أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عبد المنعم الرّاوى - قصة قصيرة : -ماما ماكينة صرف آلى-















المزيد.....

قصة قصيرة : -ماما ماكينة صرف آلى-


محمد عبد المنعم الرّاوى

الحوار المتمدن-العدد: 4814 - 2015 / 5 / 22 - 19:57
المحور: كتابات ساخرة
    


طسّ وجهه ببعض الماء..حيث لم يعد فى الحمام أية بقايا من صابون بعد الاستحمام أمس..ارتدى ملابسه..التقط علبة السجائر التى ما زال بداخلها سجاراتان ومشط كبريت..فتح الدولاب أخرج الفيزا كارت من الجيب الداخلى لجاكت البدلة..بدلة الفرح..ما زالت بحالتها..لا تخرج من النعش إلا فى المناسبات..والمناسبات نادرة..معظمها واجبات عزاء
ـ بابا
ـ أيوه
ـ هاتلى كريب معاك..نفسى فيه
ـ وأنا يا بابا مستنيك علشان حخرج النهاردة مع زمايلى زى ما قلتلك
ـ ما تخرج أنا ماسكك
ـ بابا انت نسيت
ـ لا ما نستش..حاضر يا سيدى!
ـ مصطفى ما تناس وانت راجع تعدى على الأجزخانة تجيب اللى قلتلك عليه
ـ هوّ ايه ده اللى قلتليلى عليه
تزغر مها لمصطفى..فيسرع لإنقاذ نفسه
ـ آه..افتكرت..حاضر
ـ خد البطاقة يا مصطفى..كل مرة حفكرك بيها..
نظرت لهيئته بامتعاض
ـ برضو نازل بالشبشب
ـ يا ستى هو أنا يعنى نازل أقابل الوزير
ـ يارب تقبض بقى النهاردة..دى رابع مرة تروح فيها البنك وما تلقيش قبض.
ـ يا رب
ماكينة الصرف الآلى فى الحىّ المجوار..لذلك يفضل السير إليها..طريق مختصر اعتاد عليه..ينفرد أثناء ذهابه بنفسه..كأنها شخص يؤنسه..يحدثها وتحدثه..دون ملل..أحياناً يعبر عن غضبه منها..أو ينفعل عليها..حينئذٍ لا ترد إشفاقاً عليه..فيسرع بمصالحتها..
نفس الحوار المعتاد كلما سار فى هذا الطريق مع نهاية كل شهر لسحب راتبه من ماكينة الصرف..
ـ وبعدين أنا تعبت..ما بقتش عارف أعمل ايه..مرتب زى الزفت..ولا عامل أى حاجة.
شعرت نفسه بنبرة الأسى فى كلامه..فقالت وهى تحاول التخفيف عنه:
ـ ويا ريت حد بيرحم ولاّ حتّى يقدر.
فعلت صرخاته المكتومة: ـ مين دا اللى يرحم ويقدر..دا.الكل عاوز وبس..
أكل..شرب..لبس..مصروف..دا غير الإيجار..والمية والكهربا والغاز.
ـ شكلك نسيت الفواتير اللى ما دفعتش ومتراكمة بقالها فترة
ـ يا نهار اسود..دا أنا كنت ناسى..وبعدين..أنا زهقت
شعرت نفسه بالندم حين ذكرته بتلك الفواتير القديمة..فقررت أن ترفع من معنوياته:
ـ مش كانوا بيقولوا حيزودوا المرتبات؟!.
ـ .مين دول اللى حيزودوا..دى بلد عايزة الحرق.
اضرت نفسه تجاريه رغم اعتراضها على شعوره باليأس والإحباط:
ـ هىّ البلد دى حتفضل لحد امتى ما بتقدرش..ولا حاسة بالبنى آدمين اللى عايشين فيها.
ـ طول ما الكبار عايشين فى قصور وبيكلوا فى أتّة محلولة عمرهم ما حيحسوا بحد
ضحكت نفسه وحاولت أن تدفعه أيضاً للضحك تخفيفاً عنه:ـ إلاّ يعنى ايه أتة محلولة؟!
ـ والله ما أنا عارف..ومش عاوز أعرف..خلينى فى الغلب اللى انا فيه..على رأى نجيب الريحانى..أنا لو بقالى تلاتين سنة بعلم فى كلاب كان زمانى بقيت من الأعيان..
ـ أيوه بس لحد امتى الوضع ده حيفضل مستمر كده؟!..ديون..والتزمات..وطلبات ما بتنتهيش؟.
