أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - قراءة في رواية ممرات للفقد ..لدكتور عمار علي حسن














المزيد.....

قراءة في رواية ممرات للفقد ..لدكتور عمار علي حسن


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4823 - 2015 / 5 / 31 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


لم تضع الكاتبة المصرية هويدا صالح المفتتح الأول لروايتها «ممرات للفقد» هباء، بل جعلت منه مرشداً أميناً لكل من يريد أن يلملم أشتات نصها الذى يبدو مبعثراً إن نظرنا إليه للوهلة الأولى أو قرأناه على عجل، لكنه ينتظم أمام الأعين والأذهان إن أمعنا النظر فيه، وتعاملنا معه على أنه محاولة مختلفة فى الشكل، وإن كان مضمونه متماثلاً إلى حد بعيد مع نصوص سابقة للكاتبة أو روايات لآخرين تناولت مكابداتهم مع أمراض الروح والبدن.
فالمفتتح يبدأ قائلاً: «تلك كانت طريقتها فى التذكر، تقوم بثبيت المشهد، تركب كادراتها المنتقاة بجانب بعضها البعض، تصحو من النوم محملة بكثير من مشاهد أحلامها المبعثرة»، بينما تقول فى جملة من مفتتح ثانٍ غارق فى الشعر: «وحدها تجيد شحذ الذاكرة.. تتجول فيها»، فالعبارتان ترسمان معالم الرواية بأكملها، إذ إننا أمام مشاهد مبعثرة تستعيدها ذاكرة لديها قدرة على أن تتجول بحرية فى الزمان والمكان، وتلتقط أشياء عديدة تكون بمنزلة ممرات متجاورة حيناً، ومتتابعة حيناً، للغربة والألم والقهر.
تبدو الرواية، الصادرة عن الدار العربية للعلوم بالتعاون مع نادى جازان الأدبى فى السعودية، متماهية إلى حد كبير فى بنائها مع خبرة كاتبتها فى رحاب القصة القصيرة والمتوالية السردية، إذ صدرت لها من قبل مجموعة بعنوان «سكر نبات» ومتواليتان هما: «الحجرة 13» و«بيوت تسكنها الأرواح»، بل إن هذا التماهى يمتد إلى المضمون، حيث تعزف الكاتبة على وترها المعتاد حين تجسد حالات للقهر الواقع على النساء، دون أن تسقط فى فخ الأدلجة النسوية، وتراوح بين الذاتى والموضوعى، أو بين خبرتها الشخصية وبين ما سمعته من أخريات وآخرين، وهو ما سبق أن تجلى فى روايتيها «عمرة الدار» و«عشق البنات»، اللتين أخذتا شكلاً مختلفاً عن روايتها الأخيرة.
هنا تتعدد ممرات الفقد التى تلاقيها بطلة الرواية، التى تخاطبنا بلغة شاعرية لا تخلو من مراوغة، فهناك فقد بالرحيل الأبدى، الذى لا مناص منه، تعايشه فى طفولتها حين يرحل والدها، وهناك فقد لأجزاء من جسدها يسبب لها ألماً شديداً، نفسياً وبدنياً، مثل تجربتها مع الختان، وفض بكارتها ليلة عرسها، ثم قطع ثدييها بسبب استشراء السرطان بهما لتصير مكانهما حفرتان سوداوان، وألم الحمل وما صاحبه من أمل فى أن تلد لبنتها أخاً يؤنس وحدتها، لكنه لم يلبث أن انتهى إلى سراب حين مات جنينها مخنوقاً فى شهره السابع بحبله السرى، وترك فى نفسها وجعاً أشد من كل الآلام السابقة، ويصير كابوساً يطاردها أينما حلت، فها هى تقول: «وصرت كل يوم أحلم بوجهه الذى صار أزرق، وملامحه التى كانت تشبه أبى الذى تركنى هو الآخر ورحل قبل سنوات. صرت كل يوم يأتينى وجهه، ويلومنى لأننى سبب اختناقه، أنا التى خنقت صغيرها، ولم تفلح أغانيها أن تجعله طفلاً سعيداً، أنا التى خنقت صغيرها، ولم تدعه حتى يكبر ويصير أخاً لابنتها يشد عزمها».

