أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1















المزيد.....


الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4811 - 2015 / 5 / 19 - 15:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ إعلان تنظيم داعش الإرهابي لدولة الخلافة على جزء كبير من الأراضي العراقية والسورية، التي احتلها على حين غرة، امتلأت وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة ، بآلاف المقالات والدراسات عن هذا المسخ وامتلأت واجهات المكتبات وبكافة اللغات بكتب تناولت موضوع داعش بالتفصيل، وبرغم ذلك يتساءل الناس في كل مكان ما هذه " الداعش" التي انبثقت فجأة من لاشيء وصارت تهدد وجودنا وتقض مضاجعنا؟
كان حلم عودة الخلافة الإسلامية يداعب المسلمين منذ سقوط الخلافة العثمانية في بدايات القرن العشرين المنصرم على يد أتاتورك. وكان العمود الفقري للإسلام السياسي بشقيه السني الذي أسسه حسن البني بصيغة تنظيم الإخوان المسلمين، أو بشقه الشيعي الذي كرسه الإمام الخميني في أطروحة ولاية الفقيه، وقبله محمد باقر الصدر عند تأسيسه لحزب الدعوة الإسلامية، هو تحديداً إقامة الدولة الإسلام التي تطبق شرع الله ويكون دستورها القرآن والشريعة الإسلامية، أي إقامة دولة الخلافة بصيغة أخرى.
هناك بضعة مفاتيح تتيح لنا فهم آلية عمل هذا التنظيم الإرهابي، الذي منح لنفسه بنفسه صفة الدولة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، أولها معرفة ما إذا كان لدى التنظيم مشروع سياسي، أو على الأقل منهجية عمل وبرنامج يمكنه من إدارة المناطق التي يحتلها ليشكل بديلاً عن الأنظمة والدول القائمة والتي تتمتع بالاعتراف الدولية والشرعية الدولية. قبل عشرة أعوام قام مؤلف مجهول من قبل الرأي العام الدولي والإقليمي، بل وحتى المحلي، إسمه أبو بكر النجدي،وهو من قيادات تنظيم القاعدة المؤسسين والمخططين لأيديولوجيتها وهيكيليتها الإدارية، بإصدار كتاب بات يستخدم اليوم بمثابة دليل عمل والمنهاج المقدس لمعظم التنظيمات الإرهابية والتكفيرية كداعش والقاعدة وأمثالهما، وهو كتاب "إدارة التوحش : أخطر مرحلة ستمر بها الأمة "، حيث تمت دراسته بتمعن واستفاضة من قبل الدوائر الأمنية والاستخباراتية الدولية واطلع عليه مسؤولن كبار في الدوائر السياسية للحكومات الغربية قال فيه في مقدمته : إن إدارة التوحش هي السيطرة, المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة ، وتُعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة - بإذن الله - هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة ، وإذا أخفقنا أعاذنا الله من ذلك لا يعني ذلك انتهاء الأمر ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش..!! وهو يشابه مشروع حركة الإخوان [ التنظيم الدولي ] إلى حد كبير قد يصل إلى التطابق في بعض فقراته،ويدعو إلى إنهاء النظام الذي فرضه الغرب الاستعماري منذ حقبة معاهدة سياكس بيكو وتقسيم العالم الإسلامي كغنيمة بين الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وتأسيس دول ضعيفة لاحول لها ولا قوة تديرها حكومات تابعة للأنظمة الاستعمارية وتدور في فلك النظام العالمي الذي يقوده الغرب وتجسد بعصبة الأمم ومن ثم هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي . ورسم المؤلف للمقاتلين في صفوف التنظيمات الجهادية الإرهابية خارطة طريق سماها قواعد معدل العمليات جاء فيه: فهي إما تصاعدية أو بمعدل ثابت أو في صورة أمواج وأحياناً تكون مراحلنا فيها كل هذه المعدلات.
