أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أمين النجار - النظام يحدد طبيعة الانسان















المزيد.....

النظام يحدد طبيعة الانسان


محمد أمين النجار

الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 19:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما يستغرب كثيرون هذا العنوان، إذ أن الشائع على ألسنة الناس، أو على الأقل العوام منهم؛ أن الإنسان هو الذي يصنع النظام، ويحدد ملامحه وشكله وصفاته الأساسية، وليس العكس..
قد لا يتحرر فهم هذه العبارة التي عنونت بها إلا بتحرير معناها الذي أردت وقصدت.. نعم إن من أكثر العبارات التي أبدعتها ألسنة البشر وخاصة تلك التي تروج في ميادين التبرير السياسي، عبارة (كما تكونوا يولى عليكم) [ وهو حديث ضعيف الإسناد منكره]، التي تنم بصورة واضحة عن خطأ في الفهم والتطبيق، وانحراف في الفكر.. ولو رحت أعدد مساوئها لما استطعت إلى حصر ذلك سبيلا، ولكن يكفي أنها تبرر للاستبداد والطغيان، وتحرف كل وسائل الإصلاح عن الطريق السوي الصحيح، إلى طرق طويلة نهايتها مغلقة بخيبات ملؤها الألم .. وتركن بالأمم عن النهوض وتحثهم على التراخي والقبول بالاستعباد.. جلت كثيراً في صفحات التاريخ أبحث عن حركة تغيير، أو صورة انتشال للمجتمعات، انطلقت من خلال المنشورات التي توزع، والخطب التي تلقى والأشعار التي تنمق.. لأخلص إلى أن البحث عن مثل هذه الحالات ما هو إلا محض عبث، ومحاولات فاشلة للثورة على سنن الله في كونه. نعم سنة الله في هذه الأرض أن التغيير لا يأتي من خلال منشورات تعلق خلسة في دجى الليل، ولا بخطابات دينية أو سياسية أو حماسية، تأمر بالإصلاح وتحث عليه، فهذه الوسائل لا تتجاوز آثارها نطاق الأفراد. وباستقراء سريع لحركات تغيير المجتمعات تاريخياً سنجد أن أيا منها لم يكن عبر هذه الوسيلة.. لقد مكث رسول الله في مكة (ثلاث عشرة سنة) يحاول حرف المنهج الفكري المتحكم بالمجتمع، والذي كان قد صاغه النظام الجاهلي الحاكم، بوصفه واحداً منه، فلم تثمر حركته هذه إلا عن اعتناق فئة قليلة لمنهجه، كان الألم والحرمان والمطاردة هو شكل حياته اليومية.. ولكن بعد أن انتقل إلى المدينة المنورة، مؤسساً نظاماً حاكماً مؤثراً قاضياً ملزماً، تسود فيه أحكام العقاب والثواب (الدنيوية) خضع الناس لأمره وتقبلوا التغيير الذي جاء به.. وكذلك.. فشلت كل الحركات الثورية التي قامت في فرنسا قبل (1790م) من أن تحقق تغييراً ولو بسيطا في هيكيلة المجتمع المتسلط المستبد، الذي كان صورة حقيقية تجسد بلا مراء نظام حكم الملوك.. حتى إذا تغير النظام، تغير شكل فرنسا معه، وتغير الإنسان فكراً وعملاً ومنهج حياة.. بينما بقيت اليابان تعيش على ذكرى الأجداد وأمجادهم، وأساطير الساموراي وأخبار شجاعتهم، منغلقة على نفسها، لا تسمح لضوء الحضارة أن ينتشر في أرضها، مع أن الشمس من أرضهم تشرق، حتى شهد نظام الحكم تغييراً جذرياً، وقام الحكام الجدد بتغير شكل سياسات البلاد، فتغيرت أشكال المجتمعات والشعوب.. لقد حصل ذلك بعد حرب بوشين (1868)م التي انتهت بإزاحة نظام الشوغون وترسخت سلطة الإمبراطور (مييجي) لتنهض البلاد من إقطاعيات تعيش على خرافات العصور المظلمة، إلى دولة مؤسسات