أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الإنسان الحقيقي لا يخشى من الصدق وعرض تجاربه















المزيد.....

الإنسان الحقيقي لا يخشى من الصدق وعرض تجاربه


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4795 - 2015 / 5 / 3 - 22:22
المحور: الادب والفن
    


الإنسان الحقيقي لا يخشى من الصدق وعرض تجاربه بل يكون سعيدا مبتهجا وهكذا كان عبد الحسين 1953-2011

لصديقي عبد الحسين داخل العامل والمناضل هذا المقطع من رواية -حياة ثقيلة-

هذا المقطع الذي أخبرته قبل مماته وقلت له صورتك عندما قحبت، لم يزعل بل أبتهج.


حيث تمسي الدقائق رصاصاً، والساعة سنةً، هذا ما حصل في ليلة من ليالي الربيع، إذ جاوزت الساعة منتصف الليل ولم يظهر. لم ننم ليلتها. ولا أدري إلى أي مكان أنتقل، فوقتها لم أضع مكاناً احتياطاً بعد. وقبيل أذان الفجر سمعتُ صريرَ البابِ وهو يفتح، فأطللت من أعلى السلم فرأيته يدخل الباحة ويؤشر بيديه قائلا:
- نُمْ.. غدا أحكي لك!.
هممتُ بدخول غرفتي. قُبيل عبور العتبة العالية رأيتُ زوجته تهرع نحوه ملهوفة وتعانقه بينما آذان الفجر انتشر في سكون السحر، أويت إلى فراشي متشوقاً لمعرفة قصة تأخره، مقدراً أنها مغامرة من مغامراته مع النساء التي يحكي لي طرفاً منها بين الحين والحين رغم شدة كتمانه.
ما أن هبط جواري على فراشي المبسوط لصق الجدار حتى حاصرته بأسئلتي عن المكان الذي كان فيه ليل البارحة، فرمقني بنظرة من تحت دون أن يرفع رأسه مغالباً ابتسامة تكاد تنطلق لتتحول إلى ضحكة عريضة. قلت له بلغتي الداعرة المعروفة:
- ها گحَبُتْ؟!.
انفجر ضاحكاً فعرفت أنني أصبت الهدف:
- أحكِ لي!.
قلتها بلهجةٍ أمرهٍ وسكتُ متلهفاً لسماع قصة غزوتهِ الليلة الماضية. كان يعمل في مدينة "الثورة" المكتظة. وحكى لي طرفاً من يومه وعلاقاته بأولاد المحلة والنساء، فهو كائن اجتماعي يكسر الحاجز حتى مع سائق تكسي يركب معه أول مرة إذ يتحدث معه وكأنه نشأ معه منذ الطفولة، والخصلة هذه وجدتها لم تزل فيه عند عودتي بعد فراقٍ انقلب فيه العراق رأساً على عقب.
راح يرفع رأسه بين دقيقة وأخرى، فيواجه عيني المنتظرين المتشوقتين للأسرار إلى أن تنحنح وبدأ القول وفي صوته رجفة خجل:
- أخبرتك عن المرأة الجميلة اللي تلاحقني كل يوم وأنا بالشغل، أشوفها من كابينة الحفارة مختبئة وره الباب ولابسة ملابس مثيرة ومكشوفة.
يطلق حسرة عميقة حارة ويكمل:
- عليها جسم يخبل مرصوص رص ومصبوب صب، قالب من الجمال والإثارة، باستراحة الغداء وما أن أنزل من الكابينة حتى تطلع من البيت وتقترب مني وتبدي تحكي وتحكي وتفتح العباءة عن لحم محمّص بالشمس ومدهون بزيت الزيتون وتطلب مني مساعدتها في شأن ما، ويوم بعد آخر بدأت تشكو من حياتها ووحدتها بالليالي، فزوجها نائب ضابط بالجبهة يزورها سبعة أيام بالشهر، ولمن تشتعل المعارك يطّول شهرين لو ثلاثة، ويوميا الظهر تجيب صينية بها أنواع وأشكال.
لم يَصف شكلها، لكن أعرف ذوقه، فرحتُ أتخيل شكلها، سخونة جسدها المتضور بنيران الشهوة، وحدها على فراشها البارد، تخيلتها تنتفض مثل سمكة أخرجت من الماء، تنتفض متقلبةً، مسهدةً، حالمةً به، عارياً معها في السرير، فصاحبي به فتنة ووسامة وفحولة طافحة تثير شهوة النساء، كل النساء صغيرة وكبيرة، جميلة أو قبيحة، قصيرة أو طويلة، متزوجة أو مراهقة، فكيف بها وهي امرأة مهجورة، زوجها أخذته الحرب، فقيرة، تستأجر نزلاً مشتركاً مع أخرى مهجورة أيضاً، فزوجها هو الآخر عسكري مطوّع يخدم في الجبهة. قلتُ له:
- أعرف هذي القصة!.
أخبرني سابقاً بأنه شديد الحذر في مكان عمله، فقد أشاد علاقات مع شباب المحلة المصطفين وقتها مع اليسار العراقي. أردفتُ:
- ماذا استجد؟!.
صمت لثوانٍ وقال:
- اقترحت عليّ المبيت عندها!.
- وافقت!.
- طبعا وافقت، لا تضحك، إني مجنون بالنساء. وداعتك زهدت بكل شيء بكل شيء ما عداهنَّ، وما تدري كم تعذبت ودخلت بصراع ويه نفسي إلى أن قررت أغامر.
كنت أستمع محدقاً في عينيه مباشرة وجبهته بدأت تنضح قليلا إذ كان يتحاشى سرد مثل هذه التفاصيل ولا يميل إليها بالعكس مني تماماً. وكان يصمت بين جملة وأخرى وكأنه يزن الكلام ويمحصه قبل القول:
- أسمع بالأخير نهرتني نفسي؛ حرام عليك، الله ما يقبل تترك امرأة تشتهيك وتريدك وتظل تتعذب الليل كله بفراشها البارد!.
اختنقت بضحكتي. وهو يوجه لومه لي، ويعزو سبب إقدامه على مغامرته إليّ، متجاهلا عن عمد كونه خبير غرف التصوير والمباهج الجسدية التي أدمنها، أضاف
- تتذكر مرة سمعتني كلام زوربا اليوناني وكنت تكرره كلما التقينا حتى حفظته كون الله يمسح كل الذنوب إلا ذنب ترك أرملة أو امرأة وحيدة في فراشها لليلة. وأتذكر أول مرة سمعتني بها لما كنا نتمشى ونشرب عرق سادة برمضان بذاك الشارع العريض بالديوانية.
انفجرتُ بضحكةٍ عاصفةٍ، وهو يردد:
- أسكت أنت السبب. أسكت لا تضحك داعر، لا تضحك، عملتُ بنصيحتك فوقعت ليل البارحة وچا رحت بيه!.
طابت لي القصة وتشوقتُ لمعرفةِ تفاصيلها، لكن صاحبي ضنينٌ. كلامهُ ذهبٌ يبخل به. قلت له:
- بلا مقدمات أش صار البارحة وأحنه هنا بالبيت متنا من الخوف عليك وما نمنه للصبح!.
طلبت منه العودة عند حلول الظلام، وقالت سأترك باب البيت مردودا ما عليك سوى دفعه والدخول، فأنا رتبتُ كل شيء. وهذا ما فعلهُ. عاد مع حلول الليل وتوغله متسللا في العتمة الدسمة فمصابيح الشارع شاحبة خرساء لا تضيء إلا ما حولها إلى مساحات قليلة، تلفّتَ منتشياً يميناً وشمالا قبل أن يدفع الباب ويدخل. كانت الساعة الحادية عشرة، وكان قد قضى الوقت بين انتهاء عمله والموعد في حانة "سرجون" على أبي نؤاس نادمَّ أصدقاء من بقايا اليسار الناجي، وأقبل نحوها مخدراً بأحلام الثورة والسكر التي تتجلى في مثل هذه السهرات وتلك الظروف، كان في ذروة من مشاعر الثورة على العالم والقيم، غير آبه بشيء، وجدها خلف الباب مزوقة ترتدي ثوب نوم أحمر يكشف عن كنوزها المدفونة. سحبته من يديه.
كنتُ أتخيلك، خجولا، مقداما، أسلمتَ قيادك لها، هي النمرة العراقية المتشهية المغلوبة على أمرها بعد أن سلبت منها الحرب زوجها ولا تعرف في أية لحظة تسمع بمقتله, كنت أتخيل المشهد فأنت شحيح، باب البيت تخيلته خشبياً، بدون مدخل، يفضي إلى باحة صغيرة، تخيلت غرفة إلى اليمين تسكن فيها زوجة النائب ضابط المسكين التي تشتهيك وإلى اليسار غرفة جارتها المستأجرة. تخيلت المكان وترتيبه بينما كنت تقص عليّ باختصار وبقليلٍ من الجمل، شكل الباحة مصابيحها النارية، أرضية الباحة الترابية. فرأيتك وسط امرأتين فازتا بك لليلة تحملق راغباً بهنّ. كنت أذهب بالمشهد من ضيق وكثافة كلماتك إلى وساعة مخيلتي الداعرة قلتَ :
- گالت صاحبتي اللي رتبت الموعد:
(طگ "يعني ضاجع بالشعبية العراقية" هذي بالأول حتى تسكت.. والليل كله إلنه أني وياك يحبيب).
والجارة تخيلتها أقل جمالاً وجرأة من صاحبتك بدأت تتلوى وتتغنج موشكة البلوغ قبل الوطء. كنتَ في غمرةِ الوهج والاكتشاف ذاك، صحيح أن لدي الكثير من التجارب مع بنات وعاهرات لكنني لم أمرّ بتجربة تقاسمي من قبل اثنتان، وبينما كنتَ سارحاً متخيلاً المباهج التي تنتظرك في الدقائق التالية ضجّ الباب الخارجي بقرع مجنون جعل ذات الرداء الأحمر تنتفض والأخرى تهرب إلى غرفتها. ولما لم يكف القرع، نهضتْ لتفتح الباب. لم تتحرك من الغرفة أمرتك بذلك. فبقيت جامدا تخّيلتُ جمودك كجمود ليالينا في المعتقل، كدت تصير حجراً، لكنك توجست من اللحظة القادمة وصوت صفعات مصحوبة بأصوات رجال يشتمون مرددين بقهرٍ:
- ليش گحبة؟!. أش بيه زوجچ؟!. شاب جميل وقوي يحبچ.. ليشْ .. ليشْ ؟ بس.. نسوان.. گحاب ما تْتْأَمِنْنْ !.
نهضتَ، ولبست حذاءك، قطعت المسافة حتى بلغتَ عتبة باب الغرفة. كنتَ مذهولاً لم تدرك للوهلة الأولى ما يجري. وما أن اجتزتَ إطار الباب المفتوح حتى أخرستك المفاجأة فجميع الوجوه المحتشدة في باحة البيت تعرفها ولديك علاقة بها. ركلها أحدهم في بطنها ركلةً فسقطتْ على بلاط الباحة مطلقة آهة ألم حاولت كتمها بينما الراكل يقول بصوتٍ حرص أن لا يكون مسموعاً من الجيران:
- حسابكِ بعدين!.
أحاطوا بك وسحبوك من يديك خارج البيت. كانوا أصدقاء زوجها الغائب، استسلمتَ إلى مصيرك وقلتَ مع نفسك:
- أستأهل؛ كل ما يفعلونه بيّ!.
كنت تسيرُ وسطهم صامتاً، منتظراً فماذا تقول؟!. ماذا؟!.
وسط ساحة كرة قدم متربة مظلمة أوقفوك وطلبوا من أحدهم كان طويل القامة ضخم الجثة الإمساك بيدك بينما ابتعد الباقون مسافة وسمعتهم يتحاورون بصخب وبعد أكثر من نصف ساعة اقتربوا وقال لك أحدهم:
- أحنه مراقبين الوضع منذ شهرين، ونعرف الذنب ذنبها!، راح نوصلك لأن عرفناك ولد زين بس المنطقة بعد ما تقبلك.
تبرع واحدٌ منهم لتوصيلك بسيارته، لكنك رفضت خوفاً، ولم تصدق أنهم أطلقوا سراحك إلا بعد ركوب سيارة الأجرة. أمسك أحدهم مقبض بابها وقبل أن يطبقها انحنى نحوك قائلا:
- ما أدوسْ شارعنا مرةً أخرى!.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات من زيارتي الأولى إلى العراق 2004 2- المثقف العراقي ا ...
- مشاهد من زيارتي الأولى للعراق 2004 1- المثقف العراقي الجديد
- السرد العراقي وتطوره التاريخي 2- الرواية
- السرد العراقي وتطوره التاريخي: 1- القصة القصيرة
- 2- ضد الحرب وحتى العادلة
- الطيران الأخير
- 1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)
- أصدقائي الأدباء 1- شاكرالأنباري
- باب الظلام
- أساتذتي 1- وفاء الزيادي الشيوعي الوديع
- أيها المثقف العراقي لا تزيد سعار الحرب الطائفية العراقية الم ...
- فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-
- قصائد عن تجربة قديمة
- من كافكا إلى غوركي
- كّتاب قادسية صدام 9- جاسم الرصيف
- كتاب قادسية صدام 8- الكتابة المضادة.
- كتاب قادسية صدام 8- بثينة الناصري
- كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
- كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
- كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - الإنسان الحقيقي لا يخشى من الصدق وعرض تجاربه