زيادة البيان : معدل العمليات يكون تصاعدياً ليبث رسالة عملية حية للناس والشعوب وصغار جند العدو أن قوة المجاهدين في تصاعد ، فكل هؤلاء لا يعرفون هذه القواعد وما ينطبع في أذهانهم من تصاعد العمليات - إما من حيث العدد أو النوعية أو الانتشار أو كل ذلك - أقول ما ينطبع في أذهانهم ويرسـخ أن المجاهدين في تقدم مستمر والعدو في تراجع وأن مصير العدو الهزيمة مما يُجرئ الشعوب ويُحيي الأمل في نفوسهم ويسهل مدداً دائماً للحركة وتصاعداً ذاتياً للحركة لذلك ينبغي أن نخطط عملياتنا بأن نبدأ بعمليات صغيرة ثم الأكبر وهكذا حتى لو كان في إمكاننا القيام بالكبيرة من البداية.

القواعد الهامة أيضا قاعدة تصلح كاستراتيجية عامة وتصلح كذلك للتخطيط للعمليات الصغيرة :
[ اضرب بقوتك الضاربة وأقصى قوة لديك في أكثر نقاط العدو ضعفاً ] فمثلاً إذا كانت مجموعة منفذة من عشرة أفراد تواجه عملية سهلة جداً - وليست استشهادية بالطبع - ولا تحتاج هذه العملية إلا لفرد أو اثنين بل إنها أحيانا تُرسل مجاهداً واحداً أو اثنين لعملية أكبر ولكن إذا أرسلت كامل عددها إلى هذه العملية المضمونة - بإذن الله - بغرض الاستعراض وإرهاب العدو عندما يتحدث الناس والصحف عما حدث ، ويظن الناس والعدو أن العمليات القادمة سيتم لها حشد وتفوق عددي مناسب مما يعلي من أسهم المجاهدين إعلامياً ويرجف القلوب من مواجهتهم ، إلا أن هذا لا يُطبـق إلا بعد دراسة جيدة للاحتمالات ومصالح ذلك ومفاسده ، والاقتصار على العدد المحدود الذي يكفي أولى في الجملة.
ومن القواعد الهامة أيضا والتي كانت عماد الحروب في السابق والحاضر إستنزاف العدو عسكرياً واقتصادياً:
مازال علماء الاستراتيجيات والمؤرخون يتحدثون أن تركيز جماعات الجهاد عليها سيعجل بانهيار الأعداء كل الأعداء ، هي أن أقرب وسيلة لهزيمة العدو الأقوى عسكرياً هي استنزافه عسكرياً واقتصادياً - بالطبع اقتصادياً عن طريق عمليات عسكرية في الأساس بجانب الأساليب الأخرى - ، حتى أن رامسفيلد يقول للصحفيين مبرراً نكساته : ( ما المطلوب من أن نفعل أكثر من ذلك ؟! لا تنسوا أننا ننفق المليارات في مواجهة عدو ينفق الملايين ) وصدق بقدر ما وهو كذوب.
لقد استغل تنظيم داعش الإرهابي، كما فعل قبله تنظيم القاعدة الإرهابي، النهج الشمولي والسلوكيات القمعية والبطشية للأنظمة القائمة منذ عقود طويلة واستخدم لغة القوة والعنف والتنكيل والترهيب ضدها حتى لو كانت الشعوب والفئات المدنية الضعيفة هي التي تدفع الثمن. واستفزاز الدول والأنظمة للمزيد من العنف والقوة وجرها إلى فخ المواجهات المسلحة على طريقة حرب عصابات المدن لكي تزداد نقمة السكان المدنيين على أنظمتهم وحكامهم ولجوئهم للتنظيمات الجهادية لطلب الحماية والمساعدة كبديل للدلو والأنظمة الفاشلة لأن داعش وأمثالها يمكنها القيام بالدور المناط بالأنظمة الدكتاتورية الفاسدة ، من خدمات وتوزيع للغذاء والدواء والمستشفيات والماء والكهرباء والطاقة والوقود .
