أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار جاف - أدعياء التمرد و العبث و الثقافة















المزيد.....

أدعياء التمرد و العبث و الثقافة


نزار جاف

الحوار المتمدن-العدد: 1332 - 2005 / 9 / 29 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


في بداية العقد السابع من القرن المنصرم، کنت طالبا في الدراسة المتوسطة بمدينة السعدية التابعة لمحافظة ديالى، وکان شغفي بدرس اللغة العربية ولاسيما القواعد"النحو"و الإنشاء کبيرا. وفي السعدية التي کانت مدينة صغيرة تتحکم فيها القيم العشائرية المحافظة، لم يکن هناک أي ملتقى أو منتدى أدبي أو فني وإنما کان هناک البيت و المدرسة والمقهى و السوق و البساتين المحيطة بالمدينة ولاشئ غير ذلک. في مثل تلک الاجواء وحينما يشعر المرء بموهبة ما في داخله فإن حاجته سوف تکون ماسة لمن يرشده الى الإتجاه الذي يمکن خلاله أن يصقل فيه تلک الموهبة و يجعلها في إطارها الذي يستوجب لها. وقد کنت محظوظا إذ أنعم علي القدر بفرصتين ثمينتين تمکنت من الإستفادة منهما الى حد بعيد، الفرصة الاولى هو کون أحد جيراننا في حينا بتلک المدينة المحافظة هو القاص العراقي الراحل"عبدالرزاق الخالدي"، الذي کان يمدني بالقصص و الروايات العربية و العالمية ويسألني و يناقشني بإهتمام بالغ بخصوص کل کتاب أقرأه حتى دفعني الى أن تکون لدي "روح نقدية"إذا صح القول. والفرصة الثانية هو حين أتحف القدر مدرستنا بأستاذ متمکن و حصيف هو"محمد حسين آل ياسين"، الذي فرض منذ الوهلة الاولى لدخوله شعبتنا شخصيته على جميع الطلاب دون إستثناء. کان رجلا مهندما يحسن إختيار الملابس کما کان يحسن إختيار الالفاظ مع الطلاب بحيث کنت أشعر دوما إنه ينتقيها و ليس يختارها بصورة عشوائية أو عن طريق الصدفة. الاستاذ آل ياسين، الذي کان يضع نظارات سوداء تزيد من وسامته و قوة شخصيته، کان صارما لکن من دون أن يلحق أذى بأحد من الطلاب، کان قاسيا بيد إنه لم يظلم طالبا، کان لايبتسم لکننا کنا نشعر بروحه المرحة حين کان يفرغ من إلقاء مادة الدرس و يبدأ بإستفساراته عبر طريقته الخاصة الغير مباشرة التي کانت محببة للطلاب جميعا. هذا الرجل الفاضل الذي لم يطل به البقاء في السعدية أکثر من عام واحد على ماأتذکر، ترک آثار بصماته واضحة على کل طالب و لاسيما الذين کانوا ينتبهون بتمعن إليه. وقد کان أول من تنبه الى قدرتي في الکتابة، بعد أن کان المرحوم عبدالرزاق الخالدي أول من إنتبه الى قدرتي في القراءة والإستيعاب، ذلک أن القراءة لوحدها من دون تفقه و إستيعاب أشبه بدعوات الإصلاح التي يطلقها النظام العربي الرسمي والتي لافائدة من ورائها إطلاقا. وأذکر أن الاستاذ محمد حسين آل ياسين کان يمنح من وقته قدرا محددا يشعرني فيه بإنني موضع إهتمامه وکان ذلک يمنحني إحساسا غريبا لا أجد له نظيرا طيلة هذه السنوات العجاف التي مرت من عمري المثقل بالاحزان. کان الاستاذ آل ياسين يلفت نظري دوما الى مسألتين مهمتين وهما ماذا أکتب ومن أخاطب؟ ومع مرور الزمن و تکثيف عملية الرؤيا الانسانية و تبلورها کمحصلة أساسية في قناعاتي الشخصية، مازلت أدرک و "أعي" أهمية تلک الشخصيتين في حياتي الثقافية حيث إنهما شکلا المرتکزين الاساسين في إنطلاقتي لدنيا الادب و الثقافة. هذه الامور تذکرتها وأنا أطالع بإستغراب نتاجات تيارات شابة تدعي إنتماءها لعالم الثقافة و الادب وهم مواضيع لاتفهم من مقاصدها و غاياتها الاساسية شيئا وأنت تطالع أسطرها المکونة من کلمات غير متجانسة تحفل بالاخطاء النحوية و البلاغية. إنها مجموعة تحاول الإيحاء بأنها"متمردة" على کل ماهو مألوف في عالم الثقافة و الفکر، وحينا يرمون في بعض کتاباتهم و إظهاراتهم السقيمة أنهم"عبثيون"، والحق أنني ومن بعد الراحل الخالد"حسين مردان"، الذي جسد العبثية في کتاباته و حياته اليومية أروع تجسيد،لم أجد"بإستثناء محمد الماغوط"من يمتلک ذهنية عبثية بتلک الطاقة الخلاقة من الابداع و التألق. ولعل ديوانه"قصائد عارية"الذي نشره في الخمسينيات من الالفية الماضية والذي أحدث ضجة مدوية و أثار جدلا کبيرا في الاوساط الثقافية أنذاک، کانت الدلالة الحية المجسدة للقدرة الابداعية التي کان يمتلکها حسين مردان والتي لم تمطره السماء بها وإنما سعى في دروب الثقافة قارئا و باحثا و دارسا حتى وصل الى ذلک المستوى الرفيع. أما الحديث عن راحل مبدع آخر هو "محمد الماغوط" والذي جسد هو الاخر رؤيا عبثية راقية في کتاباته طرحت مفاهيم ذات معاني سامية في مضامينها، الماغوط حين يقول:
"مالفرق بين الخبز و التنک؟ مالفرق بين النهد و المطرقة؟ مالفرق بين أن تموت متبرزا في زريبة أو تموت وأنت على رأس قبيلة"، فإنه يرمي الى مضامين في غاية البداعة و الروعة، إذ هو يحاول المقارنة بين تلک المتضادات الغريبة ليدفع القارئ لإستشفاف حرکة الواقع. صحيح أن التمرد حالة ضرورية قصوى للأتيان بأصباح جديدة لدنيا الثقافة، ولکن ليس کل تمرد! ألبير کامو و فرانز کافکا و صادق هدايت و فروغ فروغزاد و حسين مردان و محمد الماغوط و صاموئيل بيکت و يوجين يونسکو و أدوارد ألبي وهارولد بينتر، کل واحد منهم خاض تجربته الخاصة في جانبي الحياة و الکتابة الابداعية وکل هؤلاء تمردوا"وخصوصا الغربيين منهم تحديدا" وتوصلوا الى أن العبث و اليأس و إنعدام الامل هي طباع متأصلة في أعماق الانسان. على أن کل من حسين مردان و الماغوط و هدايت و الشاعرة فروغ فروغزاد يرون الامر في نتاجاتهم من زاوية أخرى مغايرة نوعا ما، وهي إن العالم لايعني شيئا بسبب من أن الأسس الاخلاقية و الدينية و السياسية و الاجتماعية تعيش أزمة طاحنة. وهنا يحضرني قول رائع و مأثور للراحل الدکتور علي الوردي إذ يقول مامعناه "إنني لاأخاف على المجتمع من الغزو العسکري أو الثقافي بقدر ماأخاف عليه من أدعياء الثقافة من الذين يقرأون کتبا ومن دون أن يعون مضامينها يقومون بشرح تلک المضامين للناس"، وهؤلاء أيضا هم أدعياء فراغ و وهم يسمونه سماجة منهم ثقافة کما إنهم يحاولون وبطريقة"الغراب" أن يقلدوا نماذج خالدة مثل کامو و کافکا و بيکت و الماغوط و حسين مردان ويوهمون أنفسهم الضالة بأنهم متمردون على الثقافة الحالية التي أساسا لم يفهموا منها شيئا. إنه تيار يريد أن يخلق من العدم وجودا! وإلا فما يعني هذا الکلام بحق السماء"کم وقفت على حافة الباب راکضة"؟!! أم ماذا يلمح مسطر هذه الکلمات"وسأحارب لأنني لست محاربا و سوف أعبد وأنا لست مؤمنا، وسوف أحب الناس وأنا لست إنساناولاأحب معاشرة البشر."؟!! إن هکذا کلام ممجوج ماسخ لو قمت بإضافة کل أملاح بحار الدنيا إليه لما منحته ولو نزر يسير من الطعم، هو کلام فارغ من کل النواحي. إن مثل هکذا نماذج تتوهم أنفسها بحارة هي في الحقيقة تبحر في شطئان ضحلة ولذا فإن لاإبحار حقيقي لها في الواقع، ذلک إنهم لايعترفون بالتراث الثقافي الانساني ويرمونه بالمتحجر و المنتهي الى مفترق لانتيجة فيه، غير أنهم وفي نفس الوقت لايطرحون أي شئ نشم من عبيره شذى البديل المرجو. إنهم يکتبون مايسمونه شعرا وهو ليس إلا هراء لاطائل من ورائه سوى ربط مجموعة من الکلمات ببعضها من دون أية غاية منشودة! إنهم يريدون أن يهدمون جدرانا فولاذية بمعاول تغالي في وهميتها وخوائها حتى إنها من فرط سطحيتها و سذاجتها أجد من الإجحاف مقارنتها بتلک الطواحين التي کان يقاتلها طيب الذکر دون کيشوت!!



