أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد قنديل - يسقط حكم الست حفيظة














المزيد.....

يسقط حكم الست حفيظة


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4812 - 2015 / 5 / 20 - 08:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ابن عمي عبد القادر متزوج منذ سنوات طويلة من حفيظة جارته في قرية على أطراف الجيزة، وكان جنديا ثم ترقى بفضل أخلاقه وشجاعته حتى أصبح صولا وعلى وشك أن يعلق دبورة ، وكل جيرانه وزملائه بل ورؤساؤه يعاملونه باحترام وتقدير ، وهو يشق طريقه في الحياة بضمير وبشكل مهذب ولا يحاول النيل من أحد ويوفر لبيته كل ما يحتاجه من طريق حلال ، والست حفيظة تعيش معه على الحلوة والمرة وتؤدي واجبها نحوه ونحو أولاده بمنتهى الإخلاص وتحافظ على بيتها نظيفا دائما ولا تكاد تطلب من زوجها شيئا إلا عند الضرورة القصوى ولا تشكو من شيء أبدا وكلما طلب منها إنجاز مهمة لم تنم الليل قبل أن تتمها على خير وجه ولا تفتح فمها بكلمة إلا بالدعوات له .. لا تتوقف عن العمل والتفكير في أحوال المنزل من خبيز وطبيخ وكنس ومسح وتربية دواجن بل وتدخر القرش على القرش ثم تفاجئ ابن عمي بشرائها ما يتمناه أو ما يلزم للبيت ولما ورثت عن أبيها ربع فدان قررت أن تزرعه بنفسها ، وهكذا مضت الأيام بهم وديعة لا تحمل إلا خيرا خاصة أنهما يتمتعان بكثير من اللباقة والسماحة فلا يعاديان أحدا ويحاولان بكل الوسائل التغاضي عن الأخطاء الصغيرة ، وليس على اللسان إلا الحمد لله .
الغريب في الأمر أن ابن عمي أصبح مشغول البال منذ نحو عامين . شارد في كل وقت عن بيته وعمله ويتغيب كثيرا ليلبي دعوة بعض الأصدقاء للجلوس على المقاهي في المدينة الكبيرة ، وتأثر بتعليقات الرجال عن النسوة العابرات وبدأ يركز مع هذه الكائنات كأنه يراهن لأول مرة .. البنت من دول تمشي بتمايل ودلال وقد أظهرت بعض مفاتنها وهي ترتدي الفساتين القصيرة والأذرع العارية واللحم المتوهج واللبان الذي يلاعب الفم والشفتين والرؤوس والضحكات التي تصهل وتزغرد في الآذان . ويتذكر حفيظة التي تجاوزت الأربعين ولا يبدو من بدنها حتى في عز الصيف غير الوجه الذي لوحته الشمس وجففته الرياح وخلعت المسئولية عليه الجمود والجدية الراسخة .
المهم أنه فكر في أن يتزوج شابة صغيرة من بنات المدينة مكشوفات الصدور الباسمات المتزينات ، وأسرع ببلوغ غايته بمعاونة الأصحاب الذين رشحوا له " إلهام " بنت شوقي بائع البسبوسة فاندفع نحو أنوثتها البهية وقضى أياما وأسابيع غارقا في بلاص العسل ونسي حفيظة والقرية وأهلها ، لكنه لاحظ أن طلباته لا تنفذ إلا في النادر والتليفزيون والأغاني لا تنقطع من داره ليل نهار . والجارات داخلات خارجات تلوك سيرة كل ما يجري في بيته و لاحظ أن أصدقاءه على المقهى يسألونه عن أخبار الحمام الذي أكله بالأمس ولم يكن قد أخبر أحدا بذلك ولا نقل إلى الناس خبر تمزيقه ثوب زوجته الفاضح ولا امتناعه عن فراشه قبل يومين ولا حكى لهم عن سبب توقفها لأيام عن طهي طعامه ولا عن صوتها العالي في الرد عليه ، وما استفزه النقص الذي يصيب محفظته كل يوم ، كما أنها لم تنجب رغم مرور الشهور وقرب اكتمال عامين والنوم حتى الظهر والنفقات الباهظة على مظهرها والثرثرة بالساعات في التليفون ، وفجأة تذكر حفيظة التي أهملها فقرر أن يزورها فرحبت به وقالت له : البيت ظلام دونك .وأقبل عليه الأولاد يقبلون يديه ويسكنون أحضانه ويعبرون عن فرحتهم بقدومه وطالبوه ألا يتركهم أبدا .