نظرة خاطفة إلى الوراء لفهم الحاضر وتقلباته:
إذن فالإسلام السياسي هو الأرضية التي نبتت فوقها جميع الإفرازات الجهادية التكفيرية من نوع القاعدة التي تأسست في بشاور في الباكستان سنة 1987، والدولة الإسلامية في العراق والشام داعش التي تأسست في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 ، ولكن بتسميات أخرى، وكانت إحدى واجهات تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، إلى جانب جبهة النصرة في سوريا بقيادة أبو بكر الجولاني، ونشرت الأيديولوجية السلفية والأصولية الإسلاموية بطبعتها السنية المستوحاة من محمد ابن عبد الوهاب صاحب المذهب الوهابي ومعلمه المتشدد إبن تيمية الذي يستند إلى المدرسة الفقهية الحنبلية السنية، وذلك منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان ونشوء جماعات الجهاديين وطالبان بدعم وتمويل وتسليح من لدن الفكر الوهابي والمخططات الاستخباراتية الأمريكية والغربية والباكستانية. بيد أن الخلفية الفكرية والأيديولوجية تعود إلى أبعد من هذا التاريخ ، ويمكننا القول أنها انبثقت في بدايات القرن العشرين وعلى وجه التحديد مع تأسيس جماعة الأخوان المسلمين في مصر حيث كبر هذا التنظيم وترعرع في شكل أممية إسلاموية مخيفة تمثلت بالتنظيم الدولي للإخوان والذي أفرز بدوره كل ما نراه ونعرفه اليوم من مسميات وتفرعات تنظيمية إسلاموية مسلحة سنية وشيعية منتشرة في جميع أنحاء العالم.
كان المؤسس الأول لهذا التنظيم هو حسن البنا، كما أشرنا أعلاه، الذي سرعان ما تضخم وبلغ عدد أعضائه حوالي المليونين بعد عقد من تاريخ تأسيسه. حرص الزعيم المؤسس لتنظيم الأخوان المسلمين على أن تأخذ حركته بعدا دولياً إذ أن الغاية من التنظيم والهدف الأعلى المنشود هو إعادة إقامة الخلافة الإسلامية التي أطاحها الزعيم العلماني التركي كمال اتاتورك في بدايات القرن العشرين وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى. وفي السنوات المحصورة بين 1938 و 1942 قام التنظيم بإنشاء جهاز سري حديدي سمي بالجهاز السري للإخوان وهو عبارة عن ميليشيا جهادية منضبطة ومطيعة مستعدة للتضحية بكل شيء وعلى رأسها أرواح المنخرطين في هذا الجهاز السري المسلح وقوامه بين 1000 إلى 2000 متطوع الذين تدربوا على السلاح وتكنيك القتال، لا سيما حرب العصابات في المدن. وأصبح هذا الجهاز بمثابة الذراع المسلحة للتنظيم السياسي أي الميليشيا المسلحة الضاربة لحماية التنظيم وقيادته السياسية والدينية ممثلة بالمرشد وبمجلس الشورى، وبضم النخبة المسلحة والمدربة المعدة للدفاع عن مباديء الإسلام العليا والقادرة على ارتكاب كل أنواع العنف والقسوة والبطش بمجرد تلقيها الأوامر من الزعيم مرشد الإخوان. تلقى تنظيم الإخوان السري في ثلاثينات القرن المنصرم مساعدات مالية وتوجيهات نظرية من الحزب النازي في ألمانيا بواسطة دبلوماسي ألماني مقيم في القاهرة كلف من الحزب النازي بمهمة توفير التمويل وإيصاله لقيادة التنظيم من أجل دعم نشاطاته، ومازال تأثير الفكر النازي ملموساً في سلوكيات وممارسات حركة الإخوان المسلمين إلى الآن. فالظرف الاستعماري ونشوء الفكر السلفي ليسا المصدر الوحيد تاريخياً لنشوء حركة الإخوان، فهي لم تكن منيعة أو غير قابلة للتأثر بأيديولوجيات تلك المرحلة وعلى رأسها النازية والفاشية والشيوعية، على الأقل من ناحية بنية وهيكيلية وطريقة عمل التنظيم السري على غرار الأحزاب الشيوعية الممنوعة في البلدان العربية والإسلامية آنذاك. وكانت بنية التنظيم الهرمية قد استوحيت من رابطات الأحزاب الفاشية الأوروبية المعاصرة لمرحلة التأسيس للحركة، مثل الطاعة العمياء للزعيم وطريقة تنظيم الجهاز السري وشبه العسكري وانضباطه والمبايعة وإلقاء القسم بالطاعة والإخلاص والتضحية بالنفس التي استوحاها حسن البنا وباعترافه من التجربة الفاشية مثل شعار العمل والطاعة والصمت الذي تمسك به أعضاء التنظيم الإخواني كصدى لشعار أؤمن وأذعن وقاتل الذي تبناه الفاشيون الإيطاليون.
