أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – اقفاص الرمل (10)















المزيد.....

رواية – اقفاص الرمل (10)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4800 - 2015 / 5 / 8 - 21:02
المحور: الادب والفن
    


زج الجميع في مخيم كبير مقرف يقع بعناد وتاّمر في معترك وهاد الرمال, ضمن سياجه الرئيسي الذي يحيطه من الخارج, يضم ثلاثة وعشرون مربع وهذا نفسه محاط بسياجين بينهما فاصل عرضه متر يستخدم لحشر الافراد كيما يسهل السيطرة عليهم, كل مربع كان يحتوي ضمن اضلاعه قرابة الالف من اللاجئين العراقيين الذين هربوا من مدنهم بعد اْن سرقت انتفاضتهم في اعقاب حرب عاصفة الصحراء. انتقل الى مدينة رفحاء القريبة من الحدود العراقية التي تضم عدد كبير من العوائل, في رحلة شاقة ومبرمة على دبيب طوفان الرمل الذي ردم حافات الشوارع, في باص كاد اْن يقدم محركه قربان لبطش المسافات الرملية لولا مكوث الجميع ليلا في بقايا وحدة عسكرية متروكة, دامت الرحلة لمدة يومين. بالرغم من الضياع, ولوعة الاذلال, والحزن الجائر, وتماثل الايام التي تمر كالابله بنفس الملل والهاجس دونما اختلاف, ربما بمقدوره اْن يميزها او يترك بصمة في ذاكرة المخيم. كانت تنمو في غياهب المخيم, وعلى زعاف رماله القاحلة, حكايات, واحداث مضرجة بالانين والعذاب منذ رسيس الدقائق الاولى لاعتلاء الاسلاك متون الرمل, ولكن بعض الاوقات تتعرش في زوايا المخيم اّمال وبشائر, سرعان ما تنتشر رائحتها الفاغمة وتظل تتضوع بنحو جميل وشائق نسائم جذلى التي ماتبرح تعوم في فراغات سماء المخيم, معظم هذه الهلوسات المشتتة تعزى الى قساوة الرمل الذي بدوره قد اوحى من خلال ركامه المسروقة الملامح من قبل حرائق الشمس للجميع اتقان قواعد اللعبة, حيث شرع الكل باغراق نفسه بنشوة عارمة, وبفرح زائف من اجل اْن يطبق جفنيه على طيف دمث او نجوى حالمة, وفي لجة تبعات الرمل مورس الحلم بعنف ومبالغة بحيث توغل بعيدا خارج حدود الاسلاك, وسراب الرمل حتى بلغ الى مناجاة الخيال.
احرق الياْس اوراق تفائله بالعثور على فلاح, حيث بحث عنه في كل المربعات فلم يجد له اْثر او ذاكرة. اتفق اثناء بحثه أن لمح كريم جارهم في نفس الزقاق, سأله عن وقت مغادرته مدينة الثورة, كريم لم يرجع الى المدينة فقد انتشله اليانكيز في اثناء رجوعه من وحدته الى المدينة, سأله عن فلاح, أكد له كريم بأن فلاح رجع في بداية التوزيع على المربعات بعد اْن بقى لمدة شهر في حفر الباطن معه والذي اخبره عن انزال عباس في سيطرة التفتيش وانه عقد تمائم السؤال على اعمدة الخيام لتساقط اخبارعباس. فلاح همس في اسماع عباس في اثناء الطريق لعبور الحدود بأنه يعاف السكن في الخيام وأن تحتم عليه ذلك سوف يرجع دون محالة.
في العادة, كانت جزئيات الحياة المقتضبة في تجاويف المخيم تعج بتنوعات جمة وتفاصيل مفرطة من حكايات, واعراف, ومثل وخليط غير متناغم من مفاهيم تمثل مدنهم, حيث كل مدينة تتميز بطابع ومناسك خاصة وبالتالي قد اضحت نوعا ما عقيدة صارمة يتعذر منها التنصل, لذا طقوس المدن كبلت ابنائها واحتوت خصالهم, وبناء على ذلك فقد نشأ بينهم ضرب من التودد والانسجام. التاّلف مع ابناء المدن الاخرى صعب لاْنه يفرض عليهم اْن يهادنوا القيم الاخرى بمنأى من املاءات مدنهم وهذا لا يمنح الاسداء الكامل للشعور بالارتياح.
اصاب نصل الادراك هذيان عباس, وذلك بأن فلاح انصاع الى هتاف الشوق والجوى القادم من ناصيات الثورة, فعليه وجد عباس نفسه يشارك محمد البصري, وحسين القادم من احراش اهوار العمارة اللفاء الخيمة. نشاْت علاقة وطيدة بينهم وذكريات ودودة نسجت على الاروقة, وكون المناخات في غلواء المخيم خالية الاثارة والحوافز وعديمة الخيارات, لذا اعتاد الجميع اْن يبددوا اوقات الليل في السمر والحكايات, والسهر حتى عزوف ادبار الليل عن فيض اتقاد النهار, في اغلب الاحيان كانت المحادثات تفضي الى جدال عقيم ومشادة فجة, ومن كثرة الوقت وغزارته واسهابه الوفير كان التفكير يدنف بالاحباط والكمد, وينكأ اوجاع وعويل لا يتطامن, العبث بالوقت, المكيدة الافضل لتشتيته, فأن نصاله تجثم على حياة المخيم دون مهادنة او شفقة, الوقت اشرس جلاد عرفه المخيم.
***
في تهاويم البداية, في الوقت الذي نقل اللاجئين من المعسكرات الترابية التي كانت تقع في الحفر الباطن ومن اماكن اخرى, وحشروا بتكالب في الاقفاص, كان الناس في العادة تنتابهم السذاجة والضجر في التعامل مع حياة الاقفاص, حيث تداهم الخطوات ايقاظة الصباح بالتاْرجح باْول اعمدة شعاع الشمس في ركل يومهم, والانكباب بألقاء دقائق الوقت الى ركام الماضي. الخلجة الوحيدة التي كانت تحتكر الاذهان هي ماهو المصير الذي يلوذ مابعد اشباك الاقفاص. في ثنايا اهراق الوقت الزاخر, عمد بعضهم بممارست لعبة النرد حيث استخدموا سدادات علب المياه المقطرة كقطع, والرقعة كانت قطعة اسفنجية زيتونية مضغوطة تستخدم كفراش من قبل اليانكيز, وذلك بعد الانتهاء من ازدراد ما تيسر من الاكل وشرب الشاي الممزوج برائحة الصفيح لانه يعد في علبة صفيح صدأة, بعد أن تحرق تحتها بعض من قطع الكارتون والاسفنج واشياء اخرى.
الحياة تمثلت ضمن اقفاص المخيم وكأنها عقوبة فاجرة, من دون مقارفة لذنب وكذلك كضرب من السخرية والسذاجة, فمظاهر الوجع والالتياع شاخصة على اسلاك الاقفاص. الياْس, والذهول سقم العقول. ظن الناس بأنهم سوف يجدون في رمال الحجاز مفازة يملكها الاعراب مليئة بالحفاوة والكرم, ولكن تفاجئ الناس برائحة السياسة تدجن المكان, كل شيْ ظهر في رمال الاجداد مجرد مكر واحتيال, ومواقد نيران القرى يعفرها الرماد.
***

قرر الناس الاضراب عن الطعام والجلوس في العراء قبالة لهيب الشمس الحارقة, وترك الخيام, واعداد بيان يطالب ادارة المخيم والامم المتحدة بأنتشال ما تبقى من اللاجئين من حبائل الفخ التي عدت سلفا لدفن غضبة السلاح في دهاليز الاقفاص, بعد مرور سنة من الانتظار والضياع في وسط سراب الصحراء. رمس بعضهم نفسه في الرمل الحارق, اخاط البعض افواههم, نظمت مظاهرات مابين الاقفاص, رفعت لافتات وشعارات ورسومات على ثقوب الاشباك, نصبت مشنقة يتناوب على صعودها, اصيب الكثير بالغثيان والاغماء, حملوا بسيارة الاسعاف, استطاع احدهم اْخبار اذاعة ( ب ب سي) فرع الاردن, سمع الجميع الخبر, الفرح والهتاف قض هدوة المخيم, التصقت الاجساد في عناق حميم, عندها تبسمت الوجوه, فقد تم الاعلان عن مكان وجود المخيم, وبدأت الوفود الاجنبية بالقدوم, استأنفت المقابلات, ذهب البعض الى اوطان اخرى, لم يحظ عباس بمقابلة اْي وفد, وقبل انتهاء السنة الثانية, ارتأت ادارة المخيم بنقل الناس الى رفحاء, الحياة اصبحت اكثر تعاسة واكراه وبتفاصيل مملة, نساء, متاجر متنوعة, ووجهاء, وعليه الخلافات والمتاعب تنوعت واخذت طابع جديد.
***
حصل عباس ومحمد وحسين على بيت له باب ورتاج, شعر الجميع بنوع من الاستقلالية والفردية, لاْن البيت محاط بسياج عال وفي باحته ثلاثة خيام. وهناك مرافق في وسط الخلية التي تتكون من مجموعة من البيوت. الخيمة الاخيرة كانت من نصيب عباس, ولمحمد اليمنى, واخذ حسين اليسرى, الحياة تجلت بحلة ربيعية وكاْنها فرغت للتو من رقصة على شطاّن دجلة, افترت اسارير الوجوه ورقدت الاجساد لتاْخذ قسط من الراحة بعد مشقة العناء الطويل. اردفت الايام بعضها البعض وعادت الرتابة تشنج اعصاب المخيم. محمد كان نادرا ما يبارح خيمته, فيقضي معظم وقته في الرسم والخط, عباس كان كثيرا ما يجالس نفسه, حسين فكان يعاف الجلوس وحيدا, فأنه دائم الحركة كمويجات الهور التي تداعب اعتاب بيته في اعماق تلك القرى التي كتمت صرخة جاسم جد عباس وجدته جسومه وأوت جده الهندي احمد. قرر حسين تقسيم الواجبات عندما دب الاهمال والوسخ في البيت, اْشار على عباس بلغة مائسة يشوبها شيْ من الحزم اْن يوفر الماء, اْما هو ومحمد فسيتناوبوا على الطبخ والتنظيف.
المخيم يغص باعداد هائلة من البشر, الكل يحاول ان يجد نفسه من بين هذه الحشود على ضوء المفاهيم التي حملوها معهم, ونتيجة هذا الهوس تكشف المخيم وكأنه يخضع لقوانين ساذجة. بالرغم من السذاجة التي تلف المخيم, استطاع عباس اْن يداجن الخواء والعدم باْطلاق العنان لدبيب حلمه, وهو الشيْ الوحيد الذي لم تقدر الاوجاع اْن تغتاله, والخوف من الرجوع الى مدينته الثورة التي اصبحت جارية تسخر لشهوة الحكومة. الحلم والخوف هذا كل ما تبقى في تجاويف ذهن عباس, فقد ادرج اْن يهرس الاوقات مع حلمه كيما ينفذ بعيدا عن مسامات الرمل التي عقمت عن اخراج عشبة واحدة, وتخال عباس وكأنه كور نفسه في نسغ الحلم واباح لنفسه ممارسة الفرح المحبط باْقصى ما اتاحت له خوالجه, وفي اغلب الاحيان كان عباس يمتلئ غبطة وفرح اّخاذ, ما أن يشرع بملاحقة الطريق حتى نهايته, فينصرف عباس يركل بخطواته الطريق, ويغذ السير على مساربه الملتوية دون ترتيب, منهزما ينادم تناغم واختلاف الطريق, يبدو عباس مرحا عندما يبسط خطواته رمل الدروب, حيث كثيرا ما يساْم وحدته واشيائه والقيود التي فرضها على نفسه, وحسب ماكان يظن, اْنه يتعذر ان تمتلك حياتك دون ان تمارس هذه الاشياء, ياْخذ يبتعد بخطواته الى الطرق التي يقل فيها العابرين الى ان يبلغ حافات المخيم من الشمال, فيجلس قبالة كوة المغيب, فينكب بوله يتاْمل شيئا ما هناك لفترة طويلة تمتد حتى هبوط سدف الليل, في اثناء تأمله, يبقى عباس ينظر بتفرس الى الافق الذي يتوسد نثار الرمل, محاولا ان يعيد الى ذهنه ايقاع مدينته وطقوسها الخرافية, وازقتها التي تتضوع برائحة الحنان والحدب, والطرقات الدمثة التي ما فتأت تحمل خطوات العابرين, وتكتم ما تساقط على ترابها من الاسرار... في غمار لواعجه, تطلع عباس الى رحابة السماء بتضرع وتذلل لفترة قصيرة متمتما بكلمات غير مسموعة, بدل عباس مكان جلسته عندما شعر بلسعة في اليته من حرارة الرمل, وعلى كرنفال الغروب ورسيس دجنة الليل, التقط ذهن عباس صورة امه بدرية الهندي المطلية بتجاعيد الحزن, اخضلت اهدابه دمعة انحدرت بسكون ولكنها لم تتحول الى غيمة سوداء كما تقول الخرافة او ربما تتعلق كوصمة للفراق في كوة الغروب.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية – أقفاص الرمل (9)
- رواية- اقفاص الرمل (8)
- رواية- اقفاص الرمل (7)
- رواية- اقفاص الرمل (6)
- رواية - اقفاص الرمل (5)
- رواية – أقفاص الرمل (4)
- رواية – أقفاص الرمل (3)
- رواية – اقفاص الرمل (2)
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – اقفاص الرمل (10)