#نزار_جاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيارات الرجعية و المتطرفة في طريقها للإنحلال و هي آيلة للس ...
- الانسان من فردوس السماء الى جحيم الالة
- هل هي حقا نهاية الانسان؟
- المرأة و الحب..الزهرة و الشذى
- المرأة و الازدواجية
- خطاب يقود الى الهاوية
- قراءة کوردية لمظفر النواب
- عبدالله بشيو..شاعر الحلم الکوردستاني
- الانثى...ملکة العدم المحاصرة
- الاتحاد الاوربي و أمريکا لايحبون الحصاد في الربيع
- ثقافة الحرية و حرية الثقافة
- حرية اوجلان..التنافس الاوربي الامريکي الضمني
- من رفع القران الى ترشيح جمال مبارک: کلمة حق يراد بها باطل
- المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت
- ترکيا و إعادة محاکمة اوجلان: خيارين لا ثالث لهما
- الاسلام السياسي و الارهاب:الدوافع و المبررات
- الرفسنجاني مجددا..فشل البدائل أم اللاخيار؟
- ولاية الفقيه..وجه آخر للإستبداد
- الکورد و الاستفتاء في الصحراء الغربية
- المرأة و الدين ...الخطيئة و الکمال


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار جاف - أدعياء التمرد و العبث و الثقافة