أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد اللوز - من اجل بناء الجبهة الديمقراطية بتونس















المزيد.....



من اجل بناء الجبهة الديمقراطية بتونس


محمد اللوز

الحوار المتمدن-العدد: 4823 - 2015 / 5 / 31 - 20:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتوالى المواقف الصبيانية للمعارضة الديمقراطية وتتوالى هزائمها منذ الثورة مما يجسم ضبابية استراتيجياتها وعدم نضج قياداتها التي بقيت تجري لاهثة خلف الاحداث يفعل بها ويوظفها اعداء الثورة لتحقيق اهدافهم الرجعية والمعادية للشعب وثورته .
آخر هذه المواقف تلك التي اتخذتها كتلة " الديمقراطيين الاجتماعيين" من مسألة رئاسة لجنة المالية في مجاس نواب الشعب التي خيرت تعميق انقسام المعارضة التي هي في الاصل هزيلة لتحقيق مآرب ظرفية وهمية رئاسة لجنة المالية التي ستهيمن عليها في كل الاحوال الاغلبية من نداء تونس والنهضة . في حال ان هذه الرئاسة كانت يجب ان تاخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات و ان تعود للحزب الذي له الاكثر نوابا داخل المعارضة اي للجبهة الشعبية حسب التفسير الاكثر منطقية للدستور هذا وان كان القانون الداخلي للمجلس في تعريفه للمعارضة اعتمد تقسيم الكتل والافراد لتعريف مكوناتها . كان من الاجدر والانجع ان تجتمع كل مكونات المعارضة وان تحل هذه المسالة بينها بعيدا عن دسائس الاغلبية ومناوراتها في اطار تفاهمات اوسع وبعيدة المدى تمد الجسور بينها للتحضير للمستقبل. فمن الحيف ان تعود هذه الرئاسة في نهاية المطاف لحزب لم يحصد سوى نائب واحد ضد ارادة الكتلة الرئيسية للمعارضة المتمثلة في الجبهة الشعبية
ان هذه الازمة لم تكن سوى حلقة من حلقات التصرفات والمواقف المتشنجة والفئوية والصبيانية للأحزاب الديمقراطية والصديقة للثورة منذ انتخابات 23 اكتوبر 2011 اظهرت بالواضح قصر نظر النخبة السياسية وانعدام نضجها السياسي وتعاملها الخالي من كل مهنية مع المصالح والتحديات الكبرى للشعب التونسي منذ الثورة
سوف نحاول في هذه الورقة اجراء تحليل تقييمي لهذه النواقص حتى نتمكن من استخلاص الدروس لبناء المستقبل بناء تحالف واسع للقوى الديمقراطية والثورية لمواجهة تحالف القوى الرجعية والعميلة للمصالح الاستعمارية التي تتربع اليوم على سدة الحكم في بلادنا وهذا من خلال تجربتي الشخصية في حزب المؤتمر من اجل الجمهورية و مع الجبهة الشعبية:
1 المؤتمر من اجل الجمهورية : فشل التحالف مع الاسلام السياسي
بعدد قليل من المناضلين تقدم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية للانتخابات التأسيسية ببرنامج سياسي راديكالي يهدف منه القطع التام مع منظومة الفساد والاستبداد تجسيدا لتوصيف رئيس الحزب الشهير بان نظام بن علي لا يصلح ولا يصلح
ويتلخص هذا البرنامج في الاهداف التالية كما عبر عنها الموقع الرسمي للحزب:
"إننا نعتبر أن تونس لم تعرف يوما دولة جمهورية وإنما دولة استبدادية مغلفة برداء النظام الجمهوري، لذلك فإننا عازمون على النضال من أجل نظام جمهوري حقيقي يقوم إراديا على سيادة الشعب عبر الممارسة الفعلية والتامة لحرية الرأي والتنظم للجميع وإقامة الانتخابات الحرة والنزيهة والموضوعة تحت رقابة قضاء مستقل فاعلة لضمان تمثيلية الشعب ومشاركته الفعلية في القرارات السياسية في إطار هياكل شرعية وممثلة في كل المستويات ويعتبر المؤتمر من أجل الجمهورية أن تزوير الانتخابات جريمة من قبل الخيانة العظمى تتحمل مسؤوليتها كل الأيادي العابثة بإرادة الشعب

ترسيخ المواطنة
إن إعادة بناء جو نفساني واجتماعي لا خوف فيه ولا إذلال هو المكسب الأول الذي حققته ثورتنا المجيدة. ويعمل المؤتمر على تدعيم كل ما من شأنه الحفاظ على هذا المكسب العظيم، ولن يسمح أبدا بأي شكل من أشكال الوصاية والإقصاء والتهميش للأفراد والمجموعات والتعدي على الكرامة أو على حق المشاركة في القرار السياسي والقيام بواجباته حتى نحقق جميعا مجتمع المواطنين قاطعين نهائيا مع الحقبة المظلمة لمجتمع الرعايا. ويتطلب هذا إضافة إلى ممارسة الحريات العامة:

إلغاء البوليس لسياسي؛
- سدّ كل المنافذ لعودة أي شكل من أشكال التعذيب و التجريم الكلي للتعذيب مع وضع آليات فعالة لمراقبة السجون ومخافر الشرطة ودور العجّز ومستشفيات الأمراض العقلية والجمعيات التي تعنى بذوي الاحتياجات الخصوصية؛
- الحفاظ على الحياة الخاصة بالمنع الكلي للتصنت الهاتفي خارج حالات قضائية يضبطها ويحصرها القانون وسرية المراسلات مع إيجاد آليات مدنية لحماية هذه الحريات.
ترسيخ الدولة المدنية مرورا بترسيخ الديمقراطية في أبعادها الثلاثة ( المشاركة والمسائلة والمداولة )
يمرّ إرساء النظام الديمقراطي ضرورة بوضع دستور جديد سيعمل المؤتمر على أن يكرّس بأقصى قدر من التدقيق والوضوح المبادئ التالية:
- الفصل الواضح بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية بما يضمن التوازن بينها واستقلالها وخاصة استقلال القضاء وإدخال إصلاحات جذرية في هذا القطاع؛
- تثبيت روح المواطنة بالشعور بالمسئولية السياسية وعلوية الدستور وسيادة القانون والمساواة التامة في الحقوق والواجبات بقطع النظر عن الجنس والجهة والمستوى التعليمي والاجتماعي؛
- الضمان الفعلي للحريات الفردية والجماعية كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع التنصيص على مبدأ المساواة بين المواطنين والدفاع عن مكتسبات المرأة وتطويرها؛
- إحداث محكمة دستورية؛
- الرقابة والمحاسبة لكل من يتحمل مسؤولية؛
- ضمان حرية الرأي عبر وضع وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري تحت إشراف هيكل مستقل عن السلطة التنفيذية وله ميثاق شرف يضبط صلاحياته؛
- وضع آليات شفافة ومراقبة في كل مراكز القرار التي يتم فيها الانتداب والترقية حتى لا تلعب الوساطة أي دور؛
- تشجيع المبدعين ورفع كل أشكال الرقابة لتعود تونس مركزا للإشعاع الثقافي
إرساء الديمقراطية الاجتماعية
- تشجيع الجمعيات المدنية وتمويلها وفق معايير قانونية عادلة وشفافة واعتبارها مكوّنا أساسيا في التنظيم الاجتماعي.
- إقامة اللامركزية الإدارية وإعطاء البلديات والمجالس الجهوية القدر الأقصى من الصلاحيات.
وعلى المستوى الاقتصادي فإن المؤتمر يعمل على:
- بناء اقتصاد وطني في خدمة الأغلبية يشجع المبادرة الحرة بالاستثمار الوطني والخارجي محميا من كل أصناف الفساد وفي إطار احترام المصلحة العليا للبلاد، ويعمل عل تشجيع دور الدولة كحامية للمصلحة العامة حتى لا تهضم الحقوق الاجتماعية والنقابية للعاملين بالساعد والفكر. كما يولي أهمية كبرى للحفاظ على البيئة لضمان حق الأجيال المقبلة في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والبيئة السليمة.
إن المؤتمر من أجل الجمهورية يعتبر أن الحق في الصحة والتعليم والكفالة الاجتماعية أولويات مطلقة يجب أن يخصص لها كل المطلوب من الموارد.
إن المؤتمر من أجل الجمهورية سيعمل على خلق كل الآليات لمحاربة الفساد والتوزيع العادل للدخل الوطني بين الجهات وتقليص الهوة بين الفئات الاجتماعية مع العمل على إرساء سياسة جبائية عادلة وشفافة
في ميدان العلاقات الخارجية
إن المؤتمر من أجل الجمهورية المتعلق بهوية عربية إسلامية متجذرة في ماضينا التليد والمنفتح على قيم العصر والحداثة والإنسانية سيعمل على الحفاظ على استقلال القرار الوطني واتخاذ كل المبادرات الكفيلة بتحقيق الوحدة المغاربية والوحدة العربية مع العمل على ترسيخ العلاقات مع المحيط الإسلامي والإفريقي والمتوسطي والعالمي لتكون عنصرا فاعلا في الاستقرار والسلم والمساهمة في إثراء الحضارة الانسانية والمتوازن مع شعوب العالم والدفاع عن حقوق الشعوب في السيادة وعلى رأسها شعبنا الفلسطيني البطل.
إننا ندعو التونسيين إلى المحافظة على روح الثورة السلمية الديمقراطية التي رفعت رؤوسنا جميعا والالتفاف حول أهدافها العظمى في وطن للجميع خال من كل أصناف الاستبداد. والمؤتمر من أجل الجمهورية كحزب مفتوح لكل التيارات الفكرية والعقائدية يجمع بينها الالتفاف حول مشروع سياسي بالأهداف المذكورة أعلاه، مصمم أكثر من أي وقت مضى على أن يكون رافدا فعالا لصنع مستقبل يضمن حقوق الأجيال القادمة ويحقق آمال الأجيال التي سبقتنا على درب النضال ولا يترك الدماء الزكية التي سالت على أرضنا الطاهرة تذهب سدى" .
وقد تمكن الحزب من الحصول على نجاحات باهرة في الانتخابات الاولى بعد الثورة اذ حصد المرتبة الثانية بعد النهضة في عدد النواب داخل المجلس التأسيسي

ولكن ممارسة السلطة طيلة ثلاث سنوات بالتحالف مع النهضة انسته كل هذه الوعود البراقة التي وقع التضحية بها من اجل التمسك بالرئاسة ومواصلة التحالف مع النهضة التي خانت الثورة واهدافها وانخرطت في تحالفات داخلية وخارجية مشبوهة قلبت الربيع العربي الى شتاء ونهر من الدماء العربية وعملية دك وهدم للدول العربية خدمة للاستعمار الغربي والصهيونية العالمية واداتهما الرجعية الوهابية في الخليج

وقد تسبب هذا المنحى في حدوث انشقاقات متتالية وتصدعات داخله كان لها الاثر المدمر على الحزب وعلى المشهد السياسي التونسي ككل. فانسحبت ام زياد منذ الاسابيع الاولى بالنظر لخضوع قيادات الحزب لإملاءات النهضة واختراقه من طرفها عبر البعض من هذه القيادات الموالية لها ايديولوجيا وسياسيا وحتى عائليا . ثم اقيل عبد الرؤوف العيادي من الامانة العامة لنفس الاسباب مما ادى للانسلاخ الجماعي لأغلب مكاتبه الجهوية واغلب اعضائه الذين تنادوا في مؤتمر القيروان الثاني ليشكلوا حركة وفاء .وانتهت هذه الانسلاخات بانسحاب محمد عبو من الحزب وتشكيل التيار الديمقراطي

