|
صبيحة يوم جميل في إحدى ضواحي باريس .
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 19:51
المحور:
الادب والفن
صبيحة يوم جميلة في إحدى ضواحي باريس . حديقة قصر "سان جيرمان أولاي " . تسللت أشعة الشمس إلى غرفتي منذ أولى ساعات الصباح ، مبشرة بأن اليوم سيكون جميلا في عموم فرنسا وفي باريس التي أتواجد في مرابعها ، فركت عيني كطفل صغير، غير مصدق تحول طقس ليلة ماطرة ، إلى نهار جميل يأخذ القلب ويسلب العقل، ترسل شمسه ضياء ساحرا ، وتبث دفئا لذيذا .. تساءلت بصوت مسموع : إلى أين يمكن أن يذهب المرء في مثل هذا اليوم الربيعي الدافئ البهيج ، في مدينة رائعة كباريس ، حيث الخيارات كثيرة ومغرية ، وتستحق أن تزار كلها دفعة واحدة ، بل وأن تعاش جميعها . لم استسلم لحيرتي طويلا ، وقررت ، دون عناء تفكير ، أن أقوم بزيارة لحديقة قصر "سان جيرمان أولاي " التاريخية ، القابعة على تل عال في إحدى ضواحي باريس الرائعة ، للتمتع بنعمة وهناءة يوم تحولت فيه الطبيعة إلى معشوق جميل ينثر أريجه على العالمين. أرض وسماء . خرجت من المنزل على عجل ، وكأن شيء ما يجذبني جذبا صوب الطبيعة ، مشيت نحو الحديقة مسلوب اللب والتفكير تحت نشوة جمالية الأشجار الوارفة المرتمية علي برفق العشاق على طول حافتي الطريق ، تظللني وكل من كان يمشي بجواري وحولي أو بالاتجاه المعاكس ، والذين تشع على وجوههم ابتسامات موناليزية ساحرة تسر السائرين.. وصلت الحديقة ، يا ألله ما أجمل نعمك ، التي كانت توحي بنفسها وبكل ما يحيط بها وما يجاورها ، بأنها لوحة فنية من لوحات أكبر الرسامين العالميين التي يحويها متحف اللوفر.. ـــــــ بحقولها التي تبدو كأنما قيست بدقة هندسة صانع الكون والمخلوقات ، وأشجارها السامقة الموزعة عليها بفنية ونظام ، تتوجها أكاليل ما أنجبت من أجنًّة الثمار والزهور بألوان الربيع ، يزيدها تحليق أسراب الغربان أعلاها ، فاردة أجنحتها تارة ، وتارة أخرى تهوي سريعا صوب زحمة الجالسين والسائحين ، لتتخطف من بينهم مأكولها ، ما يزيد المكان حياة وفرحا. جلست في قلب ذلك السحر شاخصا واجما مكبلا ، استلقيت على العشب الكثيف ، أداعب الورود النضرة ، وأملأ رئتي بأريج الزهور العطر ، وأشم روائح التراب المنعش ، سرح بي الفكر في صبيحة هذا اليوم العطر الأخضر ، وتتهادى عيناي برفق بين الحقول الخضراء تتأمل دقة هندستها الرائعة ، وطارت روحي فوق الأشجار الشامخة المطوِّقة للحقول بأغصانها ، وكأنها تحنو عليها ، أو تحميها من ريح أو من مطر ، تنعم بروعة الخلق المضيئة التي أنعم الخالق بها لتجعل صباحاتنا أجمل. ــــــ بدت الشمس وهي تغيب ببطء شديد خلف الأشجار ، كأنها حسناء فاتنة ترمق بغنج وخجل أسراب عشاق الطبيعة مختلطي الأعراق والألوان والأصول المنشرين على المروج الممتدة أمامها ، تاركةً زحمة المتيمين ، في حالة صدمة ونشوى. هنا أدركت أن وقت العودة قد حان ، وأن السعادة ليست مطلقة ولا دائمة ، وأنها مجرد لحظات عابرة نتمتع بها في يومنا ، رغم بساطتها التي تضفي على المكان رونقاً خاصاً وتزيده حياة وفرحا.. قمت بتثاقل تاركا ورائي جحافل السياح المتساكنة بكل ألوان وأجناس البشر وأعراقهم ، الذين يجمعهم حب السياحة والمعرفة ، يتبادلون القبل بلا عنصرية ولا مذهبية ولا طائفية أو تطرف ، تتويجا لسعادة عابرة أو متعة أكثر تعبيرا عن الحرية .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسقالة (2)
-
الاسقالة (1)
-
ما أبشع طعم الديمقراطية في البلاد العربية ، 4
-
فاتح ماي وذكرى مقتل إبراهيم بوعرام !!
-
خطاب سياسي لا يحمل برنامجا ثوريا للتغيير !!
-
وزراء لا عهد لهم بالمناصب، فكيف يسيرون ؟
-
ما أبشع طعم الديمقراطية 2
-
فاتح ماي مكسب عمالي لا تحق المتاجرة به !!
-
ما أبشع طعم الديمقراطية في بلادنا المغرب !! ما يقع تحت قبة ا
...
-
شعوب أصبحت لا تقرأ مثلنا !!
-
المكتبات المدرسة
-
تنقية الدين
-
دنيا الاحفاد ..
-
وداعا -إزم-
-
التحدي المصري الجديد !!
-
من ذكريات الطفولة
-
الرجل المناسب في المكان المناسب
-
عيد المرأة بنكهة جديدة
-
أتهنئة أقدم للمرأة في يومها العالمي ، أم تعزية ؟؟؟
-
التغيير ضرورة وليست ترفا ..
المزيد.....
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|