وقانون على الطراز الغربي، ولتتحول بفعل إصلاحات النظام الجديد الاجتماعيّة والعسكريّة والاقتصادية إلى قوّة عظمى في شرق الأرض، ولتستحق لقب أرض الشمس، لتهزم بحلول (1910)م جيوش الصين وكوريا وروسيا. لقد شمل التطور كل مرافق الإنسان. وفي عالمنا العربي، لم تستطع كل قنوات الوعظ، ولا خطب الإرشاد، ولا ندوات الفكر والثقافة، ولا مؤتمرات الإصلاح أن تحقق ولو جزءاً يسيراً من آمال الشعوب في الحرية والتغيير، بل بقيت الشعوب وفي كل جزئيات حياتها، تعكس صورة الأنظمة المستبدة المتسلطة الفاسدة.. وكانت تمر مدحاً تارة وعفواً تارة أخرى على تلك الخطابات الرنانة والمواعظ المنمقة. وما تجارب روسيا والصين وإيران وكوريا وكوبا وأوربا الغربية وغيرها كثير إلا تجسيد واقعي وتأكيد حقيقي لهذه القضية.. فهي حركات تغيير ناجحة، تعدت في كثير من الأحيان حدودها، ليظهر معها مصطلح ومفهوم (تصدير الثورة).. وقد تكون تركيا العدالة والتنمية هي الصورة المعاصرة لهذا القانون، فبعد عقود من التضييق والقمع، فشلت كل محاولات الإصلاح الهادفة إلى منح الأتراك حقوقهم البشرية، والنهوض بهم إلى صفوف الأمم الراقية، ولم يتسنّ ذلك إلا بعد أن حدث تغيير جذري في هيكلية النظام الحاكم، عبر التخلي عن عسكرية النظام. وهذا ما يحثنا على الاعتراف بأنه لم يتغير مجتمع بشري في أي صعيد كان وعبر تاريخ البشر الطويل إلا بسلطة ونظام، يثور على الأفكار القديمة، ويبتكر أفكاراً وتشريعات جديدة، تؤسس لبروز قيم وعادات لمجتمع جديد نوعيا.. إن ما يضعه البعض كإشارات على طرق التغيير من عبارة: (من يريد التغيير عليه أن يصالح الله) أو (غيروا ما بأنفسكم قبل أن تغيروا خلق الله)، ما هي إلا أساليب تضليل أو وسائل تعطيل لفهم سنن الله في التغيير.. وليس من الصعب إدراك حجم الضرر الذي تمثله مقولة إن "فساد السلطة نتيجة لفساد الرعية"، ومقولة "أقيموا دولة العدل في قلوبكم تقوم في أرضكم" إن مثل هذه المقولات ما هي إلا قواعد فكرية هدامة صنعها المستبدون وروج لها المغفلون.. نعم العكس أولى بالصواب، والأصح أن يقال (الناس على دين ملوكهم) إن صلحت ملوكهم صلحوا، وإن فسدت فسدوا.. كما قال ابن تيمية وغيره.. وهذه القضية لا تغيب عن العقلاء، بل وأبسطهم عقلاً، لكونها من مسلمات الأمور، لا بل إنها من بدهيات الطبيعة البشرية.. وهذا ما يثبته جواب الصديق ( يوم سألته الأحمسية: ما بقاؤنا على هذه الأمر، فقال : ما استاقمت لكم أئمتكم.. ذلك أن أي تغيير على مستوى المجتمع يحتاج إلى جملة من الأسس والأصول، ليس الإلزام والقوة والرادع والمجبر القاهر والدعاية والترويج إلا بعضها اليسير، والتي لا يمكن أن نصل إلى نتائج مرجوة إلا بتوفر حظ كبير منها.. وبصورة متكاملة واسمع لكلمات تخلد تاريخياً وبشكل قاطع هذه السنة عبر فهم ما قاله أدهم مصورا التغير الذي طرأ على مجتمعه: «واعلم أنّ للملك أمورا تخصّه يتميز بها عن السوقة، فمنها: أنه إذا أحبّ شيئا أحبه الناس، وإذا أبغض شيئا أبغضه الناس، وإذا لهج بشيء لهج به الناس إمّا طبعا أو تطبّعا، ليتقربوا بذلك إلى قلبه، ولذلك قيل: الناس على دين ملوكهم فانظر كيف كان زيّ الناس في زمن الخلفاء، فلما ملكت هذه الدولة- أسبغ الله إحسانها وأعلى