لقد كانت الطريقة التي ادار بها المرزوقي مفاوضات تشكيل الحكومة الاولى وتوزيع الرئاسات الثلاث بين النهضة والمؤتمر والتكتل اول عملية ضرب للحزب ولمبادئ الديمقراطية الداخلية فيه .هذه المفاوضات التي اقتصرت على توزيع الحقائب الوزارية وغابت عنها استحقاقات الثورة بالكامل . واختصر الحزب في المكتب السياسي وفي شخص المرزوقي واصبح الحزب شيئا فشيئا ذيلا للنهضة ولحكومتها .كما سوف تبرهن عليه الاحداث طيلة ثلاث سنوات.
وتوالت بعد ذلك الانتكاسات التي مثلت سلسلة من المواقف المتناقضة كليا مع البرنامج السياسي للحزب على كل الاصعدة يمكننا اختزالها في النقاط التالية :
1- على مستوى العدالة الانتقالية والقطع مع المنظومة القديمة:
لقد بدى واضحا منذ الاسابيع الاولى لحكومة الترويكا رفض الجبالي وحركة النهضة تفعيل مبدأ المساءلة والعدالة الانتقالية . واكتفت حركة النهضة باستعمال الشعار كوسيلة ابتزاز للإدارة ومؤسسات الدولة لقبول سيطرتها على مفاصل الدولة ووسيلة ابتزاز واستقطاب لرجال الاعمال الفاسدين لتمويلها ومساندة مشروعها في التمكين . واكتفى حزب المؤتمر والمرزوقي بالصمت تارة والتعبير عن العجز في تغيير المسار حفاضا على الائتلاف الحكومي. تارة اخرى. :وتكرس هكذا طيلة حكم الترويكا مبدأ الافلات من العقاب مما سهل عودة الفلول للساحة السياسية واسترجاع الحكم من جديد
2-على مستوى الحريات:
لقد خفت ان لم نقل صمت صوت الحزب طيلة ثلاث سنوات عن محاربة الانتهاكات المتكررة للحريات من طرف حكومات النهضة بدابة بتسليم المحمودي كلاجئ سياسي للحكومة الليبية الجديدة التي يهيمن عليها الاخوان وفصائل الاسلام السياسي المتطرف .
اعتقدنا بعد 14 جانفي أن عهد المس بالحريات الفردية والجماعية قد ولى مع هروب الطاغية ولكن الاحداث تبين لنا اليوم ان المكاسب التي حققناها في هذا المجال مازالت هشة وقابلة للانتكاس في أية لحظة اذا لم نتحلى باليقظة وروح المقاومة , وذلك نتيجة سياسات الاحزاب الحاكمة منذ الثورة والتي تعمل على مقايضة شعبنا حرياته مقابل الأمن والاستقرار من ناحية والتعامل مع المسألة الامنية بانتقائية وبالكيل بمكيالين .كما كان الحال في عهد حكومات الترويكا
وهكذا واجهت حكومة الائتلاف كل التحركات الشعبية المناهضة لسياساتها بالقمع الوحشي ناعتة هذه الاحتجاجات بالأعمال التخريبية التي تثيرها بقايا النظام البائد حزب زعمها للمس باستقرار وأمن البلاد بدون أن تقدم لنا نتائج أي تحقيق وعدتنا به لتأكيد ادعاءاتها. وبالرغم من ايماننا أن بعض هذه التحركات هي فعلا من صنيع أزلام النظام البائد فان التكتم على فاعليها مقصود لخلط الاوراق وتغطية للفشل الذريع للسياسات المتبعة بهدف ارغام الشعب والقوى المناهضة للحكومة بالسكوت عن هذا الفشل باسم الامن والاستقرار

ومن ناحية أخرى غضت حكومات الترويكا الطرف عن الانتهاكات المتكررة التي تقترفها ما يسمى "بالجماعات السلفية" و روابط حماية الثورة التي انقلبت الى مجرد مليشيات للحزب الحاكم على حساب الحريات الفردية والعامة والتي كثيرا ما تستجلب لمعاضدة القوى الامنية لمواجهة الاحتجاجات السلمية والمشروعة للمواطنين والتظاهرات السلمية لحركات المعارضة والتصدي لها بالقمع الوحشي وبالتتبعات العدلية كما حدث في يوم7 أفريل2012 وكما حدث في سيدي بوزيد و صفاقس والحنشة والفحص ولعل الاحداث في الحنشة اكتست طابعا خاصا ومؤشرا خطيرا اذ انتفض الاهالي ضد محاولة كوادر الحزب الحاكم لاستعمال مشاريع التنمية لتحقيق أهداف حزبية كما كان يتصرف الحزب المنحل مما يفسر وحشية ردة فعل السلطة ضد الشباب المنتفض والتي عمدت لأساليب المداهمات وترويع الموطنين وإعادة زرع بذور الخوف من جديد في قلوبهم وتكررت هذه السياسة المعادية للحريات في احداث سليانة حيث واجهت قوى الامن المواطنين بالرش مما ادى لفقدان العديد منهم للبصر . واكتفى المؤتمر والمرزوقي بالتعبير عن الاسف والالم لما حدث محاولين تبرير دلك بعجز الحكومة على تلبية مطالب المحتجين ليتكرر نفس السيناريو مع احداث الصخيرة والكاف وتطاوين
كما اكتفى المؤتمر بالتنديد والدعوة لمحاسبة المسؤولين من قوى الامن على الانتهاكات الجسيمة من طرف قوى الامن للعديد من المواطنين الذين قتلوا تحت التعذيب مثل البشير القلي ومحمد البختي او محمد دنقيز ومحمد علي اللواتي و مؤخرا محمد علي السويسي . وبقي الافلات من العقاب سيد المشهد والائتلاف قائما على حساب المبادىء والوعود الانتخابية ببناء دولة المواطنة والحريات.
3-على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي
لقد انتفض الشعب التونسي وخاصة منه الشباب العاطل عن العمل من أجل الشغل وكرامة العيش . وكانت أولى شعاراته المرفوعة " الشغل استحقاق يا عصابة السراق" كما كانت الاغلبية الساحقة من الاحتجاجات والإضرابات العامة التي شملت في بعض الاحيان ولايات كاملة مثل التي حدثت في تطاوين مؤخرا, تركزت حول مشكلة التشغيل والتفاوت الجهوي والذي فشلت الحكومات المتعاقبة ليس في حله فحسب بل وحتى في البدء في معالجته بتقديم برامج واضحة من شأنها ان تفتح الطريق لحله بصورة جدية.

ان البطالة التي تنخر مجتمعنا تتميز بطابعها الهيكلي وخاصة بطالة أصحاب الشهادات . فقد كانت نتيجة حتمية للاختيارات الاقتصادية والتربوية للنظام البائد . فالاستثمارات التي وقع توظيفها في العشرية الاخيرة وجهت حسب المصالح الانانية للمستثمرين الاجانب وفصيلة من رجال الاعمال الفاسدين الذين يبحثون عن الربح السريع في قطاعات ذات قيمة مضافة ضعيفة بدون الاخذ بالاعتبار المصالح الاساسية للوطن ومصالح الاغلبية العظمى من الشعب وكل هذا في اطار سياسة الاصلاح "الهيكلي " للاقتصاد التونسي والتي أملتها علينا القوى الكبرى مما نتج عنه تدمير النسيج الاقتصادي للبلاد وإفلاس القطاعات المنتجة وذات القيمة المضافة العليا لتعويضها بقطاعات أغلبها متجه لقطاع الخدمات وانهيار المؤسسات المتجهة للتصدير نتيجة الازمة الاقتصادية العالمية وخاصة في الطرف التجاري الرئيسي وهو الاتحاد الأوربي .

ان سياسة تعميق المديونية والاذعان لإملاءات صندوق النقد الدولي والرأسمال المالي العالمي التي تتبعها الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الثورة لن تحل معضلة البطالة فالحلول الترقيعية والتجميلية لا فائدة منها ولن تزيد الاوضاع إلا سوءا مما اضطر حكومتي الترويكا ببيع المؤسسات المصادرة للرأسمال الخارجي كما فعل النظام البائد والتفريط أكثر في سيادتنا وهذا بدون ان يحرك المؤتمر والمرزوقي ساكنا

كما لا يمكن حلها بإتباع سياسات "العطاءات "الحزبية والتي كشفتها أحداث الحنشة ولا بسياسات توريدية بلا قيود بالاعتماد على التداين الخارجي للمواد الاستهلاكية مما يزيد في عجزنا التجاري والمالي

ان القضاء على البطالة وبطالة اصحاب الشهادات على وجه الخصوص ,لا يمكن تحقيقه الا بسياسات طويلة المدى تقطع مع هذه الخيارات المعمقة للتبعية المالية والتجارية والمخربة للقطاعات الانتاجية وذلك بالتعويل أولا على الاستثمار الداخلي وتنويع الاستثمار الخارجي. وفرض اعادة النظر في الديون الخارجية واعادة جدولتها. والبحث عن أسواق خارجية وتكثيف المبادلات التجارية البينية مع البلدان المجاورة والعربية والافريقية والتركيز على القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية وتشجيع خلق المؤسسات الصغرى والمتوسطة بإدخال ديناميكية جديدة للقطاع الخاص وإعادة الاعتبار للقطاع العمومي

اننا لن نحقق هذه الاهداف بدون وتيرة عالية من التنمية تتجاوز العشرة بالمائة سنويا وفي الاثناء كان واجبا على الحكومة اتخاذ اجراءات"علاجية " للظواهر الاكثر حدة للبطالة والفقر حتى تتمكن الفئات الاجتماعية الضعيفة من مصدر رزق دائم لكل عائلة مع العمل على أن يكون ذلك دوما بعلاقة بالإنتاج والضغط على الاسعار في مستوى التوزيع لا الانتاج وهذا ما عجزت حكومات الترويكا على القيام به مما زاد ظاهرة التهريب استفحالا وارتفاع جنوني للأسعار زادت الاحداث الليبية من خطورتها على كل الاصعدة
ان التنصل من المسؤولية لهذا الفشل الذريع بحجة هيمنة النهضة على الائتلاف الحكومي أو تبريره بالظروف الصعبة المتولدة عن الازمة الاقتصادية العالمية وحالة عدم الاستقرار في المنطقة لا يمكن قبوله حيث خير المرزوقي و حزب المؤتمر التشبث بالسلطة على حساب المبادئ و السكوت عن السياسة المعادية للثورة للحليف الاقوى في الحكومة وواصلا التنكر للمطالب الشعبية والوعود الانتخابية .
4- على مستوى الموقف من الارهاب:
لقد تشكلت لجان حماية الثورة على خلفية الفراغ الامني الذي اعقب الثورة اذ تشكلت في كل مكان لجان احياء ويقظة للمحافظة على امن المواطنين وممتلكاتهم بعد انسحاب القوى الامنية من الساحة . وقد انبثقت على هذه اللجان لجان جهوية ومجلس وطني . ولكن الحكومة المؤقتة التي تراسها السبسي نجحت في اجهاض هذا المسار الثوري الديمقراطي الشعبي بتمرير لجنة الاصلاح السياسي المسقطة والمفروضة من قبل الدولة العميقة بمساندة قيادة الاتحاد وبعض القوى السياسية المعادية للثورة وهكذا اندثرت مجالس حماية الثورة وهجرتها قوى الثورة لتهيمن على البعض منها قوى الاسلام السياسي وتحولها لروابط لا علاقة لها بالثورة وهي اقرب لمليشيات في خدمة لون سياسي واحد اللون الاسلامي وتتنازعه النهضة والتيارات السلفية ,
وانخرطت هذه المليشيات في قمع الاحتجاجات الشعبية والتحركات السياسية المناهضة للترويكا وخاصة المناهضة للنهضة . كما تشكلت مجموعات منها اوكلت لنفسها مهمة "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" للتعدي على الحقوق والحريات في الفضاءات العمومية . وتمكنت من الاندساس في حزب المؤتمر وفي حركة وفاء بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني للمحاسبة .
وعلى خلفية هذا المؤتمر الوطني للمحاسبة استقبل الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي البعض من اعضاء هذه الروابط . .وتذرع البعض بهذه الاحداث لاتهام هذه اللروايط بدون اي دليل جدي سوى ما تسرب من الابحاث من انتماء القضقاضي في فترة ما لهذه الروابط في الكرم . ولكن الوقائع بينت ان ظاهرة الارهاب تنمت وترعرعت خاصة في المجموعات السلفية وبعلاقة بعصابات التهريب وشجعتها بعض المنابر الدينية في البعض من المساجد بتشجيع وتواطئ من بعض قيادات النهضة زادت في تغذيتها والتلاعب بها البعض من الاوساط المخابراتية الداخلية والخارجية
لقد تظافرت عدة عوامل لبروز ظاهرة الارهاب نذكر ونها :
1./ لعبت السياسات "الفاتحة" الاستعراضية المتعالية التي اتبعتها النهضة بمؤازرة من القيادات الاسلاموية داخل المؤتمر وباستقدام بعض الدعاة الوهابيين في خلق جو من التوتر الاجتماعي والسياسي هيأ الظروف الايديولوجية والنفسية لعودة ظاهرة الارهاب
2/ ضعف اجهزة الدولة وانخراط البعض من الامنيين في السجال السياسي سواءا لحساب النظام السابق أوللدفاع عن الامتيازات المهددة من الثورة وخاصة ظاهرة الافلات من العقاب في ممارسة التعدي على الحقوق او الفساد واستغلال السلطة او اندساس او التحاق البعض الاخر لحساب النهضة وحتى بعض التيارات السلفية والذي سمي جزافا من طرف المجموعة الاولى بالجهاز الموازي.
3/تغييب المحاسبة واستفحال حالة الافلات من العقاب والتنكر للثورة ولضحايا القمع والتعذيب مما خلق جوا من الاحباط دفع البعض من شباب الثورة لخيار الارهاب
4./ الفشل الذريع في المجال الاقتصادي والاجتماعي ومقاومة الفساد مما زاد في استفحال ظاهرة الاقتصاد الموازي والتهريب الذي استعمل الارهاب والعنف والسلاح لتوسيع وتنويع نشاطه
5./ الموقف المرتجل والمخزي من الارهاب في سوريا وقطع العلاقات معها مما اعطى مسوغا سياسيا وايديولوجيا للانخراط في الارهاب
6/تآمر العديد من القوى الداخلية والخارجية من دول وتنظيمات سياسية في توظيف هذه الظاهرة لخدمة مآربها السياسية وتوجيه الرأي العام لصالح تحقيق اهدافها المعلنة والغير المعلنة الشيء الذي تجلى واضحا لمن له عين في جريمتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي
وكما نرى فان المسؤولية السياسية لحزب المؤتمر في مواصلة تحالفه مع النهضة بالرغم من هذه السياسات التي ساعدت في تنامي ظاهرة الارهاب ثقيلة ولكننا لا نتفق مع من وظفوا هذه الظاهرة لتحقيق مآربهم السياسية والانتخابية ولو على حساب الوطن والمواطنين في تحميل المرزوقي او المؤتمر مسؤولية ظهور ونمو هذه الظاهرة الكارثية التي بدأت اولى تعبيراتها منذ ما قبل الثورة
5- على مستوى العلاقات الخارجية
لقد كانت السياسات الخارجية من مشمولات رئيس الجمهورية وكان من امكان المؤتمر من اجل الجمهورية التأثير ا يجابا في مسار هذه السياسة لو احترم المؤتمر قواعده ومنتخبيه بالعمل على استقلال الارادة الوطنية وتوجيه السياسة الخارجية لخدمة قضايا الأمة العربية في التحرير ودعم خط المقاومة ضد التحالف الاستعماري والصهيوني والرجعية العربية
على العكس من ذلك تماما تميزت خيارات حكومة الترويكا في هذا المستوى بشيء من التواصل الواضح مع السياسة الخارجية للنظام البائد وذلك ببعث رسائل تطمينية للحلفاء السابقين لبن علي أن لا خوف على مصالحهم الحيوية في تونس والمنطقة.

وقد تمثل هذا فعليا في الزيارات العديدة لرئيس حركة النهضة و لرئيس الحكومة ووزير الخارجية لدولة آل سعود وللولايات المتحدة وللاتحاد الاوروبي لتأكيد هذا التواصل مع النظام السابق بل وذهبوا الى حد طمأنتهم من ناحية الموقف من العدو الصهيوني باستبعاد دسترة تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني والدعوة علنا بمواصلة توافد الحجيج الصهاينة لبلادنا .

ان الموقف من الثورة السورية كان مؤشرا واضحا لانخراط الحكومة التونسية بمشاركة المؤتمر في المؤامرة القذرة التي حاكها التحالف الرجعي العربي بقيادة آل سعود مع القوى الصهيونية والغربية لتحويل رياح الثورة العربية لصراع مزعوم بين السنة بقيادة تحالف آل سعود وأمراء الخليج والاخوان المسلمين من جهة والشيعة بقيادة ايران حتى لا تقتلع هذه الثورات دول الاستبداد العربي والكيان الصهيوني وتهدد بذلك المصالح الغربية والاستعمارية في المنطقة .
كما تجلت هذه السياسة في زيادة الاعتماد على المديونية الخارجية واعادة انتاج التبعية الاقتصادية لبلادنا .

لقد شكلت المسألة التنظيمية كارثة حقيقية بالنسبة للمؤتمر حيث غابت الحياة السياسية داخله واستأثر المكتب السياسي بسلطة القرار وانعدمت الديمقراطية مما ادى لتفاقم الخلافات السياسية وبالتالي للانشقاقات المتتالية التي عرفها والتي ادت لتشكل حركة وفاء ثم التيار الديمقراطي

لقد انخرطت في حزب المؤتمر على أساس المبادىء العامة واهداف الحزب التي ناقشناها في اول اجتماع لي مع الاعضاء المؤسسة للحزب في فيفري 2011 ولكن قيادة الحزب سقطت في اول امتحان لها في ممارسة السلطة بالتفرد في اتخاذ القرارات الهامة وانعدام النقاش والديمقراطية داخل الحزب وغابت المبادىء النبيلة التي رددناها ابان الحملة الانتخابية لتأخذ مكانها الحسابات الشخصية والهرولة للحصول على المناصب على حساب الثورة والبرامج والوعود الانتخابية .كما بينت ذلك في ورقة نشرتها في التونسية بعنوان ساعة الحسم.



حركة وفاء وفشل تصحيح المسار: جعلنا مسالة الهوية في راس اهدافنا فحصدنا ما زرعنا :

امام النهج التصفوي للثورة الذي اتبعته الترويكا نادينا بتصحيح المسار ولو بالانسحاب من حكومة التحالف وامام تعنت المكتب السياسي والمرزوقي اضطررنا مع الاغلبية الساحقة من قواعد المؤتمر للانسحاب منه وتشكيل حركة وفاء وذلك خاصة من اجل الاستقلال التام من تاثيرات النهضة التي اخترقت المؤتمر والعمل على بناء تحالف واسع لقوى الثورة من اجل تحقيق اهدافها في تفكيك منظومة الفساد عبر مسار العدالة الانتقالية والمحاسبة كخطوة ضرورية لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية وتحرير الارادة الوطنية واستكمال التحرر الوطني للامة العربية

وكانت هذه الارادة واضحة للجميع مما جعلنا نختار في البداية اسم الحزب الديمقراطي المستقل للحركة قبل ان يقع تسمية الحركة بالوفاء للثورة .
لقد كانت مسالة المحاسبة وتفكيك منظومة الفساد والاستبداد من اولويات الحركة بهدف القطع مع هذه المنظومة وبناء الدولة الوطنية والديمقراطية على عقيدة استقلال الارادة الوطنية وهذا ما كانت تتميز به الحركة على غيرها من الاحزاب السياسية وهذا ما شدنا للبقاء فيها بالرغم من الازمات المتكررة . وقد تجسد هذا الخيار في تنظيم المؤتمر الوطني للمحاسبة الذي ادخل الرعب في صفوف الفلول الدستورية والبعض من وسائل الاعلام المشبوهة .

ولكن هذا المنهج سرعان ما تبين تعثره للعديد من الاسباب السياسية والتنظيمية وخاصة منها اختراق الحركة من طرف بعض العناصر السلفية بمباركة من رئيس الحركة الذي لم يلتزم بقرارات الهيئة التأسيسية والخط السياسي للحركة مما زاد الاوضاع سوءا وانسحاب المناضلين الواحد تلو الآخر وانحسار كامل لإشعاع الحركة وانفصالها التام عن المشاكل الحقيقية للجماهير الواسعة من شعبنا . وقد اعطى هذا الانحراف ذريعة للفلول و وسائل اعلامه للقيام بحملة ممنهجة ضد الحركة بتقديمها كواجهة سياسية للسلفية والارهاب .

لقد جعلت الحركة في بيانها التاسيسي" ترسيخ الهوية العربية الاسلامية" في صدارة برنامجها فاستغلها البعض لادلجة كل تحركاتها وضاعت اهداف الثورة وخاصة منها الديمقراطية في مستنقع الطائفية الدينية
.
1- مسألة الهوية افقدت الحركة هويتها الثورية :
لقد اكدت الحركة على لسان رئيسها العديد من المرات على ضرورة بناء المجال السياسي الوطني على اساس صراع المضامين والبرامج السياسية ولكن الاحداث بينت اننا انزلقنا كما فعل الآخرون في ادلجة الصراع وذلك بتبني مفهوم خاطئ و عقائدي لمسالة الهوية العربية الاسلامية لبلادنا
لقد بينا العديد من المرات اننا لا نرى فرقا بين القول الذي تروج له الثورة المضادة ان محور الصراع اليوم في تونس كما هو الحال في مصر هو بين القوى الاسلامية والقوى الديمقراطية وبين قول رئيس الحركة عبد الرؤوف العيادي أن المشهد السياسي ينقسم اليوم بين" قوى تيار الهوية" والقوى التي تستمد تاريخها وأدوات تفكيرها من حقبة الهيمنة ..... الطرحان يلخصان التناقض في المستوى الايديولوجي أو في المرجعيات الفكرية المعلنة ولا على مستوى المهام السياسية المطروحة للثورة .
ان ما يوحد حركات الاسلام السياسي أو الحركات الاصولية أو الحركات السلفية هو الدعوة للعودة والاستلهام بالأصول النقية للدين الاسلامي في العمل السياسي وهو مشترك من العمومية والسطحية الى درجة تطمس حقيقة و واقع كل حركة وتصبح أداة مغالطة للراي العام و حرف الشعوب عن المشاكل والمطالب الحقيقية التي تخدم مصالحها الحقيقية وجرها لتصبح أداة لتحقيق مصالح أعدائها وهذا ما يعبر عنه بالايديولوجيا أي الوعي الخاطئ أو بالأحرى المغالط. فلنا أن نتساءل ما الذي يجمع محمد عبد الوهاب والعائلة المالكة السعودية و محمد عبده ورشيد رضا وسيد قطب وبن لادن وجعفر النميري وحركة الاخوان المسلمين وطارق الهاشمي والخميني و أردغان وجبهة النصرة وحزب الله والجهاد الاسلامي في فلسطين ؟ هل من المعقول أن نحاول أن نصنفهم في ما عبر عنه الاخ العزيز رؤوف ب"قوى الهوية " طبعا لا . ولماذا؟ لأن السياسة لا تجمعهم لا الموقف من تحرر الاوطان ولا الموقف من الحرية والديمقراطية ولا من مطلب العدالة الاجتماعية ولا من مبدأ العدل أساس العمران و لا من مبدأ الممانعة والمقاومة ولا من مبدأ الامر بالمعروف والنهي على المنكر حيث انهم لا يتفقون على ما هو معروف وما هو منكر ولا حتى على تحديد ماهية مكارم الاخلاق .....أي هوية اذا تلك الني تجمعهم؟
كما ان العودة للأصول والهوية يمكن ان تكون لها وضائف مختلفة ومبررات شتى حسب الظروف الخاصة لكل مجموعة انسانية فقد تكون دعوة لتنقية الدين من الخرافات والاساطير التي تراكمت في عقول الناس عبر التاريخ واعادة احياء التعاليم الدينية لملاءمتها بالعصر ومتطلباته وتحدياته الحديثة.
وقد تكون عملية انكفاء على الذات من أجل الحفاظ على الهوية من الذوبان نتيجة هجمة خارجية لا قدرة لها في مقاومتها وتصبح عبارة عن تمترس في الخطوط الخلفية ورفض لتكريس الهزيمة ولكن بدون الوعي بأسبابها الحقيقية والعمل على تجاوزها
وقد تكون أيضا عملية اعادة بناء للذات بالاستلهام بما نجح فيه السلف في التحكم بواقعه التاريخي لا لإسقاطه على واقعنا وتعقيد المعقد والزيادة في تفتيت المفتت وانما لفهم حقيقة واقعنا وايجاد الحلول الملائمة لهذا الواقع المعاش باستعمال علوم العصر ومكتسبات الانسانية جمعاء كما فعل اسلافنا في عصرهم وهذا ما عبرنا عنه بان الهوية تجذير لأهداف الثورة
ان حركتنا قد اختارت المنهج والاختيار الاخير أي كما يقر به رئيس الحركة نفسه حين قال في رسالة له "نطرح البديل الحضاري الهووي كمرجعية بما يتيح لنا العودة الى دائرة الفعل التاريخي... لجعلها خلفية واساسا لأبداع معرفي وعلمي و مادي ..." فكيف لنا أن نعود للفعل التاريخي من خلال تحقيق الأهداف التاريخية الحالية للثورة التونسية ؟ هل هو بالتحالف مع كل من يعلن عن تمسكه بالهوية العربية الاسلامية او انطلاقه من تعاليم الاسلام في فعله السياسي أم من مع كل من يعمل فعلا تصريحا و ممارسة من أجل تحقيق أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم لكل المستضعفين من شعبنا ؟ هل المعيار الرئيسي في توصيف قوى الثورة هو المعيار "الهووي" أم المواقف السياسية المعلنة والممارسة في الواقع وعلى الأرض من الاهداف التاريخية للثورة الآن ؟
لقد اعتقد جزء كبير من الشعب التونسي أن حركة النهضة ستفي بوعدها بتحقيق أهداف الثورة وهدم دولة الفساد والاستبداد والتبعية للغرب الاستعماري لأنه اعتقد ان قادتها "يخافون الله" لآنهم ذووا مرجعية "هووية" ولكنهم اكتشفوا أن انتماءهم للهوية لم يمنعهم من عدم " خوف الله" والتنكر للعهود واستغلال النفوذ للثراء الشخصي والتحالف مع الغرب الاستعماري ضد الشعب السوري والمحافظة على نفس النمط الاقتصادي.
والأمر من كل هذا رفض محاسبة الفاسدين والقتلة والجلادين بل واستقطابهم للاحتلال مفاصل الدولة واسترضاء أعداء الامة حتى يكونون لهم سندا في سحق آمال الشباب الثائر في كل أوطانها.
أن شعبنا لن يقبل من أن يلذغ من الجحر مرتين ولا نريد البتة أن نكون أداة لجره لهذا الجحر مرة أخرى .
لقد اكتشفنا بالتجربة وعلى أرض الواقع أن حركة النهضة كما هو الحال بحركة الاخوان المسلمين لا تمثل "تيارا وطنيا معاديا للهيمنة الغربية" وانما بديلا مخادعا لإعادة انتاج الهيمنة الغربية والحفاظ على منظومة "كامب ديفيد" انهم جزء من التحالف الرجعي العربي الاستعماري الصهيوني فاستفيقوا قبل أن يفوت الاوان .فهل وفى هؤلاء بوعد واحد منذ اندلاع الثورة؟ أما الادعاء أن اليسار هو الذي حال دون ذلك فلا يستحق حتى التعليق فهل دفعهم اليسار لاسترضاء الراسمال المالي العالمي بالركض لدفع الديون القذرة فهل دفعهم اليسار لعدم محاكمة الفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة هل منعهم اليسار من التحقيق الفعلي ومحاكمة قتلة الشهداء والابقاء على المحاكم العسكرية هل دفعهم اليسار على قطع العلاقات مع سوريا ومساندة حملة تدمير سوريا الدولة والجيش ,هل دفعهم اليسار لاستغلال النفوذ والاثراء الفاحش بينما يئن الشعب التونسي تحت وطأة التهاب الاسعار وتعمق البطالة ؟ اننا في واد وشعبنا في واد؟؟؟؟؟؟
ان غلاف الهوية الذي تزينت به حركة النهضة قد فقد بريقه ولم يعد يخفي الوجه القبيح لسياسة خيانة الثورة التي اتبعتها وتتبعها ولنا أن نقول الحقيقة لشعبنا ان كنا فعلا نؤمن بقضاياه انني لا أرى لي مكانا الى جانب هؤلاء الذين يستقبلون ماكاين بالأحضان ويقمعون المتظاهرين بالرش ويبيعون الاموال المصادرة لنفس هؤلاء الذين صودرت أموالهم بأباخس الاثمان .
نعم ان التناقض "الهووي" بين النهضة ونداء تونس لا يمت بصلة بالثورة وأهدافها . ليس للنهضة كحزب سياسي أي مشروع تحرر وطني وحضاري كما يعتقد بعضنا فهم دعاة لليبيرالية المتوحشة وحلفاء للرأسمال العالمي وحتى قبولهم بالديمقراطية لا يعدو أن يكون تكتيكا سياسيا كما بينت الاحداث في تونس و مصر وتركيا وسوريا فبالله عليكم أعطوني موقفا سياسيا واحدا يميز حركة النهضة عن نداء تونس من منظور أهداف الثورة سواء على مستوى الحريات او الاقتصاد و التحرر من الهيمنة الاجنبية فهما في خدمتها سواء بسواء. . ان انتقاداتي لمواقفنا من النهضة ليست في مستوى المواقف التفصيلية من هاته أو تلك من القضايا وانما في عدم اتخاذ الاستنتاجات الضرورية للحكم عليها وتحديد موقعها من الثورة. وهذا ما حاولت تحليله والقيام به في رسالتي" من اجل الوفاء للثورة"