بعد ساعة كانت حفيظة قد أعدت الفطير المشلتت الذي يحبه ومعه العسل الأبيض والجبن القديم والقلة وبها الماء البارد وعلى فوهتها يعبق الماورد ، ولمح عبد القادر الإوز والبط والدجاج تدور من حوله وكأنها ترحب به وتخرج إلى الطريق ثم تعود إليه فتشد الإوزة الكبيرة كمه وتحك البطة رأسه ورأي شجرتين على جانبي الباب الكبير وكنبة جديدة بمساند ملونة وطرية . ومرآة جديدة وكبيرة معلقة على الجدار المقابل . بعد الغداء مدت إليه حفيظة كيسا من القماش . فتحه فوجد به ثمانمائة جنيه . قالت حفيظة : ثمن البطيخ الذي بعناه قبل أيام .
قرر أن يبيت الليلة معها والأولاد . وأن يبيت الليلة التالية وهو يشعر أنه في نعيم وإن لم يمنعه هذا من أن يتذكر " إلهام " بنت المدينة التي لا تعرف كيف تحتضن بيتها وتحرص من قبيل التسلية على كشف أسراره ، ولا تفارق التليفزيون الذي يعرض في الأغلب برامج تافهة ومملة ولا تترك جلستها على الأنتريه في الصالة وأمامها أطباق الفاكهة واللب والسوداني ومن حولها جيرانها وصديقاتها ولا يكف فمها عن القضم والكلام وقزقزة اللب والسوداني والضحك العالي في التليفون بينما النوافذ مفتحة ، ولا ترتب بيتا ولا تكنس أرضا وإذا لامها . قالت : هات لي خدامة . لست أقل من زوجة الدكتور كمال ولا زوجة اللواء مدير الأمن . أما ما لم يلفت انتباهه فهو أنه لم يفكر في عتابها أو توجيهها أو تهديدها فقد كان طيبا ومتسامحا ويكتفي بأن يتوضأ ويصلي لله ويدعو لها بالهدي ، وقد كانت الدعوات فيما يبدو تتجنبها لأن هذه النوعية لا تصلح معها الموعظة الحسنة خاصة عندما يتواري الضمير.
بقي عبد القادر في القرية مع حفيظة إلى أن بلغه أن "إلهام " تقود المظاهرات النسائية في شوارع المدينة وهي تهتف :
- يسقط .. يسقط حكم حفيظة
وبينما الحشود تتقدم في الطرقات وتعلن رفضها لحكم حفيظة كانت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تصور النسوة الباحثات عن الحرية وهن يرتدين ملابسهن الخليعة ولا تمنعهن المظاهرات والقضية المصيرية عن الضحك والثرثرة في التليفونات بعد أن تركن البيوت تضرب تقلب بلا غداء ولا نظافة ولا أحضان دافئة بالضمير والإخلاص مكتفيات بالمظاهر والمظاهرات .. لقد عرفن طريقهن وما زلن يهتفن :
- يسقط . يسقط حكم حفيظة.



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جحيم الفردوس
- رحيل جونتر جراس .. يستأهل الحزن البليغ
- عبد الحليم حافظ .. مطرب ضد الموت
- اذكروا هذا التاريخ
- رسالة إلى إرهابي
- استيقظوا واتحدوا أو موتوا (2)
- استيقظوا واتحدوا أو موتوا 1
- سليمان فياض .. الحكّاء الفريد
- أنا والحكيم والسقف
- تقدموا للجنائية الدولية بهذا الفيلم
- الحكمة تقتضي تحريرهم
- صعود كتابة المرأة المشهد والأسباب
- فرانداعشتاين
- مستقبل النفط العربي مهدد
- لماذا تحكم علي مفكر بالإعدام ؟
- كشف حساب 2014
- صديقي الضخم بحجم عصفور
- يجتهدون لتمزيق الوطن
- من يشتري الأحزاب المصرية؟
- مقاييس التعاسة في مصر والعالم


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد قنديل - يسقط حكم الست حفيظة