شأنها- غيّر الناس زيّهم في جميع الأشياء، ودخلوا في زيّ ملوكهم بالنطق واللباس، والآلات والرّسوم والآداب، من غير أن يكلّفوهم ذلك أو يأمروهم به أو ينهوهم عنه، ولكنهم علموا أن زيّهم الأوّل مستهجن في نظرهم، مناف لاختيارهم فتقرّبوا إليهم بزيّهم وما زال الملوك في كلّ زمان يختارون زيّا وفنّا، فيميل الناس إليه ويلهجون به، وهذا من خواصّ الدولة وأسرار الملك» اهـ [كتاب الفخري في الآداب السلطانية] نعم.. هذه هي عين الصدق، وكبد الصواب.. فالنظام العادل المتسم بمحاسن الأخلاق يخلق مجتمعاً منسجماً متوافقاً خاضعاً للقانون، ملتزماً طوعاً أو كرها بمبادئ الإنسانية التي أقرها هذا النظام.. وإلا فما معنى ما روي عن عمر: «والله ما يزع الله بسلطان أعظم مما يزع بالقرآن » وقول عُثْمَانَ: «لَمَا يَزَعُ السُّلْطَانُ النَّاسَ أَشَدُّ مِمَّا يَزَعُهُمُ الْقُرْآنُ».. وعلى الجانب الآخر؛ فإن النظام المتصف بالطيش والاستبداد والقمع والطغيان، لا يورث إلا مجتمعا سمته الجريمة، وديدنه الفساد، وخلقه الظلم، يأكل القوي فيه الضعيف.. ولم نجد حتى هذه اللحظة، مجتمعاً شهد تغيراً جذرياً رقياً أو انحطاطاً، تقدماً أو تخلفاً، إلا بعد أن يتغلل التغيير في هيكل النظام الحاكم.. لتبقى دعوات التدين -على أهيمتها- ونداءات إصلاح تربية الأجيال -على ضرورتها- وسائل تغيير محدودة قاصرة على الأفراد، نتائجها لا تظهر إلا في آخرة الفرد.. ولهذا فإن أي فكرة لتغيير أي مجتمع كان، لا يجوز أن تنطلق من مبادئ إصلاح الرعية بالرعية فقط، وتقييم اعوجاج بالتخويف بما في الآخرة من عقاب وحسب، بل يجب أن تكون منطلقها ومنتهاها بسوط السلطان، وصوت الإمام، وعداً ووعيداً.. وبالعودة إلى هذه القضية نجد تبريراً مقنعاً لفشل كل المجتمعات العربية في التغيير النوعي، فمرد ذلك هو التغافل والتغاضي عن هذه البديهية، والتأكيد على حتمية الانطلاق في عملية التغيير عبر حركات اجتماعية أو جهود فردية، تجعل مادتها الأساسية الأفراد.. لا الأنظمة، لتنتهي الصورة وبشكل روتيني - رغم سلامة النيات وعظم التضحيات- بانقضاض الأنظمة المستبدة على هذه الجهود، وبالتالي وأدها في مهدها، إن لم نقل في رحم حضانتها.. من هنا ندرك تحول الغرب عن سياسة استعمار الشعوب إلى سياسة استعمار الأنظمة. وهنا عندما نقف على أعتاب ما يسميه البعض (ربيع العرب) نرى أن كل محاولة لتغيير المجتمعات تكتفي بقلب النظام، ولا تشارك في صناعته، لن تثمر إلا حنظلاً غرسته أنظمة الاستبداد.. ونصل إلى أن كل ما يظهر من تنظيمات متطرفة تحمل الأيدولوجيا الفكرية المغالية قاصرة وعاجزة عن رسم شكل المجتمع الذي تعمل فيه.. (اللهم إلا إذ كان مقصودها تغيير الأنظمة ، وهنا ندرك سذاجة منهجها في التغيير الاجتماعي فكريا) لو علمت هذه القضية إيماناً واعتقاداً عرفت مقصودي من أن الأنظمة هي التي تصنع الإنسان، مجتمعاً وتركيباً..
محمد أمين النجار
انظر المراجع: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية (ص: 32) الحسبة على الحاكم ووسائلها في الشريعة الإسلامية (ص: 17) تاريخ المدينة لابن شبة (3/ 988)



#محمد_أمين_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أمين النجار - النظام يحدد طبيعة الانسان