وتبدو بطلة رواية «ممرات للفقد» للأديبة هويدا صالح صامدة فى وجه فقدان أجزاء من جسدها، لكنها تخشى أن تفقد روحها، حين تضيع منها هويتها، أو تكون غير ما تريد، فتقع فى أتون صراع نفسى ضار، لا تملك فى مواجهته سوى تذكر اللحظات القديمة من الطفولة البعيدة، حين كانت تتوق إلى ركوب الدراجة، أو اللحظات الأولى التى بدأت تشعر فيها بأنوثتها حين كانت أصابع المدرس تمتد خلسة إلى صدرها، وأيضاً استدعاء كل ما فى الروح والجسد معاً من قدرة على المقاومة، وهنا تقول الرواية عن بطلتها: «لا تعرف كم من السنين مرت وهى تمشى لقدرها بخطو ثابت، لم تتوقف لحظة لتقاوم كل ما يأتيها من الآخرين، تتألم فى صمت يليق بقديسين، ثم تواصل الحياة، لكن كل لحظات الألم كانت تسكنها، تسكنها هناك فى العمق من روحها. لم تستطع يوماً أن تتجاوز كل ما يأتيها من آلام، لم تتجاوزها مطلقاً، فقط تتلقى الصفعات وتصمت، تصمت دون مقاومة تُذكر».
ولم تشأ الكاتبة أن تعرض هذه التجربة عبر حكاية خطية، أو تضعها فى بناء تقليدى أو معتاد، إنما بثتها فى شذرات أو مشاهد يربط بينها الراوية، وآلام البطلة. وتتابع ممرات الفقد التى بدت مع تصاعد الرواية أشبه بمحطات واصلة بين أزمنة مختلفة فى حياة تلك البطلة، وكأن الكاتبة وضعت فى رأسها تصوراً ظل يحكم نصها من بدايته إلى نهايته، وهو ذكر أصناف عدة للفقدان والألم، وإن لم تأت على هذا فى تريب زمنى، إنما كانت تذهب وتجىء فى أيامها بحرية تامة، وتبوح بكل ما يرد على ذهنها أو يجول بخاطرها، فمرة تصيغه بلغة فصحى جلية، ومرة بفصحى غامضة، وأخرى بالعامية الدارجة، وأحياناً بالشعر، حيث حفلت الرواية بمقاطع شعرية مثل:
«رجل وحيد
يرتل أوجاعه
يلملم خيوط الدهشة
ينثرها فى وجه العتمة
ينتظر امرأة قرأ خرائطها الأولى ذات حلم».
أو تلك المقطوعة التى تقول:
«بنت تنتظر حبيباً يلوّن الحلم بألوان قزحية
يعيد للروح بهجتها ويفك شفرات حلمها
غابة روحى لم تعد تطرح دونك
أيها الواقف هناك فى مفرق التيه
سلام إليك.. وسلام عليك
أنت المتدلّه فى كل القلوب
الساكن منذ الأزل كل العصور والآهات».
هكذا تتنقل الكاتبة بين حالات نثرية وشعرية، تنسج منها خيوط عملها المفعم بالألم، تاركة لقارئ الرواية وحده أن يجمع المتفرق ويرتب المبعثر ويتمم الناقص أو يسد الفراغات، ويجمع الخيوط ويرسم ملامح بطلة مقهورة ورواية مختلفة.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجيب محفوظ بين السيرة الذاتية والتخييل السردي .. أصداء السير ...
- طرف من سيرة جدتي دولت
- الكرنفالية وتعدد الأصوات في رواية - كلما رأيت بنتًا حلوة أقو ...
- هل قتل النبي كعب بن الأشرف بكلمته؟!
- الخروج: آلهة وملوك.. أم إثبات حق العودة ؟!
- قراءة في صورة لقاء المثقفين بالرئيس عبد الفتاح السيسي !!
- امرأة الميدان ( حكاية عن شهرزاد يوم جمعة الحداد)
- المجتمع وضريبة الجسد !
- جابر عصفور والتنوير !!
- المثقف الميداني واستراتيجية العمل الثقافي
- خرائب النصر
- تشظي الذوات في نصوص فرق توقيت
- نماط متمايزة تصوغها رؤية أدبية مكثفة للواقع صورة المثقّف في ...
- العلاج بالفن في متتالية بيوت تسكنها الأرواح د. عمرو منير
- وجع اللذة في تمارين لاصطياد فريسة لعلي عطا
- سيرة الحرب والحب في رواية تيو
- بلاغة التفاصيل في رواية - الذرة الرفيعة الحمراء -
- التحريض والتثوير في روايات نجيب محفوظ
- الخطاب الأبكم الهامس في الفقه الأصولي .. قراءة في كتاب -النص ...
- إعادة استباحة مصر مجددا / ردا على تصريحات فاطمة ناعوت في جري ...


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - قراءة في رواية ممرات للفقد ..لدكتور عمار علي حسن