أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال ابو شاويش - اخر تغريدات حلمي المهاجر !















المزيد.....

اخر تغريدات حلمي المهاجر !


طلال ابو شاويش

الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


آخر مدونات حلمي المهاجر!

لماذا أدون مذكراتي؟ وما أهمية ذلك وقد تخليت عن كل شيء؟ منذ تخرجي من الجامعة لم أكتب حرفاً، بل لم أمسك قلماً مطلقاً ! وربما لم أقرأ صفحة واحدة في كتاب ... أي كتاب !
حالنا في قطاع غزة أشبه بالذرة الفشار في مقلاة فوق النار ... في كل لحظة حدث جديد ... موت جديد ... حتى عقارب الساعة تعابثنا في زمن غزة !
سأدون مذكرات الأيام الأخيرة في هذه البقعة المنسية من الجميع ... بعد ثلاثة أيام سيفتح معبر رفح كما أشيع ... وربما أتمكن من السفر إلى غير رجعة ... سأدون لأحتفظ بآخر اللحظات والمشاهد في الوطن ... ربما أجلس بعد أيام أو أسابيع أو في أحد مقاهي مدينة إيطالية ساحلية لأتأمل هذه السطور ... ستكون حتماً حبل الحنين الذي سيربطني بغزة ... لن أنشر أية تغريدات على " الفيس بوك " ... لا أريد ارتكاب أي خطأ قد يوحي بما أنا عازمٌ عليه ... لكني لن أنقطع عنه تماماً ، فربما يثير هذا الانقطاع شكوكهم ... سأكتفي بقصف " اللايكات " كي لا أثير ريبة أحدهم!
قال لي ضابط الأمن " أبو البراء " خلال الاستدعاء الأخير:
- أنت مراقب ... الإنترنت ... الجوال ... وحتى التليفزيون والثلاجة والغسالة ... حاول أن تعيش بهدوء ... البلد لا تحتمل أية " كركعات " ... " العصفور " ينقل لنا جميع تحركاتك ...
من يدري؟ " أبوالبراء " لا يكذب أبداً ... رجالات الأمن في قطاع غزة البائس أكثر منهم في دول عظمى !
سأحزم حقيبتي الصغيرة وأغادر ... لن أطيل لحظات الوداع مع أمي وأخوتي ...
آآآه ... لا يمكن للزمن أن يمحو تلك اللحظة الأخيرة من ذاكرتي ... لسعات حرارة دموعها وهي تقبلني لا زالت تحرق وجهي رغم البرودة التي تسري في كل شئ حولي !
ساعدتني في استكمال مبلغ الخمسة آلاف دولار ... لم أسألها من أين ... كنت خجلاً من سؤالها !
جيوب المهربين مثقوبة على بئر من الجشع بلا قرار... بإمكانها ابتلاع أيه أموال ... بل أي شيء ...
لم أتصور أمام معبر رفح أنني سأنجح في العبور ... قيامة حقيقية ... من يرغب بفهم المعنى الحقيقي لحصار غزة فليأتِ ليلتقط صورة للناس أمام المعبر ... المرضى يجربون الموت مراراً وسط الحشر العظيم ... لا يشفع لهم مرضهم ولا تحويلاتهم العلاجية ... الطلاب يحفرون بأظافرهم ممرات وسط الصخور ليمروا نحو مستقبلهم / جامعاتهم ... الموظفون في الدول المختلفة يهرعون مع كل إشاعة عن فتح المعبر علهم يتمكنون من الالتحاق بوظائفهم التي يتهددها تغيبهم الطويل عنها ... مشهد / موزاييك ! ... يختصر بكثافة كبيرة معنى الحصار ... أما الموظفون ورجال الأمن والمسئولون عن المعبر فقد بدوا قساة ... قلوبهم غليظة ... يسعون بشتى الطرق لتنظيم حركة السفر دون جدوى ... يتمسكون بسطوة القانون لكن المياه تتسرب تحت أقدامهم ... مافيات تشكلت وبدأت تعمل في هذا المناخ بمساعدة بعض الفاسدين بينهم ...
نادوا على اسمي ... لم أصدق ... أردت سماعه مرةً أخرى ... لكنهم لا يعيدون النداء ثانية ، ومن يمنعه الضجيج من سماع اسمه ويتخلف عن الحافلة ، هناك البديل الجاهز !
سألت أحد الشبان بجواري ... أكد لي بأنه اسمي !
هرعت بقدمين ثقيلتين تجران معها كل آلام الناس ومعاناتهم ...
فور اجتياز معبر رفح ... انتابني شعورٌ غامض ... لعلها لحظة فاصلة خصبة تحملت بكل المشاعر والأحاسيس المتناقضة داخلي ... الانخلاع من تربتي والرغبة الهائلة بالانطلاق ... على الجانب الآخر سأسلم نفسي للرجل الذي اتفقت معه .... سيصطحبني بطرقه الخاصة إلى الاسكندرية وسأمكث هناك لأيام حتى يتم إعداد المركب للرحلة الشاقة ...
