أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد















المزيد.....

تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4823 - 2015 / 5 / 31 - 23:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تجمع المناهج المعتمدة في مدارس علم النفس عند دراسة الوضع النفسي للكائن البشري بين الوصف والتفسير والتنبؤ والضبط وذلك في سياق عملية واحدة تكون مهمتها تقديم تقرير عن الظواهر النفسية القابلة للملاحظة وتتبع تجليات الظواهر الخفية وبيان علاقاتها البعضية والاهتمام بالحوادث الماضية والمنبهات الخارجية والدوافع الذاتية وتأثيرها في أنماط السلوك البشري وطرق التفكير والتعلم والتذكر.
بماذا تتصف الحالة النفسية للكائن البشري؟ هل هي حالة سوية أم حالة مرضية؟ وماذا يمكن أن يفعل؟ ومتى يأتي الإنسان إلى الوجود؟ وهل عن طريق فعل الولادة البيولوجية أم حينما تتوفر جملة من الشروط والنفسية والثقافية وسيرورته شخصا عن طريق الإدراك الذاتي للعالم ؟ وأين نحن الآن؟ وهل نحن في مفترق طرق ؟ والى أين نتجه؟ وماذا يعني أن يصبح المرء إنسانا؟ وكيف يصبح الإنسان ماهو عليه؟ هل هناك أخطر من أن يتواجه الإنسان مع نفسه وأن تتجمع غريزته لكي تقاوم كل شيء يغزوها من هذا العالم الخارجي ؟ أليس التكثر هو الشيء الوحيد الذي يجعل المرء يعاني من التنوع اللاّمتناهي لنفسه ويتحمل الضرورة بأي ثمن وينضج قدرات يمارس بها نفسه؟ هل الكائن البشري يخضع لحتمية بسيكولوجية أم يمكن أن يستعيد حريته؟ كيف يتعامل المحلل النفسي مع تأرجح الكائن البشري بين اللاّوعي والوعي؟
لقد قدم فرويد درسا افتتاحيا في تحليل الجهاز النفسي حينما قام باكتشاف اللاوعي بعد اجراء مجموعة من التجارب على حالات مرضية ولما حاول تفسير للبنية العميقة للذات وللآليات الدفينة التي تتحكم في السلوك ولكنه انتهي إلى تقسيم الإنسان إلى عدة ثنائيات هي: الوعي واللاّوعي، الغريزة والمؤسسات، الطبيعة والثقافة، مبدأ الواقع ومبدأ اللذة، الايروس والثاناتوس، تدميرية الأنا الأعلى ودوافع الموت، الحياة اليومية والحياة الليلية ، الحلم الظاهر والحقيقة الباطنية، الرغبة والوهم.
إن المبدأ الذي يحكم تفسير فرويد لوظائف الجهاز النفسي ينصص على أن الكائن البشري ينطوي في داخله على رغبات وقوى هي التي تحدد له أفعاله بالرغم من كونه لا يشعر بها ولا يعي منها شيئا. هذه القوى الخفية والرغبات اللاعقلانية هي التي يتشكل منها اللاوعي. كما يعمد اللاوعي إلى فرض رقابة شديدة على هذه الرغبات تحول بينه وبين وعيه لها1 . من أسباب كبت هذه الدوافع اللاعقلانية يذكر فرويد تحفظات تربوية وأخلاقية مثل الخشية من عدم رضا المجتمع والخوف من العقاب والشعور بالذنب. يحاول الكائن طرد تلك الدوافع والرغبات اللاعقلانية من مساحة الوعي ويلقي بها في سرداب اللاوعي المظلم والجانب العميق من الذات ويعتقد أنها تلاشت واضمحلت في غياهب النسيان واختفت من الذاكرة نهائيا ولكن هذه المكبوتات والرغبات المقموعة تستمر حية ونشطة في الداخل وتضغط بقوة وتتصيد مناسبة لتعبير عن وجودها بشكل مستتر وخفي وترتدي لباسا تنكريا وتتسرب إلى حياتنا الواعية في شكل هفوات وزلات لسان وأخطاء وعوارض مرضية وأحلام ليلية وتتسبب في العذاب والمعاناة والتوتر2 .
لقد فسر فرويد الحلم بأنه تلبية رغبة لاعقلانية بطريقة خيالية ورأى أن الإنسان ميال إلى تلبية حاجياته الغريزية بالاعتداء على أقاربه والإضرار بهم واستغلالهم واستعمالهم واضطهادهم وإنزال الآلام بهم وذلك بحكم تأليب العدوانية الأولية ضد غيره من الناس وأن الأهواء الغريزية أقوى من القيم الأخلاقية والاهتمامات العقلية . كما فسر تعرضه للعذاب والشقاء في حياته بمشاعر الحقد والكراهية والحسد التي يتعرض لها من غيره وسوء نيته أقاربه وتنصله من المسؤولية وإخفاء ضعفه وإلقاء اللوم في فشله على الآخرين والقوى الخارجية. بناء على ذلك يقر فرويد بأن الإنسان وحش مفترس لا يقيم أي اعتبار لبني جنسه بل يمكن أن يرتكب في حقه حروبا فظيعة وتتسم حياته بالعدوان والقتالية وذلك نتيجة وجود خلل في علاقته بأقربائه وطبيعته الأنانية. في هذا الصدد نراه يقول:" ليس الإنسان بذلك الكائن الطيب السمح، ذي القلب الظمآن إلى الحب الذي يزعم أنه لا يدافع عن نفسه إلا إذا هوجم، وإنما هو كائن تنطوي مكوناته الغريزية على قدر لا يستهان به من العدوانية"3 .
