أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - الموكب (قصة قصيرة)














المزيد.....

الموكب (قصة قصيرة)


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


تغيرت ملامح البنايات والشوارع وحتى الناس عشرات المرات، قبل أن تتحول بقايا القرية الصغيرة المهزومة الى مدينة يحاصرها من جميع الجهات أرقى وأكثر المناطق ثراء في البلاد. ورغم ذلك ما يزال منزله صامدا بطابعه الريفي العتيق، وبوابته الخشبية الضخمة المهيبة، ومنظر الأغنام والبقر والجاموس والطيور يمرحون بحرية على الأرضية الترابية المفروشة بأعواد البرسيم وبقايا الطعام والروث. وليس ذلك فحسب، بل أن الأشخاص المتحصنين داخل المنزل كانوا كذلك أيضا أسمالهم ريفية رجالا ونساء، وكذلك عاداتهم ولهجتهم، يمارسون حياتهم بمنهى العفوية مثلما كان هذا المنزل أيام زمان يتوسط القرية بشموخه وهيبته قبل الهزيمة. والأن لم يعد هناك أرض زراعية في غرب البلدة تتطلب منه أن يصحو قبل الفجر مثل المعتاد، ويقفز بعد الصلاة على ظهر حماره يجر ورائه البقرتين والجاموسة في موكبه المألوف، يمضى النهار في خدمة الأرض، ويقفل مع غروب الشمس في نفس الموكب، تحلب امرأته البقرتين والجاموسة، وتجلس امام بوابة البيت المفتوحة دوما تبيع الحليب لزبائنها المعروفين جدا لديها سواء من الجيران أو الغرباء. زحف البوار على الارض، لم يعد هناك زروع خضراء وأشجار ومصارف مياه نظيفة وسواقي فرعونية، أو ماكينات ضخ المياه بصوتها المزعج، بل زروع إسمنتية قبيحة وطوب أحمر غير مستوي، ومباني خرسانية مرتفعة بحماقة تخنق بعضها وساكنيها. لم يتبق له من الخمس أفدنة الذين تركهم له أسلافه سوى قيراطين اثنين باعهما من دون حسرة بعد أن تيقن من هوان جسده وعدم قدرته على قيادة موكبه اليومي والاستلقاء على ظهره فوق الأرض (التي كانت) يشخص بصره نحو السماء، ويتشمم ما تبقى من رائحة ربما تنثرها نسمة شارده في الظهيرة حيث اعتاد في هذا الوقت تناول غذائه والاسترخاء قليلا قبل أن يهم لمواصلة عمله في الأرض. عاش حياته لا يرى ولا يعرف سوى الأرض وحيواناته، مبلغ سعادته ورضاه كان مع ضربة الفأس، وتسوية وتنظيف الأرض والزرع، وتنظيف الحيوانات، وجمع روثهم سواء في الأرض أو في زريبة المنزل في المدخل. هكذا امتدت حياته الى اليوم الذي اضطر فيه أن يجلس في البيت يبيع الحليب بجوار امرأته، وينظف روث البهائم في الزريبة، ويخالط الناس على المقهى الجديد الذي افتتحوه بجوار المنزل. أحيانا كانت تدهمه غصة حينما يشتاق للزرع الأخضر، والأرض والفجر، والموكب، لكنه الزمن الغادر قاسي القلب. تبددت الأرض من دون ارادته، وتبددت صحته من دون ارادته أيضا، لم يعد يملك الآن سوى بضعة حيوانات يحرص على الاهتمام بنظافتهم جيدا، وبضعة ذكريات تغصه من حين لآخر. واليوم سار مثل كل يوم منذ أن أقعده المرض عن الخروج في موكبه قبل أن يبيع القيراطين. خرج لصلاة الفجر مثل المعتاد في المسجد، عاد وتناول فطوره، انشغل بتنظيف الحيوانات بالماء الفاتر، وتنظيف الزريبة من الروث، وامداد الحيوانات بالطعام، خرج الى المقهى المجاور يطالع الناس والأحداث، مكث قرابة الساعة والنصف دخن خلالها أربعة أجحار من الشيشة، ثم جلس قرابة الساعة أمام البيت لحين خرجت امرأته. كان موعد صلاة الظهر قد أقترب، وكان يجب عليه أن يدخل ليرتاح قليلا قبل الصلاة. لكن الذي حدث أنه لم يخرج، وأن زوجته ظلت في انتظاره حتى لدغتها ستائر الظلام المنسدلة بسبب غياب الشمس. هلعت لعدم ظهوره كل هذا الوقت، تحركت بسرعة للداخل، أطلقت فجأة صرخة هائلة مرعبة التم على أثرها الناس، وجدوه غريقا في بئر المجاري بجلبابه المميز، وجسده القصير الضئيل يبين بوضوح. حدثت جلبة وصخب وانفجار هائل للدهشة والحزن في البيت، ولدى حيوانات وطيور المنزل، وفي البيوت المجاورة أيضا. قالوا فيما بعد أنه أثناء ولوجه للراحة أكتشف انسدادا في بئر الصرف بالمنزل وتسرب المياه للخارج، أزاح الغطاء الاسمنتي، وحينما بدأ في استخدام عصا التسليك اختل توازنه، فقد سيطرته، سقط داخل البئر المغمورة بماء المجاري والروث، لم يشعر به أحد أبدا مثل المعتاد.
احمد الباسوسي القاهرة 27/4/2015



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - الموكب (قصة قصيرة)