أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان الزريعي - يمتشق الألم أملاً















المزيد.....

يمتشق الألم أملاً


حنان الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 09:01
المحور: الادب والفن
    


" .. إعصار كاترينا .. خلّف الكثير من الضحايا .. هذا وقد صرّح الرئيس بوش بأن عملية إعمار ما دمّره الإعصار ستستغرق عدة سنوات .. "
تناهى له الخبر عبر صوت تلفاز المقهى الذي مرّ به قبل قليل .. أكثر من أسبوعين .. ولا زالت كاترينا تتصدّر الموائد الإخبارية .. ابتسمت نظراته .. التائهة قبل حين .. لم يعتد الشماتة .. لكن مأساته عرّفته بصديقته .. اللامبالاة .. فلم تعد روابي قلبه تفرق ما بين .. صرخات الفجيعة .. ونغمات الفرح .
قبل ساعة كان في المستشفى ، وقد خطّ له الطبيب .. بدون اهتمام .. ربما .. هذا ما شعر به .. تلك الوريقة والتي خبأها بسرعة في جيب بنطاله .. وما أن خرج ..حتى لفحته نسمات أيلول .. بعذوبة دفء أنفاسها .. فاحتار أين المسير .. عليه صرف الدواء .. ولا يملك ثمنه .. لا بل لا يملك سوى ما يعول به والدته ليومين فقط ..
أخذت شوارع بيروت تلتهم خطواته .. لتحتضن ألمه الذي لم يعد بقادر على إخفائه .. " إنه هاهنا كامن بداخل أحشائي .. يزحف .. يدمّر .. يغتال أنفاسي قبل أن أنهض من ركام هذه الحياة .. حياة اختاروها لي .. بل اختاروها لجيل قبل جيلي .. " .
أدخل يده في جيبه يعتصر تلك الورقة اللعينة .. هي الأخرى سيرفقها بذلك الصندوق لتلتحق بأخواتها .. الصندوق الذي تبتسم والدته كلما رأته يفتحه .. ظناً منها أن ابنها يدخر المال فيه .. لزفافه الذي تحلم به .. " أي مال أماااااااه .. أي مال .. آه لو تعلمين كيف تربض بضع آلاف من الليرات في يدي .. لو ترين الدمع العصيّ .. عندما يستسهل البوح .. لذل تناله كرامتي .. بمجرد أن اطلب حقي .. وأي حق أماه .. مهندس .. يعمل عتالاً حيناً .. أو بناءاً أحياناً .. "
وصل نضال لأول صيدلية قابلها .. دخل وبحركة مرتبكة أخرج الورقة من جيبه ومدّها للصيدلي .. ثبت الأخير نظارته على عينيه .. ضاقت نظراته قليلاً وهو يقول .. " والله يا خيي بدك تستنى هاليومين .. بكون وصلني هالدوا " .. وبابتسامة مدّ الورقة .. التقطها نضال بسرعة وأودعها حيث كانت .
كم هي كريهة الحياة .. ليس مرضه والذي اكتشفه قبل ثلاث سنوات .. هو ما جعل للحياة في نظره تلك السوداوية .. بل منذ أن أضاف بولادته للعالم .. لاجئاً فلسطينياً واحداً .. لا يعرف كم كان رقمه حينها .. المهم أنه كان إضافة .. لا يُحسد عليها .
توقفت خطواته لمرأى وردة جوري .. كادت تدوسها قدماه .. ربما سقطت من أحدهم .. تلفتت نظراته تبحث عنه .. أو عنها .. الكلّ يحث الخطى حيث يدرون .. وحيث لا يدرون .. " لا صاحب لكِ " .. انحنى إليها ماداً يديه ليلتقطها .. كم أحبّ هذه الورود .. كم أحبّ ذكراها .. كـانــت رسالته لمن أحبها .. عندما صارحها لأول مـرة بحبه .. هي وردة وحيـدة وضعــها بجوارها .. عندما كانت جالسة تنتظر الحافـلـة في المحطة .. وقد كتبَ عـلى إحدى وريقاتها .. " أحبكِ " .. لم يهدها سوى هذه الورود .. هربت ذكرياته حيث زمنها وزمانه .. تفاءل خيراً فترتها .. لإصرارها ودفعها له بأن يسافر لإحدى دول الخليج كي يعمل هناك ، ليكوّن نفسه .. ولم يكد يكمل إجراءات سفره .. حتى صادق المرض جسده .. وبمعرفته لطبيعة مرضه .. اعتزل الجميع .. وأولهم من عشقها .. فلن يظهر ضعفه أمامها ..