2- المسألة الديمقراطية هي المدخل لتحقيق اهداف الثورة
ان تقديم مسالة الهوية وجعلها في صدارة اولويات الحركة يأخذ جذوره في اختصار المسالة الوطنية في بعدها الحضاري والديني والقيمي بينما التجربة التاريخية بينت ان هذا الاختصار يؤدي حتما للتقوقع والبقاء حبيس الماضي كما هو الحال بالنسبة للسلفية والعجز عن تقديم الحلول للحاضر وضياع المستقبل
يقول رئيس الحركة الأخ عبد الرؤوف العيادي أن الديمقراطية ليست مشروعا أو ايديولوجيا لأنها "مجموعة من ا لآليات أي من الصيغ الشكلية وليست مضمونا"
أنا لا اتفق مع هذا الطرح فالديمقراطية هو النظام الاكثر عدلا في ادارة الشأن العام واسلوب الحكم الوحيد الذي يمكن السواد الاعظم من أفراد الشعب من التأثير على اختيارات الحاكم في ادارة شؤون الناس للآخذ بعين الاعتبار بآراء و تصورات متعددة ومختلفة و بمصالح متناقضة بطبيعتها انه النظام الامثل لتجسيد مبدأ العدل كأساس العمران .انه المشروع السياسي الذي أراد محمد رسول الله ارساءه في المدينة بتبني الصحيفة التي بدأت تشييد سلطة سياسية على أساس المواطنة ولا على أساس الدين أو العرق او المركز الاجتماعي والذي أجهضه مشروع الملك العضوض والذي بدأت بوادره الاولى في ظل الخلافة الثالثة.
ان انتصار "الملك العضوض " و نهج الاستبداد كان العامل الرئيسي في تغييب ارادة الامة والتعويل على المميزات الشخصية لهذا او ذاك من الحكام الذين يصلون للحكم لا بإرادة المحكوم ولكن رغم أنفه وعلى أساس الغلبة والشوكة .
انها المرة الاولى التي تثور فيها الشعوب لتفرض ارادتها لتجعل من نفسها فعلا مصدر السلطة ومن ممثليها المنتخبين الحارسين على مراقبة ومساءلة الحاكم وسحب السلطة منه ان نكث وعده. انها ثورة على اربعة عشر قرن من الاستبداد وقلب كامل للمفاهيم والتصورات
ان مطلب الديمقراطية أصبح مطلبا شعبيا ولا يقتصر على النخبة مثلما كان الحال من قبل ولكن هذا الخيار تتلاقى فيه في حدود مختلف التيارات السياسية والفكرية و ترفضه أخرى باسم الهوية والاقتداء بالسلف كسيد قطب وابو العلاء المودودي و حزب التحرير الاسلامي وغيرهم من التيارات السلفية العلمية او الجهادية فمشروع دستور الخلافة لحزب التحرير يعتبر نموذجا لتقنين التجربة التاريخية والفقهية السائدة في بلاد المسلمين والتي نظرت للاستبداد والتي تجعل من مبدا" الطاعة" في قلب العلاقة بين الحاكم والمحكوم على اعتبار أن "ستون سنة من امام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان " كما قال ابن تيمية( السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية ص 162) لقد كانت للفتنة الكبرى التي اندلعت بعد مقتل الخليفة الثالث نتائج مهولة في استفحال الاستبداد . فحتى مبدأي "الامر بالمعروف والنهي على المنكر" والشورى لم يؤسسا لأي مظهر لمظاهر المراقبة والمحاسبة للحاكم وقد بين محمد عابد الجابري في العقل السياسي العربي كيف أن تتبع شروط الامامة كما لخصها الماوردي في الاحكام السلطانية أفضى الى سلسلة من التنازلات تنتهي بالتنازل عليها جميعا وانتهى الامر بفقهاء المالكية بتلخيص كلامهم عن الامامة في كلمة واحدة "من اشتدت وطأته وجبت طاعته "
وهكذا يرى مشروع دستور الخلافة لحزب التحرير أن نظام الحكم يقوم على اربع قواعد :السيادة للشرع ولا للشعب و السلطان للامة ونصب خليفة واحد فرض على المسلمين وهو الذي له الحق في تبني الاحكام الشرعية وهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين(مادة 22) وبما ان الخليفة ينوب الامة في السلطان وفي تنفيذ الشرع(المادة 24) فله السيادة والسلطان واذا تم عقد الخلافة لواحد بمبايعة من يتم انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة الباقين بيعة طاعة لا بيعة انعقاد فيجبر عليها كل من يلمح فيه امكانية التمرد وشق عصا المسلمين (المادة 27) واذا" اختارت " الامة الخليفة ونصبته لا تمتلك حق عزله(المادة 35)
فهل قدم الشعب التونسي التضحيات من أجل اعتبار ستين عاما من الدكتاتورية أفضل من الليلة بين 14 و 15 جانفي 2011 كما ينصحنا ابن تيمية أو اعطاء كل السلطة لفرد واحد مهما كانت عبقريته أو عدله مدى الحياة وذلك اعتبارا بالسلف باسم التشبث بالهوية والدفاع عن الذات؟؟؟. وهل هناك من يقتنع أن هذا الشخص هو الذي ننتظر منه اعادتنا للفعل في التاريخ واستعادة دورنا الحضاري ؟؟هل من المنطق أن نعود بعد ثورة " الشعب يريد" للاستبداد من جديد ولو بغلاف ديني أو بجملة العداء للغرب . وهل في ظل الاستبداد يمكننا تحرير الاوطان واستعادة الكرامة وتحقيق العدل بين الناس و ضمان العيش الكريم للفئات المسحوقة ؟ ألم تكفينا تجربة اربعة عشر قرن من الاستبداد لنفهم ونستوعب الدرس ؟
يقول الكواكبي لمن يريد أن يسمع في" طباثع الاستبداد ومصارع الاستعباد"ان الفة الاستبداد جعلت الامة" لا تسأل عن الحرية ولا تلتمس العدالة ولا تعرف للاستقلال قيمة أو للنظام مزية ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعية للغالب عليها أحسن أو أساء على حد سواء... وربما تنال الحرية عفوا, فلا تستفيد منها شيئا لأنك لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها ."
ان الديمقراطية هي المدخل الضروري ليتمكن الشعب من فرض ارادته على حاكميه ومراقبتهم وازاحتهم ان لم يكونوا في مستوى تطلعاته في العيش الكريم والحرية والتحرر الوطني وبدونها لا أمل في تحقيق هذه التطلعات.
نعم تفرض الظروف التاريخية الخاصة أن تكون المسالة الوطنية في قمة الاهداف المرحلية وذلك في ظروف الاحتلال الاجنبي المباشر مثلا كما كان الحال ابان الحركة التحررية من الاستعمار الفرنسي المباشر لتونس ,عندها كان مطلب الاستقلال هو المطلب الرئيسي الذي يجب ان يعلو على كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية وحتى مطلب الديمقراطية والذي كان يتجسد في مطلب "برلمان تونسي" وهذا ما لم يفهمه البعض من الاحزاب الشيوعية العربية باسم وحدة الطبقة العاملة المزعومة ولكن الحال اليوم تغير حيث ذهب الاستعمار الفرنسي المباشر وأصبحت القوى الاستعمارية تحافظ وتدعم هيمنتها عن طريق التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية . كما أن تحقيق العدالة الاجتماعية واستكمال مهام التحرر الوطني يمر عن طريق ممارسة السلطة السياسية في الداخل وبالتالي وفي غياب الديمقراطية لا يمكن لأصحاب المصلحة في التحرر الوطني وفي تحقيق العدالة الاجتماعية تحقيق هذه المهام .
فبغياب الاغلبية الثورية داخل المجلس التأسيسي لم نتمكن من تحقيق أي هدف كان في المحاسبة أو مقاومة الفساد أو في تغيير التوجهات الاقتصادية او في تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني أو اعادة النظر في السياسة الخارجية وغيرها فكيف لنا أن نغير هذا الوضع ؟ هل نتخلى عن العمل السياسي الديمقراطي أم ننتهج نهج العنف أو النهج الدعوي السلمي ومقاطعة العمل السياسي الحزبي ؟
من يؤمن بالديمقراطية والعمل الحزبي الديمقراطي يجب عليه ان يحدد الاهداف ويعقد التحالفات مع من يؤمن بالعمل الديمقراطي ويشارك في الانتخابات ليضمن وجود أغلبية برلمانية أو احتلال موقع الرئاسة ليحقق برنامجه السياسي في كل المستويات الوطنية والاجتماعية والسياسية. أما من لا يؤمن بالديمقراطية ويرفض الانتخابات فاما ان يقتصر على العمل الدعوي في انتظار "تغير الاحوال" أو يتبنى العنف وسيلة لتحقيق اهداف الثورة وهذا ليس من خياراتنا.
انني لا أرى مستقبلا يذكر لنا ان مضينا في التحالف مع القوى اللاديمقراطية مهما كانت "هويتها"
لقد ادى الاستقطاب المقيت بين ما سمي بتيار الهوية وتيار الحداثة الى شفير الحرب الاهلية وغياب المهام الاساسية للثورة ونسيان الهموم الحقيقية للشعب التونسي وامام هذا الاستقطاب سقطت بعض قيادات الحركة في نفس الفخ وانخرطت في هذا الاستقطاب .

