أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علاء مهدي - خارج حدود المقارنة!















المزيد.....

خارج حدود المقارنة!


علاء مهدي
(Ala Mahdi)


الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 08:37
المحور: المجتمع المدني
    


(مقارنة بين حرامية أيام زمان وحرامية زماننا الحالي ،
القصة حقيقية وبدون أسماء حفاظاً على الخصوصية الفردية)


كنا زميلين نعمل في نفس الشركة التجارية شبه الحكومية. كنت مديرا لحسابات الشركة وفي بعض الأحيان أتولى إدارة فروعها وكان مديراً لحقوقها، وكنا نلتقي بحكم متطلبات ومهام العمل بصورة دائمية. ففي شركة تجارية كانت المسؤولة الوحيدة عن توفير البضائع الإستهلاكية التي يحتاجها المواطن يومياً ، تتعامل ببضائع سريعة الإستهلاك وبملايين الدنانير العراقية يوم كان الدينار العراقي يساوي اكثر من ثلاثة دولارات خضراء ، تصبح مهمة مراقبة حركة البضائع بدءً من وصولها الموانئ العراقية وحتى وصولها إلى المستهلك مهمة كبيرة وصعبة حيث يتم تداول تلك المواد والبضائع عبر آلاف الأيادي والأشخاص. بضائع إستهلاكية تعد من مستلزمات الحياة اليومية وضروريات إستمرارها ، تتداولها أيادي مخرجي البضائع من مخازن الكمارك لتصل عبر شاحنات الشركة إلى مخازنها الضخمة والمنتشره في ضواحي العاصمة والمحافظات، ومن ثم يتم توزيعها على أكثر من مائة فرع للشركة تنتشر في محافظات العراق وأقضيته ونواحيه ، تتولى توزيع وبيع تلك البضائع بطرق مختلفة منها البيع النقدي المباشر للجمهورالذي كان محفوفاً بالمخاطر بسبب التعامل بالنقد المباشر بدون مستندات. ولتلافي المخاطر التي قد تنتج عن تداول السلع بهذه الطريقة كانت هنالك أنظمة تحكم حركة البضائع وتضمن سلامتها من التلف والسرقة من أجل ضمان أموال الدولة عن طريق وضع ضوابط محاسبية ومراقبية عليها. وعلى الرغم من توفر ذلك فقد كانت هنالك المئات من حالات السرقة والإختلاس من قبل الباعة ومأموري المخازن وسائقي الشاحنات وموظفي التسويق تكتشف سنويا عبر عمليات الجرد السنوي والمطابقات الحسابية لأرصدة البضائع في المخازن والفروع.
كثيرا ما زرنا فروع الشركة المختلفة في بقية محافظات العراق معاً للتحقيق بعمليات سرقة أو إختلاس بناء على أما نتائج جرد أو بناء على تقرير مرفوع من أحد العاملين أو وشاية قد تكون صحيحة أو لا وغير ذلك. كنت أغطي الجانب المهني المحاسبي وكان يغطي الجانب القانوني.
كنا نلتقي كل صباح في مكتبي ، نستعرض الأخبار ونتداول الأحاديث حول العمل مع فنجان من القهوة وسيكارتين ثم يستأذن للخروج على الأغلب لزيارة المحاكم ومراجعة قضايا الشركة القانونية فيها وعند عودته يزورني ثانية ليدس وصلاً رسميا صادرا عن دائرة حكومية – محكمة – على الأغلب بقصد الحصول على مصادقتي على صرفه ، بعدها يقدمه إلى محاسب الخزينة أو الصرف ليدفع له المبلغ الذي صرفه.
في صبيحة أحد الأيام ، دخل مكتبي ، وكان ضجراً يتفجر وجهه غضباً. سمعته يشتم أحداً لكنني لم أتبين أسم الشخص المشتوم. جلس على كرسية المعتاد وأشعل سيكارة جديدة من السيكارة التي كانت لاتزال بين شفتيه.
قال: أطلب لي گهوة. ففعلت ثم سألته: خيراً ؟
قال: وهو يهز رأسه يمينا وشمالاً ، هذا الأبن الكلب . . كاتب عليَّ تقرير يتهمني بالسرقة والإختلاس.
ضحكت بصوت عالٍ ، فقد كان الخبر بمثابة طرفة ، فكيف يتهم مدير حقوق الشركة بالسرقة أو الإختلاس وليس بذمته بضاعة أو مالا يتداوله نتيجة بيع البضائع مثلاً. انه محامي الشركة والمسؤول عن قضاياها أمام المحاكم المختصة. فكيف إذن يتهم بالسرقة والإختلاس؟
قلت : لا تمزح يا صاحبي ، اهدأ وأخبرني بالقصة.
قال: أستدعاني المدير العام ليبلغني بأن أحد المحامين في مديريتي قد رفع تقريراً له يتهم فيه مدير الحقوق بالسرقة والإختلاس وطلب المدير العام أن يسمع رأيي بذلك. قرأت التقرير وكان تافهاً وماورد فيه غير صحيح فطلبت من المدير العام أن يشكل لجنة تحقيق برئاستك للتحقيق في التهم المنسوبة لي في التقرير لكي أبرئ ذمتي.
قلت: لاتهتم ياصاحبي ، أنه مجرد تقرير وأنت تعلم أن كتبة التقارير هذه الأيام كثرٌ ولن تمنعهم شهاداتهم العالية من الوقوع في مستنقع كتابة التقارير، اترك الموضوع لي وسأتصرف.
-;--;--;-
في ظهيرة ذلك اليوم أتصل بي المدير العام وأخبرني بالموضوع وبأن زميلي مدير الحقوق قد طلبني بالأسم للتحقيق معه بالتهم الموجهة له وأنه قد شكل لجنة خاصة برئاستي تضم مدير الأفراد ومدير التدقيق ومدير الخزينة. ووعد بإرسال التقرير لي. أستلمت التقرير فقرأته وكان ملخصه الآتي:
في العراق هنالك نوعان من المحاكم ، محاكم صلح ومحاكم بداءة ، محاكم الصلح تنظر في القضايا التي لاتتعدى قيمتها الألف دينار، وإن تجاوز مبلغ الدعوى ذلك فتحول الدعوى إلى محكمة بداءة. فإذا كانت نسبة الرسوم التي تتقاضاها المحاكم العراقية عند تسجيل الدعوى مثلاً هي 2% من قيمة الدعوى فقط فإن الوصل الصادر عن محكمة الصلح يجب أن لايتعدى مبلغه العشرين ديناراً. إستنادا إلى هذه القاعدة فأن مدير الحقوق كان يقدم وصولات للصرف صادرة عن محاكم صلح بمبالغ تتعدى ذلك وهو أمر غير صحيح مما يعني أن هنالك تلاعبا أو إختلاسا.
لم أكن أعلم بهذه المعلومة ولم يكن بإمكاني التأكد من صحتها عبر زميلي مدير الحقوق كونه المتهم بمخالفتها لذلك قررت سؤال والدي المرحوم حسون مهدي وكان محامياً ، فأكد لي ان هذه المعلومات صحيحة !! شعرت بإحراج كبير ، وأحسست بأن صاحبي في ورطة وقد ورطني فيها لكي أنقذه منها.
قبل أن أدعو اللجنة للإجتماع والتداول بشأن التقرير، طلبت نسخاً مصورة من كل وصولات القبض التي قدمت للصرف وتم صرفها إلى مدير الحقوق خلال السنتين الأخيرتين. دققتها جميعا مستنداً على المعادلة المكتوبة في التقرير فوجدت أن كل الوصولات المقدمة كانت مزورة أو محورة وأن مجموع المبالغ المختلسة لم يتعد الثلاثمائة دينار خلال سنتين !
أستدعيته لمكتبي ودار بيننا الحديث التالي:
قلت: هذا مافعلته ووجدت أن هنالك فروقات في مجموع الوصولات التي قدمتها لنا خلال السنتين الماضيتين . أنت ترفض الإعتراف بذلك وبنفس الوقت وضعتني بموقف محرج. كل الوصولات المحورة والمزورة تحمل موافقتي الشخصية على صرفها مما يعني أنني لم أدققها عند الموافقة على صرفها نتيجة للثقة التي بيننا أو انني مشترك معك فيها. أرجو أن تساعدني في إخراجك وإخراج نفسي من هذه المحنة، فماذا تقول؟ نظر إليّ فألتقت عيناه بعيني ، ثم قال: لا أدري ، الموضوع بإيدك ، تصرف كما تشاء. قلت: لكن الأمر خطير ياصاحبي ونهايته محزنة ومؤلمة. قال: فليكن ، انت صديقي ، تصرف.
في اليوم التالي ، أخترت وصلاً صادراً من محكمة صلح وبمبلغ كان الأكبر من بين كل الوصولات ، أتجهت لوزارة العدل مستفسراً عن أسم المحكمة التي أصدرت الوصل. أقترحوا أن أزور مطبعة الحكومة فهي الأعلم بذلك. أخبرني المسؤول في مطبعة الحكومة أن دفتر الوصولات الذي يتضمن رقم وصل القبض قد تم تسليمه إلى محكمة بداءة محافظة (كذا) وهي مسؤولة عن توزيع دفاتر الوصولات على محاكم الصلح والبداءة في تلك المحافظة والأقضية التابعة لها. سافرت إلى تلك المحكمة فأخبروني بأن دفتر الوصولات الذي أبحث عنه مستخدم من قبل محكمة صلح قضاء (كذا). سافرت لذلك القضاء وقابلت أمين الصندوق الذي قام بمطابقة رقم الوصل مع نسخة الدفتر فوجدنا أن المبلغ مختلف وأن موضوع الدعوى التي دفع الرسم عنها يتعلق ببستان أو دكان عليه خلاف عائلي يعود لعائلة مدير الحقوق ولاعلاقة للموضوع بالشركة التجارية التي نعمل فيها.
عدت ومعي نسخة مصورة من وصل القبض الأصلي ورقم الدعوى وموضوعها ، واجهت زميلي بهما ، أنكر صحة ذلك وأبدى أمتعاضه من محاولتي أثبات حقيقة ماحدث ولامني على عدم مساعدته. زرت المدير العام الذي بدأ يتعرض لضغوط وتوسطات خارجية لغلق الموضوع ، عرضت عليه المعلومات التي توفرت لدي ، ثم قررنا أن ندعو اللجنة للإجتماع والمباشرة بالتحقيق. تم ذلك في اليوم التالي ، استدعيناه وواجهناه بالمستندات المتوفرة لدينا ، لم يجب على أغلب الأسئلة التي وجهت له ، واكتفى بإنكار التهم الموجهة له. فكانت هنالك نهاية محزنة له.
-;--;--;-
بالأمس تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ خبراً نشرته صفحة "عراق القانون" تضمن ملف فساد بالوثائق يخص عملية شراء مبنى القنصلية العراقية في لوس انجلس:
http://www.qanon302.net/in-focus/2015/04/26/52372
يذكر التقرير أن مبنى القنصلية في لوس أنجلس كان قد قدر ثمنه في العام 2013 بمبلغ أربعة ملايين وخمسمائة ألف دولار وقد أشترته القنصلية في 2015 بمبلغ تسعة ملايين وثلاثمائة ألف دولار أي بزيادة قدرها أربعة ملايين وثمانمائة ألف دولار. الأرقام مخيفة والإرتفاع في أسعار العقارات بمثل هذه النسب وارد جداً لكن ناشر التقرير قضى وقتا وبذل جهداً في البحث عن الحقيقة وقدم مستندات رسمية تثبت مايدعي . وحتى يتم إثبات وجود فساد في هذه العملية من عدمه من قبل وزارة الخارجية والمسؤولين العراقيين أو السكوت عنها كما حدث مع آلاف القضايا الأخرى التي أتت على خزينة العراق الذي بات على حافة الإفلاس فإن مقارنة المبالغ التي كانت تسرق بالمبالغ التي تسرق هذه الأيام هو موضوع خارج حدود المقارنة.
-;--;--;-



#علاء_مهدي (هاشتاغ)       Ala_Mahdi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى المئوية لملحمة الإبادة البشرية : من سينصف الأرمن؟
- عندما تدار الحروب . . بالريموت كونترول!
- نيسان الجراحات .. واستعادات نازفة !
- اليمن الذي كان سعيدا قبل قرون غابرة ..! -عاصفة الحزم- . . سع ...
- إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق ، هل أصبحت جزءً من الحياة ال ...
- حرية المعتقدات الدينية في العراق . . خلفيات ووقائع وتطلعات ، ...
- الإحتفال بيوم -المرأة العالمي-: بين مواصلة النضال . . وتلوين ...
- كيف . . ولماذا . . ولمصلحة من . . !؟ أشرار في القرن الحادي و ...
- ثقافة حقوق الإنسان العراقي!
- النفاق و الإزدواجية والنذالة .. سلوكيات ومواقف!
- الدكتورة مديحة البيرماني .... إضاءات عن مأثرة رائعة ... وذكر ...
- وتستمر الحوادث المثيرة للإستغراب والتساؤل ..!
- برلين تستضيف لقاء جمعيات ومنظمات ونشطاء حقوق الإنسان بالعراق ...
- من المسؤول عن ظاهرة الفضائيين؟
- من المسؤول عن ضياع الحق العام في العراق؟
- ممارسات وأفعال بين الإزدواجية والإحتيال ..!
- مصلحة الوطن .. والتستر على سارقي ثروات الوطن !
- مآسي انتهاكات حقوق الإنسان في العراق .. ومتطلبات إعادة البنا ...
- المحرقة .. وكيف نجوت منها ..؟ !
- المكسيك .. رحلة لم تكن في الحسبان..!


المزيد.....




- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علاء مهدي - خارج حدود المقارنة!