|
من الذي قسّم العراق* ؟
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 4795 - 2015 / 5 / 3 - 01:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجواب واضح لكل عراقي لم يتلوّث بجرثومة الطائفية فكراً وسلوكاً وعملاً ، ولكل انسان شريف لا يداهن ولا ينافق ولا يكذب على نفسه وعلى الآخرين ، ولا يضحك على الذقون .! الذي قسّم العراق ، هو رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، الذي، اتبع سياسة الأقصاء والتهميش وضيّق الخناق على السنة ، ولاحق زعمائهم ، سجناً وتعذيباً وخطفاً وقتلاً . الذي قسم العراق هو الذي بني الأسوار الكونكريتية العالية لـ( غيتوات ) مذهبية في بغداد ، لا نظير لها في العالم ، حتى في اشد البلدان تخلفاً .
الذي قسم العراق هو من أطلق العنان للميلشيات السائبة لتخطف وتقتل وتنهب وتحرق . الذي قسّم العراق، هو من مارس سياسة التغيير الديموغرافي في المحافظات ذات الأغلبية السنية . الذي قسم العراق ، هو من قطع حصة اقليم كردستان من الميزانية السنوية للدولة وقطع أرزاق موظفي الأقليم واستولى على الأسلحة التي ترسلها الدول الغربية الى البيشمركة لمحاربة ( داعش ) . الذي قسّم العراق هو من سلّم ثلث العراق الى داعش مع أربع فرق عسكرية بكامل اسلحتها الأميركية المتطورة من دبابات ودروع وصواريخ ومدافع بعيدة المدى و ذخائر عسكرية هائلة تكفي للحرب لعدة سنوات ، وودائع البنوك وآبار النفط والمصافي والمعامل . الذي قسّم العراق هو من أجبر اكثر من مليون ونصف المليون من السنة ، على النزوح الى كردستان ، وتحميل حكومة الأقليم عبء أيوائهم وتقديم الخدمات العامة لهم . الذي قسّم العراق هم ساسيو الصدفة ، الذين اتخذوا من الشعارات الطائفية والديماغوجيا السياسية جسراً للقفز الى السلطة واحتكار الثروة والنفوذ . الذي قسّم العراق هم الذين اختلسوا مئآت المليارات من الدولارات من خزينة الدولة بذريعة الصرف على مشاريع ، لا وجود لها على الأرض ، وتركوا ملايين العراقيين - وخاصة الجماهير الشيعية المسحوقة التي ادعوا تمثيلها – نهباً للبؤس ، والشقاء ، والحرمان من ابسط مقومات الحياة الكريمة . من قسّم العراق ، هم الذين يذرفون اليوم دموع التماسيح على نهاية دولة مصطنعة ولدت من رحم مؤتمر القاهرة في عام 1920 برئاسة وزير المستعمرات حينذاك ونستون تشرتشل ، ورسمت حدودها الخاتونة بيل . التي كتبت في رسالة الى والدها في السنة ذاتها تقول فيها " اليوم كان عملي مثمراً ، فقد رسمت الحدود الغربية والجنوبية ، للدولة الوليدة ، التي اطلقنا عليها اسم العراق . اذا كانت الحكومات العراقية المتعاقبة ، قد استطاعت الحفاظ على هذه الحدود بالقوة الغاشمة ، فأننا نعيش اليوم في عصر لا مكان فيه للدكتاتوريات ، ولا لحكام على شاكلة مختار العصر. بعد حوالي تسعة شهور على تشكيل حكومة حيدر العبادي ، لا يبدو في الأفق أي بادرة مشجعة ، للتخلى عن هيمنة مكون واحد على مقدرات البلاد والعباد ، وفرض سياسة الأمر الواقع على المكونات الأخرى . السنة قادرون - لو تركوا احراراً في تلقي المساعدة من المجتمع الدولي - على الحاق الهزيمة بداعش ، على نحو أفضل وأكثر فعالية من الميليشيات السائبة ، التي عملت بأفعالها الشنيعة ، على تعميق التقسيم الفعلي للعراق ، وأصبح من المستحيل نسيان كل المعاناة الرهيبة لملايين العراقيين المظلومين والمشردين . كردستان وحدها صمدت أمام العاصفة الهوجاء ولمع اسمها في