وهكذااعتقد البعض خطأ داخل الحركة ابان ما سمي باعتصام الرحيل وحتى الانتخابات الاخيرة أن التناقض المميز للمرحلة هو التناقض بين ما يسمى ب"المعارضة" بدون تمييز بين فصائلها و" الشرعية" سواء كان ذلك على المستوى العربي أو الوطني, اذ ليس لنا ما نجني من ابداء أي مساندة لحكومة الترويكا ولحركة النهضة التي أجهضت الثورة ولم يعد لها أي ادنى مصداقية في تقديمها للدفاع عن ما يسمى بالشرعية كدفاع عن الثورة وهذا اعتبرته خلطا ايديولوجيا نتيجة لحصر الصراع في بلادنا في الصراع داخل المجلس الوطني التأسيسي بينما الصراع الحقيقي هو الدائر حينئذ في المدن والارياف التونسية بين كل القوى السياسية والاجتماعية في الساحة الوطنية بما في ذلك داخل المجلس الوطني التأسيسي, ان الصراع الحقيقي و التناقض الرئيسي هو بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة
أما المحدد الاساس لتحديد موقع هذا الفصيل أو ذاك من الثورة هو موقف كل منها من أهداف الثورة ولا موقفها من "الشرعية الانتخابية" ولا حتى تقديراتها الظرفية للمرحلة ولو أن أخطاءها في هذه التقديرات قد يكون له أثر لا بأس به سلبا أو ايجابا على مسار تحقيق أهداف الثورة.
-- أن صعود الاسلاميين للسلطة في بلدان ما يسمى بالربيع العربي ليس نتيجة "منطقية " للثورة ولا بإرادة بريئة للشعوب العربية وانما هو نتيجة لعملية اجهاض واسعة النطاق قادتها الولايات المتحدة لاحتواء الثورات العربية وتوجيه قوتها الشعبية نحو الاقتتال الداخلي واستنزاف مقدرات الشعوب العربية بتواطئ مفضوح من جماعة الاخوان المسلمين الذين حاولوا لعب نفس اللعبة في الخمسينات ولم ينجحوا ولعبوها بمساندة السادات ضد الناصرية وضد حكم البعث عام 1980 في سوريا ولم يجنوا شيئا من ثمار لغتهم المزدوجة ,ولكنهم كادوا أن ينجحوا هذه المرة بالتعاون مع الغرب الاستعماري كبديل للأنظمة المهترئة العميلة للغرب في مصر وتونس وليبيا واليمن والعراق وسوريا.
لقد حلمنا بتوافق تاريخي بين التيارات اليسارية والقومية والاسلامية من أجل انجاح الثورة ضد أنظمة الاستبداد والتبعية للقوى الاستعمارية ولكن الاحزاب الاسلامية تحت تأثير جماعة الاخوان المسلمين ارادوا الاستئثار بالسلطة وعولوا لا على الشعوب ولكن على عمليات تطمينية للقوى الغربية والاوساط الصهيونية وعلى عملية استيعاب للقوى التي كانت في خدمة الانظمة المنهارة لتثبيت سلطتها , وقد ساعدهم المال السياسي والاعلام الاخواني الممول خليجيا بالوصول الى السلطة وتدفقت عليهم المليارات الغربية لإنجاح تجربتهم ولكن استئثارهم بالسلطة وخيانة أهداف الثورة وخاصة تحالفهم المفضوح مع الغرب الاستعماري والصهيوني في سوريا كشف بسرعة مذهلة تواطؤهم ومعاداتهم لقضايا شعوبهم,
وليس لنا والحالة تلك التباكي على سقوطهم سوآءا كان في مصر وحتى في تونس ,ولكن هذا لا يعني أن نسقط في ما سقطت فيه الجبهة الشعبية أو التحالف الديمقراطي في بناء جسور التعاون مع أزلام النظام البائد في ما يسمى "بالحوار الوطني " وبدون أن نثق في الاهداف الحقيقية للمجلس العسكري في مصر.
وليس لنا أيضا أن نتحالف مع "السلفيين " الممولين من طرف السعودية والذين يدعون لعودة الاستبداد باسم الدين وعلى أساس المغالبة وقهر الارادة الشعبية
--أن البديل الذي دعونا له مرارا وتكرارا بدون ان نلقى اي تجاوب هو مواصلة العمل من أجل اقامة تحالف لقوى الثورة الديمقراطية والوطنية داخل وخارج المجلس التأسيسي . والمطلع على تطور الاوضاع داخل الاحزاب لاحظ تململا نشطا للقوى الثورية حتى داخل الجبهة الشعبية والتحالف الديمقراطي و المسارالاجتماعي الرافضة للتحالف مع الازلام وكان تعيين "الحكومة المحايدة" فرصة لنا لا للتحالف مع النهضة أو حزب التحرير أو مجموعة "المحبة" ولكن خلق ديناميكية جذب للقوى الثورية القاطعة مع النهضة ومع أزلام النظام البائد. هذه كانت فرصتنا لتدارك ما خسرناه من فرص نتيجة الرسائل السلبية التي أطلقناها في الماضي والتي تذهب بنا اليوم للاندثار.
-- لقد لا حظت من خلال المواقع الاجتماعية مواقف و آراء معادية لليسار والعمل النقابي واستعمال غير لائق لألفاظ بذيئة كتلك التي تطلقها المواقع النهضوية والتي تبين أن في داخلنا عناصر تعتبر حركتنا حركة ذات توجه اسلامي بل وحتى سلفي وتنخرط في عملية التجييش الايديولوجي المشبوه ضد الشيعة والمقاومة في لبنان و حتى ضد الناصرية وعبد الناصر و رمزيته في هذا الزمن الرديء ,
أننا لسنا ضد العمل النقابي وضد الاتحاد العام التونسي للشغل بصفته منظمة نقابية عتيدة لعبت دورا ايجابيا, رغم خيانة البعض من قياداتها في العديد من المحطات التاريخية, في احتضان العديد من المناضلين الحقوقيين والنقابيين الذين لعبوا دورا هاما في مقاومة الاستبداد البورقيبي والنوفمبري. ولكننا ضد سياسة التحالف مع أزلام النظام البائد التي اتبعها القيادة الحالية للاتحاد ,كما اكدنا اننا لسنا ضد التحركات الاجتماعية لمختلف فئات شعبنا التي لم تجن شيئا من ثورتها بل بالعكس كان وما يزال واجب علينا مساندتها والدفاع عن قوت يومها وحرياتها و كرامتها ولم تجد نداءاتنا تجاوبا من رئيس الحركة الذي واصل بعث الرسائل السلبية ضد ارادة الاغلبية من قيادات الحركة معولا على مساندة البعض من قواعد النهضة والسلفية الغاضبة على سياسات الترويكا في الانتخابات الاخيرة وقد اكدت الاحداث الخطأ الجسيم لمثل هذه الطروحات والأوهام ومنيت الحركة بهزيمة كارثية على مستوى انحرافاتها تحت تاثير المندسين داخلها من تيارات الاسلام السياسي
اذا كان لنا اختلافات سياسية مع هذه أو تلك من فصائل اليسار في تقدير المرحلة وما كانت تتطلبه من تحالفات فاننا اكدنا مرارا ان الذي يجمعنا من الناحية الاستراتيجية في الانحياز للشعب والحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية كثير و واجب علينا ابرازه والعمل على أساسه لتوحيد قوى الثورة
ولكن ومع الاسف الشديد وبالرغم من حساسية المرحلة ة وحالة الاستقطاب التي وجدنا فيها على اعتاب الانتخابات الاخيرة , واصلت حركة وفاء على نهجها وخطابها المزدوج وواصل رئيسها ومع الاسف الشديد خطابه الاسلاموي والمغرق في اسلامويته و تشدده الايديولوجي ضد ارادة الاغلبية من اعضاء الحركة .
واثناء الحملة الانتخابية ومرة اخرى استعملنا خطابا بعيدا كل البعد على اهتمامات الشعب التونسي و اولوياته و اعطينا انطباعا على اننا حزبا سياسيا اسلامويا لا هم لنا الا الهوية وثقافة التدين ونقف جنبا الى جنب مع القوى الاكثر تشددا والتي تريد مواصلة توظيف المساجد والمدارس لزرع الفكر المتشدد وللدعاية الحزبية أي بوضوح نقف مع يمين النهضة والسلفيين الذين يريدون توظيف المساجد والمدارس لخدمة خداعهم السياسي باسم الدين ونجعل هكذا انفسنا المدافعين عن الاوساط التكفيرية المفرخة للإرهاب
نعم نحن ندعو للاستكمال التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية ولكننا نريد هذه الدولة مدنية ديمقراطية وبالتالي فنحن ضد دولة الاستبداد سواء كان ذلك الاستبداد حداثويا بورقيبيا اكتوينا به لعقود من الزمن او استبدادا دينيا اكتوينا به لقرون
نعم نريد ثورة قيمية ترفع قيمة المقاومة والكرامة وقيم العمل والتكافل والتضامن تلك هي القيم التي دفعت شبابنا للثورة وتلك القيم لا صلة لها بالتدين وثقافة التدين , , ان الخطاب الذي دعونا له هو الخطاب الذي خطفت به الثورات العربية من طرف اعداء الثورة من الحرس القديم ومن الاسلام السياسي الذي تحالف مع الاستعمار والصهيونية لتدمير لا الثورات العربية فحسب بل حتى الكيانات القطرية لتفتيت المفتت وخلق دويلات الطوائف المتناحرة
وقد بينت انني بصراحة لا اتفق بتاتا مع هذا التوجه المتناقض والمنحرف عن خط حركتنا المرتكز والمتشبث بأهداف ثورتنا في الشغل والحرية والكرامة الوطنية ,اننا نريد خطابا مقاوما يردد من جديد شعارات الثورة من مثل الشغل استحقاق يا عصابة السراق والذي يفضح المنوال التنموي للعهد البائد والذي فشل في تحقيق الشغل لشبابنا ولخص السبب في ذلك الفساد المستشري والمساند من طرف قوى الاستعمار وقد احسنا الاعتماد على هذا الشعار بالمطالبة بالمحاسبة
لقد كنا عشية الانتخابات بحاجة لخطاب يفضح الارهاب والذي تستعمله قوى الثورة المضادة لإعادة العصا الامنية وكنا بحاجة لفضح المال السياسي الذي يضخ آنذاك لفرض الاستقطاب السياسي بين تيارين اثنين عميلين للاستعمار التيار الدستوري والتيار الاخواني الاسلاموي
لقد كنا بحاجة للدفاع عن الحريات السياسية ضد التيارات التكفيرية المتشددة القاطعة للرؤوس والسابية للنساء والمعادية لكل قيم التسامح والتعدد والاختلاف وتغليب العقلانية على الفكر الخرافي المتعصب المدمر للتراث والاضرحة والمعالم التاريخية
لقد كنا بحاجة لثورة تكنولوجية تنطلق من الثروات المتاحة للاعتماد عليها وتطويرها في اتجاه الاستقلال الغذائي والتصنيع المرتبط بالسوق الداخلي وبالاعتماد على القطاعات المنتجة ولا فقط على الخدمات
لقد كنا بحاجة لثورة لغوية للتمكن من لغتنا العربية وتجذير ثقافتنا العربية لتكون ثقافة تنويرية برهانية والانفتاح على اللغة الانكليزية لنقل العلوم من مصادرها ولا مواصلة التذيل الثقافي لفرنسا الاستعمارية
لقد كنا بحاجة لمدرسة تحضر الاجيال لثورة علمية تعيدنا للتاريخ بعدما اخرجنا منه العقل المستقيل والاستبداد والفكر الظلامي المعادي للعقل
لقد كنا بحاجة لسياسة خارجية تنخرط في معسكر المقاومة والرافضة لسياسة الاحلاف الاستعمارية والتي تربط العلاقات الوطيدة مع ايران وبلدان امريكا الجنوبية وتطور العلاقات مع بلدان المغرب العربي والبلدان العربية الاخرى
ذلك هو الخطاب الذي كنا نريده وندعو له اثناء الحملة الانتخابية و لما لم نفعل ذلك وكما حذرنا منه نستحق الفشل والتهميش الذي حصدناه
كما كان الحال بالنسبة للمؤتمر شكلت المسألة التنظيمية عائقا لتطور الحركة حيث انعدمت الضوابط السياسية وتغلبت على رئيس الحركة المواقف الانفرادية المتناقضة مع الخط السياسي الذي توافقنا عليه . كما فتحت ابواب الحركة لعناصر مشبوهة أحادث الحركة عن خطها السياسي الوطني والديمقراطي للتقرب حسب اهواء رئيس الحركة مع التنظيمات السلفية المتشددة و روابط حماية الثورة وهذا بالرغم من المقاومة المستميتة لبعض قيادات الحركة ضد هذا النهج المتعارض مع خط الحركة الديمقراطي والمدني
وقد بينت الاحداث النتائج الكارثية لهذه الانحرافات والتي افقدت الحركة ومناضليها مصداقيتهم ومكنت اعداءها من شن الحملات المغرضة والمتكررة ضدها متهمة اياها ظلما بالتواطئي مع الارهاب وهذا ما اجبرني في الاخير من الانسحاب من الحركة