سمح للتنظيم بمزاولة نشاطاته علنا في ربيع سنة 1951 مستغلاً شبكته المنظمة في مصر وامتداداتها الإقليمية والدولية التي رفدت التنظيم بالمال والمتطوعين والمنتسبين حتى ان التنظيم تمكن من تشكيل فوج عسكري مسلح أرسل للقتال إلى جانب الجيش المصري النظامي ضد القوات البريطانية المتمركزة حول قناة السويس ومن هناك نشأت علاقات وعمليات تقارب وتنسيق مع بعض العسكريين المصريين المجتمعين تحت يافطة الضباط الأحرار سراً حيث اتفق الطرفان على إطاحة عرش الملك فاروق .
كما تمكن التنظيم من اختراق تشكيلات الجيش المصري وقيادة الأركان فيه وشكلوا الخلايا السرية داخل الجيش والعمل على كسب المزيد من الأتباع داخل القوات المسلحة قبل تنفيذ مشروع الانقلاب العسكري وتقديم السلطة لتنظيم الإخوان السياسي المدني على طبق من ذهب. كانت الخطة بسطة وفعالة حيث كان التنظيم الإخواني بارعاً في إعداد المكائد والمؤامرات السرية لكنهم لم يتوقعوا أن يفلت من بين أيديهم وينقض على سلطتهم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر الذي انخرط مبكرا في صفوف الجيش وشارك في حرب فلسطين سنة 1948 وجرح في كتفه حيث كان الإخوان يعتقدون أنه أحد أفضل حفائهم داخل الجيش لكنهم أخطئوا التقدير .
كان عبد الناصر يوهم الإخوان أنه ليس عدوهم أو خصمهم بل حليفهم في تحقيق الهدف المشترك ألا وهو الإطاحة بنظام الملكية وكان عبد الناصر يدير بنفسه المباحثات السرية بين تنظيم الضباط الأحرار وتنظيم الإخوان المسلمين في فترة الكفاح المشترك ضد القوات البريطانية في قناة السويس. وقد تمكن من إقناع التنظيم الإسلاموي بأن يبقوا في الظل وألا يفرضوا أية شروط تعجيزية على السلطات العسكرية التي سوف تطيح بعرش فاروق من قبيل تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها على المجتمع والمطالبة بمواقع سيادية بارزة في الحكومة العسكرية القادمة .
لقد نجح عبد الناصر في كسب أعضاء التنظيم الإخواني في الجيش وسحبهم إلى جانب تنظيم الضباط الأحرار الذين يشاركوه رؤيته ومقارباته وتحليلاته للوضع السياسي والعسكري في البلاد وأولويات الأهداف المزمع تنفيذها بعد الانقلاب. وعلى رأس هذه الأولويات محاربة وطرد المستمر البريطاني . وكان تنظيم الإخوان المسلمين واثقاً من نفسه ومن قدراته وشعبيته وتفوقه في علاقات القوة على تنظيم الضباط الأحرار وإنهم سيتمكنون إن آجلاً أم عاجلاً من أخذ السلطة من بين أيدي الضباط الأحرار متى شاءوا ذلك، بيد أنهم أخطئوا مرة أخرى في تقدير قوتهم الحقيقية وأعلنوا تمردهم على سلطة زعيم الانقلاب الذي تحول إلى ثورة يوليو عام 1952 وحاولا اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية وفشلوا في محاولتهم مما أعطاه ذريعة للتنكيل بهم وإعدام قياداتهم وزجهم في السجون بينما تمكنت بعض القيادات في التنظيم من الهروب إلى العديد من الدول منها عربية كالعربية السعودية وبعض دول الخليج ومنها أجنبية كسويسرا وفرنسا وألمانيا.

الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2

د. جواد بشارة / باريس

في سنوات الخمسينات بادرت جماعة من الجنود الذين كانوا يقاتلون في صفوف الأس أس النازي المعتنقين للإسلام بتقديم مشروع لبناء جامع ميونيخ وكان صاحب الفكرة هو جرهارد فون ميند وهو كادر نازي سابق مقرب من روزنبيرغ المنظر العنصري للأيديولوجية الهتلرية ووزير الراخ للأراضي المحتلة في الشرق، عندما كان الخبير والمتخصص بالأقليات الإثنية في الاتحاد السوفيتي في إدارة الرايخ الثالث. كان جرهارد فون ميند مقتنعاً بأن الإسلام يشكل الطابور الخامس ضد اليهود والشيوعيين . وكان هو عرب التقارب مع المسلمين إبان الحرب العالمية الثانيةوهو الذي عمل على إدراج الكتائب الإسلامية داخل الجيش الألماني. ولذلك فكر في تكريمهم باقتراحه مشروع بناء جامع للمسلمين في ميونخ. وقام كذلك بتقريب الإمام الأوزبكي نور الدين نامنجاني عضو كتيبة الأس أس النازية Osttürkisher Waffenverband التي قامت بقمع مقاومة البولونيين للاحتلال الألماني النازي لوارشو عام 1944. وكان نامنجاني هو ممثل الجماعة الإسلامية في ألمانيا وأغلب مكوناتها جاءت من أقليات مسلمة من أصل سوفيتي وتبنتها فيما بعد اللجنة الأمريكية لتحرير الشعوب السوفيتية من خلال فرعها الموجود في ميونخ وقد التقت وجهات نظر القيادات النازية السابقة والأمريكيين في تحديد العدو الأول آنذاك وهو الشيوعية وضرورة محاربتها بكل السبل ومن بينها استخدام المسلمين لهذه المهمة لذا راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على الدين كسلاح لمجابهة الفكر الشيوعي وعلى الأخص الدين الإسلامي لمكافحة الإلحاد السوفيتي، وبالتالي لا بد من تشكيل طابور خامس إسلامي في الشرق الأوسط والأدنى من خلال توجيه تنظيم الإخوان المسلمين. وقد تعاون مدير اللجنة الأمريكية L’Amcomlib في ميونخ وهو روبير دروهر مع شخصية إخوانية مهمة هو سعيد رمضان صهر حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ووالد الداعية الإخواني المعاصر في أوروبا طارق رمضان. ولقد تباحث الرئيس الأمريكي آيزنهاور مباشرة مع وفد الإخوان المسلمين بقيادة سعيد رمضان في 23 أيلول سبتمبر سنة 1953 ومدهم بمساعدات مالية سخية ودعم سياسي كبير ومساعدة لوجستية لتنظيم مؤتمرات بتمويل سعودي وخبرة أمريكية.
وفي أعقاب اللقاء والتعاون السعودي الإخواني لمحاربة نظام جمال عبد الناصر التقدمي العلماني، ضخت السعودية فكرها السلفي التكفيري المتطرف في جسد العالم الإسلامي برمته، أي الأيديولوجية الوهابية التي تلتقي مع الأهداف العليا للإخوان أي تطبيق الشريعة حرفياً وإقامة دولة الخلافة.
لذلك يمكننا القول بأن الحركة الداعشية الحالية هي من سنخ الحركة الوهابية فمصدرهما واحد وهو مذهب إبن حنبل السني المتشدد وحامل لوائه إبن تيمية وتلميذه المتحالف مع آل سعود محمد إبن عبد الوهاب سنة 1932، والباكستاني أبو الأعلى المودودي الذي كان أول من اقترح إقامة الخلافة الإسلامية في العصر الحديث، والمنظر الأشهر لجماعة الإخوان المسلمين سيد قطب الذي أعدمه جمال عبد الناصر سنة 1966 ، فهم جميعاً يكفرون كل من يختلف معهم ويستبيحون عرضه وماله وممتلكاته ويحللون دمه.
إن عبادة الماضي وتمجيده وتقديس السلف الصالح ورفض الحداثة والمظاهر الحضارية المعاصرة تشكل القاعدة الأيديولوجية التي يتركز عليها الإسلام السياسي. فالظاهرة السلفية والتشدد الأصولي موجود في الإسلام منذ سنواته البكر الذي وهو الذي أنتج نصوصاً تشريعية باتت مقدسة ولا يحق نقدها أو مناقشتها أو الاعتراض عليها وشكلت مرجعية تشريعية لهؤلاء القتلة والمجرمين الذين أباحوا لأنفسهم كل شيء باسم الدين وباسم الإسلام وحولوا العالم الإسلامي إلى ساحة حرب ودمار وخراب وعذابات وتهجير وسبي وذبح وقطع رؤوس واغتصاب وتهجير وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين البشرية.