ـ أنا عن نفسى خلاص جبت آخرى.
ابتسمت نفسه حين تذكرها وجرى اسمها على لسانه :ـ يا حبيبى!..انت حاسس بىّ.
ـأيوه طبعاً..و أنا الوحيد اللى حاسس بيكى!
ـ من امتى؟!
ـ من زمان..زمان قوى
ـ من امتى يعنى؟
ـ يمكن من ساعة ما اتجوزت.
ـ على فكرة وده اللى كان مزعلنى منك
ـ إنى اتجوزت!
ـ لا..دا من حقك..وأنا عارفة كده إن كان مصيرك يوم تتجوز.
ـ أمال زعلتى منّى فى ايه؟
إنك نستنى وما عدش تقعد معايا زى زمان..أو تهتم بىّ وتشوفنى عاوزة ايه؟
ـ وأنا ايه اللى معايا عشان أدهولك..ما انتى عارفة كل حاجة
ـ أنا عاوزاك بس تحس بىّ..خصوصاً لما بكون مكتئبة..اشمعنى أنا بحس بيك..ومش قادرة أبعد عنك لحظة وأسيبك
ـ تسبينى!..تسبينى ازاى!..إلا انتى..دا انا كنت اموت؟
دمعت نفسه لشعورها لأول مرة بصدق مشاعره تجاهها:
ـ شفت..شفت قد ايه ما تقدرش تستغنى عنى..عموماً بعد الشر عنك يا حبيبى..يا رتنى أنا؟
برضو..برضو بتكرريها تانى يا بنت المجنونة..هو أنا وانتى ايه مش واحد؟
ـ لا!..دلوقت مش واحد!.
ـ مش واحد؟!..ازاى
ـ علشان أنا مش بنت مجنونة..انت اللى مخك خربان
ـ قصدك خرمان
ـ خربان..خرمان..مش مهم..المهم إنك عكرت مزاجى وضايقتنى.
ـ معلش حقك علىّ..أنا آسف.
ـ آسف ايه؟..ولعلى بقى سيجارة؟
أخرج مصطفى علبة السجائر..سحب مشط الكبريت وسيجارة.. أشعل السيجارة..وسحب نفساً عميقاً.
شعرت نفسه براحة شديدة..وظلت تتمد وتتمطع من شعررأسه حتى أصابع قدميه:
ـ الله..أهو دلوقت مزاجى اتعدل..ومسمحاك.
ـ دا احنا وصلنا.
ـ أمال انت فاكر..هو أنا بلعب..يالا اسحب الفيزا يا معلم ودخلها فى المكنة..ومبروك عليك.
ـ مبروك علىّ!..على إيه يا حسرة..ما انتى عارفة اللى فيها.
ـ هى ايه دى؟
ـ المكنة!
أدخل مصطفى الفيزا ..اختار اللغة العربية " الفصحى "..سجل الرقم السرى..استمرار..استمرار..استعلام..
جنيه ونص
ـ يا نهار اسود..دا المرتب لسة ما وصلش..ايه الحظ المهبب ده..وبعدين دا أنا ما معيش ولا مليم..والبيت ما فهوش أى حاجة..أعمل ايه دلوقت.
جلس مصطفى على الأرض بجوار الماكينة ينعى حظه..ويخبط كفاً بكف..أشعل آخر سيجارة..يسحب النفس العميق تلو النفس.
عبرت نفسه عن شعورها بالضيق من تلك الأنفاس المختنقة: ـ خلاص يا درش كفاية..خنقتنى.
ـ مش أكتر من الخانقة اللى أنا فيها!..هاين علىّ أقوم أكسر المكنة دى..وآخد كل اللى فيها.
ـ معقولة يا مصطفى..حتسرق ماما؟
ـ ماما!
ـ أيوه ماما..مش بزمتك المكنة دى بتفكرك بمامتك؟!
ـ إزاى بقى.
ـ مش انت كل ما كنت بتقصد مامتك فى فلوس كانت بتدهالك..
ـ أيوه بس ماما الله يرحمها عمرى ما قصدتها وقالتلى ما فيش!..وكمان كانت بتدينى كل اللى أنا عايزه مش اللى هىّ عايزاه!
ـ طب دخل بس الفيزا المرة دى وجرب..وحتدعيلى.
ـ اشمعنى المرة دى..
ـ حتشوف..بس من غير بقى اللغة العربية والرقم السرى..والكلام الفاضى ده..انت بس قبل ما تحط الكارت فى المكنة أقرا الفاتحة لماما.
ـ انتى بتقولى ايه؟
ـ زى ما بقولك كده..جرب وانت حتشوف..مش حتخسر حاجة.