2 تجربة الجبهة الشعبية بين بناء الذات والقصور في الاداء السياسي:
اننا لا ندعي الالمام بحال الجبهة بكل دقة ولكننا واكبنا تشكيلها والتطورات الاساسية التي مرت بها وطريقتها في التعامل مع الاهداف الأساسية للثورة و المواقف التي اتخذتها تفاعلا مع الاحداث التي شهدتها بلادنا والوطن العربي وسوف نحاول في هذه الورقة تقييم هذه التجربة وابراز نقاط الضعف فيها للبناء للمستقبل
لقد كان تأسيس جبهة 14 جانفي الخطوة الاولى الواعدة في بناء الجبهة الشعبية ,هذه الخطوة التي بنيت على توصيف سليم للوضع القائم آنذاك وتحديد واضح المعالم للأهداف الاستراتيجية والمرحلية للثورة التونسية .
وقد جاء بيان التأسيس واضحا اذ جاء فيه:
"على اثر التطورات الحاصلة في البلاد والتي من أهمها استقالة محمد الغنوشي الوزير الأول السابق وتعيين و زير أول جديد وإجراء تحوير على الحكومة والإعلان عن موعد لانتخاب المجلس التأسيسي وحل البوليس السياسي وصدور حكم قضائي بحل التجمع على إثر ذلك فإن جبهة 14 جانفي تعرب عن:
1- ان هذه المكاسب قد تحققت بفضل نضالات جماهير الشعب التي أضربت وتظاهرت واعتصمت في القصبة وعديد مدن البلاد وقدمت التضحيات الجسام من أجل المضيّ قدما في تحقيق أهداف الثورة.
2- إن الطابع الرئيسي لسلوك الحكومة لم يرتق بعد إلى مستوى القطع مع سياسات الماضي، لذلك فإن الاستجابة للمطالب الشعبية لم تكن حاسمة ومنسجمة مع متطلبات القطيعة التامة مع سياسات الاستبداد والفساد والعمالة التي طالما عانى منها شعبنا.
فقد وقع تشكيل الحكومة دون تشاور جدي مع القوى السياسية والتشكيلات المدنية والاجتماعية الفاعلة، وكان من المفروض أن يقع الإعلان عن حل الحكومة ثم إعادة تشكيلها لا أن يقع ترميمها. وقد ظلّت هذه الحكومة محتفظة بعناصر ذات صلة بالنظام البائد، وأخرى تدافع عن سياسات وخيارات ليبرالية أوقعت البلاد ومازالت في أزمات اقتصادية واجتماعية ما انفكّت تتفاقم، وهي تدافع عن إبقاء البلاد ضمن إطار الخضوع لسياسات الهيمنة الامبريالية.
3- تؤكد الجبهة على ضرورة المضيّ قدما في تطهير كامل هياكل الدولة والإدارة من القاعدة إلى القمة من كل المسؤولين الذين تورطوا في جرائم الاستبداد والفساد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والأمنية والقضائية والإعلامية والثقافية.
كما يتمسك بمتابعة المسؤولين عن إراقة دماء الشهداء ومعاقبة من تثبت إدانته وجلب من هم بحالة فرار.
وتتمسك الجبهة باسترداد كل أموال الشعب وممتلكاته المنهوبة منقولة وغير منقولة وتسخيرها لخدمة قضايا التنمية والتشغيل وتوفير مقومات العيش الكريم لكل أبناء الشعب وهو الأمر الذي يجب أن يتصدّر اهتمام كل مؤسسات الدولة. وتطالب بتعليق سداد الديون التي تورط فيها النظام البائد مع مؤسسات النهب الدولية.
4- إن حل التجمع الدستوري يجب أن يرفق بمحاسبة رموزه ومحاكمتهم على ما اقترفوه، ومنعهم من العودة لإفساد الحياة السياسية بعناوين جديدة وذلك بمنع كل من تحمّل مسؤولية في لجنته المركزية من النشاط السياسي القانوني مدة خمس سنوات، كما أن الاعلان عن حل البوليس السياسي يجب أن يرفق بفتح ملفات هذا الجهاز ومحاسبة المسؤولين فيه عن قتل المناضلين وتعذيبهم والتنكيل بهم وتطهير كل الأجهزة الأمنية من أي تأثير لها، مع إعادة صياغة العقيدة الأمنية بما يتوافق مع أهداف الثورة وتأهيل كل الكوادر الأمنية لتتوافق مع هذه الأهداف.
5- أن انتخاب المجلس التأسيسي لا يجب أن يتم وفق رزنامة مسقطة ووفق صيغ لم يقع التحاور الجدي في شأنها مع كل المكونات السياسية والتشكيلات المدنية والاجتماعية الفاعلة بل يجب أن يتم ذلك في ظل التوافق بين سائر هذه القوى.
6- تعلن الجبهة عن رفضها لأي مبادرة لتحديد الخيارات السياسية والاقتصادية وغيرها من قبل الدول الامبريالية، كما ترفض أي تواجد عسكري تحت أي تعلة في المياه الإقليمية أو المجال الجوي أو الحوزة الترابية لبلادنا.
7- تدين الجبهة سعي الحكومة المتواصل لضرب المجلس الوطني لحماية الثورة وإحداث هيئة لم تكن تركيبتها ومهامها وأهدافها محل توافق بين القوى السياسية والمدنية والاجتماعية وذلك في تعارض واضح مع الأرضية التي تأسس عليها المجلس الوطني لحماية الثورة ومع مشروع المرسوم الذي اقترحه، وفي سعي مكشوف لشقه بإقصاء جزء هام من مكوناته الثورية المناضلة وبدون رجوع للتشاور داخل المجلس.
8- تدعو الجبهة إلى إعادة النظر في هذه الهيئة على ضوء الاتفاقات الحاصلة داخل المجلس الوطني لحماية الثورة في جلسته الأخيرة.
9- تدعو الجبهة كل القوى السياسية الوطنية والتقدمية وكل فصائل الحركة الشعبية والهياكل المحلية والجهوية وعموم تشكيلات حماية الثورة إلى مواصلة اليقظة والنضال لإتمام ما ضحّى من أجله شهداء شعبنا والمضيّ على طريق الثورة حتى تحقيق كل أهدافها.
تونس في 10 مارس 2011
جبهة 14 جانفي"
كان اذا الوعي متقدا بحدود ما انجزته الثورة وبمحاولة الحكومة المؤقتة الالتفاف على الثورة بدءا بضرب المجلس الوطني لحماية الثورة الذي اولد ه الحراك الثوري وبدا يفرض نفسه كقيادة تعددية للمسار الثوري و يشكل بديلا ثوريا للحكومة المؤقتة والرئيس المؤقت الذين نصبتهما الايادي الخفية لفلول النظام البائد وقوى الاستعمار التي هرعت لإنفاذه من السقوط ولتحجيم الثورة.
وحددت هكذا الجبهة مهمة اساسية لإنجاح الثورة " المضي قدما في تطهير كامل هياكل الدولة والادارة من القاعدة الى القمة من كل المسؤولين الذين تورطوا في جرائم الاستبداد والفساد ....."
ولمواجهة مثل هذا المسار اختارت قوى الثورة المضادة التضحية بحكومة الغنوشي وقبول مبدا انتخاب المجلس التأسيسي مقابل تهميش المجلس الوطني لحماية الثورة والحيلولة دون تحول فوري للسلطة بقوة الثورة في ايدي النخب السياسية للمعارضة التاريخية للنظام وهذا حصل بمباركة قيادة اتحاد الشغل والقوى السياسية التي مدت يدها لبن علي يوم 13 جانفي 2014 ثم للغنوشي والمبزع
وقد حددت الجبهة برنامجا ثوريا معارضا للحكومة المؤقتة يدعو الى حل مجلس النواب ومجلس المستشارين والمجلس الاعلى للقضاء وتفكيك البنية السياسية للنظام السابق والاعداد لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي لصياغة دستور ديمقراطي جديد والعمل على بناء اقتصاد وطني مستقل في خدمة الشعب توضع فيه القطاعات الحيوية والاستراتيجية تحت اشراف الدولة وتوفير الشغل للعاطلين عن العمل
ولكن هذه التجربة الجبهوية لم يكتب لها النجاح حيث لعبت المصالح الفئوية بين الاحزاب المكونة لها والخلافات التاريخية بين حزب العمال بقيادة حمة الهمامي والوطنيين الديمقراطيين وقد عمقت تلك الخلافات الموقف من بادرة الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والتي دعمها بقوة تحالف الاحزاب المهادنة لبن علي وقيادة اتحاد الشغل . وهكذا تمكنت قوى الثورة المضادة من افشال هذه التجربة وتهميش المجلس الوطني لحماية الثورة وتقدمت قوى اليسار من ماركسيين وقوميين لانتخابات المجلس التأسيسي مشتتين و كانت النتائج كارثية
وامام هذا الفشل الانتخابي الذريع لليسار اصيبت المعارضة التاريخية للاستبداد بانقسام عميق اجهز نهائيا على جبهة 18 اكتوبر واستفردت النهضة بالسلطة على راس تحالف تشكل على عجل طغت عليه الحسابات الشخصية للمرزوقي و بن جعفر على حساب الثورة واهدافها مما مكن قوى الثورة المضادة بقيادة السبسي من تنظيم الصفوف والتقدم كبديل "حداثوي " ضد حكم النهضة التي كانت آخر من التحق بالثورة واول من التف عليها برفض تفعيل مسار العدالة الانتقالية الذي اصبح وسيلة ابتزاز ومساومة لتتمكن النهضة من السيطرة على مفاصل الدولة .و انتهجت سياسة تطمينات القوى الاستعمارية والرأسمالية الطفيلية بالالتزام بنفس السياسة العامة للدولة التي كان ينتهجها حزب الدستور منذ الاستقلال
في ظل هذه الاوضاع القاتمة تشكلت الجبهة الشعبية كمشروع ثوري بديل على الاستقطاب الثنائي الذي بدا يحتكر الجال السياسي الوطني .
اعلن عن قيام الجبهة الشعبية يوم 07-10-2012 والتزمت الاحزاب المكونة برزنامة عمل يمكن تلخيصها في المهام التالية :
- - الدعوة لكل القوى ااوطنية والثورية والكفاءات والطاقات المتشبثة بتحقيق اهداف الثورة للمشاركة في تاسيس الجبهة الشعبية وبنائها
- - صياغة ارضية سياسية للجبهة ونظام داخلي و لائحة للمهام المباشرة
- - عقد ندوات جهوية ومحلية وقطاعية لتوحيد المواقف والممارسات بين مختلف مكونات الجبهة وتركيز هياكلها الجهوية والمحلية والقطاعية
- عقد مؤتمر وطني تاسيسي للجبهة يصادق على الوثائق النهائية للجبهة ويفرز هياكلها القارة
وقد انجزت الجبهة جزء من هذه المهام باصدار نداء للقوى الوطنية والثورية وصاغت الارضية السياسية والنظام الداخلي وعقدت الندوات وتشكلت تنسيقيات مؤقتة وقيادة تظم الامناء العامين للأحزاب المكونة للجبهة في انتظار انعقاد المؤتمر التأسيسي
بعد تحليل مطول للأوضاع منذ الاستقلال ومختلف حلقات النضالات الشعبية ضد "النظام الاستبدادي اللاوطني واللاشعبي"
استخلصت الارضية :
"إن بلادنا تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج لها إلا بمواصلة الشعب التونسي لمسيرته النضالية بأبعادها الوطنية والديمقراطية
والاجتماعية والثقافية والبيئيّة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة وإرساء سلطة الشعب. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالقطع مع تشتت
القوى الثورية والوطنية والديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة وتحالفها معا صلب جبهة
شعبية تشكل بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين "قطبين" والحال انهما يلتقيان في الحفاظ على
نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية و إن تغلف أحدهما بغلاف "ديني" و الاخر بغلاف "حداثوي" مما
يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الإلتفاف عليها.
ويتأسس هذا البديل على أرضية سياسية تشكل الحد الأدنى السياسي والوطني لكل القوى والأطراف الوطنية والشعبية
المتمسكة بالنضال من أجل تحقيق أهداف الثورة و العمل على إنجاحها وتقوم على الخيارات والمبادئ والقيم التالية:
.1 المسألة الوطنية والديمقراطية:
بناء نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشعب
• · يكرّ س الإستقلال الفعلي للبلاد.
• · يستند إلى مبدأ سيادة الشعب التي تتجلى في انتخاب كافة مؤسسات الحكم في المستويات الوطنية والجهوية والمحلية مع توفير
إمكانية مراقبتها ومحاسبتها وعزلها.
• · يقوم على أساس الفصل بين السلطات وضرورة التوازن بينها.
• · يضمن استقلالية السلطة القضائية وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.
• · يضمن حياد الإدارة إزاء الأحزاب والقوى السياسية وتسييرها بصورة ديمقراطية.
• · يضمن الحريات العامة والحريات الفردية وعلى رأسها حرية الرأي والإبداع والتعبير والصحافة والإعلام والنشر وحرية
التنظم والتنقل و الاحتجاج والتظاهر والإضراب وتوفير الشروط المادية لممارستها.
• · يحقق المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل ويقر تكافؤ الفرص بينهما في كل الميادين والمجالات ويحفظ مكاسب المرأة
ويدعم مجلة الأحوال الشخصية ويطورها ويقاوم كل أشكال التمييز والعنف المادي والمعنوي ضدها.
• · يفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي ويضمن حرية المعتقد وحر يّة ممارسة الشعائر الدينية ويتصدى لكلّ شكل من أشكال
التوظيف السياسي للدين ولدور العبادة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية ومؤسسات العمل الاجتماعي واستغلالها
لأغراض فئوية أو حزبية.
• · يتبع سياسة خارجية مستقلة ووطنية قائمة على دعم المقاومة الوطنية في فلسطين والعراق ولبنان وكل حركات التحرر
الوطني والانعتاق الاجتماعي في الوطن العربي والعالم ومساندة الثورات العربية والتصدي للتدخل الأجنبي فيها وتجريم كل
أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني والحركات العنصرية والعمل على تحقيق الوحدة العربية على أساس مبادئ الحرية
والمساواة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
.2 المسألة الاقتصادية والاجتماعية:
بناء اقتصاد وطني مستقل ومتوازن ومندمج، يحقق سيادة الشعب على ثروات البلاد ويضمن التنمية الفعلية لكل الجهات
ويقوم على التوزيع العادل للثروات بما يكفل تلبية الحاجات الأساسية المادية والمعنوية للشعب وهو ما يقتضي الإجراءات التالية :
• · مراجعة الاتفاقيات المضرة بمصالح البلاد والماسة باستقلاليتها.
• · تأميم القطاعات الإستراتيجية وضمان إداراتها بصورة ديمقراطية وناجعة.
• · تأميم المؤسسات المصادرة وعدم التفريط فيها للرأسمال الأجنبي
• · تطوير صناعة وطنية تستند إلى حاجات البلاد وإلى كفاءاتها وقدراتها.
• · إلغاء المديونية بناء على دراسة دقيقة للقروض التي أبرمتها الدكتاتورية .
• · إرساء نظام جبائي عادل وشفاف.
• · إصلاح زراعي لفائدة الفلاحين الفقراء والصغار.
• · ضمان الحقوق الأساسية في الشغل الكريم والسكن اللائق والتعليم العمومي المجاني والإجباري والراقي وفي العلاج المجاني.
• · ضمان حرية التنظم النقابي والحق في الإضراب.
• · ضمان حق كلّ مواطن وحق كل الأجيال القادمة في بيئة متوازنة وسليمة وفي محيط طبيعي ملائم للصحّة وخال من النفايات
ومقاومة التلوث والتركيز على الطاقات المتجددة غير المضرة بالأحياء.
.3 المسألة الثقافية والتربوية:
• · ضمان حرية الإبداع في كل أشكاله الفنية والثقافية والفكرية والعلمية وإيجاد الأطر والأشكال الكفيلة بدعمه وتطويره.
• · إرساء ثقافة وطنية منفتحة على الثقافات الأخرى يتساوى في الإنتفاع بها جميع المواطنين دونما تفرقة أو تمييز بين الفئات والجهات.
• · ضمان الحريات الأكاديمية وتطويرهياكل البحث العلمي وتكريس استقلاليّتها.
• · إرساء منظومة تعليمية ديمقراطية شعبية وموحَّدة.
• · إرساء سيادة اللغة العربية وحمايتها وتطويرها وتنميتها وتكريس استعمالها في التعليم والمعاملات الرسمية والإدارية معالانفتاح على اللغات الأخرى.
• · العمل على تجذير شعبنا في هويته الوطنية التي تشكلت عبر سيرورة تاريخية طويلة ومتنوعة تَثرى وتتطور باستمرار عبرالتفاعل الخلاق بين مقوماتها الحضارية العربية الإسلامية النيّرة ومكتسبات التقدم الإنساني والوقوف ضد كل محاولة لضربانتمائه الوطني والقومي والحضاري وكل أشكال الهيمنة الثقافية ومقاومة كل ضروب التعصب والانغلاق.
• · العمل على نشر قيم العقل والتنوير والتقدم وقيم المواطنة وحقوق الإنسان.
• · العمل على تجاوز النزعات الفردانية والسعي إلى ترسيخ قيم وعلاقات اجتماعية تضامنية بين أفراد الشعب.
ولتحقيق هذه الاهداف والمبادىء
"يعتبر الممضون على هذه الوثيقة أنّ الهدف الرئيسي للجبهة هو استكمال المسار الثوري وإرساء سلطة الشعب عبر
كل أشكال النضال الممكنة بما في ذلك الانتخابات ويؤكدون على الاستعداد للتفاعل الايجابي مع كل المبادرات الوطنية والشعبية
التي تلتقي مع توجهات الجبهة ومهامها."