داعبت أصابعه تويجات وردة الجوري .. قرّبها إليه .. وصله أريج عطرها بقوة .. انتعش .. رجع طفلاً صغيراً بذاكرته .. عندما كان يلعب كرة القدم هو وأطفال المخيم .. وكم تعلو سعادته عندما يسقط أو تلوى قدمه .. كان يتمنى أن يرى ضماداً أبيضاً يلفّ يده أو قدمه .. أو حتى رأسه .. لينال أكبر قدر من الاهتمام والدلال .. وهاهو اليوم .. يحمل ستة وثلاثين جرحاً .. دون أن ينطق الآه .. فالضماد الذي تمناه .. ضُمدت به ضمائر .. لم تُصب حتى بأذى .
اقترب من إحدى الصيدليات .. دفع الباب .. كان الصيدلي مشغولاً عنه بمتابعة التلفاز .. وعيناه تصفران وفمه مفتوح على آهة لن تخرج .. إنه إعصار كاترينا .. ظلّ نضــال واقفاً أمامــه .. بعد " الســلام عليكــم " .. جــــاءتـه .. " وعليكم " .. مع صوت مذيع الأخبار .. التفت الصيدلي أخيراً .. فرأى الورقة قد وُضعت مسبقاً على الطاولة .. فردها .. قرأها .. استدار متجهاً لإحدى الأرفف التي احتوت بعض الأدوية .. وكثيراً من مواد التجميل وكريمات التنحيف .. وضع أمامه علبتي دواء .. أحدهما على ما اعتقد نضال .. كبسولات .. والآخر لا يعرفه .. فهذه المرة قد غيّر الطبيب له العلاج .. ورمى الصيدلاني برقم .. ظنه نضال .. أنه يقصد عدد ضحايا إعصار كاترينا .. كون الصيدلاني لم يخفض نظره عن التلفاز المعلق في الأعلى .. ابتسم نضال كمن يقول .. " أظن أنني لم أسمعك جيداً أخي " .. فجاءه الرقم صحيحاً هذه المرة .. حيث تُبع بكلمة " .. ليرة " .. وصله ذلك الرقم كمن حكم عليه للتو بحكم الإعدام .. فمن أين له بهذا المبلغ .. وهو لا يعمل ..
خرج وألف ابتسامة انتحرت للتوّ أمامه .. أراد الآن العودة لبيته .. أراد الارتماء في حضن والدته والبكاء كطفل صغير .. لن يقل لها ما به .. لكن علاجه .. لمسة حنان من يديها على خصلات شعره .. تحسس جيبه فوجد بأنه نسى أن يسترجع الوصفة .. لا يهم .. لم يعد يهمه شيء الآن .. حتى لو استرجعها .. فمن أين له بسعر ما تحتويه .. ابتسم .. " الحمد الله عـلى كل شيء " .. شعر بذات الراحة التي استشعرها عند استنشاقه لعطر تلك الوردة .. والتي اختبأت لحين .. بين أصابع كفه ..
تذكر بأن عليه شراء خبز وبيض قبل رجوعه للمنزل .. أخرج حفنة ليرات من جيبه .. عدّها .. نظر ببصره حيث مخبز اصطف عليه طابور من البشر .. اقترب حيث الجمع .. ازدادت الضوضاء باقترابـه .. تفــرقت الجموع من أمامه .. تباعدت المباني عنه .. قلبت الطرقات .. كل شيء يدور .. يدور .. أراد الاقتراب من الطابور ولم يصل .. شعر بثقل في رأسه .. غرس الألم قبضته في أحشائه .. تلوى وجعاً .. تحامل على نفسه .. تحامل .. بعد ربع ساعة .. حصل على ربطة الخبز .. اتجه حيث الطريق .. تطلع ذات اليمين .. وذات الشمال .. عبرَ الشارع مسرعاً .. هي السكين تُغرس في أحشائه مرة أخرى .. بيده ضغط على موضع ألمه .. كأنه يسترحمه أن يدعه وشأنه الآن .. وهل للألم تلك الرحمة .. التي افتقدها كالبشر .. " لن يهدأ عن إيذائي إلا ورشوته بذلك الدواء .. ذلك الدواء .. آه .. مِنْ أين لي .. مِنْ .. " .. عاوده الدوار .. اختلطت الأشياء .. لم تعد السماء سماء .. ولا الشوارع سكنت .. ضربة .. ارتطام .. ملامح مذعورة لسائق سيارة .. التحفت زرقة سماء أيلول أمام عينيه .. بظل أسود .



#حنان_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمرّد السكون


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان الزريعي - يمتشق الألم أملاً