الإسلام الأصولي والسلفي الذي نشاهده اليوم هو ظاهرة تراكمية جاءت كردة فعل لضعف العالم الإسلامي وخضوعه للقوى الغربية الامبريالية والاستعمارية بعد أن كان قويا ومهيمناً ويحكم نصف الكرة الأرضية تقريباً، فخرج بعض المتطرفين في محاولة لاستعادة المجد الإسلامي والحث على ما يسمونه باليقظة الإسلامية وبكل الوسائل والطرق حتى أكثرها وحشية وقسوة.
تسلح أتباع هذا الاتجاه التكفيري بتأويلات تعسفية لبعض النصوص الغامضة والمتناقضة المنتشرة في الأحاديث والسنة النبوية والصحاح والتي تحدثهم عن الشهادة والجنة وحور العين، وإلى كتب السيرة النبوية، وهي في معظمها غير مثبتة أو مؤكدة ومصادرها مثار شك وجدل، أو قراءة النصوص الدينية التأسيسية بحرفية وبلا أية تفسيرات كالنص القرآني رغم إنه حمال أوجه. ومن ثم تخيلوا عصراً ذهبياً صاروا يحنون له هو عصر بدء الرسالة وفترة الخلفاء الراشدين . والمسلمة التي يرددونها هي أن الحل في الإسلام والعودة إلى الجذور وتطبيق الشريعة واستخدام القوة والعنف ضد كل من لا يتفق معهم في الرأي والرؤية. فشكل المجتمع الذي ينشدونه يتعارض كلياً مع المعاصرة والحداثة والتطور الصناعي والعمراني والتكنولوجي والعلمي السائد في العالم اليوم ويعزون سبب تخلف المجتمعات الإسلامية إلى الأنظمة الشمولية والدكتاتورية العلمانية والعسكرية التي حكمت العالم الإسلامي وإلى الاستعمار الذي نهب ثروات الشعوب الإسلامية ولا بد من التمسك بالإسلام ونموذجه المجتمعي كما طبق في أفغانستان من قبل الطالبان بحيث تكون القواعد المجتمعية والتشريعات والقوانين كلها تتوافق مع الشريعة الإسلامية فهذه الأخيرة في نظرهم هي الحل الوحيد لجميع المشاكل التي تواجه البشرية، وكل ما عداه بدع وتحريف وكفر وشرك والديموقراطية ليست سوى أداة للوصول للسلطة إن تعذرت بقية السبل. وهم يفضلون بالطبع أخذ السلطة عن طريق الترهيب والإرهاب والقتل والعنف الوحشي المفرط بحجة تطبيق الحدود كما وردت في نصوص الشريعة فالذبح وقطع الرؤوس والأيدي والجلد والرجم هي أشكال شرعية ومشروعة لتطبيق الحدود والعقاب وهي مطبقة في العربية السعودية وطبقت في أفغانستان وبعض مناطق الباكستان .ومن هنا فإن الإسلام بنظرهم هو نظام ديني ودنيوي وسياسي واجتماعي واقتصادي كامل وشامل وصالح لكل زمان ومكان. استثمر التيار الجهادي التكفيري المتطرف الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي والإسلامي من حروب ومشاكل اقتصادية وأزمات سياسية مثل الحرب في العراق والحرب في سوريا وليبيا واليمن والربيع العربي ونتائجه الكارثية في كل من تونس ومصر، والانسداد السياسي والتوتر المسلح في لبنان، فحاول النفخ في الجمر وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية والإثنية لتجنيد المزيد من الأتباع والأنصار والمؤيدين بحجة إطاحة الأنظمة العميلة للغرب والمعادية للإسلام واستبدالها بدول وأنظمة إسلامية كخطوة أولى نحو التوحيد وإقامة الخلافة الإسلامية.