المنطقة والعالم ، كوطن للتسامح القومي والديني والفكري والسياسي ، وقد أثبت الكرد منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم ، أنهم أقدر على حكم أنفسهم وتحديث المجتمع الكردستاني والعمل على تقدمه وازدهاره ، رغم العراقيل التي وضعتها حكومات حزب الدعوة المتعاقبة أمام الأقليم ، كما أن العالم بأسره يشيد اليوم ببطولات قوات البيشمركة الباسلة وتضحياتها السخية في الحرب ضد تنظيم ( داعش ) . كردستان أضحت قبلة أنظار العالم ، ليس فقط ببطولات أبنائها فحسب ، بل بمظاهر التمدن والتقدم السائدة فيها . وهي اليوم واحة للأمن والأمان والأستقرار ، وملجئاً لكل الأحرار المناضلين من أجل حقوقهم المشروعة . ان الحل الوحيد لأخراج العراق من محنته ، هو تمتع مكوناته بحقوقها المشروعة ،على قدم المساواة والتخلي عن فرض الأمر الواقع بقوة السلاح في المناطق السنية وقطع الأرزاق في الأقليم . ولكن لا أحد يتوقع اليوم ، من حكومة حزب الدعوة الرابعة ، التخلي عن سياسة الأقصاء والتهميش ، ولجم الميليشيات السائبة واعطاء كل ذي حق حقه . وفي مثل هذه الظروف ، يبدو أنه لا مفر من أن يتولى كل مكون من مكونات العراق الرئيسية الثلاث حكم نفسه بنفسه . وتحريرالسنة والكرد والمكونات الأخرى من ظلم من لا يقيم وزناً لقيمة الأنسان وكرامته الأنسانية ، ولا للحقوق المشروعة للآخرين .. ----------------------------- * ملاحظة : العراق مقسّم فعلاً منذ ولاية المالكي الثانية وسياسته الرعناء . ويزداد هذا التقسيم عمقاً في ظل حكومة العبادي الضعيفة ، الخاضعة لأبتزاز الحشد الشعبي وسيطرته الفعلية على مقدرات البلاد والعباد .
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق في مرحلة ما بعد داعش
-
الكاريكاتير : الفن الي يعبّر عن جوهر الأشياء
-
ثقافة التسامح والتعايش ضرورة أنسانية ووطنية
-
ماذا قال خبير اتصالات بعد لقائه البغدادي في عشاء عمل ؟
-
هل حان الوقت لأعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟
-
لماذا يجب أن نقرأ الكتب ؟
-
صاحب نوبل للآداب الذى لن يحصل عليها أبداً
-
بعض ما كتب عن المؤرخ زبير بلال اسماعيل
-
خصائص المحتوى الأعلامي الجاذب للقاريء
-
العلاقة الملتبسة بين الأعلام والأرهاب
-
التراجيديا الأنسانية الكبرى للكرد الأيزيديين والأعلام العربي
-
استفتاء اسكتلندا وازدهار الدول الناشئة
-
هل تراجع الدور الكردي في بغداد ؟
-
كتالونيا الدولة القادمة في اوروبا
-
هل يمكن تجاوز التحديات الوجودية بتوزيع الحقائب الوزارية ؟
-
كيف اصبح اقليم كردستان محط أنظار العالم ؟
-
المالكي ينصب فخا جديدا للكرد
-
خفايا صفقة طائرات السوخوي
-
بين صحافتين جيدة وسيئة
-
من يدفع ثمن الولاية الثالثة للمالكي ؟
المزيد.....
-
السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
-
الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال
...
-
السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت
...
-
سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
-
عملية احتيال أوروبية
-
الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
-
-بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ
...
-
مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا
...
-
عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
-
إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|