(قفزت دمعة كبيرة احتبست طويلاً في عين المترجمة ... مسحتها بسرعة وأشاحت بالأوراق بعيداً لتلتقط أنفاسها ... لهاثها كان يعلو تدريجياً وسط تفهم رجال الأمن حولها ... كانت تطارد الأحداث فوق الأوراق... ركضاً !) حشرنا على ظهر المركب العجوز ... ولم أنس أن ألتقط بكاميرا الجوال صورة أخيرة لواجهتها .. قبل أن يأمرنا رجال البحر القساة بإطفاء جميع الجوالات وعدم استخدامها لا للتصور ولا لأي شيء آخر ...
أكثر من ثلاثمائة مسافر ... رجال ونساء وأطفال معظمهم من الفلسطينيين والسوريين ... حتى الأسمرين اللذين ظننتهما من الأفارقة ... كانا فلسطينيين من أحد مخيمات غزة ... عائلات بأكملها كانت تهرب من تاريخها وحاضرها القاسيين أملاً في صناعة غدٍ أفضل غرب المتوسط !!
كنت أرغب في الاختلاء ولو في مترٍ مربعٍ واحد لأدون ما جرى بعد خروجي من معبر رفح ولقائي بالبدوي الغامض ...
تحركت المركب فجراً ... أضواء باهتة تتراقص مع حركة المركب المترنحة فتمنح الأجواء رهبة إضافية ... حضر إثنان من رجال البحر ... لم يكونا أقل قسوة من الآخرين ... أمرا المجموعة المحيطة بي بالنزول إلى أسفل المركب ... وأطعناهما دون تردد ... ألقيت نظرة سريعة على مدينة الاسكندرية التي كانت تغادرنا تدريجياً إلى الأفق وتذوب في كتلة هائلة من الضوء بدأت تخبو تدريجياً ...
أسفل المركب لم أرغب بالحديث إلى أحد ... انتحيت ركناً قصياً وأخرجت مفكرتي ... رغبة قوية غامضة اجتاحتني لتدوين كل شيء ... أية أفكار ... أية مشاهد ...
(قطع أحد رجالات الأمن الصمت الذي ران على الغرفة في الميناء ... وتساءل بقسوة ونرفزة تسبب بهما انهاكه الشديد :
- ها ... هل اهتديتم إلى شيء؟
- ليس بعد سيدي ! أجابه ضابط صغير بإيجاز ثم نقل بصره بلهفة نحو المترجمة كي تكمل قراءتها ...)
اتصلت بالرجل وسط الصخب الذي اشتد مع عبور المسافرين خارج البوابة الرئيسية لمعبر رفح من الجهة المصرية ... ضجيج سيارات ... باعة ... تجار عملة ... عتالون ... جنود ... رياح وكلاب ... المرات المتباعدة التي يفتح فيها المعبر تمثل موسماً تجارياً رائجاً لهم ...
التقينا عند نهاية طابور السيارات من الجهة الجنوبية ... حدقت في وجهه بعد أن تعرف إليّ كي أحتفظ بملامحه في ذاكرتي ... وجهه محايد ... لو مكثت معه عمراً بأكمله لن أتمكن من تذكر قسماته بعد لحظة من مغادرته ... نقلني إلى أحد البيوت النائية عند أطراف مدينة العريش ... أعلم أن الطريق تستغرق نصف ساعة فقط لكننا مكثنا ندور لساعتين ... علمت من الكلمات المتقطعة التي علق بها لدى وصولنا بأنه كان يتجنب كمائن الجيش والشرطة ...
- لن أستطيع نقلك إلى الإسكندرية قبل إغلاق معبر رفح ... حركة المسافرين أثناء فتحه تستنفر كل أجهزة الأمن ... لا نريد أية مصادفات سيئة ... علينا الانتظار !
غاب عني ليومين متتالين لا أذكر أنني نمت طوالهما ... بيت صغير قديم مكون من غرفتين وساحة كبيرة أمامهما ... وخارجه سيارة بيضاء ذات الدفع الرباعي كتلك التي يستخدمها المقاومون في غزة ... قطيع صغير من الأغنام يبدو عليها الهزال ... مضخة مياه صدئة ... بعض شجيرات النخيل والزيتون ... ومن الناحية الشرقية تمتد الصحراء شاسعة لتفرض مجدها وغموضها وحكاياها ...
على مدار اليومين دخل وخرج من المنزل أناس كثيرون ... لم أحتك بأحدٍ منهم ... إنه الخوف ... هذا الكائن الخرافي الذي لا تعرف من أين يأتي وكيف يكبر ومتى يغادر !
تحركنا فجر اليوم الثالث ... وفور انطلاق السيارة لم أعلم كيف نمت فجأة ... الخوف والترقب طوال اليومين الماضيين فتكا بجسدي تماماً ... غيبوبة امتدت لأكثر من أربعة ساعات ... أفقت فجأة كما نمت ... نظرت إليه فرمقني بنظرة سريعة وعاد للتركيز على مقود السيارة ... تحسست جيبي بحذر ... لمحني بعين ذئب ... ابتسم ولأول مرة ألمح أسنانه الصفراء التي افترسها دخان السجائر التي لا تنطفئ في بين شفتيه المتشققتين ... شعرت بالخجل تبعه إحساس غامض بالأمان ...
حاولت تذكر تلك الكوابيس التي مرت بي خلال نومي ولم أفلح ... تداخلت ثم اندمجت لتشكل أظافر وحش معدني أسطوري ضخم انغرست في عنقي ... لم أجد أمام هجومه المرعب سوى التسليم المطلق ...
- أمامنا ساعتان ... قال بصوتٍ رخيمٍ ثم أشعل سيجارتين معاً ، ناولني إحداهما ...
اشتممت رائحة البحر قبل وصولنا ... ومعها نفذ إلى دماغي على الفور رائحة ميناء غزة ... المدينة المحاصرة ... ساعات طويلة أمضيتها هناك طوال الأشهر الأخيرة ... أنتظر وأترقب وأرتب لرحلتي الأخيرة ... أصبح هو المكان الوحيد الذي أهرب إليه من واقع غزة المؤلم ... علاقة حميمة نشأت بيني وبين بحر غزة ... كانت فكرة ركوبه إلى الجانب الآخر تسكنني تماماً ...
المدن الساحلية تتشابه ... أهلها متشابهون ... النزق والرفض والرغبة الدائمة في التغيير تسكنهم!
مكثنا في إحدى الشقق السكنية لعدة أيام ... لم أختلط بأحد ... وربما كان الآخرون يفكرون بنفس الطريقة .... اللهفة للخطوة التالية تأسرنا تماماً ...
ضجة كبيرة تحدث على سطح المركب المتهالكة ... صعدت لأستوضح الأمر ... الخوف يكسو وجوه المسافرين ... مركب آخرى كبيرة تترنح بجوارنا ... صعد ربانها وعدد من رجالها إلى سطح المركب التي تقلنا ... مشادة كبيرة تحدث بين هؤلاء الرجال القساة ... أرادوا أن ننتقل إلى المركب الثانية ... رفض رجال مركبنا الأمر ... وعلا الصراخ وانطلقت الشتائم بينهم وسط رعب المسافرين مما يمكن أن يحدث ...
هدأت الأمور قليلاً بعد أن غادر رجال المركب الثانية ... عدت مرةً أخرى إلى مكاني أسفل المركب ... أخرجت المفكرة مرة أخرى من حقيبتي الصغيرة ... ولم أكتب سوى سطوراً قليلةً ليباغتنا صوت ارتطام هائل بدا كدوي انفجار ... ترنحت المركب ولمع بخاطري تراقص جدران منزلنا الصغير أثناء القصف الإسرائيلي الأخير لغزة ...
تراقصت المركب وفقدنا توازننا وبدأ كل شيءٍ يختلط ... سارعت بإخفاء مفكرتي بحقيبتي وتشبثت بها ...
(أغلقت المترجمة المفكرة وراحت مخيلتها تعمل بسرعة رهيبة لإكمال المشهد / الكارثة ...
ملأت رأسها صرخات الأطفال والنساء ... وتهليل الرجال ... كيف لهذا الحشد الكبير من الناس أن يتصرفوا أثناء لحظة الغرق ؟!!
لقد وجدت فرق الإنقاذ عدداً منهم يرتدون طوافات النجاة ويحاولون السباحة نحوهم ... ما الذي جرى بالضبط؟
هل يمكن لأم أو أبٍ أن يترك أطفاله يموتون غرقاً ويفكر بالخلاص الفردي؟
توجهت نحو الميناء وراحت تتأمل الجثث التي يتم انتشالها بين الحين والآخر ... لا يمكنها في هذه اللحظات أن تعرف من هو صاحب هذه الأوراق ... فكرت وهي تكاد تختنق بدموعها ... " إنها تصلح لأي أحدٍ منهم ! "
غادرت الميناء وتساؤل وحيد يطاردها:
" و ماذا لو أمهله القدر لأيام كي يجلس في مقهى صغير ليعيد قراءة مذكراته بسلام؟!"
* * * *



#طلال_ابو_شاويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناهج حقوق الإنسان بالأونروا ...فلسفة تربوية وطنية أم رؤية ا ...
- عساف )2)
- تعليقا على المواقف الظلامية من عساف(1)
- اعتذار لاسرانا!
- يا مصر عودي!!
- ليس ردا على مصطفى ابراهيم
- اعشق الجينز...امقت الجلباب!
- الجل و الجينز و العصا!!!
- عبثية...........2
- عبثية!!
- في يوم الارض
- لا للمصالحة!
- ادارة الانقسام لا انهائه!
- حاسوبها الشخصي جدا!
- المفاوضات السرية مع اسرائيل..وصفة سحرية لانتاج الورطات الفلس ...
- كلمة وفاء لاسرانا البواسل
- انحسار ظاهرة المتضامنين الدوليين مع القضية الفلسطينية!
- قوى الاسلام السياسي ولعبة الامم!
- الجبهة الشعبية:حصان خاسر في السباق الفلسطيني
- توماهوك الرئيس عباس!!!


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال ابو شاويش - اخر تغريدات حلمي المهاجر !