لقد نجحت داعش في استغلال الأوضاع السياسية المضطربة في العراق لتبني لها حاضنة اجتماعية بين أوساط الأقلية السنية المتمركز شمال وغرب العراق وفي بعض مناطق بغداد بسبب شعور بعض هؤلاء السنة بإحباط نفسي جراء فقدانهم الحظوة التي كانوا يتمتعون بها في ظل نظام صدام حسين البائد. لكن من الخطأ الوقوع في شرك إدعاءات المظلومية والتهميش التي يصرخ بها هؤلاء المتضررين من العملية السياسية البديلة في العراق. فإدعاء استهداف السنة من قبل الحكومة باطل وخطير لأنه سيجر العالم الإسلامي برمته إلى مواجهة شاملة بين المذهبين الرئيسيين في الإسلام ستدمر مجتمعات بأكملها بسبب هذا الطيش المذهبي والطائفي.
ركزت أدبيات الإسلام السياسي على استهداف الغرب للإسلام كدين ومحاولة تفكيكه كما تبين لهم من قراءة لأبحاث المستشرقين ودراساتهم للإسلام والإشارة إلى خطره على الحضارات غير الإسلامية في إطار الصراعات التاريخية بين الإمبراطوريات والدول والأيديولوجيات .
إن الجذر الذي ابتدع النهج الإرهابي استخدم هذه الأطروحة التي ركزت على النوايا الشريرة المفترضة لدى الغرب تجاه الإسلام ورسخ هذه المقولة في أوساط أوسع شريحة في العالم الإسلامي أي اتباع الطائفة السنية لتحضن هذه الفكرة وتكون المسوغ لأصحاب الإسلام السياسي المتطرف تجنيد القواعد الشعبية لمحاربتها والذود عن الإسلام وـتأمين أوسع قاعدة جماهيرية واجتماعية خلف شعارات براقة وتهويلات ومخاوف لا وجود لها في الواقع بهدف زيادة نسبة الاستقطاب والتجنيد .

إن هذا الفكر الأصولي أو السلفي المتشدد أنتج تداعيات خطيرة على المجتمعات الإسلامية وأثر سلباً على سمعة الإسلام وشوّه صورته لدى الرأي العام العالمي وخلق ما يسمى اليوم بالإسلاموفوبيا أو كره الإسلام في المجتمعات الغربية ، وزجَّ بمصطلح «استهداف السنة» في خطابات وأدبيات بعض القوى السياسية السنية المحترفة إمعاناً منها في سياسة التضليل والتلفيق بهدف زيادة نسبة الاستقطاب والتجنيد.
من هنا يمكننا القول أن الملفين السوري والعراقي مرتبطين عضوياً أي دولتان ومصير واحد، وإن أية معالجة منفصلة وأية سياسة تتعامل مع الأزمتين كل على حدة، مآلها الفشل. لأن العدو واحد ويتواجد في القطرين ، وبالتالي نستطيع أن نقول أن ميلاد ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش" كان في شباط 2003 عندما أتخذ قرار غزو العراق عندما دعا صدام حسين كل الإسلامويين التكفيريين والجهاديين المتشددين للقدوم إلى العراق لمقاتلة الغزاة الأمريكيين ولقد تدفق عدد هائل من هؤلاء بالفعل إلى العراق وأشهرهم كان أبو مصعب الزرقاوي الذي كان متواجداً في منطقة نائية بالقرب من السليمانية قبل الحرب الأمريكية على العراق. ولقد استغل الأمريكيون هذا الاسم لإثبات ارتباط صدام حسين بتنظيم القاعدة وتبرير هجومهم على العراق، بحجة ارتباط العراق ونظامه بالحرب العالمية على الإرهاب الدولي.
يتبع



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
- فرنسا بين نارين
- الله والكون جدل العلم والدين
- كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
- الكون المرئي في سطور خلال قرن
- هل سيتعرى الكون أمام أعين البشر يوما ما ويكشف عن نفسه؟
- دورة الحروب الحديثة التي لا تنتهي في العراق
- حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 2
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 1
- داعش بين صورتها الحقيقية وقصور الإعلام 1
- الغرب ينظر إلينا بعين واحدة
- نقاط القوة والضعف في كينونة القوة القائدة للعالم
- داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين
- الولايات المتحدة الأمريكية منجم المشاكل الدولية؟
- ومضات من وراء الحدود
- رحلة في أعماق الكون المرئي من المنبع إلى المصب
- مقابلة مع د. إسماعيل قمندار
- الحياة ظاهرة كونية وليست أرضية فقط ؟
- الشرق الأوسط في إعصار لعبة الأمم


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1