اننا لا نختلف عموما مع هذا التوصيف للأوضاع ومع المهام الاساسية التي حددتها الجبهة لاستكمال تحقيق اهداف الثورة ولكننا نلاحظ بعض النواقص الهامة والتي سيكون لها ابعد الاثر على السياسات التي توختها الجبهة منذ تأسيسها والتي حسب راينا حالت دون تحقيق هدفها الاساس في المرحلة ان تكون بديلا للاستقطاب الثنائي الرجعي الذي يرمي الى طمس التناقض الحقيقي بين قوى الثورة والقوى المعادية للثورة
1- غياب مهمة تفكيك منظومة الفساد والاستبداد كمدخل ضوري لبناء الدولة الديمقراطية والوطنية وتحقيق المجموعات الثلاث من المهام التي تشكل الحد الادنى السياسي والوطني للجبهة . فقد وعد الاعلان عن تشكيل الجبهة كما رأينا مهمة غابت عن الارضية وهي "لائحة المهام المباشرة والتي اكد عليها بيان تأسيس جبهة 14 جانفي في 10 مارس 2011 وهي " المضي قدما في تطهير كامل هياكل الدولة والادارة من القاعدة الى القمة من كل المسؤولين الذين تورطوا في جرائم الاستبداد والفساد ....." وهذا بالرغم من تأكيد مقدمة الأرضية على هذا الجانب في توصيقها لسياسات الترويكا والتي من خلالها" وقع الالتفاف على الإصلاحات الديمقراطية التي طالبت بها الثورة على مستوى الإعلام والقضاء والإدارة والمؤسسات الأمنية التي استندت إليها الدكتاتورية في قمع الشعب والسيطرة على المجتمع. إن الحكومة تماطل إلى حد الآن في إنصاف الجرحى ومحاسبة قتلة الشهداء ورموز الاستبداد والفساد وتحاول كسبهم إليها وتمكينهم من صكوك غفران مقابل دعمهم" ولكن تقاعس الترويكا عن تفعيل مسار العدالة الانتقالية واستعماله لخدمة برامج النهضة في الهيمنة على مؤسسات الدولة لم تقابله الجبهة بالعمل الميداني والدعوة لتفكيك منظومة الفساد والاستبداد كمهمة عاجلة ومصيرية في انجاح المسار الثوري والمحافظة على زخمه وتفادي الاحباط الذي سقط فيه العديد من شباب الثورة
ان غياب هذه المهمة المرحلية المركزية من وجهة نظر مسار تحقيق اهداف الثورة في برنامج الجبهة كان له ابعد الاثر في تشتيت القوى الديمقراطية والثورية وحضر الارضية المواتية لانزلاق الجبهة في التحالف مع فلول النظام البائد في ما سمي بجبهة الانقاذ كما سنرى لاحقا .
2- تحدد الارضية القوى صاحبة المصلحة في تحقيق اهداف الثورة و تحصرها في" القوى الوطنية والثورية" بدون تدقيق للمعيار الذي احتكم اليه في تحديد هذه القوى وهذا الغموض من شانه ان يؤدي الى الخلط بين قوى الثورة والقوى المعادية لها بين القوى التي يمكن التحالف معها او التقاطع معها تكتيكيا والقوى التي لا سبيل للتحالف او حتى التقاطع معها تكتيكيا . و مثل هذه التدقيقات لا يمكن القيام بها بمعزل عن تحديد الاهداف الاستراتيجية من ناحية و المهام المباشرة من ناحية اخرى سواء تلك التي تفرضها الظروف الآنية او تلك التي تفرضها مستحقات الثورة والطرق الكفيلة بتحقيق الاهداف الاستراتيجية حتى لانبقى في اوضاع رد الفعل والجري وراء الاحداث وانما ننخرط في عملية خلق الحدث او بالأحرى في عملية التغيير ..
ان الهدفين الاستراتيجيين للثورة والمتمثلين في هذه المرحلة التاريخية ,في الديمقراطية وبناء دولة المواطنة من جهة واستكمال استقلال الارادة الوطنية و التحرر الوطني في بعديه الوطني والقومي هما البوصلتين التين على اساسهما يمكن لنا تحديد موقع كل طرف سياسي على الساحة من الثورة . وبما ان هاتين المهمتين لايمكن تحقيقهما بدون تعبئة واسعة ودائمة للقوى الشعبية فان مهمة ارساء العدالة الاجتماعية تعتبر المهمة المركزية الثالثة والتي بدونها لا يمكن مواجهة الاعداء الداخليين والخارجيين فالقوى المعادية للثورة هي تلك التي ترفض الديمقراطية وتدعو للاستبداد وهي التي ايضا تقبل "اللعبة " الديمقراطية قولا ولكنها تعمل ضد الوطن والامة وتدافع عن القوى الاستعمارية ولا ترى مستقبلا بدون التحالف معها والدفاع عن مصالحها .بينت الاحداث منذ اندلاع الثورة ان النهضة والنداء لا يمتان بصلة بالديمقراطية التي يتشدقون بها ولا بمصالح الوطن والامة العربية التي خانوا وما يزالون قضاياها كما بينت الاحداث كيف تحالف التكفيريون مع القوى الاستعمارية والصهاينة لتدمير اوطاننا وتفتيتها اما بقية القوى السياسية فهي اما صديقة للثورة أو تتأرجح مواقفها حسب موازين القوى على الساحة .
ان خطأ هذا الفصيل او ذاك في التقدير وتقرير التحالف او "التقاطع " مع هذا القطب او ذاك من معسكر الثورة المضادة لا يجعل منه بالضرورق و بصورة نهائية قوة مضادة للثورة .ولكن هذا التحالف يجعل منه رافدا وقتيا للثورة المضادة اذا كان هذا التحالف بقيادة القوة المضادة للثورة ويمكن ان يكون في ظل موازين قوى اخرى عملية ضرورية لشق صفوق الثورة المضادة واضعافها او اجبار فصيل منها للانضواء لصفوف الثورة مؤقتا لتحقيق هدف مرحلي محدد تحت قيادة قوى الثورة وبشروطها
لقد كان هذا الغموض في تحديد قوى الثورة و غياب الفصل الواضح بينها وبين قوى الثورة المضادة من الاسباب التي جعلت الجبهة تسقط في فخاخ الثورة المضادة وتقطع الجسور مع الاصدقاء وتمد ها مع فلول العهد البائد لتخرجهم من جحورهم ليتطاولوا على الثورة ثم ليسترجعوا الحكم في تناغم مع النهضة وتقاسم ادوار معها وهكذا قطعت الطريق على المرزوقي في الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية بتوصيفه خطآ وحيفا كممثل للثورة المضادة و مرشح للنهضة بهدف ابعادها عن الحكم و ساندت هكذا سرا او علنا راس الثورة المضادة الذي اعلن الغنوشي صراحة مساندته له لينجح في الرئاسة ويدعم تشريك النهضة في الحكم بعد الانتخابات وهكذا تمكن هذا الرمز من الثورة المضادة من العودة للسلطة باستعمال كل اساليب الغش والكذب مجندا طوابيرا من الاعلاميين من العهد البائد وانطلت الحيلة على العديد من احزاب اليسار الذي تمكن السبسي من تحويله لرافد من روافد ثورته المضادة .

3-. اما عن اشكال النضال لتحقيق الاهداف , تدعو الارضية لتوخي "كل اشكال النضال الممكنة بما في ذلك الانتخابات" ا ن هذا التعبير العام يطرح اكثر من تساؤل عن اساليب النضال الممكنة غير تلك التي تدور حول العملية الانتخابية . وهل ينحصر النضال في العملية الانتخابية وكيف وقع ممارستها في الواقع
اذا اقرينا بان الديمقراطية هي الشكل الوحيد لممارسة الحكم الكفيل بالحفاظ على السلم الاهلي وتفادي الحرب الاهلية وهو اسلوب الحكم الوحيد الذي من شانه ان يمكن اوسع الفئات الشعبية من الدفاع عن مصالحها و التأثير ومراقبة الحاكم وحل التناقضات الاجتماعية بالطرق السلمية فان استعمال الاساليب العنيفة في النضال السياسي يصبح مرفوضا و لا يعتبر من اساليب النضال الممكنة .
ولكن الانتخابات ليست الشكل الوحيد للنضال في النظام الديمقراطي ,فالتعبير عن الرأي والغضب فالتظاهر والتحركات الاحتجاجية والاعتصامات والاضرابات وحتى العصيان المدني هي من الاشكال النضالية التي لا يسمح بها النظام الديمقراطي فحسب بل تعتبر دعامات اساسية من دعاماته فالانتخاب طريقة لاختيار الحاكم بحرية لفترة معينة تؤسس للشرعية الانتخابية ولكن الاشكال الاخرى تعتبر وسائل مشروعة لتغيير موازين القوى داخل المجتمع بالنظر للإمكانيات المادية والاعلامية الغير متساوية بين مختلف الفئات الاجتماعية للضغط من اجل فرض حلول عادلة للصراعات الجماعية . وبالتالي فان الشرعية الانتخابية لا تنفي ولا تلغي الشرعية الشعبية التي هي تعبير عن الشرعية الثورية بعد ارساء المؤسسات الديمقراطية.
لقد مارست الجبهة كل اشكال النضال المشروعة ولكن البعض من قادتها وتجاوبا مع دعوات السبسي لحل المجلس التأسيسي بالقوة سقطوا في دعوات انقلابية مبطنة وهكذا نادت الجبهة في بيان 26 جويلية 2013 بحل المجلس التأسيسي بالعصيان المدني ولكن مهيبة "بقوات الجيش الوطني والامن الداخلي بان تحترم ارادة الشعب وان تحمي نضالات الشعب السلمية والممتلكات الخاصة والعامة" و كما اريد لها ان تكون تمكنت العمليات الارهابية التي اغتالت اثنين من قيادييها البارزين من ان تفقدها توازنها وبوصلتها وانخرطت في جبهة الانقاذ اعتقدت انها من اجل انقاذ البلاد من حكم النهضة ولكنها كانت في الحقيقة انقاذا لفلول النظام البائد الذي قرر التحالف مع النهضة واقتسام السلطة معها في الاجتماع الذي جمع السبسي بالغنوشي في باريس على حساب الثورة واحزابها , ولم تكن الخطابات النارية بينهما طوال الحملة الانتخابية سوى مسرحية خسيسة لم يعتقد في جديتها سوى اليسار بكل مكوناته .
لقد حاول بيرم ناجي في ورقته "انقذوا الجبهة من الانقاذ "23 مارس 2014 ان يقوم بتقييم ممتاز لتلك التجربة ولكن اسقاط مهمة المحاسبة والعدالة الانتقالية من المهام العاجلة للجبهة لم تمكنه من معالجة الخيارات التكتيكية في تلك المرحلة بطريقة صائبة .يقول في ورقته:"
"خيرت الجبهة الشعبية تكوين جبهة انقاذ ليس لتعويض الترويكا عند اسقاطها بل باسقاطها و تكوين حكومة مستقلة عن الجميع.ان هذا الخيار دقيق جدا و يمكن ان تكون له ايجابيات و سلبيات – .......

ان طرح جبهة الانقاذ بهذا المعنى أدى الى مكاسب – الاطاحة بالترويكا- و لكن الى مصائب يمكن تلخيصها في اثنتين:
الأولى : عدم التزام "نداء تونس" بالخط الديمقراطي الى الآخر. فبينما كان تصوري الشخصي- مثلا- يسمح بالضغط على نداء تونس- نظريا على الأقل- حتى الانتخابات المقبلة و الحكومة التي يمكن أن تنشأ عنها. أدى تكتيك جبهة الانقاذ الذي اعتمدته الجبهة الشعبية الى تحقيق نداء تونس لهدفين خاصين هما اسقاط النهضة- الترويكا - و هو هدف مشترك مع البقية- و لكن معه اعادة رسكلة التجمعيين طالما ان الأرضية المشتركة لجبهة الانقاذ كانت موجهة ضد عودة "الاستبداد الجديد" ولا شروط سياسية فيها على الحليف بالتزام منع عودة الاستبداد السابق أيضا في خضم النضال ضد الاستبداد النهضاوي.
الثانية : تراجع الجبهة الشعبية وتواجدها في وضعية لا تحسد عليها سياسيا و أخلاقيا لأنها قبلت بجبهة انقاذ أساسها معاد للنهضة و نتائج سياستها ولكن لم يكن في ممارسة جبهة الانقاذ ما يمنع من الضغط على الجناح اليميني في نداء تونس و يمنعه من اعادة تشغيل ماكينة التجمعيين المنحلة و هو ما أدى الى ارتباك داخلى ادى الى انسحاب أربعة أحزاب من الجبهة مع عدد من المستقلين و تذمر كبير في صفوف القواعد . هذا رغم ان نقطتي "المقدرة الشرائية" و " السيادة الوطنية " كانتا تمكنان جزئيا من الفرز النسبي. و لكنني أعتقد أن المشكل الأكبر كان في التطبيق العملي لتكتيك جبهة الانقاذ اذ لم تتحرك الجبهة الشعبية بمفردها كثيرا و باستقلال عن "الاتحاد من أجل تونس" للحفاظ على تميز خطها المعادي ليس فقط للاستبداد الجديد بل لعودة القديم أيضا أضافة الى المسائل الوطنية و القدرة الشرائية. "

لقد انطلقت الدعوات لتشكيل تحالف بين اليسار والوسط وكل القوى الديمقراطية من كل حدب وصوب لتحقيق اهداف الثورة ضد السياسة الخيانية لحكومة الترويكا في كل الاصعدة وقد كانت مهمة المحاسبة والعدالة الانتقالية كفيلة بفرز هذه القوى وعزل فلول العهد البائد من جهة وكشف حقيقة التلاعب الذي اعتمدته النهضة بهذا المطلب العاجل من اجل ان يقبل بها الفسدة والعملاء والقوى الخارجية و ما يسمى بالدولة العميقة كمعبرة عن مصالحهم كما كان حزب الدستور والتجمع المنحل . وكان هذا هو الشرط السياسي الذي كان من الممكن فرضه لمنع "رسكلة التجمعيين"
وهذا ما نادينا له آنذاك بدون ان نلقى آذانا صاغية ومع الاسف الشديد ( انظر :لنعمل من اجل انقاذ الثورة 05/,10/2012 أو من اجل الوفاء للثورة 20/05/2013 )
ولكن انعدام التواصل والحوار بين اصدقاء الثورة حال دون تظافر الجهود لمجابهة الاوضاع بروية ووضوح , وليس هذا غريبا فالتواصل منعدم حتى داخل المكون السياسي الواحد كما كان الحال ومازال في الجبهة وغيرها كما اشار له بيرم ناجي على حق حين قال:
"لكن كان من المهم حسب رأيي توضيح ايجابياته( أي تكتيك جبهة الانقاذ) و احتمالاته السلبية في وثائق نظرية- تكتيكية و عدم الاكتفاء بمحتوى قرار ندوة سوسة حتى يفهم المناضلون لماذا تم اتخاذ هذا التكتيك و ماهي احتمالاته الايجابية و السلبية و كيف تعالج الثانية ان تغلبت على الأولى . و لكن لا بد من الاعتراف انه من السهل اليوم قول هذا و تقييمه و لكنه كان من الصعب ذلك حينها . و حتى لو تم فكان سيكون ضربا من التوقع لا غير مع ان بعض المؤشرات يمكن ان تساعد على التوقع طبعا. لكن – مع الأسف- ان واحدا من عيوب الجبهة الشعبية الكبرى انها لم تقم في اية محطة كبرى بتوضيح تكتيكاتها لمناضليها. انها لا تكاد تستشيرهم -فمجلس الأمناء و المقربين منه يقومون بكل شيء- بل تعلمهم بالتكتيك و لا تفسر لهم حتى لماذا اتخذ ثم لا تقيم معهم نتائجه و هي نقيصة كبرى لا بد من تداركها بسرعة و دون تصفية حسابات أو مزايدات لا طائل منها"

5- ان هذه الاخطاء السياسية كان من الامكان تداركها او الحد من نتائجها السلبية لو اعتمدت الجبهة خطة تنظيمية تمكن كل القوى داخلها من ابداء الرأي واثراء النقاش داخلها وتشريك جميع قواها الفكرية في اتخاذ القرارات الهامة وخاصة تلك التي تتعلق بمواجهة التحولات السريعة والخطيرة في الساحة السياسية الوطنية وتمثل عقدة التحول الى حزب سياسي ودور مجلس الأمناء داخل الجبهة اهم التحديات التي تواجهها حاضرا ومستقبلا وهذا ما اشار له بيرم ناجي واكدت عليه العديد من الورقات الاخرى مثل "الجبهة مشروع وطني معطل لماذا؟" لمصطفى القلعي أو "حول الندوة الوطنية الثانية للجبهة الشعبية 31 ماي-01 جوان 2014" لمناضلون مستقلون في الجبهة الشعبية.
انني وكصديق للجبهة ادعو كل المناضلين المستقلين والذين يشككون اليوم في جدوى الندوة الوطنية القادمة لحضورها والعمل داخل الجبهة لإنقاذها من اخطائها كما ادعو قياداتها الحالية للعمل من اجل الحفاظ على وحدتها وقبول التخلي تدريجيا عن مجلس الأمناء العامين كقيادة للجبهة بتوسيع المجلس القيادي بمناضلين منتخبين من طرف الندوة الوطنية للتحضير للمؤتمر الوطني للجبهة الذي يجب عقده قيل الانتخابات المحلية القادمة .
آفاق المستقبل وخيار الجبهة الديمقراطية

- ان المعركة القادمة ستكون حاسمة في تطور الجبهة وغيرها من الأحزاب الديمقراطية والوطنية و في العمل من اجل انقاذ الثورة واهدافها وستتمحور المعارك مع الثورة المضادة حول المسائل الاساسية التالية:/

-الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية داخل وخارج مجلس نواب الشعب و ما مشروع قانون "حماية الامنيين " سوى مثال واضح عن النوايا الاستبدادية للتحالف الرجعي الحاكم في الالتفاف على الحريات باسم محاربة الارهاب وضمان الافلات من العقاب للأدوات القمعية للسلطة
-الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية وعن هيئة الحقيقة والكرامة والذي تشكل التحالف الحاكم من اجل اجهاضه بضمان اغلبية الثلثين داخل المجلس ليتمكن الفلول من وأد المحاسبة وتكريس حالة الافلات من العقاب وضمان ديمومة منظومة الفساد والاقتصاد الموازي
- التحضير لمعارك بناء الديمقراطية المحلية على مستوى الانتخابات المحلية والجهوية وخاصة في مستوى السلطات والامكانيات التي ستعطى للإدارات المحلية والجهوية المنتخبة في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية
- فضح الخيارات التنموية المستندة على المزيد من المديونية والمزيد من تهميش العمل المنتج والتفريط في مقدرات البلاد للرأسمال العالمي مع ما ينتج عنه من استفحال للبطالة وغلاء الاسعار
- رفض الاذعان لإملاءات الرأسمال العلمي في تحديد الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية والتي تعمل على تحييد الدولة و خصخصة القطاعات الاستراتيجية لفائدة الرأسمال العالمي من اتصالات وطاقة وتربية وصحة وغيرها والعمل من اجل اصلاح حقيقي وعادل للمنظومة الجبائية حتى تكون اداة للتنمية في خدمة الاغلبية من الشعب الكادح بالفكر والساعد
- فضح سياسة الانحياز لقوى الرجعية العربية والانصياع للاستعمار العالمي وخاصة الاتحاد الاروبي الذي بدأت الحكومة الحالية اتباعه كما تجلى واضحا في قبول الاملاء ات الاروبية عبر الشراكة المتميزة المزعومة ومساندة العدوان السعودي على اليمن و مواصلة مساندة الحرب الارهابية على سوريا


ان التركيز على هذه المهام في المرحلة القادمة سيكون الطريق لبناء الوحدة السياسية الداخلية للجبهة الشعبية من جهة ولبناء التحالفات السياسية الضرورية مع القوى السياسية الصديقة للثورة حول هذه الأهداف وهو الطريق الامثل لفضح وعزل التحالف الرجعي الدستوري النهضوي الحاكم الآن واعادة فرز قوى الثورة والقوى الصديقة من القوى المعادية للشعب والامة
واذا بدأت هذه الورقة بملاحظات متشائمة عن مدى نضج الطبقة السياسية المعارضة للتوجه الحالي للأوضاع في بلادنا ,فان الاحداث تتطور لتبين ان هذه النبرة المتشائمة قد تتغير مستقبلا اذا تأكدت الاخبار التي وصلتنا عن تقدم جدي للنقاش بين عدة احزاب من بينها الحزب الجمهوري و حركة الشعب والتحالف الديمقراطي وغيرهم لبناء جبهة ديمقراطية اجتماعية .ان هذا المنحى هو الطريق الصحيح لتجاوز متاهات الماضي ونتمنى ان تكون البرامج الموحدة لهذه الجبهة صديقة للثورة واهدافها في الشغل والحرية والكرامة الوطنية حتى تدخل هذه القوى في المعارك الانتخابية المحلية ببرامج واضحة من شانها اعادة الامل لشبابنا والطبقات المستضعفة من شعبنا



#محمد_اللوز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل جبهة ديمقراطية و وطنية في تونس


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد اللوز - من اجل بناء الجبهة الديمقراطية بتونس