غير أن الطبيعة غير المروضة تنزل بالإنسان الكثير من المصائب ولا تطلب منه أن يحد من غرائزه بل تترك له الحرية التامة في تلبية رغباته وتعمل على إشباع جميع حاجياته، كما أن إذلال شعوره النرجسي يؤدي إلى القلق والتوهم والتوتر ويتسبب له الإفراط في إشباع الغرائز بالشعور بالألم والحرمان والتهرم والمرض ويكون وجوده مهدد بالاندثار من خلال الحرب والفناء. من المعلوم "أن الغريزة الجنسية هي التي تشوش علاقة الإنسان بالإنسان وتطلب من المجتمع أن ينتصب قاضيا جهنميا هي غريزة الموت والعداء للإنسان ضد الإنسان... وان غريزة الحب هي خليط بين توحد الكائن الحي أولا مع ذاته، ثم توحد الأنا مع موضوعه، وأخيرا توحد الأفراد دوما في المجموعات الأكثر كبرا"4 .
من هذه المنطلقات لا يعيش الإنسان في حالة طبيعية خالصة بل يتأثر بالعوامل الثقافية وتأتي الحضارة حسب فرويد لوقف هذا الانهيار والدمار وتحول العدوانية إلى سلم ومحبة وتجعل من الصراع والنزاع مجرد مزاحمة وتنافس في إطار النشاط البشري وتحد من الحرية في تلبية الرغبات وإشباع الغرائز. هكذا تحمي الحضارة الإنسان من المخاطر الطبيعية وتحافظ على النوع البشري في مواجهة القوى الطبيعية المدمرة وتمكن البشر من الحياة المشتركة وتجند طاقة القوى الأخلاقية والدينية لمعارضة تجليات العدوانية وتفرض على الأفراد مشاركة في أنسنة humanisation الطبيعة وتهذيب الغريزة. غير أن إذلال النرجسية الطبيعية للبشر يؤدي إلى تعاستهم وازدرائهم وتحصل خسائر معنوية جسيمة حينما يواجه الإنسان المؤسسات الحضارية وتضطر السلطة في جميع أشكالها إلى صده وكبحه. لقد "كانت النرجسية تعوق اكتشافات كوبرنيك... وتعارض نظريات داروين ... وهي التي تقاوم أخيرا التحليل النفسي لأنه يزعزع أولوية الوعي وسيادته. وثمة مظهر جديد من النزاع بين مبدأ اللذة ومبدأ الواقع ينكشف: تتدخل النرجسية بين الواقع وبيننا، وهذا هو السبب في أن الحقيقة هي إذلال لنرجسيتنا"5 . فماذا يترتب عن تحليلية الجهاز النفسي للإنسان؟ وكيف ينتقل العلم من تناول اللاوعي الفردي إلى اللاوعي الجماعي؟
الهوامش والإحالات:
[1] سغموند فرويد ، موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 2004.
[2] سغموند فرويد ، مستقبل وهم، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة رابعة .1998.
[3] فرويد ، قلق في الحضارة ، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 1977 .ص.43.[4] بول ريكور، صراع التأويلات ترجمة منذر عياشي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة أولى، 2005.، صص167-168.[5] بول ريكور، في التفسير، محاولة في فرويد، ترجمة وجيه سعد، أطلس للنشر والتوزيع، دمشق، طبعة أولى، 2003، ص232.
المصادر والمراجع:
سغموند فرويد ، موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 2004.
سغموند فرويد ، مستقبل وهم، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة رابعة .1998.
سغموند فرويد ، قلق في الحضارة ، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 1977 .
بول ريكور، صراع التأويلات، ترجمة منذر عياشي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة أولى، 2005.( فصل التحليل النفسي وحركة الثقافة المعاصرة صص160-171)
بول ريكور، في التفسير، محاولة في فرويد، ترجمة وجيه سعد، أطلس للنشر والتوزيع، دمشق، طبعة أولى، 2003، فصل 3 مبدأ الواقع ومهمة الأنا الاقتصادية صص231-234.

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان المنتج عند كارل ماركس
- ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟
- كيف يتحقق العيش المشترك في ظل التصادم بين الحضارات؟
- الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى
- ميديولوجيا الصورة وعرض جمالية الوجود
- الثورة والحشود والامبراطورية المضادة عند أنطونيو نيغري
- الفلسفة بين مواجهة الحدث وصنعه واعادة بنائه
- أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير
- النشاط الاجتماعي بين العقلنة والشرعنة عند ماكس فيبر
- معالجة ايريك فروم للنزعة التدميرية عند البشر
- تقنية الحياة وإيتيقا المعرفة عند جاك مونو
- دور الفلسفة في الحراك العربي الراهن
- الأنثربولوجيا الثقافية بين البنية والاختلاف عند كلود ليفي شت ...
- أحوال الديمقراطية العربية
- مارتن هيدجر والطريق القصير نحو الوجود
- إيتيقا العذاب من خلال مقابلة مع عمونيال ليفيناس
- المقصد الإيتيقي بين سبينوزا وليفيناس
- الوضع المعرفي للكائن البشري
- الفلسفة بين الاسلام والغرب
- تفصل العنف والكلام في السياسة والشعر والفلسفة


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد