أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - مرحلة النهضة واشكالية اللغة ووعي الذات العربي















المزيد.....

مرحلة النهضة واشكالية اللغة ووعي الذات العربي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4814 - 2015 / 5 / 22 - 14:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن إحدى النتائج الجلية في مضمار الأبعاد الثقافية للفكرة العربية الناشئة في ظل صعود وانزواء مختلف التيارات الإسلامية السلفية الأولى وتجربة "النهضة الحديثة" المتمثلة فيما قام به محمد علي باشا في مصر، تقوم في تحول العربية (اللغة) إلى "الدولة" الوحيدة المستقلة.
فقد كشفت اللغة (العربية) عن جمعية جديدة استقطبت الكلّ المجزأ، بغض النظر عن الانحدار العرقي والديني، وكشفت عن ذاتها باعتبارها مصدر عروبتهم. وأصبحت العروبة هي اللغة، ولكن لا بالمعنى الإسلامي القديم، بل بالمعنى القومي – الثقافي المعاصر. ولم يكن هذا المعنى جليا حينذاك، إذ كان من الصعب التأسيس المباشر له في منظومات فكرية، لأنه لم يتحول بعد إلى جزء من إشكاليات الوعي التاريخي المستقل. لقد كان هذا المعنى القوة المتحمسة في جعل "الضمير الغائب" للعرب حاضرا. من هنا الانهماك الشديد بإعرابه في اللغة باعتباره ضمير العربية – الثقافية.
اتخذ إعراب الضمير الغائب صيغة إظهار عروبة اللغة. من هنا الاهتمام الجدي والعميق بقواعد اللغة ونحوها وصرفها. فقد كان أعلام النهضة العربية في الأدب والفكر والسياسة والتاريخ أعلام لغة أيضا. فالشيخ ناصيف اليازجي(1800 – 1871) على سبيل المثال، يؤلف كتبا عن (فصل الخطاب في أصول لغة الإعراب) و(الجوهر الفرد) و(طوق الحمامة) وأرجوزة (لمحة الطرف في أصول الصرف) و(الباب في أصول الإعراب). ونفس الشيء يمكن قوله عن الطهطاوي(1801 – 1873) مؤلف (التحفة المكتبية)، والشدياق (1804 – 1887) مؤلف (الروض الناضر في أبيات ونوادر) و(غنية الطالب ومنية الراغب)، وبطرس البستاني (1819 – 1883) في (مصباح الطالب في بحث المطالب) و(مفتاح المصباح)، والشيخ إبراهيم الأحدب (1826 – 1891) في (إبداع الإبداء لفتح أبواب البناء)، والشيخ إبراهيم اليازجي (1847 – 1906) في (نار القرى في جوف الفرا) و(الجمانة في شرح الخزانة).
إن الاهتمام بقواعد اللغة وصرفها ونحوها يعني الاهتمام برفع ونصب وكسر وتسكين الروح الثقافي الناشئ. إذ لا يعني صرف اللغة سوى تصريف كيانها صوب ذاتها. أما نحوها فهو توجيهها المناسب نحو قواعدها التقليدية. وليست قواعدها التقليدية سوى الصيغة اللغوية لضميرها الغائب. لان قواعد اللغة هي منطقها، ومنطقها هو نطقها السليم، ونطقها السليم هو تهذيب لسانها بالشكل الذي يجنّبها اللحن فيه، وتجنب اللحن كان يعني الخروج من العجمة، والعجمة آنذاك هي الهيمنة التركية أولا وقبل كل شيء. وبالتالي لم تكن سلسلة الخروج من العجمة بتجنب اللحن في التهجي وتهذيب اللسان بتعويده على نطق الكلمات وتحسس معانيها والتلذذ بشعور الانتماء إلى ما في بيانها من جمال ساحر سوى محاولة صرف تقليدية الانتماء نحو تقاليد الهوية العربية. لذا أصبح تقليد القدماء بعناوين مؤلفاتهم النموذج الجديد للرفعة الأدبية والذوق الجميل. فالطهطاوي يعنون كتابه عن آداب العصر والسياسة بعنوان (مباهج الألباب المصرية في مناهج الألباب العصرية)، ويعرض بعض أرائه السياسية(التاريخية) بعنوان (نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز)، والشدياق يعنون كتابه الشهير (بالساق على الساق فيما هو الفارياق)، وخليل الخوري (1836 – 1903) يعنون أحد دواوينه الشعرية بكلمات (زهرة الربى في شعر الصبا)، ومحمد بيرم الخامس (1840 – 1889) يضع أحد مؤلفاته التاريخية بعنوان (صفوة الاغيار بمستودع الأمصار)، واحد كتاباته الجدلية(الثقافية) بعنوان (تجريد الأسنان للرد على الخطيب رينان)، وفرانسيس مراش (1836 – 1873) يعنون أحد مؤلفاته الفكرية الفلسفية بعنوان (شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة) و(المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية)، ويضع سليم البستاني (1848 – 1884) أحد كتبه بعنوان (الهيام في جنان الشام)، ويضع الشيخ إبراهيم الأحدب أحد مؤلفاته بعنوان (نشوة الصهباء في صناعة الإنشاء) و(كشف الأرب عن سر الأدب)، ويضع حسن حسني الطويراني (1850 – 1897) اغلب مؤلفاته الدينية والسياسية والأدبية واللغوية بصيغ مولعة بالسجع مثل (حجة الكرام في محبة أهل الإسلام) و(خلاصة الكلام في وجوب الإمام) و(إرشاد الخليل في فن الخليل) و(دلالة الشعر في مستقبل الأمر) وعشرات غيرها.
وأصبح تقليد القدماء ومحاكاة إبداعاتهم أسلوبا لاستنهاض نماذج الرفعة الأدبية، وبالتالي محاولة رؤية الأنا العربية المعاصرة بمرآة وجودها الأمثل. ولا يعني ذلك تقليدا أجوف للماضي، بقدر ما كان تعبيرا عن الثقل المتزايد للهوية العربية وضميرها الثقافي. إذ نعثر في تسمية (فصل الخطاب في أصول الإعراب) لناصيف اليازجي على صدى (فصل الخطاب) لابن رشد، وفي موجزه عن (الجوهر الفرد) على اثر المصطلحات الكلامية الفلسفية للقدماء. وينطبق هذا على عشرات المؤلفات المتنوعة. في حين تجري محاكاة القدماء بالأسلوب أيضا. حيث يجاري ناصيف اليازجي في (مجمع البحرين) مقامات الحريري، والشيء نفسه ينطبق على الشيخ إبراهيم الأحدب في مقاماته، كما نراه يحاكي الزمخشري في تجميعه وتنظيمه للبلاغة والإنشاء في كتابه (فرائد الأطواق في أجياد محاسن الأخلاق).
أصبحت الكلمة والعبارة موضوع الاهتمام والولع الأكبر في مباراة ومباهاة الأدباء والكتاب والمفكرين جميعا، بحيث جعل اغلبهم رجال قواميس ومعاجم للغة. لكن هذه القواميس لم تكن جمعا تقليديا أو كميا للكلمات ولا ترتيبا أبجديا عاديا، بل ونقدا عصريا أيضا. والشدياق يضع (الجاسوس على القاموس) ينتقد فيه الفيروزبادي، ويضع بطرس البستاني (محيط المحيط) ومختصره (قطر المحيط)، بينما يتميز إبراهيم اليازجي هنا في (الفرائد الحسان من قلائد اللسان).
