هيباتيا: شخصية من مصر

محفوظ أبو كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4818 - 2015 / 5 / 26 - 13:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هيباتيا ثيون الكسندروس (370 - 415) فيلسوفة سكندرية مصرية، ازدان بها الفكر الفلسفي في القرن الرابع الميلادي وعرفت بفيلسوفة الإسكندرية، امتازت بالجمال الفائق ووهبت نفسها للفلسفة وتميزت بالعبقرية، تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات، كما لمعت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك بجامعة الأسكندرية القديمة - التي كانت بحق أول معهد للبحوث في تاريخ العالم - وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، هي ابنة وتلميذة ثيون آخر علماء الرياضيات المعروفين، والمنتمين إلى مدرسة الإسكندرية وهوآخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم". وقد سافرت إلى أثينا وإيطاليا للدراسة قبل أن تكون عميدة للمدرسة الأفلاطونية نحو عام 400 ميلادية. وقد عرفت هيباتيا بدفاعها عن الفلسفة والتساؤل واتباعها المنهج الرياضى بدلا عن المنهج التجريبى الذى كان سائدا حينذاك، كما عرفت بمعارضتها للإيمان المجرد.
وكانت هيباتيا، بحسب الموسوعة البيزنطية المسماة (سودا) والتي صدرت في القرن العاشر الميلادي: "أستاذة فلسفة ومعلمة فلسفتَي أرسطو وأفلاطون على السواء"، وجاء بدائرة المعارف البريطانية عنها : "فيلسوفة مصرية وعالمة فى الرياضيات". وكان بين طلابها عدد من المسيحيين والأجانب، ورغم أنها كانت لا تؤمن بأي إله (لا يوجد مصدر يؤكد دينها)، إلا أنها كانت محل تقدير وإعجاب تلاميذها المسيحيين. واعتبرها بعض المفكرين المسيحيين في العصور اللاحقة رمزًا للفضيلة. تحدث عنها المؤرخ الكنسي سقراط في كتابه "تاريخ الكنيسة"، قائلاً: "كانت هناك امرأة في الإسكندرية تدعى هيباتيا، وهي ابنة الفيلسوف ثيون. كانت بارعة في تحصيل كل العلوم المعاصرة، ما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كل المناطق وإذا قامت بشرح فلسفة أرسطو أو أفلاطون اكتظت القاعات برجالات وأثرياء الإسكندرية وأكابرها كانوا يترددون على مجالسها ويحرصون عليها ، سيما وهى تعالج الكثير من المواضيع الشائكة وتثير الأسئلة المعقدة مثل: من أنا ? ومن نكون ? وما الخير ?. بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوى الظهور أمام العامة. رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها عن سواها، والذي أكسبها احترامهم وتقدير الجميع لها. كان والي المدينة (اورستوس) في مقدمة هؤلاء الذي كانوا يكنون لها عظيم الاحترام". تبادلت هيباتيا مراسلات مع تلميذها السابق سينوسيوس القورينائي، الذي أصبح عام 410 ميلادية أسقف بتلومياس (برقة – شرق ليبيا الحالية). وتعتبر هذه الرسائل مع كتابات دامسكيوس عنها المصادر الوحيدة المتبقية عن هيباتيا من طريق طلابها. كثير من أعمالها فى الرياضيات كانت عبارة عن أعمال مشتركة مع والدها، ثيون الكسندروس . ومن مساهماتها الهامة في مجال العلوم: قيامها بعمل رسم الأجرام السماوية، واختراعها مقياس ثقل السائل النوعي (الهيدرو متر)المستخدم في قياس كثافة ولزوجة السوائل. وذكر تلميذها سينوسيوس أنها اخترعت أيضا نوع من الإسطرلاب.
كان التفاف جمهور المثقفين حول الفيلسوفة هيباتيا يسبب حرجا بالغا للكنيسة المسيحية وراعيها الأسقف كيرلس الأول الذي كان يدرك خطورة هيباتيا على جماعة المسيحيين في المدينة، خاصة وأن أعداد جمهورها كان يزداد بصورة لافتة للأنظار، بالإضافة إلى أن صداقتها للوالي (أوريستوس) الذي كانت بينه وبين أسقف الاسكندرية (كيرلس الاول الملقب بعمود الدين) صراع سياسي في النفوذ والسيطرة على المدينة. كان أوريستوس مقربا إلى هيباتيا ويكن لها تقديرا كبيرا. كما قيل أنه كان أحد تلاميذها. وزاد الأمر سوءا أن الأسقف دخل في صراع مع اليهود الموجودين بالمدينة، وسعي جاهداً لإخراجهم منها، ونجح في ذلك إلى حد كبير وذلك بمساعدة أعداد كبيرة من الرهبان، الذين شكلوا ما يمكن تسميته (بجيش الكنيسة)، ولم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذه الفوضى، بل وتعرض بدوره للإهانة من جانب بعض الرهبان الذين قاموا بقذفه بالحجارة، بعد أن علموا بالتقرير الذي أرسله للإمبراطور بشأن الفوضى التي جرت بالإسكندرية جراء اشتباكاتهم مع اليهود، ومن ثم تأزمت العلاقة بين الكنيسة وبين الوالي أوريستوس رغم أنه كان مسيحياً، وسرت الشائعات في المدينة أن سبب هذا العداء بين رجلي الإسكندرية يعود إلى هيباتيا وتأثيرها على حاكم المدينة، وهذا لم يكن يعني حسب اعتقادهم أن المدينة لن تعرف الهدوء إلا بالخلاص منها. كان مقتلها مأساويا على يد جموع من الغوغاء اتهموها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في اضطرابات دينية. تتبعتها عقب رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها حيث قاموا بجرها من شعرها، ثم قاموا بنزع ملابسها وسحلها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها، وإمعانا في تعذيبها قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا بها النيران. ويرى العديد من المؤرخين الهيلنسيين أن مقتل هيباتيا يعد نهاية للعصر الكلاسيكي القديم، وكان بداية لمرحلة شهدت انحدار الحياة الفكرية السكندرية. ويقول كارل ساغان مؤلف كتاب الكون - كوزموز: "إن هيباتيا هي آخر بريق لشعاع العلم من جامعة الإسكندرية القديمة". حدث كل ذلك لأن جماعة من المسيحيين المتعصبين في ذلك الزمن رأوا فيها رمزا للفكر الوثني لما تحمله من أفكار فلسفية، وكانت هذه هي نهاية أول شهيدة علم في التاريخ البشري... هيباتيا السكندرية المصرية

#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات