مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4800 - 2015 / 5 / 8 - 01:31
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
إذا حلمت لوحدك , سيبقى هذا مجرد حلم
إذا حلمنا معا , فإن هذا يصبح واقعا
أغنية برازيلية فولكلورية
خطأ ما حدث على سفينة الفضاء الأرضية , لكن ما هو ؟ ربما كان ذلك الخطأ الأساسي عندما اخترعت الطبيعة ( أو أيا يكن ) فكرة "الإنسان" . لماذا يجب أن يمشي حيوان ما على قدمين و يبدأ بالتفكير ؟ لا يبدو أنه كان أمامنا أي خيار بهذا الخصوص , رغم أنه كان علينا أن نتكيف مع خطأ الطبيعة هذا , بأنفسنا . تقع الأخطاء لكي نتعلم منها . في الأزمنة قبل التاريخية بدا أن صفقتنا هذه لم تكن سيئة . طوال العصر الحجري القديم ( قبل خمسين ألف سنة ) كان عددنا قليلا , و كان الطعام ( الألعاب و المزروعات ) متوفرا , و تطلب البقاء القليل فقط من وقت العمل و جهدا محدودا أيضا . لجمع الجذور و فاكهة الجوز و الثمار ( و لا تنسى الفطور ) و قتل ( أو الأكثر سهولة الإمساك ) بالأرانب و حيوانات الكنغارو و السمك و الطيور و الغزلان , كنا نقضي ساعتين أو ثلاث يوميا . تشاركنا اللحم و الخضار في تجمعاتنا و تمتعنا بالنوم , أو الحلم , الاستحمام , ممارسة الجنس , أو رواية القصص , في الوقت المتبقي . بدأ بعضنا بالرسم على جدران الكهوف , أو نحت العظام و العصي , اختراع أفخاخ أو أغاني جديدة . كنا نتجول في الأرض في مجموعات من قرابة 25 شخص , حاملين أقل المتاع و الأملاك . كنا نفضل المناخ المعتدل , كمناخ أفريقيا , و لم تكن هناك "حضارات" لتطردنا إلى الصحاري أو التوندرا أو الجبال . كان العصر الحجري القديم صفقة جيدة - إذا وثقنا بالاكتشافات الإنثروبولوجية الأخيرة . لهذا السبب بقينا هناك لآلاف السنين - كانت فترة طويلة و سعيدة , مقارنة بالمئتي عام الأخيرة من الكابوس الصناعي الحالي . عندها لا بد أن البعض بدأ يعبث بالبذور و المزروعات فقاموا باخترع الزراعة . بدا أنها فكرة جيدة : لم يعد علينا أن نذهب بعيدا لكي نجد الخضار . لكن الحياة أصبحت أكثر تعقيدا و إرهاقا . كان علينا أن نبقى في نفس المكان لأشهر على الأقل , و أن نحتفظ بالبذور للمحصول القادم , أن نخطط و ننظم العمل في الحقول . كان يجب أيضا الدفاع عن المحصول ضد أبناء عمومتنا البدو الصيادين - جامعي الثمار , الذين استمروا بالإلحاح على أن كل شيء يعود للجميع . بدأت النزاعات بين المزارعين , الصيادين و مربي القطعان . كان علينا أن نشرح للآخرين أننا قد "عملنا" لكي نجمع ما نملكه , بينما هم لا يعرفون حتى ما هو العمل ( 1 ) . مع التخطيط , الاحتفاظ بالنباتات , الدفاع , الأسوار , التنظيم و ضرورة الانضباط الذاتي فتحنا الباب أمام ظهور تنظيمات متخصصة كالكهنة , القادة , الجيوش . و خلقنا ديانات الخصب مع طقوسها لنقنع أنفسنا بطريقة حياتنا الجديدة التي اخترناها . كان إغراء العودة إلى الحياة الحرة للصيادين - جامعي الغذاء تهديدا موجودا على الدوام . سواءا أكان مجتمعا أبويا أو منتسبا للأم كنا على الطريق نحو الدولة . مع صعود الحضارات القديمة في ما بين النهرين , الهند , الصين , مصر , اختل التوازن بين الإنسان و الموارد الطبيعية . و تم التمهيد للتدمير المستقبلي لسفيتنا الفضائية . طورت التنظيمات المركزية ديناميكيتها الخاصة , أصبحنا ضحايا ما خلقناه . بدلا من ساعتين يوميا , أصبحنا نعمل عشرة ساعات يوميا و أكثر , في الحقول و أماكن البناء الخاصة بالفراعنة و القياصرة . و قتلنا في حروبهم و أصبحنا عبيدا عندما أرادونا كذلك . و من حاول العودة إلى حريتهم السابقة عذب , شوه , و قتل . مع بداية التصنيع لم تصبح الأمور أفضل . للقضاء على انتفاضات الفلاحين و الاستقلال المتزايد لحرفيي المدن , أدخلوا نظام المعامل . بدلا من المراقبين و السياط , استخدموا الآلات . حددوا لنا إيقاعات العمل , و عاقبونا بشكل أوتوماتيكي بالحوادث في العمل , و أبقونا تحت المراقبة في قاعات ضخمة . مرة أخرى عنى "التقدم" أن نعمل أكثر فأكثر تحت ظروف مهلكة أكثر . حول المجتمع بأكمله و الكوكب بكامله إلى ماكينة عمل واحدة كبيرة . و كانت آلة العمل هذه في نفس الوقت ماكينة حرب لأي واحد تجرأ على مقاومتها - من الداخل أو الخارج . أصبحت الحرب صناعية , تماما كالعمل , بالفعل فإن السلام و العمل لا يتوافقان . لا يمكنك أن تقبل أن يدمرك العمل و تمنع نفس الماكينة من قتل الآخرين . لا يمكنك أن ترفض حريتك دون أن تهدد حرية الآخرين . أصبحت الحرب شيئا مطلقا , كالعمل . أنتجت ماكينة الحرب أوهاما قوية عن "مستقبل أفضل" . فبعد كل شيء إذا كان الحاضر بهذا البؤس يجب أن يكون المستقبل أفضل . حتى منظمات الطبقة العاملة أصبحت مقتنعة بأن التصنيع سيضع الأساس لمجتمع أكثر حرية , ذي وقت فراغ أكتر , أكثر سعادة . آمن الطوباويون , الاشتراكيون و الشيوعيون بالصناعة . اعتقد ماركس أن الإنسان بمساعدتها سيصبح قادرا على أن يصطاد , يكتب الشعر , و يستمتع بحياته مرة أخرى . ( لماذا هذه الالتفاف الكبير ؟ ) . طالب لينين و ستالين , ماو و كاسترو , و الجميع , بتضحيات أكثر لبناء المجتمع الجديد . لكن حتى الاشتراكية تبين أنها مجرد خدعة جديدة لنفس ماكينة العمل , موسعة سيطرتها إلى مناطق لم تبلغها رأسمالية الملكية الخاصة أو لم يكن بمقدورها أن تبلغها . لا يهم ماكينة العمل لو كان من يديرها شركات متعددة جنسيات أو بيروقراطية الدولة , يبقى هدفها هو نفسه في كل مكان , أن تسرق زماننا لكي تنتج فولاذها . لقد دمرت ماكينة العمل و الحرب الصناعية سفينتنا الفضائية و مستقبلها المتوقع : الأثاث ( الغابات , البحيرات , البحار ) تمزق إلى أشلاء , رفاقنا ( الحيتان , السلاحف , النمور , النسور ) يتم القضاء عليهم أو تعريضهم للخطر , الهواء ( الضباب , المطر الحامضي , و النفايات الصناعية ) يصبح نتنا و يفقد أي معنى للتوازن , المخازن (النفط الأحفوري أو المستحاثي , الفحم , المعادن ) تفرغ , و يجري التحضير لتدمير ذاتي كامل ( هولوكوست نووي ) . لم نعد حتى قادرين على إطعام جميع ركاب هذه المركبة التعيسة . أصبحنا متوترين و مثارين لدرجة أننا مستعدين لأسوأ أنواع الحروب القومية أو العنصرية أو الدينية ( 2 ) . لكثيرين منا لم يعد الهولوكست النووي تهديدا , بل خلاصا مرحبا به من الخوف , الملل , القهر و الكدح . ثلاثة آلاف سنة من الحضارة و مائتا عام من التقدم الصناعي المتسارع تركتنا في ورطة فظيعة . أصبح "الاقتصاد" غاية في ذاته , الذي على وشك أن يلتهمنا . هذا الفندق يرهب ضيوفه , حتى عندما نكون الضيوف و المضيفين في نفس الوقت .
( 1 ) لم يكن "العمل" يومها سوى لعبة - المترجم
( 2 ) الانتحار الجماعي أكثر من مجرد احتمال في ظل هيمنة المنظومة السلطوية الاقتصادية السائدة , و الإيديولوجيات السلطوية السائدة التي ترى هزيمتها أو انهيارها على أنه "نهاية" للعالم أو في نهاية العالم ضرورة لتحقق طوباوياتها الهستريائية - الإهلاسية - المترجم
نقلا عن
http://sfbay-anarchists.org/wp-content/uploads/2015/04/bb_3.pdf
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