واستثار بعث اللغة ومفرداتها بعث أصولها وتدقيق كلماتها في الوعي المعاصر. من هنا انهماك أعلام النهضة الأدبية بأمهات الكتب العربية في اللغة والأدب، كما لو أنهم أرادوا تعويض فقدانها وقلتها آنذاك. فقد شكا شيخ النهضة الأدبية ناصيف اليازجي من الصعوبات التي واجهها في بداية أمره للحصول على ما ينبغي الحصول عليه من الكتب. إذ لم تكن في مصر والشام حينذاك سوى بضعة مطابع صغيرة، رغم ظهورها المبكر في الشام منذ عام 1616 في دير قزحيا، وفي حلب عام 1686 (مطبعة اثناسيوس البطريق)، وفي عام 1734 مطبعة الشوير لصاحبها عبد الله زاخر، ومطبعة القديس جورجيوس عام 1751. غير أن هذه المطابع لم تهتم بما هو ضروري وأساسي بالنسبة للنهضة الأدبية واللغوية. ولعل مطبعة بولاق المصرية (1821) هي المبادرة الكبرى الأولى في تاريخ العرب المعاصر، التي وضعت أمام نفسها مهمة بعث أصول الفكر العربي. وتلتها المطبعة الأمريكية (1834) ثم الكاثوليكية (1855). إلا أن تدفق النهضة بالمعنى العصري ترافق مع اشتراك بعض أعلام النهضة الأدبية أنفسهم في الطباعة، كما هو الحال بالنسبة لخليل الخوري مؤسس المطبعة السورية (1857) ويوسف الشلفون (1839 – 1896) في المطبعة العمومية (1860)، والمطبعة الأدبية لخليل سركيس (1867). فقد طبع يوسف الشلفون على سبيل المثال، أكثر من ستين كتابا في مختلف الميادين (الفلسفية والدينية والتاريخية والعلمية والأدبية والفقهية). في حين أصدرت المطبعة الأدبية لخليل سركيس صاحب امتياز جريدة (لسان الحال) ومجلة (المشكاة) في غضون 18 عاما منذ تأسيسها، ستمائة وخمسين كتابا بلغ عدد نسخها مليونا ومائة وتسعين ألف نسخة. ويعكس ذلك طبيعة الحالة الثقافية بشكل عام والعلمية بشكل خاص. إذ لم تكن في سوريا (الطبيعية) كلها حتى عام 1834 سوى مدرسة واحدة هي مدرسة عين طورا للآباء الليعازريين، وكذلك المدرسة الأمريكية التي أسسها المبشرون الأمريكيون التي جرى نقلها لاحقا إلى بيروت وسميت بالمدرسة السورية الإنجيلية، ثم المدرسة البطريركية التي تأسست عام 1865. وهي مدارس، شأنها شأن أمثالها، كانت عاجزة آنذاك، رغم كل إنجازاتها الكبيرة ومساهمتها المتميزة في صناعة نمط معين من "التنوير"، عن تأسيس منظومة مستقلة للرؤية العربية الثقافية. وليس مصادفة أن تتحول المدرسة الوطنية التي أسسها بطرس البستاني عام 1863، والمدرسة الصادقية التي أسسها خير الدين التونسي عام 1875، والمدارس التي أسسها الطهطاوي وعلي مبارك في مصر إلى "مؤسسات" للرؤية الثقافية العربية المستقلة وتمثلها الخاص لما يمكن دعوته بروح النهضة الأخلاقي والأدبي والسياسي والقومي.
فلقد نشط أعلام النهضة الأوائل في ظل ظروف قاحلة. وهو واقع يفسر حساسيتهم الجسدية المباشرة في استنساخ وشرح وتحقيق ونشر أمهات المصادر العربية. إذ ينقل عن الشيخ إبراهيم الأحدب استنساخه بخط يده مما يقارب الألف رسالة وكتاب. في حين استنسخ رزق الله حسون (1829 – 1880) مؤسس جريدة (مرآة الأحوال) بخط يده أكثر من عشرين كتابا مثل (ديوان الاخطل) و(ديوان ذي الرمة)، و(نقائض جرير والفرزدق) و(صبح الأعشى) للقلقشندي، و(ديوان حاتم الطائي) وغيرها من الكتب. واهتم اغلبهم بالشرح والتعليق على دواوين الشعراء وكتابات الأدباء كما هو الحال بالنسبة لناصيف اليازجي في شرحه الذي أكمله لاحقا ابنه إبراهيم اليازجي لديوان المتنبي، كذلك ما قام به رشيد الدحداح (1813 – 1889) في نشره (لامية العجم) للطغرائي وكذلك إصداره (فقه اللغة) للثعالبي، وشرحه لديوان عمر بن الفارض وغيرها.
لقد كانت محاسن اللغة الهاجس الأعمق وراء الشروح والتعليقات والنشر، وذلك بفعل جوهرية البحث عن النماذج المثلى للتقليد بالنسبة لأدباء النهضة. فعندما نشر بطرس البستاني، على سبيل المثال، (رسائل إخوان الصفا)، فانه أشار في مقدمته إلى أن رسائلهم تفتقد إلى التنسيق، وآراؤهم مفككة، منتشرة هنا وهناك، تتميز بالتكرار والمزج الغريب بين الفلسفة التقليدية والعلوم الرياضية والطبيعية بخرافات السحر والتنجيم وحكايات تشبه حكايات ألف ليلة وليلة. إلا أن من محاسن هذه الرسائل أنها كتبت بلغة أنيقة جذابة جميلة الصور والتشابيه، أي أننا نرى في موقفه هذا توجها يعكس في الإطار العام تغلغل قيمة الكلمة واللغة الجميلة في إحساس وعقل وحدس النهضة الأدبية. من هنا ملازمة اهتمام رجال النهضة الأدبية بالصرف والنحو والتحقيق والنشر وتأليف المعاجم والقواميس، وولعهم بالبديع والبيان والمعاني. فناصيف اليازجي يكتب (عقد الجمان في المعاني والبيان)، والشدياق يضع أجمل كتاباته في (سر الليال في القلب والإبدال)، وإبراهيم الأحدب يضع كتاب (كشف المعاني والبيان على رسائل بديع الزمان)، وإبراهيم اليازجي يصنف ألفاظ اللغة وتركيبها على المعاني في (نجمة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد).
ويأخذ الولع بالكلمة وتدقيقها طريقه إلى استثارة "روح الترجمة" وتعريب العبارة الأجنبية بالشكل الذي يستجيب لذوق العربية ونماذجها المثلى. فالطهطاوي يترجم مؤلفات عديدة مثل (جغرافية ملطبرون) و(قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر)، وبطرس البستاني يترجم (تاريخ الإصلاح) ورواية (روبنس كروزي)، ويعّرب سليمان البستاني (1856 – 1925) إلياذة هوميروس بصورة خلابة. في حين انتقد الشدياق بصورة لاذعة الترجمات السقيمة ويكشف عن أخطائها لكي يخلص العربية من اللكنة والتحريف والعجمة. وترجم رزق الله حسون أشعار كريلوف ولافونتين. ويصبح تعريب المصطلحات العلمية الحديثة من مختلف العلوم مجالا للمنافسة المبدعة بين رجال النهضة الأدبية ومترجميها. حيث تنفرد جريدة (برجيس باريس) لصاحبها الدحداح بنشر مساهمات التونسي سليمان الحزائري (1824 – 1871) الذي يعد من أوائل المهتمين، الذي كشفت اغلب محاولاته بهذا الصدد عن قدرة اللغة "الناعسة" بعد استفاقتها على رؤية ملامح الأبعاد الدقيقة لأحدث الإنجازات العلمية والتعبير عنها عربيا. وينطبق هذا على الكثير من المجلات والجرائد مثل مجلة (الطبيب)، التي استطاعت إدخال مئات المصطلحات العلمية الحديثة مثل مقياس الثقل، والبكتيريا، والسكوب. في حين ادخل الشدياق عبر (الجوائب) كلمات الصحافة، والجريدة، والمجلة، والمؤتمر، والأسطول، والباخرة، والمنطاد، والحافلة، والأزمة المالية، وكثير غيرها، أي كل ما أصبح عاديا في اللغة المعاصرة. ودعت (لسان الحال) لمؤسسها خليل سركيس أهل الأدب واللغة إلى وضع ألفاظ مرادفة للمصطلحات وانتخاب منها ما هو مجمع عليه بما يتوافق مع أوزان الأسماء العربية، أي توحيد المصطلحات المترجمة وتعريبها السليم.
لقد استثار هذا الإحساس المتنامي لتذوق العبارة والكلمة "هوس" اللغة تجاه كل ما بإمكانه أن يكون موضوعا للتندر والتأمل والتفلسف، وكل ما بإمكانه أن يكون موضوعا للجدل والإفحام والإثارة والاهتمام. فقد كانت جريدة (الجوائب) لفارس الشدياق كتابا مفتوحا للجدل اللغوي، الذي جعل من الصيغة الهجائية نموذجا مقبولا ومعقولا للجميع. بحيث لم تغفل وتستغفل كل من بإمكانه إثارة واستثارة الاهتمام باللغة والأدب. ولعل جدلها مع (برجيس باريس) للدحداح مثالا بارزا جعلت خشونة مواجهاتهما تدفعهما للاحتكام أمام الشيخ عبد الهادي الايباري واتخاذ كلمته فيصلا بهذا الصدد. وعلى أثرها كتب الشيخ الايباري كتابه (النجم الثقاب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب)، والذي انتصر فيه (لجوائب) الشدياق. ولم تتورع (الجوائب) في تعزيتها عام 1871 بوفاة الشيخ ناصيف اليازجي،عن نقد بعض ما بدا لها خطأ في كتابه (مجمع البحرين)، مما اضطر ابنه الشيخ إبراهيم اليازجي للذب عنه على صفحات مجلة (الجنان). بينما كتب الشيخ سعيد الشرتوني سلسلة مقالات رد فيها على كتاب الشدياق (غنية الطالب ومنية الراغب)، جمعها في كتاب تحت عنوان (السهم الصائب في تخطئة غنية الطالب)، الذي جعل الشدياق يستنجد بالشيخين يوسف الأسير وإبراهيم الأحدب، إلا إنهما أقرا مع ذلك بصواب بعض ما جاء به الشرتوني في انتقاداته. وأصبح إظهار خطأ الخصوم رديفا للانتصار. وشحذ هذا التوجه والاهتمام الروح النقدي للذهنية العربية، ومهّد لصيرورة وعيها النقدي العام في مختلف المجالات والميادين.
فقد كان "هوس" اللغة في أعماقه الصيغة المناسبة للتلذذ بالحرية المفقودة. فالكلمة الطنانة هي في الأغلب، رد فعل على الفراغ، كما أن التأسي هو رد فعل على الفقدان. والعبارة الهائجة والمهاجمة هي احتجاج الإرادة المحاصرة بقيود القوة الكابحة. أما الولع بها فهو غلوّ على رخص الروح والجسد، والذي عادة ما تتقاسمه السلطة والمعارضة!ّ
أدى هذا "الهوس" المتسامي في العبارة والكلمة إلى توسيع أفق الرؤية العربية الناهضة. ووجد ذلك انعكاسه في أسماء المجلات والجرائد وانتحال الألقاب. فإذا كانت تسميات الصحف والمجلات الأولى واقعة تحت ثقل الذوق القديم كما هو جلي في (حديقة الأخبار)، و(مرآة الأحوال)، و(نزهة الأفكار)، فان الأخبار والأفكار تصبح أسلوبا لتعميق الرؤية نفسها في نهوضها الصعب من تحث ركام الكابوس العثماني. حيث تأخذ بالظهور تسميات (لسان الحال)، و(لسان الشرق)، و(لسان الغرب)، و(الصدى)، و(المصباح)، و(الفجر)، و(العمران)، و(الترقي)، و(التقدم)، و(التمدن)، و(النهضة)، و(الإصلاح)، و(مصر)، و(تونس)، و(لبنان)، و(القاهرة)، و(دمشق)، و(المشتري)، و(بابل)، و(الأهرام)، و(الأزهر)، و(الراشد)، و(المأمون)، و(فرعون)، و(الزراعة)، و(التجارة)، و(الحقوق)، و(العدالة)، و(المساواة)، و(الإخاء)، و(الحرية)، و(الحق)، و(الحكمة)، و(السلام)، و(الأمل)، وغيرها من التسميات. بمعنى تعمق الرؤية الزمنية والمكانية والمدنية والوطنية والقومية والثقافية والحضارية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والعلمية.
وقد كان ذلك هو القدر الضروري الأول في ترسيخ قواعد الرؤية العربية لبناء وعيها الذاتي المعاصر. فقد كان من الصعب آنذاك إدراك المعاصرة بروح المعاصرة نفسها لان الوعي الاجتماعي نفسه لم يتكامل بعد ضمن إشكالاته الخاصة.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرهاصات ما قبل النهضة العربية الحديثة
- قمة واطئة
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (10-10)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(9)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (8)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (7)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (6)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(5)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(4)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (3)
- الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة (2)
- واقع وآفاق الظاهرة الإسلامية السياسية الحديثة(1-10)
- سعدي يوسف - نقد القرود، وقرود النقد!
- الخوارج – إرادة الحق والحقيقة (4)
- الخوارج – خروج الإرادة المتسامية(3)
- الخوارج – استقامة الإرادة وعنف الوجدان(2)
- الخوارج – غيب الإرادة وخراج الروح (1)
- الخوارج والدواعش- قطبا الحق والباطل
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران(3-3)
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (2)


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - مرحلة النهضة واشكالية اللغة ووعي الذات العربي