أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - حقول الرز وحقول الألغام














المزيد.....

حقول الرز وحقول الألغام


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4807 - 2015 / 5 / 15 - 10:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حقول الرز وحقول الألغام
نعيم عبد مهلهل

القطارات تمضي وتأتي وأغلب الذين ينتظرون على أرصفة المحطات هم من الجنود ، أولئك الذين تنتظرهم أمكنة الحياة والموت فيها اللذان يرتهنان بقطعتي حديد ، أما أن تكون شظية قنبلة أو طلقة بندقية ، وأولئك الذين تجدهم يقفون متكئين على عكاز في ارصفة تلك المحطات فأن من أنتظرهم كان لغما ارضياً بلاستيكياً يسمونه ( القفاز ) وهو في اغلب إصاباته يبتر فيها الساقين.
وكنت اعرف جنودا دخلوا هذه الحقول برضاهم ورغبتهم حتى تُبتر سيقانهم ويتخلصون من قدر الرصاصة والشظية لقناعتهم أن الحياة بدون قدمين وبعكاز أو كرسي متحرك أفضل من الرحيل عن هذا العالم بنعش.
تسكنني مفردة الحقول لأنها تصاحب الروح الشعرية في الحبر الذي يملأ أقلامنا ونسطره على الدفاتر ، وطالما كانت الحقول التي نشمُ شتالها وهي ليست بعيدة عن قريتنا تمثل بالنسبة لنا بعض الأثر التي ابقتهُ دلمون الى هذه الاماكن ، ولهذا كانت تلك الأماكن الصورة الاقرب لهاجس المكان في قلب آدم ( ع ) يوم أراد لحظة النزول أن تكون الارض حقل وبيت فقط.
لكن المعدان وهم عرب الأهوار وساكنيها الأوائل طوروها الى حقل وبيت وجاموسة ومن ثم اتسعت لتتحول هذه الحقول من حقول قمح وشعير ورز الى حقول ألغام.
لم يسمع سكان القرية التي تقع فيها مدرستي بحقول غير حقول القمح والشعير والرز ، وبالرغم من انهم لا يزرعون أي محاصيل ويعتمدون على تربية الجواميس وبيع منتجات الحليب ، إلا أنهم يتوجهون للريف الفلاحي القريب من سلفهم ليشتروا القمح والشعير والرز ، وفي بعض المواسم يتسع الجزر في المياه وتظهر وسط الهور جزرات طينية كبيرة يستغلونها في زراعة الرز وقد عشت مواسم شتل فيها سكان قريتنا ( أم شعثه ) الرز ،
وفي احدى سنوات الريع الوفير لحقل زرعوا فيه شتالهم ووسط بهجة الحصاد جاء الجندي ( رسن مهاوش ) من جبهة الحرب في الخفاجية وهو يمشي على عكازين ، ولأول مرة عرف أهل القرية ان هناك حقولٌ للموت وليس للزرع هي غير حقول الرز والقمح والشعير وتسمى حقول الالغام.
ومنذ مجيء رسن وحتى سفري من المكان بقطار الاغتراب أحسست أن المعدان يوصون ابناءهم الجنود بالحذر من هذه الحقول لأنهم رأوا المشقة التي يعاني منها الجندي الكسيح اثناء سيره بعكازته لأن الارض رغوة وطينية.
يومها قال شغاتي : لم نعرف في حياتنا العكاز ولا لمبة الكاز ، ولكنهما جاءا مع الحرب.
أجلس في غرفتي الآن ، أتذكر تلك الحقول البعيدة وذلك الرعب الذي سكنني يوم كان أمام ربيئتنا في خدمة الاحتياط حقل الغام صغير في محيطها كي يحميها في الليل من أي محاولة لاقتحامها ، ويومها كنت على حافة الربيئة اقرأ في كتاب النبي لجبران خليل جبران عندما جاءت هبة ريح وطارت بعض من اوراق الكتاب لتستقر بين اسلاك الحقل ، وبقيت هناك لا استطيع ان اجلبها حتى اصفرت ومعها اصفر وجه الشاعر اللبناني الذي عاش في المهجر ومات فيه واتمنى ان لا أكون مثله .
بقيت تنتظر من يخلصها من فزع أن تقضي الليالي المقمرة بين وسط حقل الالغام ، ولكنها ظلت حتى نهاية خدمة الاحتياط عندما ودعتها بنظرة اشفاق وحنان وانا اعود الى مدرستي.
والآن مع ذكريات عكاز رسن وهو ( تطمس ) في الطين وقصائد الهايكو الياباني التي تتحدث عن حقول الرز ، امتع غربتي بشيء عن ذكريات حقول الرز الشتال وحقول الغام الحرب ، واتمنى أن اعرف اين أنتهى الامر برسن فلربما اتصل هنا بمنظمة خيرية المانية واحصل له على كرسي متحرك حديث لا يطمس في الطين.



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيوب الرابع
- فاتن وحمامة الألاج
- معدان الحلم الماركسي
- فنتازيات محسن الخفاجي
- الرفش يأكل القش
- السندباد المعيدي..!
- خواطر أحلام وهبي
- زوربا وابراج الضغط العالي
- المعيدية مارلين مونرو
- حسين نجمة واغنية يا نعمه
- طروب بعد الغروب
- التيزاب وخالد الأمين
- إنجيمهْ (الناي والقصبة )
- أمريكا ومنطق تغيير الهوية
- غاستون باشلار ونافذة الصريفة
- الجغرافيا والفيلم الهندي
- غداء العباس وفكتور جارا
- مايا بليسيتسكايا وذيل السمكة
- تمرين في الكتابة الروحية
- مُسعدْ يرسم ملاكاً


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - حقول الرز وحقول الألغام