي هدفها متابعة تلك التغيرات الايجابية والداعمة والمساندة لكل ما حصل والحفاظ عليه قرابة العامين قبل أن يتقرر نقلي الى مكان آخر. أقتصر اللقاء على الخط الساخن يهاتفني عن احواله ، يستشيرني في بعض قراراته. انتظم في العمل أخيرا، أخبرني أنه سعيد جدا وأنه سوف يحافظ على ذلك بكل قوة، يريد الاستقرار والزواج. ووالده يدعم هذه الفكرة. استمر هذا الأمر حتى رحلت نهائيا ولم يعد هناك اخبارا، لكني متأكد من موقفه، فقد أصبح أقوى نفسيا، أكثر نضجا، وتحملا للمسئولية، والأهم أقل هوسا وحيرة حيث كان قد أبلغني في اتصالاته الهاتفية الأخيرة قبل الرحيل بأنه اقترب من الحصول على الجنسية الكويتية.



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العجوز والحرب (قصة قصيرة)
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - - البدون - الحائر