نهض مصطفى..وقف أمام الماكينة رافعاً يده يقرأ الفاتحة..أدخل كارت الفيزا فى الماكينة..فأخرجت له رزمة ضخمة من المال فئة ال200 جنيه
يا نهار!..إيه ده كله!..معقول!..أنا مش مصدق نفسى
ظل مصطفى يحتضن الماكينة ويقبلها..فتفاجأ بصوت أمه يخرج من سماعة الماكينة ويحدثه:
ـ عاوز حاجة تانى يا حبيبى
ـ مين ماما!
ـ أيوه ماما يا مصطفى..ايه خلاص نستنى.
يبكى مصطفى وهو قابض على الفلوس..
ـ لا يا ماما عمرى ما نسيتك ولا حنساكى..الدنيا هىّ اللى نستنى وتعبتنى قوى.
ـ عندك أولاد دلوقتى يا مصطفى.
ـ أيوه يا ماما وطلباتهم ما بتخلص.
ـ طب خد دول كمان علشان تجيب كل اللى نفسهم فيه.
أخرجت الماكينة رزمة أخرى من المال فئة ال100 جنيه
ـ دا كتير قوى
ـ عيب يا ولد..ما تقولش كده..أنا ماما..قولى بقى مراتك عملا معاك ايه يا مصطفى
ـ بتفكرينى ليه بس يا ماما..أنا بحاول أنسى!
ـ معلش يا حبيبى اعمل خير وارميه البحر..خد دول كمان وهاتلها اللى هىّ عاوزاه.
لملم مصطفى ما لفظته الماكينة على الأرض من ورق فئة ال10 جنيهات
ـ عاوز حاجة تانى يا حبيبى؟
ـ حعوز ايه تانى يا ماما أكتر من كده
ـ طب يا حبيبى..مع السلامة..وخد بالك من نفسك..
ما تتأخرش علىّ يا مصطفى..كل ما تعوزنى يا حبيبى تعلالى على طول.
ـ حاضر يا ماما..حاضر
جلس مصطفى على الأرض أمام الماكينة وهو يبكى ويلملم المال المبعثر هنا وهناك..ونفسه تنظر إليه وتعلو بضحكاتها وتقهقه:ـ ها شفت..مش قلتلك.
ـ عندك حق..أنا ما كنتش مصدقك..شايفة الفلوس قد ايه..كتير..كتير قوى..مش عارف حعمل بيها ايه ولاّ ايه.
ـ علشان تدعيلى.
ـ على فكرة ماما وصتنى عليكى..وقالتلى خد بالك من نفسك.
ـ طب يعنى الفلوس دى كلها المفروض لىّ.
ـ لا..دى علشان مراتى والأولاد.
ـ حتفضل دول عمرك عبيط؟
ـ ازاى بقى؟
ـ هىّ صحيح سألتك عن مراتك والأولاد..بس وصتك علىّ أنا..
ـ انتى قصدك ايه؟!
ـ قصدى تنسى بقى ونعيش أنا وانت حياتنا زى زمان..قبل ما تتجوز..وتشيل الهم..انت ايه ما بتحرمش؟
ـ تتصورى عندك حق..وساعة الحظ فعلا ما بتتعوضش...يالا ننسى الدنيا..خدنا ايه من النكد والهم.
ـ انت يا بنى آدم..قوم من على الأرض.
رفع مصطفى رأسه فوجد رجلا ضخماً سد عنه شعاع الشمس..ظل يتلفت حوله ياحثاً عن المال..فلم يجد شيئاً
ـ ايه ده فين الفلوس.
ـ فلوس!..فلوس ايه يا بنى آدم!..قوم من على الأرض خلينى أعرف أدخّل الكارت فى المكنة.
ـ لا
ـ لا..هوّ ايه اللى لأ..انت عبيط؟!
ـ مالكش دعوة بماما
ـ ماما..أنا جبت سيرة ماما..بقولك المكنة!
انكب مصطفى على الماكينة وهو يحتضنها بقوة
ـ لا دى مش مكنة!..دى ماما الله يرحمها ويحسن إليها.
ـ يا ابن المجنونة!.
تجمع المارّة حول مصطفى الذى لا يزال يحتضن الماكينة..وأحاط به رجال الأمن وموظفو البنك ومديره..حاولوا إقناعه بأن يبتعد عن الماكينة ففشلوا..فاضطروا جاهدين انتزاعه بالقوة وحمله لأقرب مستشفى للأمراض العقلية.
"تمّت"



#محمد_عبد_المنعم_الرّاوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عبد المنعم الرّاوى - قصة قصيرة : -ماما ماكينة صرف آلى-